فرحــــــــــه




عند لقاء ربه



حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ))رواه البخاري




حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُول: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ،



وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ،وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ)) رواه مسلم.



أَخْبَرَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَنْبَأَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مَا مِنْ حَسَنَةٍ عَمِلَهَا ابْنُ آدَمَ إِلَّا كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ جُنَّةٌ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ)) رواه النسائي.
قال الألباني: صحيح الإسناد.



حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ مَا شَاءَ اللَّهُ، يَقُولُ اللَّهُ: إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ))رواه ابن ماجه.
قال الألباني: صحيح.



قال ابن حجر رحمه الله:
قَوْله فِيهِ ((وَلَا يَصْخَبُ)) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْمُهْمَلَةِ السَّاكِنَةِ بَعْدَهَا خَاء مُعْجَمَة،

وَلِبَعْضِهِمْ بِالسِّين بَدَلَ الصَّاد وَهُوَ بِمَعْنَاهُ،
وَالصَّخَب الْخِصَام وَالصِّيَاح، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْي عَنْ ذَلِكَ تَأْكِيده حَالَة الصَّوْمِ، وَإِلَّا فَغَيْرُ الصَّائِم مَنْهِيّ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا.



قَالَ الْقُرْطُبِيُّ:
مَعْنَاهُ فَرْحَةٌ بِزَوَالِ جُوعِهِ وَعَطَشِهِ حَيْثُ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ،

وَهَذَا الْفَرَحُ طـَبْعِيٌّ وَهُوَ السَّابِقُ لِلْفَهْمِ



وَقِيلَ: إِنَّ فَرَحَهُ بِفِطْرِهِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ تَمَامُ صَوْمِهِ
وَخَاتِمَةُ عِبَادَتِهِ
وَتَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّهِ
وَمَعُونَةٌ عَلَى مُسْتَقْبَلِ صَوْمِهِ.



قلتُ -ابن حجر- :
قُلْت: وَلَا مَانِعَ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِمَّا ذُكِرَ،
فَفَرَحُ كُلّ أَحَدٍ بِحَسَبِهِ لِاخْتِلَافِ مَقَامَاتِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ ،
فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ فَرَحُهُ مُبَاحًا وَهُوَ الطَّبِيعِيُّ،
وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا وَهُوَ مَنْ يَكُونُ سَبَبَهُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَهُ .



قَوْلُهُ: ((وَإِذَا لَقِيَ رَبّه فَرِحَ بِصَوْمِهِ))
أَيْ بِجَزَائِهِ وَثَوَابِهِ.
وَقِيلَ الْفَرَحُ الَّذِي عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ إِمَّا لِسُرُورِهِ بِرَبِّهِ أَوْ بِثَوَابِ رَبِّهِ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ .
قُلْتُ: وَالثَّانِي أَظْهَرَ إِذْ لَا يَنْحَصِرُ الْأَوَّل فِي الصَّوْمِ بَلْ يَفْرَحُ حِينَئِذٍ بِقَبُولِ صَوْمِهِ وَتَرَتُّبِ الْجَزَاءَ الْوَافِرَ عَلَيْهِ .



قال النووي رحمه الله:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ)) هَكَذَا هُوَ هُنَا بِالسِّينِ، وَيُقَال بِالسِّينِ وَالصَّاد وَهُوَ الصِّيَاح، وَهُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَة الْأُخْرَى: ((وَلَا يَجْهَل وَلَا يَرْفُث))



قَالَ الْعُلَمَاء: أَمَّا فَرْحَتُهُ عِنْد لِقَاء رَبّه
فَبِمَا يَرَاهُ مِنْ جَزَائِهِ
وَتَذَكُّر نِعْمَة اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ بِتَوْفِيقِهِ لِذَلِكَ،



وَأَمَّا عِنْد فِطْره فَسَبَبُهَا:
تَمَامُ عِبَادَتِهِ
وَسَلَامَتهَا مِنْ الْمُفْسِدَات
وَمَا يَرْجُوهُ مِنْ ثَوَابِهَا.



قال السندي رحمه الله:
قَوْله: ((الصَّوْم لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)) قَدْ ذَكَرُوا لَهُ مَعَانِيَ، لَكِنَّ الْمُوَافِقَ لِلْأَحَادِيثِ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ تَعْظِيم جَزَائِهِ، وَأَنَّهُ لَا حَدَّ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي تُفِيدهُ الْمُقَابَلَةُ فِي حَدِيث ((مَا مِنْ حَسَنَة عَمِلَهَا اِبْنُ آدَمَ إِلَّا كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَّا الصِّيَام فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ))



وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب} وَذَلِكَ لِأَنَّ اِخْتِصَاصَهُ مِنْ بَيْن سَائِر الْأَعْمَال بِأَنَّهُ مَخْصُوص بِعَظِيمٍ لَا نِهَايَةَ لِعَظَمَتِهِ وَلَا حَدَّ لَهَا، وَأَنَّ ذَلِكَ الْعَظِيمَ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِجَزَائِهِ مِمَّا يَنْسَاق الذِّهْنُ مِنْهُ إِلَى أَنَّ جَزَاءَهُ مِمَّا لَا حَدَّ لَهُ.



وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عَلَى هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ((لِي)) أَيْ أَنَا مُنْفَرِدٌ بِعِلْمِ مِقْدَار ثَوَابه وَتَضْعِيفه،
وَبِهِ تَظْهَرُ الْمُقَابَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْله: ((كُلّ عَمَل اِبْن آدَم لَهُ إِلَّا الصِّيَام هُوَ لِي)) أَيْ كُلّ عَمَلِهِ لَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَالِمٌ بِجَزَائِهِ وَمِقْدَار تَضْعِيفه إِجْمَالًا لِمَا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ الصَّبْرُ الَّذِي لَا حَدَّ لِجَزَائِهِ جِدًّا، بَلْ قَالَ {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب}.



وَيَحْتَمِل أَنْ يُقَالَ مَعْنَى قَوْله ((كُلّ عَمَل اِبْن آدَم لَهُ)) إِلَخْ أَنَّ جَمِيع أَعْمَال اِبْن آدَم مِنْ بَاب الْعُبُودِيَّة وَالْخِدْمَة، فَتَكُون لَائِقَةً لَهُ مُنَاسِبَةً لِحَالِهِ،
بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ التَّنَزُّهِ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذَلِكَ، فَيَكُون مِنْ بَاب التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.



وَأَمَّا حَدِيث ((مَا مِنْ حَسَنَةٍ عَمِلَهَا اِبْنُ آدَمَ)) إِلَخْ فَيُحْتَاج عَلَى هَذَا الْمَعْنَى إِلَى تَقْدِيرٍ بِأَنْ يُقَالَ كُلُّ عَمَلِ اِبْنِ آدَمَ جَزَاؤُهُ مَحْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ لَهُ أَيْ عَلَى قَدْره
((إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي)) فَجَزَاؤُهُ غَيْرُ مَحْصُورٍ، بَلْ أَنَا الْمُتَوَلِّي لِجَزَائِهِ عَلَى قَدْرِي. وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ



((حِين يُفْطِر)) مِنْ الْإِفْطَارِ أَيْ يَفْرَحُ حِينَئِذٍ طَبْعًا وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ؛ لِمَا فِي طَبْعِ النَّفْسِ مِنْ مَحَبَّةِ الْإِرْسَالِ وَكَرَاهَةِ التَّقْيِيد.
قِيلَ: يَحْتَمِل أَنَّ هَذِهِ هِيَ فَرْحَة النَّفْس بِالْأَكْلِ وَالشُّرْب



وَيَحْتَمِل أَنَّهَا فَرَحهَا بِالتَّوْفِيقِ لِإِتْمَامِ الصَّوْم وَالْخُرُوج عَنْ الْعُهْدَة



((وَحِين يَلْقَى رَبَّهُ)) أَيْ ثَوَابَهُ عَلَى الصَّوْمِ.


((لَخُلُوف)) بِضَمِّ الْمُعْجَمَة وَاللَّام وَسُكُون الْوَاو وَهُوَ الْمَشْهُور، وَجَوَّزَ بَعْضهمْ فَتْحهَا
وَقِيلَ هُوَ خَطَأ أَيْ تَغَيُّر رَائِحَة الْفَم أَطْيَب- أَيْ صَاحِبه عِنْد اللَّه أَطْيَب وَأَكْثَر قَبُولًا وَوَجَاهَة وَأَزْيَد قُرْبًا مِنْهُ تَعَالَى، مِنْ صَاحِب الْمِسْك بِسَبَبِ رِيحه عِنْدكُمْ، وَهُوَ تَعَالَى أَكْثَر إِقْبَالًا عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ مِنْ إِقْبَالكُمْ عَلَى صَاحِب الْمِسْك بِسَبَبِهِ.



قال السيوطي:
((الصَّوْم لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)) اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِهَذَا مَعَ أَنَّ الْأَعْمَال كُلّهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي يَجْزِي بِهَا عَلَى أَقْوَال:

أَحَدهَا: أَنَّ الصَّوْم لَا يَقَع فِيهِ الرِّيَاء كَمَا يَقَع فِي غَيْره قَالَهُ أَبُو عُبَيْد
قَالَ: وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَال إِنَّمَا تَكُون بِالْحَرَكَاتِ إِلَّا الصَّوْم فَإِنَّمَا هُوَ بِالنِّيَّةِ الَّتِي تَخْفَى عَنْ النَّاس.



الثَّانِي: مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَعْمَال قَدْ كُشِفَتْ مَقَادِير ثَوَابهَا لِلنَّاسِ، وَإِنَّهَا تُضَعَّف مِنْ عَشَرَة إِلَى سَبْعِمِائَةٍ إِلَى مَا شَاءَ اللَّه، إِلَّا الصِّيَام فَإِنَّ اللَّه يُثِيب عَلَيْهِ بِغَيْرِ تَقْدِير.


الثَّالِث: مَعْنَى قَوْله: ((الصَّوْم لِي)) أَنَّهُ أَحَبّ الْعِبَادَات إِلَيَّ وَالْمُقَدَّم عِنْدِي



قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: كَفَى بِقَوْلِهِ الصَّوْم لِي فَضْلًا لِلصِّيَامِ عَلَى سَائِر الْعِبَادَات




الرَّابِع: الْإِضَافَة إِضَافَة تَشْرِيف وَتَعْظِيم، كَمَا يُقَال: بَيْت اللَّه، وَإِنْ كَانَتْ الْبُيُوت كُلّهَا لِلَّهِ


الْخَامِس: أَنَّ الِاسْتِغْنَاء عَنْ الطَّعَام وَغَيْره مِنْ الشَّهَوَات مِنْ صِفَات الرَّبّ جَلَّ جَلَاله، فَلَمَّا تَقَرَّبَ الصَّائِم إِلَيْهِ بِمَا يُوَافِق صِفَاته أَضَافَهُ إِلَيْهِ.



قَالَ الْقُرْطُبِيّ: مَعْنَاهُ أَنَّ أَعْمَال الْعِبَاد مُنَاسِبَة لِأَحْوَالِهِمْ، إِلَّا الصِّيَام فَإِنَّهُ مُنَاسِب لِصِفَةٍ مِنْ صِفَات الْحَقّ، كَأَنَّهُ يَقُول: إِنَّ الصَّائِم يَتَقَرَّب إِلَيَّ بِأَمْرٍ هُوَ مُتَعَلِّق بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِي.


السَّادِس: أَنَّ الْمَعْنَى كَذَلِكَ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَلَائِكَة؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتهمْ.



السَّابِع: أَنَّهُ خَالِص لِلَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَظّ بِخِلَافِ غَيْره فَإِنَّ لَهُ فِيهِ حَظًّا لِثَنَاءِ النَّاس عَلَيْهِ بِعِبَادَتِهِ.



الثَّامِن: أَنَّ الصِّيَام لَمْ يُعْبَد بِهِ غَيْر اللَّه بِخِلَافِ الصَّلَاة وَالصَّدَقَة وَالطَّوَاف وَنَحْو ذَلِكَ .


التَّاسِع: أَنَّ جَمِيع الْعِبَادَات تُوَفَّى مِنْهَا مَظَالِم الْعِبَاد إِلَّا الصَّوْم.



الْعَاشِر: أَنَّ الصَّوْم لَا يَظْهَر فَتَكْتُبهُ الْحَفَظَة كَمَا لَا تَكْتُب سَائِر أَعْمَال الْقُلُوب.


قَالَ الْحَافِظ اِبْن حَجَر: فَهَذَا مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْوِبَة، وَأَقْرَبهَا إِلَى الصَّوَاب الْأَوَّل وَالثَّانِي، وَأَقْرَب مِنْهُمَا الثَّامِن وَالتَّاسِع.



قَالَ الْحَافِظ: اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالصِّيَامِ هُنَا صِيَام مِنْ سَلِمَ صِيَامه مِنْ الْمَعَاصِي قَوْلًا وَفِعْلًا.


((فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)) قَدْ ذَكَرُوا لَهُ مَعَانِي، لَكِنْ الْمُوَافِق لِلْأَحَادِيثِ أَنَّهُ كِنَايَة عَنْ تَعْظِيم جَزَائِهِ، وَأَنَّهُ لَا حَدّ لَهُ،
وَهَذَا هُوَ الَّذِي تُفِيد الْمُقَابَلَة بِمَا قَبْله فِي هَذَا الْحَدِيث وَهُوَ الْمُوَافِق لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرهمْ بِغَيْرِ حِسَاب}



وَذَلِكَ لِأَنَّ اِخْتِصَاصه مِنْ بَيْن سَائِر الْأَعْمَال بِأَنَّهُ مَخْصُوص بِعَظْمٍ لَا نِهَايَة لِعَظَمَتِهِ وَلَا حَدّ لَهَا
وَأَنَّ ذَلِكَ الْعَظْم هُوَ الْمُتَوَلِّي لِجَزَائِهِ مِمَّا يَنْسَاق الذِّهْن مِنْهُ إِلَى أَنَّ جَزَاءَهُ مِمَّا لَا حَدّ لَهُ



قال السعدي رحمه الله في (بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار): وقوله صلّى الله عليه وسلم: ((للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه))
وفيه: الإشارة إلى أن الصائم إذا قارب فطره، وحصلت له هذه الفرحة، فإنها تقابل ما مر عليها في نهاره من مشقة ترك الشهوات، فهي من باب التنشيط، وإنهاض الهمم على الخير.



الأستاذة أناهيد السميري حفظها الله


tvpi uk] grhx vfi