كتاب حاطب إلى قريش


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه .. وبعد
فقد نقضت قريش الصلح الذي كان بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي كان يقضى في أحد بنوده أن من أحب أن يدخل في عقد محمد صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه ، وتنفيذاً لهذا البند دخلت قبيلة خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصار عليه أن يحميها من العدوان عليها كما يحمى أصحابه ، ودخلت قبيلة بني بكر في عهد قريش وصار عليهم حمايتها كذلك 0
وفى شهر شعبان من السنة الثامنة للهجرة اعتدت قبيلة بني بكر بمؤازرة قريش على قبيلة خزاعة التي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك نقضاً للمعاهدة التي بين رسول الله وقريش والتي عقدت في العام السادس من الهجرة وسميت ( صلح الحديبية ) واستجارت خزاعة برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشد عمرو بن سالم الخزاعي أمام رسول الله أبياتاً تحكى قصة هذا الغدر وكان منها قوله :
هم بيتونا بالوتير هجدا 0000 وقتلونا ركعاً وسجدا
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نصرت يا عمرو بن سالم ) وأمر الرسول أصحابه بأن يتجهزوا لغزو قريش في مكة ، وقال : اللهم خذ العيون والأخبار من قريش حتى نباغتها في بلادها .
وكان يتكتم أمر هذه الغزوة حتى لا تصل أخبارها إلى قريش 0
ولكن حدث أن حاطب بن أبى بلتعة كتب كتاباً إلى قريش يخبرهم فيه بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الكتاب لامرأة وجعل لها أجراً على أن تبلغه إلى قريش 0
ونزل جبريل بخبر الكتاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث علياً والمقداد وحدد لهما مكان المرأة التي معها كتاب حاطب فانطلقا حتى أدركاها وسألاها عن الكتاب فأنكرت أول الأمر فلما اشتد عليها على رضي الله عنه أخرجت الكتاب من بين شعرها وسلمته لهما 0 فأتيا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه : من حاطب بن أبى بلتعة إلى قريش يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا الرسول حاطباً وال له ( ما هذا يا حاطب ؟ ) فقال لا تعجل على يا رسول الله والله إني لمؤمن بالله ورسوله ، وما ارتددت ولا بدلت ، ولكنى كنت امرأ ملصقاً في قريش لست من أنفسهم ، ولى فيهم أهل وعشيرة وولد ، وليس لي فيهم قرابة يحمونهم ، فأحببت أن أتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي 0 فقال عمر بن الخطاب : دعني يا رسول الله أضرب عنقه فإنه قد خان الله ورسوله ، وقد نافق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنه قد شهد بدراً ، وما يدريك يا عمر ، لعل الله اطلع على أهل بدر 0 فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) 0 فذرفت عينا عمر بالدموع وقال : ( الله ورسوله أعلم ) 0
إن ما فعله حاطب من محاولة كشف سر المعركة لأعداء رسول الله خطأ كبير وإثم عظيم بكل المقاييس ولو حكم عليه الرسول بما رآه عمر لكان عدلاً ، ولكن رحمة رسول الله بالمؤمنين جعلته يعفو عن حاطب ويذكر له ما فعله في بدر من نصرة الله ورسوله 0 هكذا عالج الرسول هذا الموقف بالرحمة التي أودعها الله في قلبه والتي قال عنها الله سبحانه (( فبما رحمة من الله لنت لهم ، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ))
ذلك موقف حكيم من قيادة نبوية حكيمة يجب الاقتداء به 0