- الانتقادات التي وجهت إلى متن الحديث والجواب عنها:

أثيرت عدة انتقادات حول متن الحديث؛ ألخصها فيما يلي:

1 – أن متن هذا الحديث يخالف القرآن الكريم.
2 – معارضة الحديث لدعوى أن الخلق وقع يوم الأحد.
3 – موافقة الحديث للإسرائيليات.

ولأن مقصودنا هو الرد على هذه الشبهات وليس توثيق صدورها عن أصحابها فإننا سنكتفي بذكرها دون الإحالة على مصدر لها، ودون ذكر من قال بها؛ إلا إذا اضطررنا إلى ذلك لسبب أو لآخر.

وسوف أتحدث عنها بالتفصيل فيما يلي:

- الانتقاد الأول: دعوى أن الحديث يخالف القرآن الكريم:

وقد قال أصحاب هذه الدعوى إن الله تعالى أخبرنا في القرآن أنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وأنه خلق الأرض وما فيها في أربعة أيام، والسماوات وما فيها في يومين، أما الحديث فإنه يناقض ذلك! وقد انقسموا إلى قسمين في بيان كيفية المناقضة!

- فقسم منهم قال: إن الحديث يتضمن أن خلق السموات والأرض وما بينهما في سبعة ايام، وليس في ستة أيام كما جاء في القرآن!

- وقسم آخر قال: إن الحديث يذكر أن خلق الأرض وحدها في سبعة أيام، وقد صرح القرآن بأن خلقها كان في أربعة أيام!

- الرد على هذه الشبهات:

ونرد عليهم أولاً؛ بأن الحديث لم يخرج عما جاء في القرآن الكريم، بل لقد صرح الحديث بما جاء في القرآن بنصه؛ كما في رواية النسائي، ونصها: "إن الله خلق السموات والأرضين في ستة أيام، ثم استوى على العرش يوم السابع" فهذا نص يرد دعواكم من أساسها!

ومن الواضح أن أصحاب هاتين الشبهتين قد توهموا أن الحديث يتحدث عن (مراحل الخلق)! ثم يفصل ما جرى في كل مرحلة من هذه المراحل. ولما رأوا الحديث يذكر سبعة أيام من السبت إلى الجمعة؛ ظنوا –بناءً على ما توهموه- أن الخلق وقع في سبعة أيام!

ونقول رداً عليهم: إن الحديث لا يذكر مراحل الخلق ولا يعددها كما توهمتم، ويتضح هذا لمن تأمل الحديث أدنى تأمل!

فالحديث إنما يذكر مفردات من المخلوقات ويذكر يوم خلق كل منها؛ فالأيام قد ذكرت هنا تبعاً للمخلوقات المذكورة؛ لبيان يوم خلق كل منها، ولم تذكر على أنها مراحل للخلق!

والحديث لم يقل: خلق الله التربة في اليوم الأول، والجبال في اليوم الثاني.. وآدم في اليوم السابع، بل ذكر كل مخلوق من المخلوقات السبعة، وذكر اليوم الذي خلق فيه فقال: "خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين.."الخ وهذا واضح عند أدنى تأمل كما ذكرنا.

ولكن؛ لو افترضنا جدلاً أن الحديث يتحدث عن مراحل الخلق –كما توهم هؤلاء- فأين جاء فيه أن الخلق وقع في سبعة أيام؟! ليس فيه شيء من ذلك ولا شيء يشير إلى ذلك!

وللتوضيح نقول: إن معنى هذه الشبهة؛ أن الحديث قد جعل الخلق مستغرقاً الأيام السبعة المذكورة؛ أي أن الحديث قد جعل خلق السماوات والأرض في هذه الأيام السبعة كاملة؛ فذكر في كل يوم من هذه الأيام شيئاً يدخل في خلق السماوات والأرض وما بينهما، أو في خلق الأرض وحدها، وبذلك يكون قد تضمن أن الخلق استغرق هذه الأيام السبعة!

ونرد على أصحاب الشبهة الأولى: بأننا وإياهم متفقون على أن خلق السماوات والأرض وقع في ستة أيام، وبذلك فلا إشكال إن تضمنت الأيام الستة الأولى شيئاً يدخل في خلق السماوات والأرض وما بينهما. فينحصر الخلاف عندئذ في اليوم السابع المذكور في الحديث (الجمعة)، وحسب شبهتكم فإنكم تقولون: إنه تضمن خلقاً يدخل ضمن خلق السماوات والأرض! فهل ذكر الحديث في اليوم السابع شيئاً من ذلك؟!
الجواب واضح لمن يقرأ الحديث؛ فالحديث لم يذكر وقوع خلق يوم الجمعة سوى خلق آدم! وآدم كما هو معلوم بالضرورة ليس داخلاً في خلق السماوات والأرض، بل هو خلق مستقل عنهما!

فآدم خلق من طين من تراب هذه الأرض، بعد أن كانت موجودة بداهة! كما : (إني جاعل في الأرض خليفة)، فآدم ليس من مكونات الأرض بل تراب الأرض من مكوناته! فلا يصح بحال أن يكون آدم (مرحلة) من مراحل خلق السماوات والأرض!

وبما ان الحديث لم يذكر شيئاً من الخلق في يوم الجمعة يدخل ضمن خلق السماوات والأرض وما بينهما؛ فمعنى ذلك أنه لم يتعد الأيام الستة؛ فعلى أي أساس قلتم إن الحديث قد تضمن استغراق الأيام السبعة؟!

- ونرد على من قالوا: إن الحديث يذكر أن الأرض وحدها خلقت في سبعة أيام، بأن شبهتهم هذه تتضمن أمرين:

أولهما: أن الحديث يتحدث عن خلق الأرض وحدها!

وثانيهما: أن هذا الخلق استغرق سبعة أيام!
أما قولهم: إن الحديث يتحدث عن الأرض وحدها فهو قول مخالف لظاهر الحديث ونصه! بل إن في الحديث دلالة قاطعة لا تحتمل تأويلاً ترد على هذا الزعم، وإلا فهل النور يدخل في خلق الأرض مثلاً؟! وهل الدواب داخلة في خلق الأرض؟! وقد صرح الحديث بأن الله تعالى قد "بث فيها الدواب يوم الخميس"؟! وهل آدم يدخل في خلق الأرض وقد بينا بأنه خلق من طين من تراب هذه الأرض؟! فكيف يقال: إن الحديث لا يتحدث إلا عن الأرض وحدها وعن مراحل خلقها فقط؟!
ثم إن الحديث لم يتعد الأيام الأربعة في ذكر ما يتعلق بخلق الأرض، وهي السبت والأحد والإثنين والثلاثاء أربعة أيام سواء.

ثم ذكر في أيام الأربعاء والخميس والجمعة مخلوقات لا علاقة لها بخلق الأرض، وليست داخلة في خلقها، وهي النور والدواب وآدم -عليه السلام-.فهو إذن لم يتعد الأيام الأربعة التي نص عليها القرآن.

وأرجو أن أكون بذلك قد رددت على شبهة معارضة الحديث للقرآن، والحمد لله رب العالمين.

يتبع إن شاء الله