السلام عليكم

وبعد معركة طريف أصبحت مملكة غرناطة في مدّ وجز، واعتورتها حالات الحرب والهدنة، والمسالمة والتحالف جنباً مع قشتالة ضد بني مرين، ومع بني مرين ضد قشتالة، أو أراجون حيناً آخر ثم مالبثت هذه المملكة أن أصابها الهرم، ولحقتها الشيخوخة وأضعفها الانقسام والتناحر الداخلي مع الانغماس في اللذات وفي نفس الوقت ضعفت دولة بني مرين المغربية التي كانت عوناً في كثير من الأحيان لمسلمي الأندلس ضد أعدائهم النصارى وكان زمن سقوط دولة بني مرين 869هـ واندلعت الحرب الأهلية في داخل غرناطة بسبب النساء حيث أن ملك غرناطة أصبح أسيراً لحب امرأة رومية نصرانية تدعى "ثريا" وأصبح أداة سهلة في يد زوجته الفتيه الحسناء وكانت كثيرة الدهاء والأطماع، فقد تطلعت إلى أن يكون ولدها الأكبر السيد يحيى وليَّاً للعهد، وكان المؤهل لولاية العهد ابن عائشة الحرة أبو عبدالله محمد، وتمكنت ثريا من اقناع زوجها أبي الحسن لإقصاء عائشة وولديها حتى اقنعته باعتقالهم جميعاً، وفي برج قمارش أمنع أبراج الحمراء زُجَّت عائشة الحرة مع ولديها، وشدَّد الحجر عليهم، وعُوملوا بمنتهى الشدة والقسوة وانقسم المجتمع الغرناطي إلى فريقين.

فريق يؤيد السلطان ومحظيته (سيدة غرناطة الحقيقية) المستأثرة بكل سلطة ونفوذ.

وفريق يؤيد الأميرة الشرعية (عائشة الحرة وولديها).

ولم تستسلم عائشة الحرة إلى واقعها المؤلم، واتصلت سراً بمؤيديها وأنصارها، وفي مقدمتهم بنو سراج، وتمكنَّت من الهرب من قصر الحمراء في ليلة من ليالي جمادي الثانية سنة 887هـ /1482م بمساعدة بعض المؤيدين المخلصين.

وظهرت في وادي آش حيث مجمع أنصار ولدها.

وقرر فرديناند وازبيلا البدء بالحرب بعد أن سنحت الفرصة، وبعد أن دخلت مملكة غرناطة في صراعها الداخلي وسار القواد القشتاليون إلى جنوب غربي غرناطة إلى مكان اسمه الحمة، لضعف وسائل الدفاع عنها من أجل احتلالها ومن ثم احتلال غرناطة ومالقة معاً، وتم لهم ذلك ولم يستطع أبو الحسن ملك غرناطة استردادها، ولكنه استطاع أن يدعم أمير مدينة لوشة الواقعة على نهر شنيل شمال ألحامة وعلى مقربة منها وأن يردّا معاً الإسبان في جمادي الأولى 887هـ/ تموز "يوليه" 1482م.

وتعاطف الشعب الغرناطي مع الشرعية (عائشة الحرة واضطر ملك غرناطة أن يترك كرسي الملك وفر إلى مالقة، وكان فيها أخوه الأمير أبو عبدالله محمد بن سعد المعروف بالزغل يدفع عنها جيشاً جراراً سيَّره ملك قشتالة لافتتاحها، وجلس ابن عائشة الحرة أبو عبدالله محمد مكان أبيه على عرش غرناطة أواخر سنة 887هـ، وعمره 25 سنة وأراد أن يحذو حذو عمه الزغل في الجهاد، وباشر القتال بنفسه وحقق انتصارات على النصارى وانتزع منهم حصوناً وقلاعاً سنة 888هـ نيسان "ابريل" سنة 1483 إلا أنه وقع أسيراً في يد النصارى في احدى المعارك.

واستطاع فرديناند أن يجعل من أبي عبدالله الصغير وسيلة لتدمير غرناطة من الداخل ولذلك رفض الأموال الطائلة التي عرضت عليه من أجل فك أسره واستغل النصارى قلة خبرة أبي عبدالله الصغير، وانعدام حزمه، وضعف إرادته، وطموحه للحكم.

ولما تولى عرش غرناطة ابوعبدالله الزغل واستطاع أن يرد بكل جرأة وشجاعة وبطولة هجمات النصارى إلا أن الكيد النصراني الحاقد استخدام اسلوب تقوية الفتن الداخلية في غرناطة وفي أحرج الظروف أطلق فرديناند سراح أبي عبدالله الصغير، بعد أن و قعه على معاهدة أعلن فيها خضوعه وطاعته لملك قشتالة مدتها عامان، وأن تطبق في جميع البلدان التي تدين بالطاعة لأبي عبدالله الصغير، وأخذ يبث أبو عبدالله الصغير دعوته في شرق الأندلس، والحرب الأهلية قائمة في غرناطة وزاد الأمر سوءاً سقوط مدينة لوشة بيد النصارى في أواخر جمادي الأولى 891هـ / أيار مايو 1486م، وكان موقف أبي عبدالله الصغير أثناء هذه الحوادث الجسام مريباً.

فهو مازال يشيد بمزايا الصلح المعقود مع النصارى.

وبقي يستظل بمظاهرته للنصارى وبتأييدهم له.

وأنه غدا آلة في يد ملك قشتالة يعمل بوحيه وتوجيهه، فهو الورقة الرابحة بيد فرديناند.
ودعم فرديناند ابا عبدالله الصغير ضد عمه وانقسمت غرناطة إلى شطرين وتحقق لفرديناند ما أراده وسعى إليه، فقد تمزقت دولة الإسلام بالأندلس وستمضي بخطوات سريعة نحو دمارها قبل أن ترجع إلى وحدة صفها مرّة أخرى.

وشرع فرديناند في محاربة المناطق الشرقية والجنوبية التي تخضع لأبي عبدالله الزغل، وزحف على مالقة وطوقها براً وبحراً في جماد الثانية 892هـ/حزيران يونيه 1487م، وخاف الزغل أن يسير إلى انجادها من وادي آش، خاف غدر ابن أخيه أبي عبدالله الصغير، فاستنجد بسلطان مصر الأشرف قايتباي، ولم يكن من المنتظر أن تقاوم مالقة حتى يأتيها المدد من القاهرة، فسقطت في أواخر شعبان 892هـ/ آب اغسطس 1478م ونكث فرديناند بوعوده التي قطعها لأهل مالقة، فغدر بهم واسترقهم جميعاً، وهذا مثال لسوء طوية نفس فرديناند تجاه المسلمين.