- قولهم إن الخلق ابتدأ يوم الأحد وأن الحديث يخالف ذلك!

وقد استند القائلون بذلك إلى أمور:

-أحاديث وآثار قالت ذلك!
-الإجماع على أن الخلق وقع يوم الأحد!
-أن هذا ما جاء في كتب أهل الكتاب!

-الاستدلال: وقد استدلوا بأمرين:

أولهما أن آخر الخلق كان يوم الجمعة؛ وعلى هذا فإن أوله يوم الأحد؛ لأن الخلق وقع في ستة أيام!
وثانيهما: أن أسماء الأيام تدل على ذلك!

وسوف أرد على هذه الشبهات باختصار قدر المستطاع فهي لا تستحق الكثير من الرد!

- أما قولهم بأن هناك أحاديث وآثاراً تقول بذلك فإننا نرد عليهم بما يلي:
أما الآثار؛ فسواءً صحت أم لم تصح؛ فهي كعدمها لا حجة فيها؛ فالخبر بأن الخلق وقع يوم الأحد لا بد عليه من برهان من الوحي، وليس بقول من لم يطلع على الغيب وليس معصوماً! هذا مع أنني لم أر خبراً منها يصح بسند يماثل سند "حديث التربة" عند مسلم فكيف يرد بها؟!

أما الأحاديث فهي كلها ضعيفة ولا تخلو من انقطاع أو إرسال أو من مقال في رواتها، (انظر "تاريخ الطبري" 1/35)، أي أنها في كل الأحوال ليست بأفضل حالاً من حديث التربة! ويكفي أن كل من أشاروا إليها إنما أشاروا إليها على استحياء!

والأهم من ذلك كله هو أننا لم نر من أشاروا إلى هذه الأحاديث قد ذكروا سبب ترجيحهم لها! وأكتفي بهذا القدر لأنني
لا
أجد ما يقال أكثر من ذلك!

- أما دعواهم الإجماع فهي دعوى مجردة ينقصها الدليل بل الواقع ضد هذه الدعوى!

وقد بحثت عن أصل هذه الدعوى، وبحثت عمن نقل الإجماع من العلماء، ولم أجد أثناء بحثي من ادعى الإجماع سوى الطبري رحمه الله في "تاريخه"؛ فقد ادعى الإجماع هناك (1/35)، ومن الغريب أن الطبري نفسه قد نقل عن محمد بن أبي إسحاق نقيض هذه الدعوى وهو أن الله تعالى ابتدأ الخلق يوم السبت! وأشار إلى قول غيره بذلك أيضاً؛ فأين هو الإجماع الذي ادعاه الطبري رحمه الله، وهو نفسه قد نقل ما يخرقه في الصفحة نفسها مما يقضي على دعوى الإجماع من أساسها؟!

- أما قولهم: إن هذا هو ما تدل عليه كتب أهل الكتاب؛ فإن ذلك مما لا ينقضي منه العجب! إذ متى كانت كتب أهل الكتاب وما جاء فيها دليلاً؛ حتى نأخذ بما فيها وكأنها مسلمات!

ثم إنه ليس في كتب أهل الكتاب ما يبين متى بدأ الخلق أصلاً، أما النص الذي يتحدث عن بعض مراحل الخلق في أول كتابهم؛ فهو إنما يتحدث عن مراحل لاحقة، ولا يتحدث عن خلق السماوات والأرض، بل يتحدث عما حدث بعد هذا الخلق؛ من تطوير وغيره!

فكتابهم ينص على أنه "في البدء خلق الله السماوات والأرض، وإذ كانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرفرف على وجه المياه(!!) قال الله: ليكن نور، فكان نور، ورأى الله النور أنه حسن، وفصل الله بين النور والظلمة، ودعا الله النور نهاراً والظلمة دعاها ليلاً، وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً.."(تكوين1/1-5)

ونحن نرى من هذا النص المحرف، أن الأرض كانت موجودة أصلاً، ولكنها كانت خربة وخالية، وتكتنفها الظلمة فقامت فيها مراحل الخلق التالية! كما يزعمون.

فأين دعوى من ادعى أن كتب أهل الكتاب تقول إن الله تعالى قد ابتدأ خلق السماوات والأرض يوم الأحد؟!

- أما استدلالاتهم التي ذكروها؛ فنرد عليها كما يلي:

أما استلالهم بأن آخر الخلق كان يوم الجمعة، وعلى هذا فإن الخلق ابتدأ يوم الأحد؛ فيرد عليه بأن يأتوا بالدليل على أن آخر خلق السماوات والأرض وما بينهما كان يوم الجمعة! وهذا الحديث إنما يذكر أن آدم خلق يوم الجمعة، ولا علاقة لآدم بخلق السماوات والأرض وما بينهما كما بينا!

- وأما استدلالهم بأن أسماء الأيام تدل على ذلك؛ فهو كلام غير مفهوم! نعم كان أهل الكتاب وبعض العرب يجعلون الأحد أول أيام الأسبوع، ولكننا لا نعلم أن أحداً منهم قال: إنهم سموا الأيام بذلك؛ لأن ابتداء الخلق كان يوم الأحد، وعلى ذلك فنحن نستدل بالمعطيات التي عندنا وهي أن العرب إنما سموا الأحد كذلك وربما سموه الأول؛ لأنه أول يوم في الأسبوع، أما لماذا جعلوه أول يوم فلا علم لنا! وعلى من يدعي العلم أن يثبت لنا ذلك قبل أن يبني على دعواه شيئاً

- أما قولهم أن الحديث يوافق الإسرائيليات؛ فإننا نرد عليهم بأن نفترض موافقته للإسرائيليات فكان ماذا؟! هل مجرد موافقة الإسرائيليات يعد طعناً في الحديث؟! سبحان الله! ولماذا لا نجعل ذلك دليلاً على صحة الإسرائيليات؟! بدلاً من أن يكون طعناً في ما يوافقها؟!

إن الطعن في الحديث لمجرد موافقته للإسرائيليات أمر خطير يؤدي إلى التشكيك في كثير من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم!

ثم نسألهم لماذا يطعن في الحديث بمجرد موافقته الإسرائيليات؟! هل كل ما جاء في الإسرائيليات كذب؟! فإن قالوا ذلك، فإن قولهم هذا ترده البداهة! وقد جاءت آيات كثيرة في القرآن العظيم توافق ما جاء في كتب أهل الكتاب! ومن ينظر في قصة يوسف وموسى عليهما السلام في كتب أهل الكتاب؛ يرى من التوافق بينها وبين ما جاء في القرآن العظيم! فهل نرد ما جاء في القرآن لموافقته الإسرائيليات؟!

ومع ذلك فإن الحديث لا يوافق الإسرائيليات بوجه من الوجوه، وقد رجعت إلى كتاب اليهود الذي أشار إليه البعض، والذي يتحدث عن بعض مراحل الخلق؛ فوجدته يخالف ما جاء في الحديث، بل يناقضه! فقد زعموا هناك (تكوين-1/3فما بعدها) أن الله تعالى استراح يوم السابع! –تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- وأنه خلق النور في اليوم الأول، والسماء في اليوم الثاني، واليابسة والخضراوات في اليوم الثالث، والقمر والنجوم في اليوم الرابع، والطيور والأسماك في اليوم الخامس، والحيوانات والإنسان في اليوم السادس! وبالطبع لم يذكر سفر التكوين أسماء الأيام التي وقع فيها هذا الخلق، ولكنهم ذكروا في "سفر التثنية" أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن يقدس يوم السبت لأنه اليوم الذي استراح فيه -بزعمهم من الخلق-؟!

وعلى هذا؛ فإنهم قد استنبطوا: أن ابتداء الخلق كان يوم الأحد!
وها نحن نرى من خلال مقارنة سريعة أن الحديث لا علاقة له بالإسرائيليات! ومن ثم فإنه لا أساس لهذه الشبهة!

وبهذا أحسب أنني قد أنهيت الرد على الانتقادات التي وجهت إلى "حديث التربة"؛ سائلاً الله تعالى أن أكون قد وفقت في ذلك، وأسأله سبحانه أن يجعل هذا العمل وكل عمل خالصاً لوجهه الكريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله.

كتبه: خالد بن عبد الرحمن