الداعي
مواطن حرّ
تاريخ التسجيل بالموقع: December, 2008
المداخلات: 102





الزملاء الأفاضل, القراء النزيهون, نكمل معكم درء الشبه الوهمية الواهية التي كانت إمَّا نتيجة للجهل, أو نتيجة للحقد.
· هل يجوز التوضؤ بالثلج؟
الجواب:
الإسلام قد أوجب الوضوء بالماء, ثمَّ أذن بالتيمم إذا انقطع الماء أو كان في حكم المنقطع, يقول الله Y: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا ... فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾, (المائدة: 6). والحقُّ أنَّ الثلج ليس بماء؛ ذلك أن للماء صفاتٍ لا تنطبق على الثلج. والحكم الشرعي في هذه المسألة يتمثل بالآتي:
1. من كان يملك وسيلة لإذابة الثلج حتى يصير ماءً, فيجب عليه ذلك؛ لأنَّ اللجوء للتيم هو بعد فقد الأمل بالحصول على الماء, ومسألة إذابة الثلج سهلة ميسورة لمن يملك وسيلة يتحقق بها المراد والمبتغى.
2. من فقد الماء, ولم يستطع إذابة الثلج, فهنا أمران:
ü إن كان على المذهب المالكي, فإنه يتيمم بالثلج؛ لأنهم أجازوا ذلك, قال أبو إياس: (وذهب المالكيون إلى أن الصعيد ما صعد أي ظهر من أجزاء الأرض فيشمل التراب وهو الأفضل، والرمل والحجر والثلج والطين والجص وهو عندهم الحجر إذا احترق وصار جيراً ، والمعادن إلا الذهب والفضة، والجواهر والمنقول من المعادن كالشَّبِّ والملح والطوب غير المحترق فإن احترق لم يجُز التيمُّم به، ولم يجيزوا التيمُّم بما ليس من أجزاء الأرض كالخشب والحشيش), (الجامع لأحكام الصلاة, ج: 1, ص: 402).
ü وإن كان غير ذلك, فهو يدخل في مسألة فقد الطهورين, ألا وهما: الماء, والصعيد. يقول أبو إياس: (والرأي الذي يترجح لدينا هو رأي الحنابلة ومَن شاركهم، فالسجين الذي لا ماء عنده ولا صعيد، والمريض الذي لا يقوى على مغادرة فراشه لوضوء أو تيمُّم، ولا أحدَ عنده يستعين به على إحضار الماء أو الصعيد، يصليان صلاة تامة صحيحة معتادة، ويكونان قد أدَّيا واجبهما، ولا يلزمهما قضاء الصلاة أو إعادتها بعد خروج الوقت، ويمكنهما أن يصليا دون طهارة ما شاءا من النوافل أيضاً. والدليل على ذلك ما روت عائشة t «أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت، فأرسل رسول الله e ناساً من أصحابه في طلبها، فأدركتهم الصلاة، فصلُّوا بغير وضوء، فلما أتوا النبي e شَكَوْا ذلك إليه، فنزلت آية التيمُّم» رواه مسلم والبخاري وأحمد وأبو داود والنَّسائي. ودلالة هذا الحديث أن صحابة رسول الله e قد صلوا دون وضوء، وطبعاً دون تيمُّم، لأن التيمُّم لم يكن قد شُرع بعد، فلم ينكر الرسول e ذلك عليهم فكان ذلك إقراراً منه لفعلهم. والآن وبعد أن شُرع التيمُّم لا يكون أحد يشبههم في فعلهم إلا مَن صلى دون وضوء ودون تيمُّم لعدم وجود الماء والصعيد، أي إلا من كان فاقد الطَّهورين معاً، وحينئذ يكون قد صلى دون طهارة مثلهم، وبمعنى آخر فإن إقرار الرسول e لصلاة الأوَّلين هو إقرار ينسحب على من صلى وهو فاقد الطَّهورين). وابن حجر يقول: (الحديث ليس فيه أنهم فقدوا التراب، وإنما فيه أنهم فقدوا الماء فقط، ففيه دليل على وجوب الصلاة لفاقد الطَّهورين، ووجهه أنهم صلُّوا معتقدين وجوب ذلك، ولو كانت الصلاة حينئذ ممنوعة لأنكر عليهم النبي e). والشوكاني يقول: (ليس في الحديث أنهم فقدوا التراب، وإنما فيه أنهم فقدوا الماء فقط، ولكن عدم الماء في ذلك الوقت كعدم الماء والتراب لأنه لا مُطهِّر سواه).
إذن, فالواجب على من لا يتبنى صلاحية الثلج للتيمم هو الصلاة من دون وضوء؛ لأنَّ النبي e قد أقرَّ ذلك, ولم ينكره على من فعلوه. والله الموفق.
· كيف يغتسل من الجنابة؟
الجواب:
طبعًا, يقصد بالسؤال أهل القطبين. إن كان مالكًا للماء ولا يتأثر بالبرد, فالغسل بالماء عليه واجب, وإن كان يخشى على نفسه الهلاك من البرد, فيكفيه التيمم إن كان يتبنى جواز التيمم بالثلج, فقد روي عن عمرو بن العاص أنه قال:« احتلمتُ في ليلة باردة في غزوة ذات السَّلاسل، فأشفقتُ إنْ اغتسلت أن أهلك فتيمَّمتُ، ثم صليتُ بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي e، فقال: يا عمرو صليتَ بأصحابك وأنت جُنُب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال, وقلت إني سمعت الله يقول: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾، فضحك رسول الله e, ولم يقُلْ شيئاً», رواه أبو داود والدارقطني وابن حِبَّان والحاكم. وإن كان لا يتبنى جواز التيمم بالثلج, فهو داخل في مسألة من فقد الطهورين, فلا غسل عليه من الجنابة, ويقوم بالطاعات كالمتطهر طبيعيًّا؛ لأن الإسلام أقرَّ ذلك. والله الموفق.
· هل يجوز الاستنجاء بالثلج؟
الجواب:
نعم يجوز؛ لأنَّه طاهر, وصالح لإزالة النجاسة والانقاء, يقول أبو إياس: (وإذا لم يكن مع المسلم ماء أخذ معه ثلاثة أحجار أو أكثر، إلا أن تكون الأرض ذات حجارة فيأخذ الحجارة منها، ويُغْني عن الأحجار أيُّ صلب طاهر أملس يصلح للإنقاء. أَمَّا أنْ يكون صلباً فلأنَّ المَدَر من التراب مثلاً إذا ابتلَّ تفتت فلم يُزِل النجاسة، وأَمَّا أن يكون طاهراً فواضح، فالنجس لا يصلح للتطهير، وأَمَّا أَنْ يكون أملس صالحاً للإنقاء فلأن الحجارة الخشنة مثلاً لا تصلح لإزالة النجاسة، وربما جرحت الموضع). ويقول كذلك: (وبذلك يظهر أن كل ما يصلح لإزالة النجاسة يجوز الاستجمار به كالخشب والورق والخِرق والمعدن، وما ذِكْرُ الحجارة في الأحاديث إلا من باب الأعمِّ الأغلب لا غير. وقد سبق أن بيَّنَّا أن الغاية من الغسل، أيِّ غسلٍ، هي الإنقاء، ونقول هنا إن ثلاثة من الأحجار ليست مقصودة لذاتها بقدر ما يُقصد بها الإنقاء، فإن تحقَّق الإنقاء بثلاثة أو أكثر أو أقل فقد حصل المطلوب، ولا يجب فيه عدد مخصوص).
· يقول زميلنا (A - A): كيف يكون صالحاً لكل مكان, وقد قال القرآن عن الرسل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾, (إبراهيم: 4).
الجواب:
يرى زميلنا أنَّ إرسال الرسول بلسان قومه يتعارض مع كون دينه صالحًا لكلِّ مكان وزمان, فالنبي محمد e أرسل بلسان عربي مبين, فكيف يكون شرعه صالحًا لكل مكان؟!
وأكتفي بدحض فهمك بتفسير الزمخشري؛ إذ يقول: ﴿إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾, أي ليفقهوا عنه ما يدعوهم إليه، فلا يكون لهم حجة على الله, ولا يقولوا: لم نفهم ما خوطبنا به، كما قال: ﴿وَلَوْ جعلناه قُرْءاناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصّلَتْ ءاياته﴾, [فصلت: 44]. فإن قلت: لم يبعث رسول الله e إلى العرب وحدهم، وإنما بعث إلى الناس جميعاً ﴿قل يا أَيُّهَا النَّاس إِنّى رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾, [الأعراف: 158] بل إلى الثقلين، وهم على ألسنة مختلفة، فإن لم تكن للعرب حجة, فلغيرهم الحجة. وإن لم تكن لغيرهم حجة فلو نزل بالعجمية، لم تكن للعرب حجة أيضاً. قلت: لا يخلو: إمّا أن ينزل بجميع الألسنة, أو بواحد منها، فلا حاجة إلى نزوله بجميع الألسنة، لأن الترجمة تنوب عن ذلك وتكفي التطويل, فبقي أن ينزل بلسان واحد، فكان أولى الألسنة لسان قوم الرسول؛ لأنهم أقرب إليه، فإذا فهموا عنه وتبينوه وتنوقل عنهم وانتشر. قامت التراجم ببيانه وتفهيمه، كما ترى الحال وتشاهدها من نيابة التراجم في كل أمّة من أمم العجم، مع ما في ذلك من اتفاق أهل البلاد المتباعدة، والأقطار المتنازحة والأمم المختلفة والأجيال المتفاوتة، على كتاب واحد، واجتهادهم في تعلم لفظه وتعلم معانيه، وما يتشعب من ذلك من جلائل الفوائد، وما يتكاثر في إتعاب النفوس وكدّ القرائح فيه، من القرب والطاعات المفضية إلى جزيل الثواب، ولأنه أبعد من التحريف والتبديل، وأسلم من التنازع والاختلاف، ولأنه لو نزل بألسنة الثقلين كلها_ مع اختلافها وكثرتها، وكان مستقلاً بصفة الإعجاز في كل واحد منها، وكلم الرسول العربي كل أمّة بلسانها كما كلم أمّته التي هو منها يتلوه عليهم معجزاً _لكان ذلك أمراً قريباً من الإلجاء.
وسؤال لزميلنا (A - A): لو كان أنبياؤك الذين تؤمن بهم يتقنون الحديث بكلِّ الألسنة, فإنَّه من الواجب عليهم أن يكتبوا أسفارهم بجميع اللغات؛ لأنهم يتحدثون بجميع الألسنة, وليس قوم أولى من قوم في أن تكتب الأسفار بلغتهم, بل هم في ذلك سواء. فلماذا كتب العهد القديم بالعبرية فقط؟! ولماذا كتب العهد الجديد بالسريانية أو اليونانية فقط؟! أليس من الواجب أن يكتب العهدان بجميع اللغات حسب زعمك؟! فإن قلت: الترجمة تكفي, فإنا قائلون: إذن, ها أنت تقرُّ بما جاء به القرآن, فلماذا تسأل ما تسأل؟!