1. الوجه الخامس ان المحاربة خلاف المسالة والمسالة ان يسلم كل من المتسالمين من اذى الاخر فمن لم تسلم من يده او لسانه فليس بمسالم لك بل هو محارب # ومعلوم ان محاربة الله ورسوله هي المغالبة على خلاف ما امر الله ورسوله اذ المحاربة لذات الله ورسوله محال فمن سب الله ورسوله لم يسالم الله ورسوله لأن الرسول لم يسلم منه بل طعنه في رسول الله مغالبة لله ورسوله على خلاف ما امر الله به على لسان رسوله وقد افسد في الارض كما تقدم فيدخل في الاية # وقد تقدم في المسالة الاولى ان هذا الساب محاد لله ورسوله مشاق لله تعالى ورسوله وكل من شاق الله ورسوله فقد حارب الله ورسوله ولانن المحاربة والمشاقة سواء فان الحرب هو الشق ومنه سمي المحارب محاربا واما كونه مفسدا في الارض فظاهر


  1. واعلم ان كل ما دل على ان السب نقض للعهد فقد دلل على انه محاربة لله ورسوله لان حقيقة نقض العهد ان يعود الذمي محاربا فلو لم يكن بالسب يعود محاربا لما كان ناقضا للعهد وقد قدمنا في ذلك من الكلام ما لايليق اعادته لما فيه من الاطالة فليراجع ما مضى في هذا الموضوع يبقى انه سعى في الارض فسادا وهذا اوضح من ان يحتاج إلى دليل فان اظهار كلمة الكفر والطعن في المرسلين والقدح في كتاب الله ودينه ورسله وكل سبب بينه وبين خلقه لا يكون اشد منه فسادا وعامة الاي في كتاب الله التي تنهى عن الافساد في الارض فان من أكثر المراد بها الطعن في الانبياء كقوله سبحانه عن المنافقين الذين يخادعون الله والذين امنوا وما يخدعون الا انفسهم ^ واذا قيل لهم لاتفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون ^     ^ الاانهم هم المفسدون ^ وانما كان افسادهم نفاقهم وكفرهم وقوله ^ ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها ^ وقوله سبحانه ^ والله لايحب الفساد ^


  1. وقوله سبحانه ^ واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ^ واذا كان هذا لمحاربا لله ورسوله ساعيا في الارض فسادا تناولته الاية وشملته # ومما يقرر الدلالة من الاية ان الناس فيها قسمان منهم من يجعلها مخصوصة بالكفار من مرتد وناقض عهد ونحوها ومنهم من يجعلها عامة في المسلم المقيم على إسلامه وفي غيره ولا أعلم احدا خصها بالمسلم المقيم على إسلامه فتخصيصها به خلاف الاجماع ثم الذين قالوا انها عامة قال كثير منهم قتادة وغيره قوله ^ الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم ^ هذا لاهل الشرك خاصة فمن اصاب من المشركين شيئا من المسلمين وهو لهم حرب فاخذ مالا او اصاب دما ثم تاب من قبل ان يقدر عليه اهدر عنه ما مضى لكن المسلم المقيم على إسلامه

محاربته انما هي باليد لان لسانه موافق مسالم للمسلمين غير محارب اما المرتد والناقض للعهد فمحاربته باليد تارة وباللسان اخرى ومن زعم ان اللسان لا تقع به محاربة فالادلة المتقدمة في أول المسألة مع ما ذكرناه هنا تدل على انه محاربة على ان الكلام في هذا المقام انما هو بعد ان تقرر ان السب محاربة ونقض للعهد # واعلم ان هذه الاية اية جامعة لانواع من المفسدين والدلالة منها ظاهرة قوية لمن تأملها لا اعلم شيئا يدفعها # فإن قيل مما يدل على ان المحاربة هنا باليد فقط انه قال ^ إلا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم ^ انما يكون هذا فيمن يكون ممتنعا والشاتم ليس ممتنعا # قيل الجواب من وجوه

  1. احدها ان المستثنى اذا كان ممتنعا لم يلزم ان يكون المستبقى ممتنعا لجواز ان تكون الاية تعم كل محارب بيد او لسان ثم استثنى منهم الممتنع اذا تاب قبل القدرة فيبقى المقدور عليه مطلقا والممتنع اذا تاب بعد القدرة # الثاني ان كل من جاء تائبا قبل اخذه فقد تاب قبل القدرة عليه # سئل عطاء عن الرجل يجيئ بالسرقة تائبا قال ليس عليه قطع وقرا ^ الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم ^ وكل من لم يؤخذ فهو ممتنع لا سيما إذا لم يؤخذ ولم تقم عليه حجة وذلك لان الرجل وان كان مقيما فيمكنه الاستخفاء والهرب كما يمكن المصحر فليس كل من فعل جرما كان مقدورا عليه بل يكون طلب المصحر أسهل من طلب المقيم اذا كان لا يواريه في الصحراء خمر ولا غيابه

بخلاف المقيم في المصر وقد يكون المقيم له من يمنعه من اقامة الحد عليه فكل من تاب قبل ان يؤخذ ويرفع إلى السلطان فقد تاب قبل القدرة عليه # وايضا فإذا تاب قبل ان يعلم به ويثبت الحد عليه فإن جاء بنفسه فقد تاب قبل القدرة عليه لان قيام البينة وهو في ايدينا قدرة عليه فإذا تاب قبل هذين فقد تاب قبل القدرة قطعا

  1. الثالث ان المحارب باللسان كالمحارب باليد قد يكون ممتنعا وقد يكون المحارب باليد مستضعفا بين قوم كثيرين وكما ان الذي يخاطر بنفسه بقتال قوم كثيرين قليل فكذلك الذي يظهر الشتم ونحوه من الضرر بين قوم كثيرين قليل وكما ان الغالب ان القاطع بسيفه انما يخرج على من يستضعفه فكذلك الساب ونحوه انما يفعل ذلك في الغالب مستخفيا مع من لا يتمكن من اخذه ورفعه إلى السلطان والشهادة عليه # ومما يقررالدلالة الاستدلال بالآية من وجهين اخرين # احدهما انها قد نزلت في قوم ممن كفر وحارب بعد سلمه باتفاق الناس فيما علمناه وان كانت نزلت ايضا فيمن حارب وهو مقيم على إسلامه فالذمي اذا حارب اما بأن يقطع الطريق على المسلمين او يستكره مسلمة على نفسها ونحو ذلك يصير به محاربا وعلى هذا اذا تاب بعد القدرة عليه لم يسقط عنه القتل الواجب عليه وان كان هذا قد اختلف فيه فان العمدة على الحجة فالساب للرسول اولى ولا يجوز ان يخص بمن قاتل لأخذ المال فإن الصحابة جعلوه محاربا بدون

ذلك وكذلك سبب النزول الذي ذكرناه ليس فيه انهم قتلوا احدا لاخذ مال ولو كانوا قتلوا احدا لم يسقط القود عن قاتله اذا تاب قبل القدرة وكان قد قتله وله عهد كما لو قتله وهو مسلم # وايضا فقطع الطرق اما أن يكون نقضا للعهد او يقام عليه ما يقام على المسلم مع بقاء العهد فان كان الاول فلا فرق بين قطع الطريق وغيره من الامور التي تضر المسلمين وحينئذ فمن نقض العهد بها لم يسقط حده وهو القتل اذا تاب بعد القدرة وان كان الثاني لم ينتقض عهد الذمي بقطع الطريق وقد تقدم الدليل على فساده ثم ان الكلام هنا انما هو تفريع عليه فلا يصح المنع بعد التسليم # الثاني ان الله سبحانه فرق بين التوبة قبل القدرة وبعدها
لان الحدود اذا ارتفعت إلى السلطان وجبت ولم يمكن العفو عنها ولا الشفاعة فيها بخلاف ما قبل الرفع ولان التوبة قبل القدرة عليه توبة اختيار والتوبة بعد القدرة توبة اكراه واضطرار بمنزلة توبة فرعون حين ادركه الغرق وتوبة الامم المكذبة لما جاءها البأس وتوبة من حضره الموت فقال اني تبت الان فلم يعلم صحتها حتى يسقط الحد الواجب # ولان قبول التوبة بعد القدرة لو اسقطت الحد لتعطلت الحدود وانبثق سد الفساد فان كل مفسد يتمكن اذا اخذ ان يتوب بخلاف التوبة قبل القدرة فانها تقطع دابر الشر من غير فساد فهذه معان مناسبة قد شهدها الشارع بالاعتبار في غير هذا الاصل فتكون اوصافا مؤثرة او ملائمة فيعلل الحكم بها وهي بعينها موجودة في الساب فيجب ان
لايسقط القتل عنه بالتوبة بعد الاخذ لان إسلامه توبة منه وكذلك توبة كل كافر قال سبحانه وتعالى ^ فإن تابوا واقاموا الصلاة ^ في موضعين والحد قد وجب بالرفع وهذه توبة اكراه واضطرار وفي قبولها تعطيل للحد ولا ينتقض هذا علينا بتوبة الحربي الاصلي فإنه لم يدخل في هذه الاية ولأنه اذا تاب بعد الاسر لم يخل سبيله بل يسترق ويستعبد وهو احدى العقوبتين اللتين كان يعاقب بإحداهما قبل الإسلام والساب لم يكن عليه الا عقوبة واحدة فلم يسقط كقاطع الطريق والمرتد المجرد لم يسع في الارض فسادا فلم يدخل في الاية ولا يرد نقضا من جهة المعنى لأنا انما نعرضه للسيف ليعود إلى الإسلام وانما نقتله لمقامه على تبديل الدين فاذا اظهر الاعادة اليه حصل المقصود الذي يمكننا تحصيله وزال المحذور الذي يمكننا ازالته وانما تعطيل هذا الحد ان يترك على ردته غير مرفوع إلى الإمام ولم يقدح كونه مكرها بحق في غرضنا لانا انما طلبنا منه ان يعود إلى الإسلام طوعا او كرها كما لو قاتلناه على الصلاة او الزكاة فبذلها طوعا او كرها حصل مقصودنا والساب ونحوه من المؤذين انما نقتلهم لما فعلوه من الاذى والضرر لا لمجرد كفرهم فإنا قد اعطيناهم العهد على كفرهم فاذا اسلم بعد الاخذ زال الكفر الذي لم يعاقب عليه بمجرده # واما الاذى والضررفهو افساد في الارض قد مضى منه كالافساد بقطع الطريق لم يزل الا بتوبة اضطرار لم تطلب منه ولم يقتل ليفعلها بل
قوتل اولا لليبذل واحدا من الإسلام او اعطاء الجزية طوعا او كرها فبذل الجزية كرها على انه لا يضر المسلمين فضرهم فاستحق ان يقتل فاذا تاب بعد القدرة عليه واسلم كانت توبة محارب مفسد مقدور عليه # الطريق الثانية قوله سبحانه ^ وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا ائمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون ^ الايات # وقد قرأ ابن عامر والحسن وعطاء والضحاك والاصمعي
وغيرهم عن أبي عمر لا ايمان لهم بكسر الهمزة وهي قراءة مشهورة # وهذه الاية تدل على انه لا يعصم دم الطاعن ايمان ولايمين ثانيه # اما على قراءة الاكثرين فان قوله ^ لا ايمان لهم ^ اي لاوفاء بالايمان ومعلوم انه انما اراد لا وفاء في المستقبل بيمين اخرى اذ عدم اليمين في الماضي قد تحقق بقوله ^ وان نكثوا ايمانهم ^ فافاد هذا ان الناكث الطاعن إمام في الكفر لايعقد له عهد ثان ابدا # واما على قراءة ابن عامر فقد علم ان الإمام في الكفرليس له ايمان
ولم يخرج هذا مخرج التعليل لقتالهم لان قوله تعالى ^ فقاتلوا ائمة الكفر ^ ابلغ في انتفاء الايمان عنهم من قوله تعالى ^ لا ايمان لهم ^ وأدل على علة الحكم ولكن يشبه والله اعلم ان يكون المقصود ان الناكث الطاعن إمام في الكفر لا يوثق بما يظهره من الايمان كما لم يوثق بما كان عقده من الايمان لان قوله تعالى ^ لا ايمان ^ نكرة منفية بلا التي تنفي الجنس فتقتضي نفي الايمان عنهم مطلقا فثبت ان الناكث الطاعن في الدين إمام في الكفر لاايمان له وكل إمام في الكفر لا ايمان له من هؤلاء فانه يجب قتله وان اظهر الايمان # يؤيد ذلك ان كل كافر فانه لا ايمان له في حال الكفر فكيف بأئمة الكفر فتخصيص هؤلاء بسلب الايمان عنهم لابد ان يكون له موجب ولا موجب له الا نفيه مطلقا عنهم # والمعنى ان هؤلاء لا يرتجى ايمانهم فلا يستبقون وانهم لو اظهروا ايمانا لم يكن صحيحا وهذا كما قال النبي اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم لان الشيخ قد
عسا في الكفر وكما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في وصيته لامراء الاجناد شرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان وعمرو
ابن العاص وستلقون اقواما محوقه رؤوسهم فاضربوا معاقد الشيطان منها بالسيوف فلأن اقتل رجلا منهم احب الي من أن اقتل سبعين من غيرهم وذلك بأن الله تعالى قال ^ قاتلوا ائمة الكفر انهم لاايمان لهم لعلهم ينتهون ^ والله اصدق القائلين فإنه لا يكاد يعلم احدا من الناقضين للعهود الطاعنين في
الدين ائمة الكفر حسن إسلامه بخلاف من لم ينقض العهد او نقضه ولم يطعن في الدين او طعن ولم ينقض عهدا فإن هؤلاء قد يكون لهم ايمان # يبين ذلك انه قال ^ لعلهم ينتهون ^ اي عن النقض والطعن كما سنقرره وانما يحصل الانتهاء اذا قوتلت الفئة الممتنعة حتى تغلب او اخذ الواحد الذي ليس بممتنع فقتل لانه متى استحمي بعد القدرة طمع امثاله في الحياة فلا ينتهون # وممايوضح ذلك ان هذه الاية قد قيل انها نزلت في اليهود الذين كانوا قد غدروا برسول الله ونكثوا ما كانوا اعطوا من العهودوالايمان على ان لا يعينوا عليه اعداء من المشركين وهموا بمعاونة الكفار والمنافقين على اخراج النبي من المدينة فأخبر انهم بدأوا بالغدر ونكث العهد فأمر بقتالهم # ذكر ذلك القاضي أبو يعلى فعلى هذا يكون سبب نزول الاية مثل مسألتنا سواء

  1. وقد قيل انها نزلت في مشركي قريش ذكره جماعة وقالت طائفة من العلماء براءة انما انزلت بعدتبوك وبعد فتح مكة ولم يكن حينئذ بقي بمكة مشرك يقاتل فيكون المراد من اظهر الإسلام من الطلقاء ولم يبق قتله من الكفر اذا اظهروا النفاق # ويؤيدهذا قراة مجاهد والضحاك ^ نكثوا ايمانهم ^ بكسر الهمزة فتكون دالة على انه من نكث عهده الذي عاهد عليه من الإسلام

وطعن في الدين فإنه يقاتل وإنه لا ايمان له قال من نصر هذا لانه قال ^ فإن تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ^ ثم قال ^ وان نكثوا ايمانهم ^ فعلم ان هذا نكث بعد هذه التوبة لانه قد تقدم الاخبار عن نكثهم الاول بقوله تعالى ^ لا يرقبون في مؤمن الا ولا ذمة ^ وقوله تعالى ^ كيف وان يظهروا عليكم ^ الاية وقد تقدم ان الايمان من العهود فعلى هذا تعم الاية من نكث عهد الايمان ومن نكث عهد الأمان انه اذا طعن في الدين قوتل وانه لا ايمان له حينئذ فتكون دالة على ان الطاعن في الدين بسب الرسول ونحوه من المسلمين واهل الذمة لا ايمان له ولا يمين له فلا يحقن دمه بشيء بعد ذلك # فإن قيل قد قيل قوله تعالى ^ لا ايمان لهم ^ اي لا امان لهم مصدر امنت الرجل اؤمنه ايمانا ضد اخفته كما     ^ وامنهم من خوف ^

  1. قيل ان كان هذا القول صحيحا فهو حجة ايضا لانه لم يقصد لا امان لهم في الحال فقط للعلم بانهم قد نقضوا العهد وانما يقصد لاامان لهم بحال في الزمان الحاضر والمستقبل وحينئذ فلا يجوز ان يؤمن هذا بحال بل يقتل بكل حال # فان قيل انما امر في الاية بالمقاتلة لا بالقتل وقد قال بعدها ^ ويتوب الله على من يشاء ^ فعلم ان التوبة منه مقبولة قيل لما تقدم ذكر طائفة ممتنعة امر بالمقاتلة واخبر سبحانه انه يعذبهم بأيدي المؤمنين وينصر المؤمنين عليهم ثم بعد ذلك يتوب الله على من يشاء لات ناقضي العهد اذا كانوا ممتنعين فمن تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه الحدود ولذلك قال ^ على من يشاء ^ وانما يكون هذا في عدد تتعلق المشيئة بتوبة بعضهم # يوضح ذلك انه قال ^ ويتوب الله ^ بالضم وهذا كلام مستأنف ليس داخلا في حيز جواب الامر وذلك يدل على ان التوبة ليست مقصودة من قتالهم ولا هي حاصلة بقتالهم وانما المقصود بقتالهم انتهاؤهم عن النكث والطعن والمضمون بقتالهم تعذيبهم وخزيهم والنصر

عليهم وفي ذلك ما يدل على ان الحد لا يسقط عن الطاعن الناكث بإظهار التوبة لانه لم يقتل ويقاتل لاجلها # يؤيد هذا انه قال ^ كيف يكون للمشركين عهد عند الله ^ إلى قوله ^ فإن تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فاخوانكم في الدين ^ ثم قال ^ وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا ائمة الكفر ^ فذكر التوبة الموجبة للاخوة قبل ان يذكر نقض العهد والطعن في الدين وجعل للمعاهد ثلاثة احوال # احوال المعاهد # احدها ان يستقيم لنا فنستقيم له كما استقام فيكون مخلى سبيله لكن ليس أخا في الدين # الحال الثانية ان يتوب من الكفر ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة فيصير أخا في الدين ولهذا لم يقل هنا فخلوا سبيلهم كما قال في الاية قبلها لان الكلام هناك في توبة المحارب وتوبته توجب تخلية سبيله وهنا الكلام في توبة المعاهد وقد كان سبيله مخلى وانما توبته توجب اخوته في الدين قال سبحانه ^ ونفصل الايات لقوم يعلمون ^

  1. وذلك ان المحارب اذا تاب وجب تخليه سبيله اذ حاجته انما هي إلى ذلك وجاز ان يكون قد تاب خوف السيف فيكون مسلما لا مؤمنا فاخوته الايمانية تتوقف على ظهور دلائل الايمان كما     ^ قالت الاعراب امنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ^ والمعاهد اذا تاب فلا ملجأ له إلى التوبة ظاهرا فإنا لم نكرهه على التوبة ولا يجوز اكراهه فتوبته دليل على انه تاب طائعا فيكون مسلما مؤمنا والمؤمنون اخوة فيكون أخا # الحال الثالثة ان ينكث يمينه بعد عهده ويطعن في ديننا فأمر بقتاله وبين انه ليس له ايمان ولا ايمان والمقصود من قتاله ان ينتهي عن النقض والطعن لا عن الكفر فقط لانه قد كان معاهدا مع الكفر ولم يكن قتاله جائزا فعلم ان الانتهاء من مثل هذا عن الكفر ليس هو المقصود بقتاله وانما المقصود بقتاله انتهاؤه عن مايضر به المسلمين من نقض العهد والطعن في الدين وذلك لايحصل الا بقتل الواحد الممكن وقتال الطائفة الممتنعة قتالا يعذبون به ويخزون وينصر المؤمنون عليهم اذ تخصيص التوبة بحال دليل على انتفائها في الحال الاخرى # وذكره سبحانه التوبة بعد ذلك جملة مستقلة بعد ان امر بما يوجب تعذيبهم وخزيهم وشفاء الصدور منهم دليل على ان توبة مثل هؤلاء لابد معها من الانتقام منهم بما فعلوا بخلاف توبة الباقي على

عهده فلو كان توبة المأخوذ بعد الأخذ تسقط القتل لكانت توبة خالية عن الانتقام وللزم ان مثل هؤلاء لا يعذبون ولا يخزون ولا تشفى الصدور منهم وهو خلاف ما امر به في الاية وصار هؤلاء الذين نقضوا العهد وطعنوا في الدين كمن ارتد وسفك الدماء فان كان واحدا فلابد من قتله وان عاد إلى الإسلام وان كانوا ممتنعين قوتلوا فمن تاب بعد ذلك منهم لم يقتل والله سبحانه اعلم # الطريقة الثالثة قوله سبحانه ^ وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال اني تبت الان ^ وقوله تعالى ^ فلما رأوا بأسنا قالوا امنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا ^ وقوله تعالى ^ حتى اذا ادركه الغرق قال امنت انه لا اله الا الذي امنت به بنوا إسرائيل وانا من المسلمين الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ^ وقوله تعالى ^ فلولا كانت قرية امنت فنفعها ايمانها الاقوم يونس ^ وقد تقدم تقرير الدلالة من هذه الايات في قتل المنافق وذكرنا الفرق بين توبة الحربي والمرتد المجرد وتوبة المنافق والمفسد من المعاهدين ونحوهما وفرقنا بين التوبة التي تدرا العذاب والتوبة التي تنفع في الماب