حول صلب عيسى

لا أعرف قضية طال فيها اللجاج دون سبب يعقل مثل قضية الصلب والفداء، ولعلها أصدق شاهد يساق لقوله تعالى : " وكان الإنسان أكثر شىء جدلاً " . ولا أزال أذكر حكاية القسيس الألمانى الذى زارنى يوماً فى مكتبى، وشاء له سوء حظه أن يحدثنى فيها، فقلت له ضاحكاً : أترى هذا الثوب الأبيض الذى ألبسه ؟ أرأيت إذا وقعت عليه نقطة حبر أتزول إذا غسلت أنت ثوبك ؟ قال : لا . قلت : فلم يزول خطئى إذا اعتذر عنه آخر ؟
عندما ألوث نفسى بخطأ دق أو جل، فأنا المسئول عنه، أغسل أنا نفسى منه، أشعر أنا بالندم عليه، أقوم أنا من عثرتى إذا وقعت، ثم أعود أنا إلى الله لأعترف له بسوء تصرفى وأطلب أنا منه الصفح .
أما أن العالم يخطئ فيقتل الله ابنه كفارة للخطأ الواقع فهذا ما يضرب الإنسان كفاً بكف لتصوره !!
هذا أول الأسطورة، أما آخرها فلا بد أن نعرف : من القاتل ومن القتيل ؟؟
إن المسيحيين يقولون : إن الله " الابن " صلب، لكنهم يقولون كذلك : إن الآب هو الابن، هما ـ والروح القدس ـ جميعاً شىء واحد .
إن كان الأمر كذلك فالقاتل هو القتيل !! وذاك سر ما قاله أحد الفرنجة المفكرين :
" خلاصة المسيحية أن الله قتل الله لإرضاء الله !! "
ولمن شاء أن يقنع نفسه بهذه النقائض، وأن يفنى عمره فى خدمتها، أما أن يجىء إلينا نحن المسلمين ليلوينا بالختل أو بالعنف عن عقيدتنا الواضحة ويحاول الطعن فيها فهذه هى السماجة القصوى .
وبين يدى الآن نحو عشر نشرات وزعت خارج الكنائس للدعوة إلى أسطورة الفداء، قرأتها كلها وشعرت بالرثاء لكاتبيها .
وكما يحاول قروى ساذج إقناع العلماء أن القنبلة الذرية مصنوعة من كيزان الذرة يحاول هؤلاء " المبشرون " العميان إقناعنا بأنهم على حق .
المنشورات وما تضمنت من أوهام
اقرأ معى هذه السطور الصادرة عن كنيسة " مار مرقص " بمصر الجديدة، يقول الكاتب : " ربما لم أقابلك شخصياً لكن هناك شيئاً يجب أن أقوله لك، إنه أمر فى غاية الأهمية حتى أننى سأكون مقصراً إن لم أخبرك به " .
حسناً، هات ما عندك، ولا تكن من المقصرين !!
يقول الكاتب : " دعنى أخبرك بإخلاص أنها رسالة شخصية لك، لا يمكنك أن تهرب منها، وهذه هى الرسالة من إنجيل يوحنا ( 3 : 16 ) :
" لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل " ابنه " الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية " .
هذا هو الخبر الخطير ! تمخض الجبل فولد فأراً !!
لماذا يقتل الله ابنه الوحيد البرىء من أجل ذنوب الآخرين ؟
وإذا كان الإله رب أسرة كبيرة فلم يقتل أبناءه كلهم أو جلهم من غير جريرة ؟
أليس الأعقل والأعدل أن يقول هذا الإله للمذنبين :
تطهروا من أخطائكم وتوبوا إلىّ أقبلكم ؟!
ولا قتل هناك ولا لف ولا دوران ؟
هكذا فعل الإسلام وأرسى قواعد العلاقة الصحيحة بين الله وعباده " ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً " ( النساء : 110 )
أما قصة أن لله ولداً وحيداً أو غير وحيد فكذب صارخ . إن الولادة شىء يتوقع بين بعض الأحياء، ولا مكان لهذه المفاهيم عند تصور الألوهية " وقل الحمد لله الذى لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك فى الملك، ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيراً " ( الإسراء : 111 )
" يا ربى لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك " .
وهاك سطوراً من نشرة أخرى تحت عنوان " حقائق مخفية " بدأها كاتبها قائلاً : " حقائق أنت أحوج إلى إدراكها من الهواء الذى تتنفسه " !!
شىء مدهش، ما هذه الحقائق التى نفتقر إليها على هذا النحو ولم نشعر بفقدانها من زمن بعيد ؟
يقول الكاتب : " تعال إلى الرب يسوع الآن كما أنت، لا تسع فى إصلاح نفسك (!) لأنه هو يستطيع أن يخلق منك شخصاً جديداً طاهراً " ولكن لماذا لا أسعى فى تزكية نفسى ورفع مستواى المادى والمعنوى ؟
يقول كاتب النشرة : " احذر أن يكون مثلك مثل المتسول مع الرسام ..
" ذلك أن رساماً أراد أن يرسم رجلاً فى منتهى الذل والمسكنة، فرأى متسولاً يتعثر فى أسمال بالية، فطلب منه أن يحضر فى ميعاد عينه له، على أن يعطيه أجراً .. لكن ذلك المتسول خجل من أسماله البالية فاستعار لباساً يدفع به عن نفسه الخجل، ثم أتى إلى الرسام فى الميعاد، فلما نظر إليه الرسام قال : إنى لا أعرفك . فأجاب الرجل : ألا تذكر شحاذاً فقيراً اتفقت معه على أن يجيئك فى هذا الميعاد . قال : إنى لا أذكر إلا رجلاً فى أسمال بالية أما أنت فلا أذكرك ..
" إن الرب ـ يعنى يسوعاً ـ يطلبك فى حالتك السيئة، وما عليك إلا أن تعترف بكل الشرور التى أنت مستعبد لها، وتقبله مخلصاً شخصياً لك، إذا فعلت ذلك فإن حمل خطاياك ينطرح عن ظهرك " .
ونحن المسلمون نقرأ هذا الكلام ونستغرب أن ننقل صفات الله إلى شخص آخر .. إننا مكلفون ـ كسائر البشر ـ بتزكية أنفسنا وصقلها وتربيتها " ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها " .
فإذا أخطأ أحدنا، ذهب إلى ربه يستغفره ويستهديه ويستعينه على العودة إلى الصواب " وهو الذى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله " ( الشورى : 25، 26 )
ما دخل آدم أو عيسى أو محمد فى ذلك، إنهم كلهم بشر يحتاجون إلى المغفرة، ويطلبون من ربهم النجدة .
ولكى يحس القارئ بما حوت هذه النشرة من خلط ننقل هذه العبارة من كلامه : " هب أنه طلب منك أن تشترك فى جريمة صلب ربك، وأن تقل مع من هزءوا به، أكنت ترضى ؟ يقيناً لا .. ولكنك ما دمت لم تختبر قوة صلب المسيح فى خلاص نفسك من الخطيئة، فإنك بخطاياك تشترك فى جريمة صلب ربك " !
هذا الهراء هو الذى نحتاج إليه كما نحتاج إلى الهواء الذى نتنفسه ..
عبيد يستطيعون صلب ربهم، ومع ذلك يطلبون منه المغفرة والرضا .. هلا طلبوا ذلك من الله الذى طلب منه المسيح نفسه النجاة، وعاتبه أن تركه للأعداء كما يقولون !!
وهاك نشرة أخرى تحت عنوان " متجدد أم متدين " ؟ بدأت بهذه الكلمات : " الوردة الطبيعية جميلة الشكل زكية الرائحة، فيها حياة . والوردة الصناعية جميلة الشكل عديمة الرائحة ليس فيها حياة . إن الوردة الطبيعية تمثل المتجدد، أما الوردة الصناعية فتشبه أولئك الذين قال عنهم بولس : " لهم صورة التقوى ولكنهم ينكرون قوتها " .
ولا أفهم بالضبط ما يعنى بولس، أيقصد المرائين ؟ ربما .. المهم أن كاتب النشرة يختمها بهذه العبارات " دعنى أسألك أيها العزيز : هل أنت متجدد أم متدين . إذا كنت قد حصلت على الولادة من فوق فطوبى لك، أثبت إذن فى المسيح .. أما إذا كنت متديناً فأسرع بتسليم حياتك الآن للمسيح .. فتنال الحياة الجديدة التى حصلت عليها المرأة الخاطئة حين غسلت قدمى الرب يسوع بدموعها ومسحتها بشعر رأسها، والتى قال لها الرب : مغفورة لك خطاياك، إيمانك قد خلصك " .
هذه النشرة من مثيلاتها مصرة على تسمية المسيح الرب، ووصفه بأنه الغفار .
ونحن نقبل المسيح مبلغاً عن الله كإخوانه الأنبياء لا يزيد ولا ينقص ونقتدى به وبهم جميعاً فى التقرب إلى الله بالعمل الصالح .
والتدين يهب لنا حياة عقلية ووجدانية راقية، أما التجديد الذى تتحدث عنه النشرة فضرب من الهوس يستهوى الصبية، ومن يحسبون الدين أوهاماً وتهاويل " وجعلوا له من عباده جزءاً، إن الإنسان لكفور مبين " [الزخرف : 15]
التجديد ليس أن تعجن الخالق والمخلوق فى أقنوم مائع، ثم تلف حوله حارقاً البخور، نافخاً فى المزمور، كلا، إن التجديد أولاً وآخراً عقل يرفض الخرافة، وقلب يتعشق الكمال ويتطلبه ..
وهذا منشور آخر من " لبنان " يدور كذلك حول يسوع المصلوب غفار الذنوب يقول كاتبه : " أيها الأخ العزيز خطاياك موضوعة على يسوع لتنال سلاماً مع الله وتشفى نفسك من جروحها . إن تقدمت إلى المصلوب المحبوب وسلمته خطاياك تختبر أن دمه يطهرك من كل إثم حتى ولو كنت قاتلاً أو متعصباً أو حالفاً بالله كذباً، ومهما كانت خطاياك كبيرة أو صغيرة فإن المسيح هو يغفرها جميعاً " !!!
ويجاوبه منشور آخر من القاهرة يرد فيه هذا التساؤل : " لكنك تقول توجد آراء كثيرة فكيف أعرف من هو على حق ؟ ..
" كل من يرشدك إلى المسيح قارب النجاة فهو على حق، وكل من يبقيك فى السفينة العتيقة ـ المشرفة على الغرق ـ يخدعك ويضلك، هل أنت مجتهد بشتى الوسائل فى إصلاح السفينة العتيقة، أى طبيعتك البشرية الساقطة ؟ اعلم أنك إذن إذا استمررت على هذه الحال فلا بد أن تغطس إن عاجلاً وإن آجلاً .. " .
أى أن كل تهذيب وتأديب منتهيان بصاحبهما حتماً إلى الغرق، ما لم يعتقد أن المسيح صلب من أجله، وأنه هو وحده فداء خطاياه ..
مهما أتيت ربك بقلب سليم بل لو أتيته بضمير فى طهر السحاب وضياء الشروق فلا وزن لهذا كله، ما لم تؤمن أن عيسى قتل من أجل أن يفتدى خطاياك، ويخلصك من ذنوبك ؟!
هذه هى خلاصة المنشورات التى حررها بنفسه أو أشرف على تحريرها صاحب الفم الذهبى رئيس إخواننا الأقباط، وعمل على توزيعها فى أوسع نطاق ..
" وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شىء، إنهم لكاذبون، وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون " ( العنكبوت : 12، 13 )
الإسلام أقوى بكثير من هذه التفاهات
إننا معشر المسلمين نحب عيسى ونوقره ونعد أنفسنا أتباعه، ونرفض بغضب كل ريبة توجه إليه أو إلى السيدة البتول أمه، بل نحن أولى بعيسى من أولئك الذين ينتمون إليه ويغالون فيه .
وليس خلافنا مع النصارى أنه قتل أو لم يقتل، الخلاف أعمق من ذلك .. الخلاف : أهو " إنسان " كما نقول أو " إله " كما يزعمون ؟
أكل امرىء بما كسب رهين ؟ أم أن هناك قرباناً قدمه الله من نفسه لمحو خطايا البشر ؟
هم يرون أن الله فى السماء ترك ابنه الوحيد على خشبة الصليب ليكون ذلك القربان ..
ونتساءل : أكان عيسى يجهل ذلك عندما قال : إلهى لماذا تركتنى ؟
وثم سؤال أخطر : هل المنادى المستغيث فى الأرض هو هو المنادى المستغاث به فى السماء، لأن الأب والابن شىء واحد كما يزعمون ؟؟
هذا كلام له خبئ معناه : ليست لنا عقول !!
الحق أن هذه العقيدة النصرانية يستحيل أن تفهم .
قرأت مقالاً للدكتور " ميشيل فرح " فى جريدة " لميساجى " الصادرة فى القاهرة فى 16 / 9 / 1973 م يشرح هذه العقيدة بطريقة عقلانية قال : " الكتاب المقدس ينبئ أن الله سوف يظهر نفسه، أى أن الكلمة المجردة ستأخذ جسداً ولحماً (!) وهذا هو الحدث الجديد . عمانوئيل . الله معنا . الله يصبح بشرى سارة، الله يعلن ويخبر . وهذا الظهور أساس كل شىء . هو الرد على سؤال توفيق الحكيم فى قصته المشهورة " أرنى الله " . ها هو الله . شىء ما حدث وحصل ووقع وتأنس " .
هذا الكلام المبهم المضطرب الذى لا يعطى معنى هو التفسير العقلانى للعقيدة المسيحية !
رب المشارق والمغارب ظهر فى إهاب " بشر " ليراه الناس، ثم من فرط رحمته بهم " ينتحر " من أجلهم !
من يكلفنى بهضم هذا القول ؟
هل أعتنق هذا وأترك القرآن الذى يقرر العقيدة على هذا النحو : " قل لمن ما فى السموات والأرض، قل لله، كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ..
.. الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون " ( الأنعام : 12 )
" ألا إن لله من فى السموات ومن فى الأرض وما يتبع الذين من دون الله شركاء .. إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون " ..
" هو الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً . إن فى ذلك لآيات لقوم يسمعون . قالوا : اتخذ الله ولداً سبحانه هو الغنى له ما فى السموات وما فى الأرض . إن عندكم من سلطان بهذا . أتقولون على الله ما لا تعلمون قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون " ( يونس : 66 ـ 69 )
هكذا خاصم الإسلام الخرافة وأعلن إباءه التام للون مقنع من الشرك، وسد الطريق فى وجه القرابين الوثنية وهى تتسلل فى خبث لتطمس معالم التوحيد .
لم كرمنا الله بالعقل إذا كان مفروضاً أن نطرحه ظهرياً عندما نختار أهم شىء فى الحياة وهو الإيمان والسلوك ؟
إن العقل يجزم بأن عيسى بشر وحسب، ويرفض أن يكون " إلهاً " ابناً مع " إله " مع " إله " آخر روح قدس، وثلاثتهم واحد مع تعددهم، وتعددهم حتم، لأن أحدهم ترك الآخر يصلب ..
هذا كلام يدخل فى باب الألغاز، ولا مجال له فى عالم الحق والتربية ..
ومع ذلك فنحن المسلمين نقول لمن يصدقه : عش به ما شئت " لا إكراه فى الدين " ( البقرة : 256 ) فهل الرد على هذا المنطق إثارة كل هذا الدخان فى آفاقنا، ومحاولة ختل الشباب ونشر الفتنة ؟
قصة " الله محبة " وموقف شتى الأناجيل منها
وقال لى أحدهم وهو يحاورنى : إننا نرى أن الله محبة !! على عكس ما ترون .. فأجبت ساخراً، كأننا نرى الله كراهية ؟ إن الله مصدر كل رحمة وبر، وكل نعمة وخير .. وصحيح أننا نصفه بالسخط على الفجار والظلمة، والأمر فى ذلك كما قال جل شأنه " ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين " أفليس الأمر كذلك لديكم ؟ إنكم تخدعون العالمين بذكر هذه الكلمة وحدها ووضع ستائر كثيفة على ما عداها من كلمات تصف الجبروت الإلهى بأشد مما ورد فى الإسلام، بل إن تعامل بعضكم مع البعض، وتعاملكم جميعاً مع الخصوم لا يقول إلا على هذه الكلمات الأخرى التى تخفونها، وما أكثرها لديكم .
قال " ايتين دينيه " المستشرق المسلم : " بيد أن المسيح نفسه ـ وهو سيدنا وسيد المسيحيين ـ يعلن : " ولا تظنوا أنى جئت أنشر السلام على الأرض، إننى لم آت أحمل السلام وإنما السيف " (متى:الاصحاح العاشر:34) ..
" ويقول السيد المسيح : " إننى جئت لألقى النار على الأرض، وماذا أريد من ذلك إلا اشتعالها " ( لوقا : الاصحاح الثانى عشر، 49 ) ..
" ويقول السيد المسيح : " إذ إنى جئت لأفرق بين الولد وأبيه، والبنت وأمها، وبين زوجة الابن وأمه " ( متى : الاصحاح العاشر : 35 ) ..
" ويقول السيد المسيح : " إن كان أحد يأتى ولا يبغض أباه وأمه، وامرأته وأولاده، وإخوته وأخواته، حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون لى تلميذاً " ( لوقا : الاصحاح الرابع عشر : 26 ) ..
" أين من هذا ما جاء به النبى العربى الكريم من سلام حقيقى وحب كامل بين الأخ وأخيه، وبين الزوجة وزوجها، وبين الأب وولده، وبين الأم وفلذة كبدها، وبين الجار وجاره مسلماً كان أو غير مسلم، وبين الأرحام والأقرباء، وبين المشتركين فى الإنسانية الذين يتوفر لديهم مدلول الإنسانية فى بنى الإنسان " .
إننا ـ نحن المسلمين ـ نتقرب إلى الله عز وجل برحمة الناس وغير الناس والبذل من مالنا وجهدنا ووقتنا فى سبيل نفعهم، ولنا على كل شىء من ذلك أجر فى ميزان الله الذى لا يختل عنده ميزان .
وما أصدقها شهادة تلك التى بعث بها البطريرك ( النسطورى الثالث ) إلى البطريرك " سمعان " زميله فى المجمع بعد ظهور الإسلام حيث قال فى كتابه : " إن العرب الذين منحهم الرب سلطة العالم وقيادة الأرض أصبحوا معنا، ومع ذلك نراهم لا يعرضون النصرانية بسوء، فهم يساعدوننا ويشجعوننا على الاحتفاظ بمعتقداتنا، وإنهم ليجلون الرهبان والقسيسين، ويعاونون بالمال الكنائس والأديرة " .
وما أصدق ما يقوله المؤرخ العالمى ( هـ . ج . ويلز ) فى كتابه : " معالم تاريخ الإنسانية " لقد تم فى
" 125 عاماً أن نشر الإسلام لواءه من نهر السند إلى المحيط الأطلسى وأسبانيا، ومن حدود الصين إلى مصر العليا ولقد ساد الإسلام لأنه كان خير نظام اجتماعى وسياسى استطاعت الأيام تقديمه، وهو قد انتشر لأنه كان يجد فى كل مكان شعوباً بليدة سياسياً : تسلب وتظلم وتخوف، ولا تعلم ولا تنظم، كذلك وجدت حكومات أنانية سقيمة لا اتصال بينها وبين أى شعب . فكان الإسلام أوسع وأحدث وأنظف فكرة سياسية اتخذت سعة النشاط الفعلى فى العالم حتى ذلك اليوم، وكان يهب بنى الإنسان نظاماً أفضل من أى نظام آخر " .
تجليات العذراء، الرمح المقدس، الحقيقة العلمية المطاردة
تقتعد خوارق العادات المكانة الأولى فى الأديان البدائية، وكلما وَهى الأساس العقلى لدين ما زاد اعتماده على هذه الخوارق، وجمع منها الكثير لكهنته وأتباعه .
والمسيحية من الأديان التى تعول فى بقائها وانتشارها على عجائب الشفاء، وآثار القوى الخفية الغيبية .
وبين يدى الآن نشرة صغيرة، على أحد وجهيها صورة العذراء وهى تقطر وداعة ولطفاً، وعلى ذراعها الطفل الإله يسوع يمثل البراءة والرقة . أما الوجه الآخر للصورة فقد تضمن هذا الخبر تحت عنوان " محبة الآخرين وخدمتهم "، وتحته هذه الجملة " حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع " ( غل 6 : 10 ) " كانت السيدة زهرة ابنة محمد على باشا بها روح نجس، ولما علم أبوها أن " الأنبا حرابامون " أسقف المنوفية قد أعطاه الله موهبة إخراج الأرواح النجسة استدعاه . ولما صلى لأجلها شفيت فى الحال، فأعطاه محمد على باشا صرة بها أربعة آلاف جنيه، فرفضها قائلاً : إنه ليس فى حاجة إليها لأنه يعيش حياة الزهد، وهو قانع بها " .
هذا هو الخبر الذى يوزع على الجماهير ليترك أثره فى صمت .
وموهبة استخراج العفاريت من الأجسام الممسوسة موهبة يدعيها نفر من الناس، أغلبهم يحترف الدجل، وأقلهم يستحق الاحترام، وأعرف بعض المسلمين يزعم هذا، وأشعر بريبة كبيرة نحوه .
ومرضى الأعصاب يحيرون الأطباء، وربما أعيا أمرهم عباقرة الطب، ونجح فى علاجهم عامى يكتب " حجاباً " لا شىء فيه غير بعض الصور والأرقام .
وليس يعنينى أن أصدق أو أكذب المأسوف على مهارته أسقف المنوفية، وإنما يعنينى كشف طريقة من طرق إقناع الناس بصدق النصرانية، وأن الثالوث حق، والصلب قد وقع، والأتباع المخلصين يأتون العجائب ..
والمسيحية أحوج الأديان لهذا اللون من الأقاصيص، هى فقيرة إليها فى سلمها لإثبات أصولها الخارجة على المنطق العقلى، وفقيرة إليه فى قتالها لتبرير عدوانها على الآخرين .
وتدبر معى هذه القصة من قصص الحروب الصليبية المشهورة بقصة " الرمح المقدس " منقولة من كتاب " الشرق والغرب " :
" دفع الصليبيون من أجل عبور آسيا الصغرى ثمناً باهظاً، إذ فقدوا أفضل جنودهم وخيرة عساكرهم، بينما استولى اليأس والفزع على البقية الباقية ..
" وبدأ الخوف من تفكك الجيش وفرار الجنود يساور القادة، فعمدوا إلى بعض الحيل الدينية لصد هذا الخطر وربط الجنود برباط العقيدة . ومن تلك الحيل التى روجوا لها ما رواه المؤرخون عن ظهور المسيح والعذراء أمام الجنود الهيابين ووعدهم بالصفح عن الخطايا والخلود فى الجنة إذا ما استماتوا فى معاركهم ضد المسلمين ..
" غير أن هذا الأسلوب النظرى لم يلهب حماس الجنود، ولم يحقق الغرض الذى ابتدعه الصليبيون من أجله، فكان لا بد من أسلوب آخر ينطوى على واقعة مادية يكون من شأنها إعادة الإيمان إلى القلوب التى استبد بها اليأس، وتقوية العزائم التى أوهنتها الحرب . وهنا أذيع بين الجنود قصة اكتشاف الرمح المقدس ..
" تلك الواقعة التى روى تفاصيلها المؤرخ " جيبون " فضلاً عن غيره من المؤرخين المعاصرين . قال : ..
" إن قساً يدعى بطرس بارتلمى من التابعين لأسقفية " مارسيليا " منحرف الخلق ذا عقلية شاذة، وتفكير ملتو معقد زعم لمجلس قيادة الحملة الصليبية، أن قديساً يدعى " أندريه " زاره أثناء نومه، وهدده بأشد العقوبات إن هو خالف أوامر السماء، ثم أفضى إليه بأن الرمح الذى اخترق قلب عيسى عليه السلام مدفون بجوار كنيسة القديس بطرس فى مدينة " انطاكيا "، فروى " بارتلمى " هذه الرؤيا لمجلس قيادة الجيش، وأخبرهم بأن هذا القديس الذى طاف به فى منامه قد طلب إليه أن يبادر إلى حفر أرض المحراب لمدة أيام ثلاثة، تظهر بعدها " أداة الخلود " التى " تخلص " المسيحيين جميعاً، وأن القديس قال له : ابحثوا تجدوا .. ثم ارفعوا الرمح وسط الجيش، وسوف يمرق الرمح ليصيب أرواح أعدائكم المسلمين ..
" وأعلن القس " بارتلمى " اسم أحد النبلاء ليكون حارساً للرمح، واستمرت طقوس العبادة من صوم وصلاة ثلاثة أيام دخل فى نهايتها اثنا عشر رجلاً ليقوموا بالحفر والتنقيب عن " الرمح " فى محراب الكنيسة (!) ..
" لكن أعمال الحفر والتنقيب التى توغلت فى عمق الأرض اثنى عشر قدماً لم تسفر عن شىء . فلما جن الليل أخلد " النبيل " الذى اختير لحراسة الرمح إلى شىء من الراحة، وأخذته سنة من النوم، وبدأت الجماهير التى احتشدت بأبواب الكنيسة تتهامس ..! ..
" فاستطاع القس " بارتلمى " فى جنح الظلام أن ينزل إلى الحفرة، مخفياً فى طيات ثيابه قطعة من نصل رمح أحد المقاتلين العرب، وبلغ أسماع القوم رنين من جوف الحجرة، فتعالت صيحاتهم من فرط الفرح، وظهر القس وبيده النصل الذى احتواه بعد ذلك قماش من الحرير الموشى بالذهب، ثم عرض على الصليبيين ليلتمسوا منه البركة، وأذيعت هذه الحيلة بين الجنود وامتلأت قلوبهم بالثقة، وقد أمعن قادة الحملة فى تأييد هذه الواقعة بغض النظر عن مدى إيمانهم بها أو تكذيبهم لها .. " .
على هذا النحو، ولمثل هذا الغرض جرت أسطورة ظهور العذراء فى كنيسة عادية، وكاهنها ـ فيما علمت ـ رجل فاشل لا يتردد الأقباط على دروسه .
وبين عشية وضحاها أصبح كعبة الآلاف، فقد شاع وملأ البقاع أن العذراء تجلت شبحاً نورانياً فوق برج كنيسته، ورآها هو وغيره فى جنح الليل البهيم ..
وكأنما الصحف المصرية كانت على موعد مع هذه الإشاعة، فقد ظهرت كلها بغتة، وهى تذكر النبأ الغامض، وتنشر صورة البرج المحظوظ، وتلح إلى حد الإسفاف فى توكيد القصة ..
وبلغ من الجرأة أنها ذكرت تكرار التجلى المقدس فى كل ليلة .
وكنت موقناً أن كل حرف من هذا الكلام كذب متعمد، ومع ذلك فإن أسرة تحرير مجلة " لواء الإسلام " قررت أن تذهب إلى جوار الكنيسة المذكورة كى ترى بعينيها ما هنالك ..
وذهبنا أنا والشيخ " محمد أبو زهرة " وآخرون، ومكثنا ليلاً طويلاً نرقب الأفق، ونبحث فى الجو، ونفتش عن شىء، فلا نجد شيئاً البتة .
وبين الحين والحين نسمع صياحاً من الدهماء المحتشدين لا يلبث أن ينكشف عن صفر .. عن فراغ .. عن ظلام يسود السماء فوقنا .. لا عذراء ولا شمطاء ..
وعدنا وكتبنا ما شهدنا، وفوجئنا بالرقابة تمنع النشر ..
وقال لنا بعض الخبراء : إن الحكومة محتاجة إلى جعل هذه المنطقة سياحية، لحاجتها إلى المال، ويهمها أن يبقى الخبر ولو كان مكذوباً ..
ما هذا ؟!
ولقينى أستاذ الظواهر الجوية بكلية العلوم فى جامعة القاهرة، ووجدنى ساخطاً ألعن التآمر على التخريف وإشاعة الإفك، فقال لى : أحب أن تسمع لى قليلاً، إن الشعاع الذى قيل برؤيته فوق برج الكنيسة له أصل علمى مدروس، واقرأ هذا البحث .
وقرأت البحث الذى كتبه الرجل العالم المتخصص ( الأستاذ الدكتور محمد جمال الدين الفندى )، واقتنعت به، وإنى أثبته كاملاً هنا .. :
" ظاهرة كنيسة الزيتون ظاهرة طبيعية ..
" عندما أتحدث باسم العلم لا أعتبر كلامى هذا رداً على أحد، أو فتحاً لباب النقاش فى ظاهرة معروفة، فلكل شأنه وعقيدته، ولكن ما أكتب هو بطبيعة الحال ملخص ما أثبته العلم فى هذا المجال من حقائق لا تقبل الجدل ولا تحتمل التأويل، نبصر بها الناس، ولكل شأنه وتقديره ..
" ولا ينكر العلم الطبيعى حدوث هذه الظاهرة، واستمرارها فى بعض الليالى لعدة ساعات، بل يقرها ولكن على أساس أنها مجرد نيران أو وهج أو ضياء متعددة الأشكال غير واضحة المعالم، بحيث تسمح للخيال أن يلعب فيها دوره، وينسج منها ما شاءت الظروف أن ينسج من ألوان الخيوط والصور . إنها من ظواهر الكون الكهربائية التى تحدث تحت ظروف جوية معينة، تسمح بسريان الكهرباء من الهواء إلى الأرض عبر الأجسام المرتفعة نسبياً المدببة فى نفس الوقت، شأنها فى ذلك مثلاً شأن الصواعق التى هى نيران مماثلة، ولكن على مدى أكبر وشدة أعظم، وشأن الفجر القطبى الذى هو فى مضمونه تفريغ كهربى فى أعالى جو الأرض، ولطالما أثار الفجر القطبى اهتمام الناس بمنظره الرائع الخلاب، حتى ذهب بعضم خطأ إلى أنه ليلة القدر، لأنه يتدلى كالستائر المزركشة ذات الألوان العديدة التى تتموج فى مهب الريح ..
" ومن أمثلة الظواهر المماثلة لظاهرتنا هذه أيضاً ـ من حيث حدوث الأضواء وسط الظلام ـ السحب المضيئة العالية المعروفة باسم " سحاب اللؤلؤ "، وهذا السحاب يضىء ويتلألأ وسط ظلام الليل، لأنه يرتفع فوق سطح الأرض، ويبعد عنها البعد الكافى الذى يسمح بسقوط أشعة الشمس عليه رغم اختفاء قرص الشمس تحت الأفق، وتضىء تلك الأشعة ذلك السحاب العالى المكون من أبر الثلج، فيتلألأ ويلمع ضياؤه ويترنح وسط ظلام الليل ونقاء الهواء العلوى فيتغنى به الشعراء ..

" وتذكرنا هذه الظاهرة كذلك بظاهرة السراب المعروفة، تلك التى حيرت جيوش الفرنسيين أثناء حملة نابليون على مصر، فقد ظنوا أنها من عمل الشياطين حتى جاءهم العالم الطبيعى " مونج " بالخبر اليقين، وعرف الناس أنها من ظواهر الطبيعة الضوئية ..
" وظاهرتنا التى تهمنا وتشغل بال الكثيرين منا تسمى فى كتب العلم " نيران القديس المو " أو " نيران سانت المو "، ونحن نسوق هنا ما جاء عنها فى دائرة المعارف البريطانية التى يملكها الكثيرون ويمكنهم الرجوع إليها : النص الإنجليزى فى : Handy Volume Essue Eleventh Edition الصحيفة الأولى من المجلد الرابع والعشرين تحت اسم : St. Elms Firs .. وترجمة ذلك الكلام حرفياً : ..
" نيران سانت المو : هى الوهج الذى يلازم التفريغ الكهربى البطىء من الجو إلى الأرض . وهذا التفريع المطابق لتفريغ " الفرشاة " المعروف فى تجارب معامل الطبيعة يظهر عادة فى صورة رأس من الضوء على نهايات الأجسام المدببة التى على غرار برج الكنيسة وصارى السفينة أو حتى نتوءات الأراضى المنبسطة، وتصحبها عادة ضوضاء طقطقة وأزيز ..
" وتشاهد نيران سانت المو أكثر ما تشاهد فى المستويات المنخفضة خلال موسم الشتاء أثناء وفى أعقاب عواصف الثلج ..
" واسم سانت المو هو لفظ إيطالى محرف من سانت " رمو " وأصله سانت أراموس، وهو البابا فى مدة حكم دومتيان، وقد حطمت سفينته فى 2 يونيو عام 304، ومنذ ذلك الحين اعتبر القديس الراعى لبحارة البحر المتوسط الذين اعتبروا نيران سانت الموا بمثابة العلاقة المرئية لحمايته لهم، وعرفت الظاهرة لدى قدماء الإغريق . ويقول بلن Biln فى كتابه " التاريخ الطبيعيى " أنه كلما تواجد ضوءان كانت البحارة تسميهما التوأمان، واعتبر بمثابة الجسم المقدس ..
" على هذا النحو نرى أن أهل العلم الطبيعى لا يتحدثون عن خوارق الطبيعة، وإنما يرجعون كل شىء إلى قانونه السليم العام التطبيقى، أما من حيث انبعاث ألوان تميز تلك النيران، فيمكننا الرجوع إلى بعض ما عمله العلماء الألمان أمثال جوكل Gockel من تفسير الاختلاف فى الألوان، فهو يبين فى كتابه Das gewiter من التجارب التى أجراها فى ألمانيا أنه أثناء سقوط الثلج تكون الشحنة موجبة ( اللون الأحمر )، أما أثناء تساقط صفائح ثلج فإن الشحنة ليست نادرة، ويصحبها أزيز، ويغلب عليها اللون الأزرق ..
" وفى كتاب الكهرباء الجوية Atmospheric Electricity لمؤلفه شوتلاند صفحة 38 نجده يقول : ..
" تحت الظروف الملائمة فإن القسم البارز على سطح الأرض كصوارى السفن إذا تعرضت إلى مجالات شديدة من حالات شحن الكهرباء الجوية يحصل التفريغ الوهجى ويظهر واضحاً ويسمى نيران سانت المو ..
" قارن هذا بالأوصاف التى وردت فى جريدة الأهرام بتاريخ 6 / 5 / 1968 .. ( هيئة جسم كامل من نور يظهر فوق القباب الأربع الصغيرة لكنيسة الزيتون أو فوق الصليب الأعلى للقبة الكبرى أو فوق الأشجار المحيطة بالكنيسة .. الخ .. ) ..
" .. (.. أما الألوان .. فقد أجمعت التقارير حتى الآن على أنها الأصفر الفاتح المتوهج والأزرق السماوى )..
" وعندما نرجع بالذاكرة إلى الحالة الجوية التى سبقت أو لازمت الرؤية الظاهرة، نجد أن الجمهورية كانت تجتاحها فى طبقات الجو العلوى موجة من الهواء الباردة جداً الذى فاق فى برودته هواء أوربا نفسها، مما وفر الظرف الملائم لتولد موجات كهربية بسبب عدم الاستقرار، ولكن فروق الجهد الكهربى يمكن أن تظل كافية مدة طويلة ..
" ويضيف ملهام Milham عالم الرصد الجوى البريطانى فى كتابه " المتيرولوجيا " صفحة 481 ( أنه أحياناً تنتشر رائحة من الوهج .. ) وتفسيرنا العلمى للرائحة أنها من نتائج التفاعلات الكيماوية التى تصحب التفريغ الكهربى وتكون مركبات كالأوزون ..
" وخلاصة القول أنه من المعروف والثابت علمياً أن التفريغ الكهربى المصحوب بالوهج يحدث من الموصلات المدببة عندما توضح فى مجال كهربى كاف، وهو يتكون من سيال من الأيونات التى تحمل شحنات من نفس نوع الشحنات التى يحملها الموصل ..
" والتفريغات الكهربية التى من هذا النوع يجب أن تتوقع حدوثها من أطراف الموصلات المعرضة على الأرض، مثل النخيل والأبراج ونحوها، عندما يكون مقدار التغير فى الجهد الكهربى كافياً، بشرط أن يكون ارتفاع الجسم المتصل بالأرض ودقة الأطراف المعرضة ملائمة، ومن المؤكد أن الباحثين الأول أمثال فرنكلين لاحظوا مجال الجو الكهربى حتى فى حالات صفاء السماء ..
" وتحت الظروف الطبيعية الملائمة التى توفرها الأطراف المدببة للأجسام المرتفعة فوق سطح الأرض قد يصبح وهج التفريغ ظاهراً واضحاً ..
" وقد ذكر " ولسون " العالم البريطانى فى الكهربائية الجوية أن التفريغ الكهربى البطىء للأجسام المدببة يلعب دوراً هاماً فى التبادل الكهربى بين الجو والأرض، خصوصاً عن طريق الأشجار والشجيرات وقمم المنازل وحتى حقول الحشائش . وليس من اللازم أن ينتهى الجسم الموصل بطرف مدبب أو يبرز إلى ارتفاعات عظيمة ..
" وقد يتساءل الناس : ..
" ـ .. إن الظاهرة خدعت الأقدمين من الرومان قبل عصر العلم، ثم فى عصر العلم فسر العلماء الظاهرة على أنها تفريغ كهربى، لكن التاريخ يعيد نفسه، فقد خدعت نفس الظاهرة الطبيعية أهل مصر، فأطلقوا عليها نفس الاسم الذى تحمله الكنيسة التى ظهرت النيران فوقها، ومن هنا ظن القوم خطأ أنها روح مريم عليها السلام ..
" ـ .. الظاهرة الطبيعية تحدث فى الهواء الطلق أعلى المبانى والشجر ولا تحدث داخل المبانى، وهو عين ما شوهد، ولو أنها كانت روح العذراء لراحت تظهر داخل الكنيسة بدلاً من الظهور على الأشجار والقباب ..
" ـ .. الظاهرة الجوية يرتبط ظهورها ومكثها بالكهربائية الجوية، وعموماً بالجو وتقلباته، فهل إذا كانت روحاً يرتبط ظهورها بالجو كذلك ؟؟ ..
" ـ .. الظاهرة الطبيعية لا تشاهد إلا عندما يخيم الظلام، بسبب ضعف ضوء الوهج بالنسبة إلى ضوء الشمس الساطع . ولكن ما يمنع الأرواح الطاهرة أن تظهر بالنهار ؟؟ ..
" ـ .. إذا كانت نفس الظاهرة تشاهد فى أماكن أخرى فى مصر فما الموضوع ؟ " .
وحاول الدكتور محمد جمال الدين الفندى أن ينشر بحثه فى الصحف فأبت، والغريب أنه لما نشر فى مجلة الوعى الإسلامى " الكويتية منع دخولها مصر ..
والأغرب من ذلك أن الأوامر صدرت لأئمة المساجد ألا يتعرضوا للقصة من قريب أو بعيد !
وذهب محافظ القاهرة " سعد زايد " ليضع تخطيطاً جديداً للميدان، يلائم الكنيسة التى سوف تبنى تخليداً لهذا الحدث الجليل .. وعلمت بعد ذلك من زملائى وتلامذتى أن لتجليات العذراء دورات منظمة مقصودة .
فقد ظهرت فى " الحبشة " قريباً من أحد المساجد الكبرى فاستولت عليه السلطة فوراً، وشيدت على المكان كله كنيسة سامقة !!
وظهرت فى " لبنان " فشدت من أزر المسيحية التى تريد فرض وجودها على جباله وسهوله مع أن كثرة لبنان مسلمة .
وها هى ذى قد ظهرت فى القاهرة أخيراً لتضاعف من نشاط إخواننا الأقباط كى يشددوا ضغطهم على الإسلام ..
وقد ظلت جريدة " وطنى " الطائفية تتحدث عن هذا التجلى الموهوم قريباً من سنة، إذ العرض مستمر، والخوارق تترى، والأمراض المستعصية تشفى، والحاجات المستحيلة تقضى ..
كل ذلك وأفواه المسلمين مكممة،وأقلامهم مكسورة حفاظاً على الوحدة الوطنية .
وسوف تتجلى مرة أخرى بداهة عندما تريد ذلك المخابرات المركزية الأمريكية . ولله فى خلقه شئون ..