بسم الله الرحمن الرحيمكلمات في الولاء والبراء
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فمما أثر عن ابن عقيل الحنبلي رحمه الله: "إذا أردت أن تنظر إلى محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة"([1]).
هذه المقولة تجلي لنا أهمية الولاء والبراء لدى المسلم.
فما معنى هاتين الكلمتين؟
معنى الولاء والبراء:
الولاء والوِلاية والوَلاية: النصرة. والموالاة ضد المعاداة. والبراء: التنزه، والتخلص، والعداوة، والبعد، والبغض.
قال ابن كثير رحمه الله في قول الله تعالى: }والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض{ (التوبة: 71): "أي: يتناصرون، ويتعاضدون"([2]).
وقال في الآية: }قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده{ (الممتحنة: 4): "يعني: وقد شرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا وبينكم، ما دمتم على كفركم فنحن أبدا نتبرأ منكم ونبغضكم"([3]).
وعلاقة الولاء والمحبة، والبراء والبغضاء، علاقة ملازمة. فالولاء لازم المحبة، والبراء لازم البغض.
أهمية الولاء والبراء:
هذه العقيدة من الأهمية بمكانٍ في ديننا الحنيف، ومما يدل على ذلك:
1/ أنَّ الإيمان لا يتحقق إلا بها.
: }وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ{ (المائدة: 81). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وهذه جملة شرطية إذا وُجد الشرط وُجد المشروط... ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء، فمن اتخذهم أولياء ما فعل الإيمان الواجب"([4]).
2/ تحقيقها أوثق عُرى الإيمان:
سأل النبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا ذر رضي الله عنه : «أتدري أيُّ عُرى الإيمان أوثق»؟ قال: الله ورسولُه أعلم. قال: «الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله عز وجل»([5]). وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ»([6]). إذاً فدين الإسلام دين حب وبغض، دين ولاء وعداء، دين رحمة وسيف.
3/ يجد الإنسان إذا حققها حلاوة الإيمان:
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ»([7]).
فالحب والبغض من المعاني التي تجري على كل أحد، لكنَّ الموفَّق من أخضعها للشَّرع؛ فلا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله، وما يُلقَّاها إلا ذو حظٍّ عظيم.
4/ ومما يوضح هذا الأهمية حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه ، قال: قلت يا رسول الله اشترط علي. فقال: «تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتصلي الصلاة المكتوبة، وتؤدِّي الزكاة المفروضة، وتنصح للمسلم، وتبرأُ من الكافر»([8]).
5/ وقد أعلمنا القرآن الكريم أن التبرء من الكافرين دأب الأنبياء عليهم الصلاة والتسليم، ونحن مأمورون بالسير على طريقهم، فهذا أبو الأنبياء، خليل الرحمن، إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول الله تعالى عنه: }قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ* أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ { (الشعراء: 75-77). وقال: }وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ* وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{ (الزخرف: 26-28).
ومع شدة بره بأبيه الذي يلمسه كل من قرأ سورة مريم أظهر التبرء منه لما وضح له أنه من أعداء رب العالمين، ومات على ملة المشركين؛ } وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ{ (التوبة: 114).
وهذا هود عليه السلام قال الله تعالى عنه: } قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهَ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{ (هود: 54-56). وقد جمع بين إظهار هذه العقيدة وبين القوة والحزم في ذلك، وقد ذُكر لنا سرُّ قوته هذه في قوله:} إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم{، فصدق التوكل على الله سبب حفظه ورعايته: } وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ{ (الطلاق: 3).
وقد سلك نبينا صلى الله عليه وسلم طريقهم، واهتدى بهديهم كما أمره الله في قوله: } أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ{ (الأنعام: 90). فقد أظهر هذه البراءة من المشركين ولم يداهنهم، قال تعالى:} وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ{ (الأنعام: 19).
وأعلن صلى الله عليه وسلم للمشركين براءته من دينهم وطريقتهم بعبارات صريحة لا لَبْسَ يكتنفها ولا غموض يلحقها:} قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ{ (سورة الكافرون).
6/ عنايته صلى الله عليه وسلم بغرز هذه العقيدة في نفوس أصحابه:
ومما يدل على عنايته صلى الله عليه وسلم بترسيخ هذه العقيدة في نفوس أصحابه أنهم ضربوا في تطبيقها أروع الأمثلة في غزوة بدر، وغزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة، فهذا دليل على أن إرساء عقيدة الموالاة والمعاداة في نفوسهم كان من أولويات دعوته. :} لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ (المجادلة: 22).
} آبَاءهُمْ{: نزلت في أبي عبيدة عامر بن الجراح قتل أباه يوم بدر، وكان على الإشراك. } أَبْنَاءهُمْ{: نزلت في الصدِّيق همَّ بقتل ابنه يوم بدر ولم يُقدَّر له ذلك. } إِخْوَانَهُمْ{: نزلت في مصعب بن عمير قتل أخاه عُبيد بن عمير فيها. } َعشِيرَتَهُمْ{: نزلت في حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة، وفي عمر بن الخطاب قتل خاله يوم بدر.
ولما قبل النبي صلى الله عليه وسلم الفداء من المشركين يوم بدر كان رأي عمر بن الخطاب أن يُمكن كل أحد من قريبه فيضرب عنقه؛ ليعلم الكفار أنه لا محبة عند المؤمنين لهم، نزل القرآن الكريم مؤيداً لرأي عمر رضي الله عنه }مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{ (الأنفال: 67-68). والكتاب الذي سبق:} فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء{ (محمد: 4).
وأما ما يبين عنايته بالجانب الآخر؛ زرع الولاء للمؤمنين في نفوس المؤمنين فحديث أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الْمَدِينَةَ فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ سَعْدٌ ذَا غِنًى، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصْفَيْنِ، وَأُزَوِّجُكَ. قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ"([9]).
النهي عن موالاة الكافرين والمشركين من الوثنيين وأهل الكتاب والترهيب عن ذلك:
نهت كثير من النصوص عن موالاة المشركين، فمن ذلك:
قوله تعالى:}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ{ (آل عمران: 118-120).
ومعنى بطانة: خآصة، فلا تقربوهم ولا تصادقوهم. قال الحسن: "لا تستشيروهم"([10]). وقال البخاري في صحيحه: "البطانة: الدخلاء". أي الذين يدخلون عليكم وتكاشفونهم أموركم وتستشيرونهم فيها.
وقد قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن هاهنا غلاماً من أهل الحيرة لم يُر قط أحفظ منه ولا أكتب منه، فإن رأيت أن تتخذه كاتباً بين يديك إذا كانت لك الحاجة شهدك. فقال عمر: قد اتخذت إذن بطانةً من دون المؤمنين" ([11]).
وعمر يقول هذا في كاتبٍ!! فما قوله إذا رأى اليوم حالنا؟!
وقوله تعالى: }من دونكم{، أي: من أهل الديانات الأخرى([12]).
ومعنى: }لا يألونكم خبالاً {: أقول: لا آلوك نصحاً، على تضمين معنى النقص، فمعنى الآية: لا يجدون طريقاً ولا سبيلاً يوصلون به الضُرَّ إليكم إلا وسلكوه. وعلة ذلك }ودوا ما عنتم{، و(ما) مصدرية، تؤول وما بعدها بالمصدر، فيكون تقدير الكلام: ودوا عنتكم، والعنت المشقة.
وهذه الآية بين الله لنا فيها خبايا نفوسهم، وأنه ليس في صدورهم أدني حبٍّ لنا: } قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ{، فحبهم مع هذا البيان والإيضاح ضعفُ عقلٍ، وقصر نظر، وعمى بصيرة.
وهم قد كفروا بالذي أُنزل إلينا، فأي الفريقين أحق بأن تتجه إليه العداوة، وأن يُكنَّ له البغض؟ هم أولى بذلك، ولذا : } هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ{.
ولما كشف الله عما في نياتهم بيَّن أن سبيل الخلاص من كيدهم لا يكون بموالاتهم، وإنما يكون بالصبر على طريق الحق والاستقامة عليه، ألا وإن مما يحقق الاستقامة هذه: البراءة منهم ومن كفرهم.
وكل آية محرِّمة لولاء الكفار والمشركين يدخل فيها اليهود والنصارى؛ لأن اليهود والنصارى كفَّار ومشركون لم يختلف العلماء في ذلك.
وأما الترهيب من موالاتهم فيعرف بما يلي:
بأن موالاتهم كفر بالله:
يقول الله تبارك وتعالى: } لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ{ (آل عمران: 28). فأي وعيد فوق هذا الوعيد. ومعنى: }فليس من الله في شيء{، يعني: "فقد برئ من الله وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر"([13]).
ويقول الله تبارك وتعالى:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ{ (المائدة: 51-52).
وهذه الآية البينة حرَّم الله فيها موالاة أهل الكتاب، وحكم فيها على من ارتكب هذا الجرم وتلبَّس به بأنه من الكافرين الذين تولاهم، وقد ورد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه أمره أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد، وكان لأبي موسى كاتب نصراني يرفع إليه ذلك، فعجب عمر رضي الله عنه وقال: إن هذا لحافظ. وقال: إن لنا كتاباً في المسجد، وكان جاء من الشام، فادعه فليقرأ. قال أبو موسى: إنه لا يستطيع أن يدخل المسجد. فقال عمر: أجنب هو؟! قال: لا بل نصراني. قال: فانتهرني، وضرب فخذي، وقال: أخرجه. وقرأ: }يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين{" ([14]).
وما هذا النهي من عمر رضي الله عنه إلا لأن توليته هذا المنصب يمكنه من الاطلاع على أمور المسلمين.
قال ابن سيرين: "قال عبد الله بن عتبة -رحمهما الله-: ليتق أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يشعر". قال ابن سيرين: فظنناه يريد هذه الآية: }يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء...{"([15]).
وقال ابن حزم رحمه الله: "صحَّ أنَّ قول الله تعالى: }وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ{ إنما هو على ظاهره بأنه كافر في جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين" ([16]).
وموالاة الكافرين من صفات المنافقين:
: }بشِّر المنافقين بأن لهم عذابا أليما* الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا{ (النساء: 137-138).
وقال عنهم: }أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{ (الحشر: 11).
والمراد بإخوانهم: يهود بني النضير.
وموالاتهم هو الضلال المبين:
: }يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل* إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون{ (الممتحنة: 1-2).
وحكم بالله بالظلم على من والى عدوّه:
: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{ (التوبة: 23-24).
فإذا كان هذا فيمن والى أباه أو أخاه، فكيف بغيرهم ؟!
وموالاة الكافرين مجلبة لسخط رب العالمين، وسبب لنزول عذابه:
عن يهود: }تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ{ (المائدة: 80).
أي: تَرَى -أيها الرسول- كثيرًا من هؤلاء اليهود يتخذون المشركين أولياء لهم، ساء ما عملوه من الموالاة التي كانت سببًا في غضب الله عليهم، وخلودهم في عذاب الله يوم القيامة.
وقال:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا{ (النساء: 144). والسلطان الحجة، أي: أتريدون أن تجعلوا لله حجة عليكم في عقوبته لكم؟
وقال: }ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون* أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون* اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين* لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون{(المجادلة: 14-17).
وهذه الآية نزلت في المنافقين الموالين للمغضوب عليهم: اليهود.
و: }وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ{ (هود: 113).
والركون يشمل: السكون، والميل، والاعتماد، والطاعة، والمودة، والمداهنة.
وهل المراد المشركون؟ أم كل ظالم؟ قال الشوكاني رحمه الله: "ولو فرضنا أن سبب النزول هم المشركون، لكان الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"([17]).
أسلوب القرآن في الحض على عقيدة البراء من المشركين:
لقد حرَّض الله تعالى على تحقيق البراءة من أهل الكتاب بتذكيره لعباده المؤمنين بقبيح فعال المغضوب عليه والضالين والمشركين، : }يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ{ (المائدة: 57-58).
وقال سبحانه: }مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{ (البقرة: 105).
فإذا اتخذوا ديننا لعباً وهزواً فكيف يُعقل أن نواليَهم؟!
و: }يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل* إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون{ (الممتحنة: 1-2).
فبعد أن حرَّم موالاتهم، وبين أنها الضلال المبين، بين حقيقتهم ليسهل التبرء منهم.
موالاة العلمانيين والشيوعيين والمناوئين لشرع الله:
وهذه يستدل على تحريمها بالآيات السابقة، فإن الشيوعية كفر والعياذ بالله، وهذه مسألة قد نقلت فيها فتوى الشيخ الفوزان حفظه الله في مقال منشور([18]). وهذا مما يدل على غزير علمه، وعمق فكره؛ فإن هؤلاء يدينون بما يدين به ماركس ولينين وليس لهم من جرأة لإظهار حقيقة أمرهم، وأما العلمانيون فمنهم من يبدها علانية بقوله: إن الإسلام لا يصلح لهذا الزمان إلا معرفاً لأحكام الحيض والنفاس والطهارة من قضاء الحاجة. ومنهم من تجد ذلك منه في فلتات لسانه مصداقا لقول الله: }ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم{ (محمد: 30).
أنسي هؤلاء أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان نبيا رسولا قائدا حاكما مكاتبا للملوك مقيما للحدود قاضيا مفتيا؟! يحكم الناس بشريعة الله، يقيم العلاقات مع الدول، يفاوض الآخرين ويبرم المعاهدات، يبعث السرايا والجيوش لفتح البلاد.
أنسي أن الله قال له: }وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ{ (المائدة: 49)؟
أنسي هؤلاء أن الأنبياء بعثهم الله حكاما يسوسون الله بدين الله في أرض الله؟ أما : }إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون{ (المائدة: 44)؟
ومن أدلة تحريم موالاة هؤلاء: }لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ{ (المجادلة: 22).
والمراد بقوله: }من حاد الله ورسوله{ أي: من كان في حد وجانب وجعل شرع الله في حد وجانب.
وأول من يدخل فيها المناوؤن لشرع الله تعالى.
وأمرُ الله بجهاد المنافقين دليل على ما نحن بصدد التأصيل له. : }يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير{ (التوبة: 73، والتحريم: 9).
وإنَّ من الأحاديث التي تبين حرمة ذلك لعنُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لمن آوى محدثاً([19]).
والمحدث: المُفسِد في الأرض. والإيواء: الحماية. وقد خرج مخرج المثال، فكل من أعان المفسدين أصابته لعنة رب العالمين.
ومن أعظم الأحاديث التي ترهب من موالاة هؤلاء قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أعان ظالما ليدحض بباطله حقا فقد برئت منه ذمة الله و ذمة رسوله»([20]).
وهذه البراءة ربما أفضت بصاحبها إلى براثن الشرك وأوحاله، فعن مكحول رحمه الله قال: "من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله، ومن برئت منه ذمة الله فقد كفر"([21]).
تفصيل مهم:
إذا والى المسلم كافراً بظاهره دون باطنه، كأن يواليه لمصلحة دنيوية فهذا قد قارف كبيرةً من كبائر الإثم. ودليل ذلك أنَّ حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه لما ظاهر المشركين وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ما هذا يا حاطب»؟ قال: يا رسول الله لا تعجل علي؛ فإني كنت أمراً ملصقاً في قريش، ولم أكن من أنفسها، وإن قريشاً لهم بها قرابات يحمون بها أهليهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ فيهم يداً يحمون قرابتي بها، والله يا رسول الله ما كان بي من كفر ولا ارتداد. فلما اتهمه عمر رضي الله عنه بالنفاق قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»([22]).
وأنزل الله في شأنه آية بدأها بندائه للمؤمنين، وهذا يدل على عدم كفر من فعل فعله، : }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء{ (الممتحنة: 1).
أما إذا والاهم بباطنه وسعى لنصرة دينهم ووالاهم له فهذا هو التولِّي الذي كفَّر الله أهله بقوله: }وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ{ (المائدة: 51).
مظاهر ولاء المشركين:
إنَّ لموالاة المشركين مظاهرَ كثيرة نراها قد انتشرت بين الكثيرين منَّا، فمن ذلك:
الرضى بكفرهم وعدم تكفيرهم، والله تعالى يقول: }فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{ (البقرة: 256). ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ»([23]).
ومنها: التحاكم إلى قوانينهم. والتشبه بهم، ولذا جاء الأمر بمخالفتهم في كثير من نصوص ديننا الحنيف، فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ»([24]). وقال: «خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا خِفَافِهِمْ»([25])، وتوعد صلى الله عليه وسلم من تشبه بهم بقوله: «من تشبه بقوم فهو منهم»([26]).
ومن مظاهر موالاتهم: طاعتهم والإصغاء إليهم، قال الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ{ (آل عمران: 100).
ومن المظاهر: توليتهم بعض أمور المسلمين، وقد مرَّ معنا أثران لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك.
ومنها: انشراح الصدر عندهم؛ لأن المسلم لا ينشرح صدره إلا للمسلم، وإذا رأى أهل الشرك والضلال انقبض صدره وضاقت نفسه؛ فإن الله يضع القبول لأوليائه في الأرض.
ومنها: تعظيمهم بالألقاب؛ كالبروف فلان ، أو الدكتور، أوالسيد. أما تلقيبهم بذلك بدون تعظيم فليس منه.
ومنها: الاستغفار لهم والترحم عليهم.
ومنها: مداهنتهم، ونشر فضائلهم، والسكنى معهم.
موالاة المؤمنين:
: }وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{ (التوبة: 71).
وقد سبق نقل تفسير ابن كثير للآية في تعريف الولاء والبراء.
و: }إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ* وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ{ (المائدة: 55- 56).
والمعنى: إنما ناصركم -أيُّها المؤمنون- الله ورسوله، والمؤمنون الذين يحافظون على الصلاة المفروضة، ويُؤَدُّون الزكاة عن رضا نفس، وهم خاضعون لله.
وكل آية نهت عن موالاة الكافرين من دون المؤمنين فهي دالة على أن الولاء إنما يكون للمؤمنين..
كما في قوله تعالى: }لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ{ (آل عمران: 28).
ودون يراد بها هنا تخطي الشيء إلى شيء آخر.
وإذا كان ناصرو المؤمنين حزبَ الله؛ فإن ناصري الكافرين حزب الشيطان، وقد قال الله عن حزب الشيطان: }ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون{ (المجادلة: 19). فالغلبة والظهور لا يكون إلا لحزب الله..
: }ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين* إنهم لهم المنصورون* وإن جندنا لهم الغالبون{ (الصافات: 171-172). وقال: }كتب الله لأغلبنَّ أنا ورسلي إن الله قوي عزيز{ (المجادلة:21). وقال لموسى وأخيه عليهما السلام: }بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون{ (القصص: 35).
صور ومظاهر موالاة المؤمنين:
*خفض جناح الذل لهم.
*محبتهم.
*نصرتهم وعدم خذلانهم.
*نصحهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
*كشف كربهم.
*رعاية حرمتهم.
وبالجملة فهذه المسألة يتعرف عليها بالتعرف على حق المؤمن على أخيه المؤمن، ولولا خشية الإطالة لسردت هذه الحقوق، وهي معروفة لنا جميعاً –إن شاء الله-.
ومما ينبغي أن يُعلم أن الموالاة بين المؤمنين لا تنقطع بالموت؛ فمن حق الميِّتِ علينا أن نجهزه، ونشيِّعَه، ونصلي عليه، وندفنه، وندعو له، وأن لا نذكره إلا بخير.
أقسام المؤمنين في باب الولاء:
المؤمنون في هذا الباب على قسمين:
الأول: الكُمَّل من المؤمنين، كالأنبياء والصديقين، والشهداء والأولياء الصالحين، فهؤلاء يواليهم المؤمن ولاء مطلقاً، ويتقرب إلى الله تعالى بحبِّهم.
الثاني: أهل المعاصي من المؤمنين، وهؤلاء نحبهم لإيمانهم، ونبغضهم بقدر معصيتهم؛ فالزاني مبغوض، والمشرك مبغوض، وفرق بين المبغوضين. وشارب الخمر يُبغض وبذيء اللسان يُبغض وفرق بين البغضين.
ولذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من بعض المؤمنين من أهل المعاصي، فقد تبرأ من الصالقة التي ترفع صوتها بالبكاء عند المصيبة، والحالقة التي تحلق رأسها عندها، والشاقة التي تشق ثيابها عندها ([27]). ولكن ليست هذه البراءة كبراءته الواردة في قول الله تعالى: } وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ{ (التوبة: 3).
ولما أمر الله بقتال الفئة الباغية – وهذا من معاني ومظاهر البراء من المعصية وأهلها – بقوله: } وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ{ (الحجرات: 9-10). فأمر بقتالهم وأثبت أخوتهم وإيمانهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" وليعلم أنَّ المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك؛ فإن الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله، فيكون الحب لأوليائه والبغض لأعدائه، والإكرام لأوليائه والإهانة لأعدائه، والثواب لأوليائه والعقاب لأعدائه، وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور وطاعة ومعصية وسنة وبدعة استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا؛ كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته. هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة وخالفهم الخوارج والمعتزلة"([28]).
وبهذا نعرف: متى يكون للمؤمن الولاء المطلق؟ ومتى يكون له مطلق الولاء؟
وأولى الناس بولائنا بعد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم، الذين أعزَّ الله بهم دينه، وأعلى بهم كلمته.
تنبيهات في باب الولاء والبراء؟
أولاً:
إن فئاماً من الناس يريدون أن يجعلوا قول الله تعالى:}إلا أن تتقوا منهم تقاة{ ستراً يواري خبيث فعالهم وسوء صنيعهم، فتراهم يسارعون في الكافرين بكل سبيل، فإذا ما اتجه إليهم صوتُ لومٍ ونصحٍ قالوا: ألم يقل الله: }إلا أن تتقوا منهم تقاة{ !! فيضربون القرآن بعضه ببعض! وإلى هؤلاء: لماذا لم يعذر الله سبحانه حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه لما ظاهر المشركين وأعانهم؟ أما كان حاطب متأوِّلاً؟ ألم يرد حماية أهله وماله؟؟ أوليس الذي عاتبه وطرح عذره هو الذي قال: } إلا أن تتقوا منهم تقاة{.
ولئلا يغتر أحد بمقالتهم هذه أُفسح المجال لشيخ المفسرين وإمامهم أبي جعفر الطبري ليجلي لنا تفسيرها، ويوضح معانيها.. يقول الإمام الطبري –مفسراً قوله تعالى:} إلا أن تتقوا منهم تقاة{-: " إلا أن تكونوا في سلطانهم، فتخافوهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مسلم بفعل"([29]). أين هذا من السعي لتأصيل مبدأ الأخوة بين المؤمن والكافر؟ أين هذا من السخرية بمن يدعو لإقامة عقيدة الولاء والبراء؟؟ أين هذا من التلاعب بقول الله تعالى: } لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ{ (الممتحنة: 8).
ولو كان كل خوف من المشركين عذراً لموالاتهم وإظهار التقية لأبطلنا كثيراً من النصوص؛ لأن عداءهم وكيدهم وحربهم للإسلام وأهله مستمر لا ينتقطع، }وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ{ (البقرة: 217).
وإذا كان كل خوف يبيح لنا ذلك فما معنى نصوص الجهاد في سبيل الله؟!!
إن موالاة أعداء الله بأعذار واهية ولي أعناق النصوص سمة من أبرز سمات المنافقين: } فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ{ (المائدة: 52).
فالله تعالى يخبر عن جماعة من المنافقين أنهم كانوا يبادرون في موادة اليهود لما في قلوبهم من الشكِّ والنفاق، ويقولون: إنما نوادُّهم خشية أن يظفروا بالمسلمين فيصيبونا معهم!
ثانيا:
لا يشكل على بعضنا قول ربنا: } لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ{ (الممتحنة: 8).
وليس في الآية ما يدل على جواز موالاة غير الحربي من الكفار، فالله قال: }أن تبروهم{، ولم يقل: أن توالوهم. قال ابن كثير رحمه الله: " أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين، ولم يظاهروا أي يعاونوا على إخراجكم، كالنساء والضعفة منهم }أن تبروهم{. أي: تحسنوا إليهم. }وتقسطوا إليهم{. أي: تعدلوا" ([30]).
وهذا من سماحة ديننا.
فليس ذلك من الموالاة، ومن هذا القبيل: التصدق على فقيرهم، وزيارتهم، وتعزيتهم بلا ترحم على ميتهم، ورد التحية عليهم، ومعاملتهم بالبيع والشراء ونحو ذلك، والاستفادة من علومهم التي فيها تقوية للإسلام وأهله، وأكل طعامهم، والزواج من نسائهم العفيفات، ومعرفة جميلهم والوفاء لهم، ونحو ذلك.
ثالثاً:
محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب التي تفهم من الآية: }إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين{ (القصص: 56).
ويجيب عن ذلك العلامة ابن عثيمين رحمه الله بقوله:"
إما أن يقال: إنه على تقدير أن المفعول محذوف، والتقدير: من أحببت هدايته لا من أحببته هو.
أو يقال: إنه أحب عمه محبة طبيعية كمحبة الابن أباه ولو كان كافراً.
أو يقال: إن ذلك قبل النهي عن محبة المشركين.
والأول أقرب؛ أي: من أحببت هدايته لا عينه، وهذا عام لأبي طالب وغيره.
ويجوز أن يحبه محبة قرابة، لا ينافي هذا المحبة الشرعية، وقد أحب أن يهتدي هذا الإنسان وإن كنت أبغضه شخصياً لكفره، ولكن لأني أحب أن الناس يسلكون دين الله"([31]).
وحب الزوجة الكتابية من هذا القبيل. فحب المسلم لها حب طبيعي لا يؤثر في عقيدة البراء ما دام هذا الحب لم يؤثر في الالتزام بالإسلام.
وقال الشيخ الفوزان رحمه الله -شارحاً لعبارة الإمام الطحاوي في عقيدته: "ونحب أهل العدل والأمانة، ونبغض أهل الجور والخيانة"-: "المحبة عمل قلبي، والمحبة على قسمين:
أولاً: محبة طبيعية، كمحبة الإنسان لأهله وزوجته وأولاده، ومحبته لأصدقائه، ومحبته للأكل والشرب، فهذه المحبة لا تدخل في أمر العبادة.
ثانياً: محبة دينية، وهذه على نوعين:
النوع الأول: محبة الله سبحانه وتعالى، وهي أعظم أنواع العبادة.
النوع الثاني: المحبة في الله ولأجل الله، وذلك بأن تحب ما يحبه الله من الأعمال والأشخاص، وتحب أهل الإيمان والتقوى، }إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين{ (البقرة:222)، }إنَّ الله يحب المحسنين{ (البقر:195)، فأنت تحبهم؛ لأن الله يحبهم، وفي مقدّمة هؤلاء: الملائكة، والأنبياء والرسل، والأولياء والصالحون، وجميع المؤمنين. وهذه تُسمَّى المحبة في الله، وهي أوثق عرى الإيمان، كما جاء في الحديث"([32]).
أسأل الله أن يرزقنا حبَّه، وحبَّ من يحبُّه، وحب كلِّ عمل يقربنا إليه، وأن يكره إلينا الكفر والكافرين، ويجنبنا سبيلهم.
رب صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
------------------------------------------
[1] / الآداب الشرعية لابن مفلح (1/210).
[2] / تفسير القرآن العظيم (4/174).
[3] / تفسير ابن كثير (8/87).
[4] / كتاب الإيمان، ص (14).
[5] / الطبراني، وصححه الألباني.
[6] / أبو داود والترمذي، وصححه الألباني.
[7] / أخرجاه في الصحيحين.
[8] / أحمد والنسائي.
[9] / البخاري.
[10] / سنن البيهقي.
[11] / مصنف ابن أبي شيبة.
[12] / تفسير القرآن العظيم (1/399).
[13] / تفسير الطبري (6/313).
[14] / سنن البيهقي.
[15] / أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (4/1156).
[16] / المحلى (13/35).
[17] / فتح القدير (2/530).
[18] / يوصل إليه الرابط التالي: h رضي الله عنه رضي الله عنه p://saaid.ne رضي الله عنه /Doa رضي الله عنه /mehran/61.h رضي الله عنه m
[19] / رواه مسلم.
[20] / رواه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك، وقوى إسنادَه ابن كثير والسيوطي والألباني رحمهم الله.
[21] / مصنف ابن أبي شيبة.
[22] / أخرجاه في الصحيحين.
[23] / صحيح مسلم.
[24] / البخاري ومسلم.
[25] / أبو داود.
[26] / أحمد وأبو داود.
[27] / صحيح البخاري.
[28] / الفتاوى : 28/209.
[29] / جامع البيان (3/228).
[30] / تفسير القرآن العظيم (4/350).
[31] / مجموع رسائل وفتاوى ابن عثيمين (9/278).
[32] / شرح الطحاوية (بتصرف).
;glhj td hg,ghx ,hgfvhx
المفضلات