اتخذوا أحبارهم أربابا

بسم الله الرحمن الرحيم...
قال ابن تيمية فى اقتضاء الصراط المستقيم : جـ2 صـ 9
واتخذوا أحبارهم أربابا  :" اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(31) التوبة..وفسره النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم رضي الله عنه بأنهم أحلوا الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم
وكثير من أتباع المتعبدة يطيع بعض المعظمين عنده في كل ما يأمره به وإن تضمن تحليل حرام أو تحريم حلال.أ.هـ

وقال فى جـ 2 صـ267 , وما بعدها:ـ
روى مسلم في صحيحه عن جابر قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ويقول بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين أصبعين السبابة والوسطى ويقول أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة".
وفي رواية للنسائي وكل ضلالة في النار.
وفيما رواه أيضا في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".
وفي لفظ في الصحيحين" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
وفي الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة".
وهذه قاعدة قد دلت عليها السنة والإجماع مع ما في كتاب الله من الدلالة عليها أيضا
اتخذوا أحبارهم أربابا  :" أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(21) الشورى...فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله أو أوجبه بقوله أو فعله من غير أن يشرعه الله فقد شرع من الدين مالم يأذن به الله ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكا لله شرع له من الدين مالم يأذن به الله.
نعم قد يكون متأولا في هذا الشرع فيغفر له لأجل تأويله إذا كان مجتهدا الاجتهاد الذي يعفي فيه
عن المخطئ ويثاب أيضا على اجتهاده لكن لا يجوز اتباعه في ذلك كمالا يجوز اتباع سائر من قال أو عمل قولا أو عملا قد علم الصواب في خلافه وإن كان القائل أو الفاعل مأجورا أو معذورا
وقد قال سبحانه:" اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(31) التوبة... قال عدي بن حاتم للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ما عبدوهم قال:" ما عبدوهم ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم".
فمن أطاع أحدا في دين لم يأذن به الله من تحليل أو تحريم أو استحباب أو إيجاب فقد لحقه من هذا
الذم نصيب كما يلحق الآمر الناهي أيضا نصيب
ثم قد يكون كل منهما معفوا عنه لاجتهاده ومثابا أيضا على الاجتهاد فيتخلف عنه الذم لفوات شرطه أو لوجود مانعه وإن كان المقتضي له قائما
ويلحق الذم من يبين له الحق فيتركه أو من قصر في طلبه حتى لم يتبين له أو عرض عن طلب معرفته لهوى أو لكسل أو نحو ذلك وأيضا فإن الله عاب على المشركين شيئين:
أحدهما: أنهم أشركوا به مالم ينزل به سلطانا.
والثاني: تحريمهم مالم يحرمه الله عليهم.
وبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فيما رواه مسلم عن عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" قال الله تعالى إني جعلت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي مالم أنزل به سلطانا" قال سبحانه:" سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148) الأنعام فجمعوا بين الشرك والتحريم والشرك يدخل فيه كل عبادة لم يأذن الله بها فإن المشركين يزعمون أن عبادتهم إما واجبة وإما مستحبة وإن فعلها خير من تركها.
ثم منهم من عبد غير الله ليتقرب بعبادته إلى الله
ومنهم من ابتدع دينا عبدوا به الله في زعمهم كما أحدثه النصارى من أنواع العبادات المحدثة وأصل الضلال في أهل الأرض إنما نشأ من هذين إما اتخاذ دين لم يشرعه الله أو تحريم مالم يحرمه الله ولهذا كان الأصل الذي بنى الإمام أحمد وغيره من الأئمة عليه مذاهبهم أن أعمال الخلق تنقسم إلى عبادات يتخذونها دينا ينتفعون بها في الآخرة أو في الدنيا والآخرة وإلى عادات ينتفعون بها في معايشهم.
فالأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله
والأصل في العادات أن لا يحظر منها إلا ما حظره الله.

وقال فى جامع الرسائل جـ2 , صـ259 وما بعدها :ـ
واتخذوا أحبارهم أربابا  :" وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ(30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(31) التوبة
وقد روى في حديث عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قلت يا رسول الله ما عبدوهم قال أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فتلك عبادتهم إياهم
وهذا الغلو الذي في النصارى حتى اتخذوا المسيح وأمه إلهين من دون الله واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله قد ذكروا أن أول من ابتدعه لهم بولص الذي كان يهوديا فأسلم واتبع المسيح نفاقا ليلبس على النصارى دينهم فأحدث لهم مقالات غالية وكثرت البدع في النصارى في اعتقاداتهم وعباداتهم كما اتخذوا أحبارهم أربابا  :" ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون"( سورة الحديد- 27 )
وكذلك أول ما ابتدعت مقالة الغالية في الإسلام من جهة بعض من كان قد دخل في الإسلام وانتحل التشيع وقيل أول من أظهر ذلك عبدالله بن سبأ الذي كان يهوديا فأسلم وكان ممن أقام الفتنة على عثمان ثم أظهر موالاة علي وهو من ابتدع الغلو في علي حتى ظهر في زمانه من ادعى فيه الإلهية وسجدوا له لما خرج من باب مسجد كندة فأمر علي رضي الله عنه بتحريقهم بالنار بعد أن أجلهم ثلاثة أيام وفي الصحيح أن ابن عباس بلغه أن عليا حرق زنادقة فقال لو كنت أنا لم أحرقهم لنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذب بعذاب الله ولضربت رقابهم بالسيف لقول النبي صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه قالوا وهم هؤلاء وقد رووا قصتهم مستوفاة وروا أنه أظهر أيضا سب أبي بكر وعمر حتى طلب علي أن يقتله فهرب منه ولما بلغ عليا أن أقواما يفضلونه على أبي بكر وعمر قال لا أوتي بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري تحقيقا لما رواه البخاري في صحيحه عن محمد بن الحنفية أنه سأل أباه من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر قال ثم من قال ثم عمر وقد روى ذلك عن على من نحو ثمانين طريقا وهو متواتر عنه.أ.هـ

وقال فى الفتاوى جـ27 , صـ354 ومابعدها :ـ
وذم النصارى على شركهم فاتخذوا أحبارهم أربابا  :" اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(31)التوبة...
والمشركون فى هذه الأزمان من الهند وغيرهم يحجون إلى آلهتهم كما يحجون إلى سمناة وغيره من آلهتهم وكذلك النصارى يحجون إلى قمامة وبيت لحم ويحجون إلى القونة التى بصيدنايا والقونة الصورة وغير ذلك من كنائسهم التى بها الصور التى يعظمونها ويدعونها ويستشفعون بها وقد ذكر العلماء من أهل التفسير والسير وغيرهم أن أبرهة ملك الحبشة الذى ساق الفيل إلى مكة ليهدمها حين إستولت الحبشة على اليمن وقهروا العرب ثم بعد هذا وفد سيف بن ذى يزن فإستنجد كسرى ملك الفرس فأنجده بجيش حتى أخرج الحبشة عنها وهو ممن بشر بالنبي صلى الله عليه وسلم وكانت آية الفيل التى أظهر الله تعالى بها حرمة الكعبة لما أرسل عليهم الطير الأبابيل ترميهم بحجارة من سجيل أى جماعات متفرقة والحجارة من سجيل طين قد إستحجر وكان عام مولد النبى صلى الله عليه وسلم وهو من دلائل نبوته وأعلام رسالته ودلائل شريعته والبيت الذى لا يحج ولا يصلى إليه إلا هو وأمته.
قالوا كان أبرهة قد بنى كنيسة بأرض اليمن وأراد أن يصرف حج العرب إليها فدخل رجل من العرب فأحدث فى الكنيسة فغضب لذلك أبرهة وسافر إلى الكعبة ليهدمها حتى جرى ما جرى اتخذوا أحبارهم أربابا  :" أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(1)أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ(2)وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ(3)تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ(4)فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ(5) [سورة الفيل]......وهذا معروف عند عامة العلماء من أهل التفسير والسير وغيرهم أنه بني كنيسة أراد أن يصرف حج العرب إليها ومعلوم أنه إنما أراد أن يفعل فيها ما يفعله فى كنائس النصارى فدل على أن السفر إلى الكنائس عندهم هو من جنس الحج عند المسلمين وأنه يسمى حجا ويضاهى به البيت الحرام.أ.هـ

قال ابن تيمية فى الفتاوى جـ 27 صـ 306:ـ
ان قبول قول الحاكم وغيره بلا حجة مع مخالفته للسنة مخالف لإجماع المسلمين وإنما هو دين النصارى الذين إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون قال النبى صلى الله عليه وسلم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فكانت تلك عبادتهم إياهم والمسلمون متفقون على أن ما تنازعوا فيه يجب رده إلى الله والرسول وهؤلاء لم يردوا ما تنازع فيه المسلمون إلى الله والرسول بل حكموا برده بقولهم وهذا باطل بإجماع المسلمين.أ.هـ

وقال فى الفتاوى جـ2 صـ374 وما بعدها :ـ
والدين كله مأخوذ عن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس لأحد بعده أن يغير من دينه شيئا هذا دين المسلمين بخلاف النصارى فإنهم يجوزون لعلمائهم وعبادهم أن يشرعوا شرعا يخالف شرع الله اتخذوا أحبارهم أربابا  :" اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(31) التوبة.......قال النبى صلى الله عليه وسلم إنهم أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم عليهم الحلال فأطاعوهم فكانت تلك عبادتهم إياهم ولهذا كان أئمة المسلمين لا يتكلمون فى شىء أنه عبادة وطاعة وقربة إلا بدليل شرعى وإتباع لمن قبلهم لا يتكلمون فى الدين بلا علم فإن الله حرم ذلك بقوله تعالى قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق وان تشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون.أ.هـ
وقال فى الفتاوى جـ3 صـ271 وما بعدها :ـ
وكذلك المؤمنون وسط في شرائع دين الله فلم يحرموا على الله أن ينسخ ما شاء ويمحو ما شاء ويثبت كما قالته اليهود كما حكى الله تعالى ذلك عنهم بقوله:" سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(142) البقرة ...وبقوله:" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(91) البقرة...
ولا جوزوا لأكابر علمائهم وعبادهم أن يغيروا دين الله فيأمروا بما شاؤا وينهوا عما شاؤوا كما يفعله النصارى كما ذكر الله ذلك عنهم بقوله:" اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(31) التوبة ......قال عدي بن حاتم رضي الله عنه قل يا رسول الله ما عبدوهم قال ما عبدوهم ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم والمؤمنون قالوا لله الخلق والأمر فكما لا يخلق غيره لا يأمر غيره وقالوا سمعنا وأطعنا فأطاعوا كل ما أمر الله به وقالوا: إن الله يحكم ما يريد وأما المخلوق فليس له أن يبدل أمر الخالق تعالى ولو كان عظيما.أ.هـ

قال فى دقائق التفسير جـ1 صـ333 :ـ
اتخذوا أحبارهم أربابا  :" مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ(79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(80) [آل عمران]...
فقد بين أن من اتخذ الملائكة والنبيين أربابا فهو كافر فمن اتخذ من دونهم أربابا كان أولى بالكفر وقد ذكر أن النصارى اتخذوا من هو دونهم أربابا بقوله تعالى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون.أ.هـ

وقال فى الفتاوى جـ11 صـ508 وما بعدها :ـ
وأما الحقيقة البدعية فهى سلوك طريق الله سبحانه وتعالى مما يقع فى قلب العبد من الذوق والوجد والمحبة والهوى من غير اتباع الكتاب والسنة كطريق النصارى فهم تارة يعبدون غير الله وتارة يعبدون بغير امر الله كالنصارى المشركين الذين أتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وابتدعوا الرهبانية فاشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وشرعوا من الدين ما لم يأذن به الله وأما دين المسلمين فكما قال الله تعالى:" فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا(110) [الكهف]......واتخذوا أحبارهم أربابا  :" الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2)[ الملك]......قال الفضيل بن عياض: اخلصه واصوبه قالوا وما أخلصه وأصوبه قال إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا والخالص ان يكون لله والصواب ان يكون على السنة ولهذا كان عمر بن الخطاب يقول فى دعائه اللهم اجعل عملى كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا.أ.هـ

قال فى الفتاوى جـ7 صـ67 وما بعدها :ـ
وقد قال الله تعالى:" اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(31) [التوبة]......وفى حديث عدى بن حاتم وهو حديث حسن طويل رواه أحمد والترمذى وغيرهما وكان قد قدم على النبى صلى الله عليه وسلم وهو نصرانى فسمعه يقرأ هذه الآية قال فقلت له أنا لسنا نعبدهم قال أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه قال فقلت بلى قال فتلك عبادتهم وكذلك قال أبو البخترى اما أنهم لم يصلوا لهم ولو أمروهم أن يعبدوهم من دون الله ما أطاعوهم ولكن أمروهم فجعلوا حلال الله حرامه وحرامه حلاله فأطاعوهم فكانت تلك الربوبية
وقال الربيع بن أنس قلت لأبى العالية كيف كانت تلك الربوبية فى بنى اسرائيل قال كانت الربوبية أنهم وجدوا فى كتاب الله ما أمروا به ونهوا عنه فقالوا لن نسبق احبارنا بشىء فما أمرونا به ائتمرنا وما نهونا عنه انتهينا لقولهم فاستنصحوا الرجال ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم فقد بين النبى صلى الله عليه وسلم أن عبادتهم اياهم كانت فى تحليل الحرام وتحريم الحلال لا أنهم صلوا لهم وصاموا لهم ودعوهم من دون الله فهذه عبادة للرجال وتلك عبادة للأموال وقد بينها النبى صلى الله عليه وسلم وقد ذكر الله أن ذلك شرك بقوله:" لا اله الا هو سبحانه عما يشركون" فهذا من الظلم الذى يدخل فى قوله:" احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ(22) الصافات...فان هؤلاء والذين أمروهم بهذا هم جميعا معذبون واتخذوا أحبارهم أربابا  :" إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ(98) [الأنبياء]......وانما يخرج من هذا من عبد مع كراهته لأن يعبد ويطاع فى معصية الله فهم الذين سبقت لهم الحسنى كالمسيح والعزيز وغيرهما فأولئك مبعدون.
وأما من رضى بأن يعبد ويطاع فى معصية الله فهو مستحق للوعيد ولو لم يأمر بذلك فكيف اذا أمر وكذلك من أمر غيره بأن يعبد غير الله وهذا من أزواجهم فان أزواجهم قد يكونون رؤساء لهم وقد يكونون اتباعا وهم أزواج وأشباه لتشابههم فى الدين وسياق الآية يدل على ذلك فانه سبحانه قال:"احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم الى صراط الجحيم" قال ابن عباس دلوهم وقال الضحاك مثله وقال ابن كيسان قدموهم والمعنى قودوهم كما يقود الهادى لمن يهديه ولهذا تسمى الأعناق الهوادى لأنها تقود سائر البدن وتسمى أوائل الوحش الهوادى "وقفوهم أنهم مسؤولون ما لكم لا تناصرون{ أى كما كنتم تتناصرون فى الدنيا على الباطل } بَلْ هُمْ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ(26)وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ(27)قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنْ الْيَمِينِ(28)قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ(29)وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ(30)فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ(31)فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ(32)فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ(33)إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ(34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ(35)وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ(36)بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ(37) [الصافات]
واتخذوا أحبارهم أربابا  :" قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ(38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ(39) [الأعراف]....
واتخذوا أحبارهم أربابا  :" وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنْ النَّارِ(47) [غافر]..
واتخذوا أحبارهم أربابا  :" وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ(31) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(33).[سباء]....
وقوله تعالى فى سياق الآية:"انهم كانوا اذا قيل لهم لا اله الا الله يستكبرون" ولا ريب أنها تتناول الشركين الأصغر والأكبر وتتناول أيضا من استكبر عما أمره الله به من طاعته فان ذلك من تحقيق قول لا اله الا الله فان الاله هو المستحق للعبادة فكل ما يعبد به الله فهو من تمام تأله العباد له فمن استكبر عن بعض عبادته سامعا مطيعا فى ذلك لغيره لم يحقق قول لا اله الا الله فى هذا المقام.
وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا حيث أطاعوهم فى تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله يكونون على وجهين:
أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل فيعتقدون تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله اتباعا لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل فهذا كفر وقد جعله الله ورسوله شركا وان لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم فكان من اتبع غيره فى خلاف الدين مع علمه أنه خلاف الدين واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله مشركا مثل هؤلاء.
والثانى: أن يكون اعتقادهم وايمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام ثابتا لكنهم أطاعوهم فى معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصى التى يعتقد أنها معاص فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب كما ثبت فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:" انما الطاعة فى المعروف" وقال:" على المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية" وقال:" لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق" وقال:" من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه".

ثم ذلك المحرم للحلال والمحلل للحرام ان كان مجتهدا قصده اتباع الرسول لكن خفى عليه الحق فى نفس الأمر وقد اتقى الله ما استطاع فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه بل يثيبه على اجتهاده الذى أطاع به ربه ولكن من علم أن هذا خطأ فيما جاء به الرسول ثم اتبعه على خطئه وعدل عن قول الرسول فهذا له نصيب من هذا الشرك الذى ذمه الله لا سيما ان اتبع فى ذلك هواه ونصره باللسان واليد مع علمه بأنه مخالف للرسول فهذا شرك يستحق صاحبه العقوبة عليه.

ولهذا اتفق العلماء على أنه اذا عرف الحق لا يجوز له تقليد أحد فى خلافه وانما تنازعوا فى جواز التقليد للقادر على الاستدلال وان كان عاجزا عن اظهار الحق الذى يعلمه فهذا يكون كمن عرف أن دين الاسلام حق وهو بين النصارى فاذا فعل ما يقدر عليه من الحق لا يؤاخذ بما عجز عنه وهؤلاء كالنجاشى وغيره وقد أنزل الله فى هؤلاء آيات من كتابه.
كقوله تعالى:" وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(199) [آلأ عمران].... وقوله:" وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ(159) [الأعراف]....
وقوله:" وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ(83) [المائدة]

وأما إن كان المتبع للمجتهد عاجزا عن معرفة الحق على التفصيل وقد فعل ما يقدر عليه مثله من الاجتهاد فى التقليد فهذا لا يؤاخذ ان أخطأ كما فى القبلة وأما ان قلد شخصا دون نظيره بمجرد هواه ونصره بيده ولسانه من غير علم أن معه الحق فهذا من أهل الجاهلية وان كان متبوعه مصيبا لم يكن عمله صالحا وان كان متبوعه مخطئا كان آثما كمن قال فى القرآن برأيه فان أصاب فقد أخطأ وان أخطأ فليتبوأ مقعده من النار وهؤلاء من جنس مانع الزكاة الذى تقدم فيه الوعيد ومن جنس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة فان ذلك لما أحب المال حبا منعه عن عبادة الله وطاعته صار عبدا له وكذلك هؤلاء فيكون فيه شرك أصغر ولهم من الوعيد بحسب ذلك وفى الحديث ان يسير الرياء شرك وهذا مبسوط عند النصوص التى فيها اطلاق الكفر والشرك على كثير من الذنوب.

والمقصود هنا أن الظلم المطلق يتناول الكفر ولا يختص بالكفر بل يتناول ما دونه أيضا وكل بحسبه كلفظ الذنب والخطيئة والمعصية فان هذا يتناول الكفر والفسوق والعصيان كما فى الصحيحين: عن عبدالله بن مسعود قال قلت يا رسول الله أى الذنب أعظم قال:"ان تجعل لله ندا وهو خلقك قلت ثم أى قال ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قلت ثم أى قال ثم ان تزانى بحليلة جارك" فأنزل الله تعالى:" وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا(68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69)إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا(70)وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا(71) [الفرقان]....

فهذا الوعيد بتمامه على الثلاثة ولكل عمل قسط منه فلو أشرك ولم يقتل ولم يزن كان عذابه دون ذلك ولو زنى وقتل ولم يشرك كان له من هذا العذاب نصيب كما فى قوله:" وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا(93) النساء... ولم يذكر" أبدا" وقد قيل ان لفظ " التأبيد" لم يجىء الا مع الكفر وقال الله تعالى:" وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا(27) يَاوَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا(28)لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا(29) [الفرقان]...فلا ريب أن هذا يتناول الكافر الذى لم يؤمن بالرسول وسبب نزول الآية كان فى ذلك.....
فان الظلم المطلق يتناول ذلك ويتناول ما دونه بحسبه...
فمن خال مخلوقا فى خلاف أمر الله ورسوله كان له من هذا الوعيد نصيب كما اتخذوا أحبارهم أربابا  :" الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ(67) الزخرف..واتخذوا أحبارهم أربابا  :" إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَابُ(166) [البقرة]...قال الفضيل بن عياض حدثنا الليث عن مجاهد هى المودات التى كانت بينهم لغير الله فان المخالة تحاب وتواد ولهذا قال المرء على دين خليله فان المتحابين يحب أحدهما ما يحب الآخر بحسب الحب فاذا اتبع أحدهما صاحبه على محبته ما يبغضه الله ورسوله نقص من دينهما بحسب ذلك الى أن ينتهى الى الشرك الأكبر اتخذوا أحبارهم أربابا  .أ.هـ

وقال فى جـ20 صـ215 وما بعدها :ـ
فكما أن هؤلاء الصحابة بعضهم لبعض اكفاء فى موارد النزاع وإذا تنازعوا في شيء ردوا ما تنازعوا فيه الى الله والرسول وان كان بعضهم قد يكون أعلم في مواضع آخر فكذلك موارد النزاع بين الأئمة وقد ترك الناس قول عمر وابن مسعود في مسألة تيمم الجنب وأخذوا بقول من هو دونهما كأبى موسى الأشعري وغيره لما احتج بالكتاب والسنة وتركوا قول عمر في دية الأصابع وأخذوا بقول معاوية لما كان معه من السنة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال هذه وهذه سواء.

وقد كان بعض الناس يناظر ابن عباس فى المتعة فقال له قال أبو بكر وعمر فقال ابن عباس يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر وكذلك ابن عمر لما سألوه عنها فأمر بها فعارضوا بقول عمر فتبين لهم أن عمر لم يرد ما يقولونه فألحوا عليه فقال لهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يتبع أم أمر عمر مع علم الناس أن أبا بكر وعمر أعلم ممن هو فوق ابن عمر وابن عباس ...

ولو فتح هذا الباب لوجب أن يعرض عن أمر الله ورسوله ويبقى كل امام فى اتباعه بمنزلة النبى صلى الله عليه وسلم فى أمته وهذا تبديل للدين يشبه ما عاب الله به النصارى فى قوله:" اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون االله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون" والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله وحده.أ.هـ

وقال فى منهاج السنه جـ 8 صـ 47 وما بعدها :ـ
وقد علم كل من له علم بأحوال الصحابة والتابعين أنه لم يكن فيهم أحد يلبس سراويل ولا يسقى ملحا ولا يختص أحد بطريقة تسمى الفتوة لكن كانوا قد اجتمع بهم التابعون وتعلموا منهم وتأدبوا بهم واستفادوا منهم وتخرجوا على أيديهم وصحبوا من صحبوه منهم وكانوا يستفيدون من جميع الصحابة وأصحاب ابن مسعود كانوا يأخذون من عمر وعلي وأبي الدرداء وغيرهم وكذلك أصحاب معاذ بن جبل رضي الله عنه كانوا يأخذون عن ابن مسعود وغيره وكذلك أصحاب ابن عباس يأخذون عن ابن عمر وأبي هريرة وغيرهما وكذلك أصحاب زيد بن ثابت يأخذون عن أبي هريرة وغيره. ..

وقد انتفع بكل منهم من نفعه الله وكلهم متفقون على دين واحد وطريق واحدة وسبيل واحدة يعبدون الله ويطيعون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن بلغهم من الصادقين عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا قبلوه ومن فهم من القرآن والسنة ما دل عليه القرآن والسنة استفادوه ومن دعاهم إلى الخير الذي يحبه الله ورسوله أجابوه.
ولم يكن أحد منهم يجعل شيخه ربا يستغيث به كالإله الذي يسأله ويرغب إليه ويعبده ويتوكل عليه ويستغيث به حيا وميتا ولا كالنبي الذي تجب طاعته في كل ما أمر فالحلال ما حلله والحرام ما حرمه...

فإن هذا ونحوه دين النصارى الذين قال الله فيهم:"اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون" [سورة التوبة 31]...

وكانوا متعاونين على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان متواصين بالحق متواصين بالصبر والإمام والشيخ ونحوهما عندهم بمنزلة الإمام في الصلاة وبمنزلة دليل الحاج فالإمام يفتدى به المأمومون فيصلون بصلاته لا يصلى عنهم وهو يصلى بهم الصلاة التي أمر الله ورسوله بها فإن عدل عن ذلك سهوا أو عمدا لم يتبعوه...

ودليل الحاج يدل الوفد على طريق البيت ليسلكوه ويحجوه بأنفسهم فالدليل لا يحج عنهم وإن أخطأ الدلالة لم يتبعوه وإذا اختلف دليلان وإمامان نظر أيهما كان الحق معه اتبع فالفاصل بينهم الكتاب والسنة.
اتخذوا أحبارهم أربابا  :" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا(59) [النساء]....

وكل من الصحابة الذين سكنوا الأمصار أخذ عنه الناس الإيمان والدين وأكثر المسلمين بالمشرق والمغرب لم يأخذوا عن علي شيئا فإنه رضي الله عنه كان ساكنا بالمدينة وأهل المدينة لم يكونوا يحتاجون إليه إلا كما يحتاجون إلى نظرائه كعثمان في مثل قصة شاورهم فيها عمر ونحو ذلك
ولما ذهب إلى الكوفة كان أهل الكوفة قبل أن يأتيهم قد أخذوا الدين عن سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وحذيفة وعمار وأبي موسى وغيرهم ممن أرسله عمر إلى الكوفة.
وأهل البصرة أخذوا الدين عن عمران بن حصين وأبي بكرة وعبد الرحمن بن سمرة وأنس وغيرهم من الصحابة.
وأهل الشام أخذوا الدين عن معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبي الدرداء وبلال وغيره من الصحابة.
والعباد والزهاد من أهل هذه البلاد أخذوا الدين عمن شاهدوه من الصحابة فكيف يجوز أن يقال إن طريق أهل الزهد والتصوف متصل به دون غيره.
وهذه كتب الزهد مثل الزهد للإمام أحمد والزهد لابن المبارك ولوكيع بن الجراح ولهناد بن السري ومثل كتب أخبار الزهاد كحلية الأولياء وصفوة الصفوة وغير ذلك فيها من أخبار الصحابة والتابعين أمور كثيرة وليس الذي فيها لعلي أكثر مما فيها لأبي بكر وعمر ومعاذ وابن مسعود وأبي بن كعب وأبي ذر وأبي الدرداء وأبي أمامة وأمثالهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.أ.هـ


وصلى الله وسلم على محمد وصحبه وآله وسلم..........



وجمعه وكتبه الفقير الى عفو ربه تعالى…
د/ السيد العربى بن كمال

hjo`,h Hpfhvil Hvfhfh