المرجع...صفحات من التاريخ الإسلامي
في الشمال الأفريقي
دولة الموحدين
علي محمد محمد الصلابي
(مع بعض التنقيحات)


[دولة الموحدين

[]محمد بن تومرت[

[]اسمه ونسبه، ورحلاته في طلب العلم وشيوخه

[aأ- اسمه ونسبه:[
اختلف المؤرخون في تحديد نسب بن تومرت فبعضهم قال بأنه عربي ، وينتهي نسبه الى الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق ابنته فاطمة من زوجها علي ، والبعض الآخر يجعل نسبه بربرياً صرفاً. والبعض الآخر يجعله نسباً مختلطاً بين البربر والعرب هذا وإن كان ابن تومرت والموحدون من بعده يصرون على أن المهدي عربي النسب، قرشي الأصل من صلب الرسول
والمتتبع لتاريخ ابن تومرت يدرك أنه لم يظهر ادعاءه النسب القرشي دفعة واحدة بل إنه تدرج في هذا الأمر، حتى يضمن قبول الناس له، فبعد أن اطمأنَّ لقبول دعوته، وإلى تمكنه من اتباعه، أخذ يشوقهم إلى المهدي ونسبه، ثم لما قبلوا هذا الأمر، ادعى ذلك الأمر لنفسه.
ويذهب ابن خلدون إلى اثبات أن نسبه يرجع إلى الرسول صلى الله عليه
وسلم، حيث قال: (وأما إنكارهم نسبه في أهل البيت فلا تعضده حجّة لهم، مع أنه إن ثبت أنه ادّعاه وانتسب إليه، فلا دليل يقوم على بطلانه لأن الناس مصدّقون في انساهم"
وقول ابن خلدون فيه نظر، لأن المؤرخين الأثبات والثقات اثبتوا أن محمد بن تومرت لايتورع في الكذب والدجل من أجل الوصول إلى أهدافه
ووافق بن خلدون من المعاصرين الدكتور عبدالمجيد النجار في صحّة نسب بن تومرت إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم وادّعى أن صحة هذا النسب تبقى قائمة من حيث الامكان التاريخي والجغرافي والعقلي.
ويرأى محمد بن عبدالله عنان من المعاصرين أن هذا الادعاء ماهو إلا نحلة باطلة، وثوباً مستعاراً قصد ورائها ابن تومرت أن يدعم بها صفة المهدي الذي انتحلها أيضاً شعاراً لامامته ورياسته
والذي يظهر من البحث العلمي النزيه، إن محمد بن تومرت ادعى النسب القرشي الهاشمي كوسيلة لكسب الانصار لدعوته الناشئة والذي قادنا إلى هذا الاستنتاج مايلي:
1- إنه لم يشتهر بين المؤرخين لاسيما علماء الانساب منهم أن ابن تومرت يعود إلى أصل عربي، وإنما معظم الذين قالوا بهذا هم من مؤرخي الدولة الموحدية الذين سجلوا تاريخها بوحي من سلاطينها وامرائها، أو بتأثر بدعوة
ابن تومرت
2- ان هذا الادعاء كان مألوفا عند أصحاب المطامح الدينية والسياسية في بلاد المغرب كما لاحظنا في دراسة الدولة العبيدية الرافضية.
3- ويضاف إلى ما سبق أن انتساب ابن تومرت إلى الأصل العربي لم يكن معروفاً عند اتباعه إلا بعد أن ادّعى ذلك لحاجة في نفسه
أما تاريخ ميلاده فقد ذكر المؤرخون عدة روايات تدل على اضطرابهم في تحديد سنة الولادة، فمنهم من قال 473هـ ومنهم من قال، 485هـ ومنهم من قال 469هـ ورجح الدكتور عبدالمجيد النجار أنه ولد سنة 473هـ
ولم تعطي المصادر التاريخية نبذة موسعة عن اسرته وإنما وردت الأخبار التي تدل الباحث على أن اسرته كانت من أواسط القوم غير بارزة الجاه والثروة وكانت على مكانة دينية حيث يقول ابن خلدون: "وكان أهل بيته أهل نسك ورباط"، كما أنها كانت تحافظ على العلاقات الأسرية الحميمة بين أفرادها كما يبدو من شوق والد بن تومرت وأخويه عيسى وعبدالعزيز وأخته زينب إليه لما طالت غيبته بالمشرق، ثم احتضانه ومؤازرته بعد عودته من تلك الغيبة"
وعندما كان طفلاً تلقى دراسته الأولية بالكتاتيب في قريته، فتعلّم القرآن حفظاً ورسماً وقراءة على عادة المغاربة كما وصفها ابن خلدون في قوله: (أما أهل المغرب فمذهبهم في الولدان الاقتصار على تعليم القرآن فقط، وأخذهم أثناء الدراسة بالرسم ومسائله واختلاف حملة القرآن فيه... إلى أن يجاوزوا حدّ البلوغ إلى الشبيبة)
وربما قبل رحلته إلى المشرق تعلم العربية وادبها وشيئاً من الفقه، لقد ظهر اهتمامه وشغفه بالعلم منذ شبابه قال ابن خلدون: "وشبّ محمد هذا قارئاً للعلم، وكان يسمّى "آسفو" ومعناه الضياء لكثرة ماكان يسرج في القناديل بالمساجد لملازمتها
[/align]
ب- رحلته في طلب العلم

تاقت نفسه للمزيد من العلوم الشرعية، فقصد المشرق الإسلامي لينهال من منابع العلم، ومصادر المعارف، ومهد الحضارات مايفيده في تحقيق اهدافه التي يرنو إليها.
فبدأت رحلته في عام 500هـ ، فحج وشرع في طلب العلم، ودامت رحلته خمسة عشر عاماً كان لها الأثر المباشر في تشكيل شخصيته والتأثير في آرائه وأفكاره.
ومكث في العواصم الإسلامية من أجل التعلم والتتلمذ على العلماء في كل من بغداد، والاسكندرية والحجاز، وكان قبل الرحلة المغربية سافر إلى الأندلس
حيث نزل بقرطبة ودرس بها على القاضي أبي جعفر حمدين بن محمد بن حمدين إلا أن الاقامة في قرطبة لم تدم طويلاً بل كانت محطة للعبور
ومن الأندلس توجه المهدي إلى تونس بحراً ونزل بالمهدية حيث درس بها على أبي عبدالله المازري ثم قصد مصر على طريق جزيرة جربة حيث أقام بها بعض أيام
ثم توجه إلى الديار المصرية وتلقى دروساً وأخذ علماً من الشيخ أبي بكر الطرطوشي ولم يمكث طويلاً في مصر حيث فضل الذهاب إلى الحجاز لحج البيت الحرام ويؤدي الفريضة وتوجه من الحجاز نحو العراق ومكث بها مايزيد على عشر سنوات وهناك تبحر في علم الكلام وعقائد الاعتزال، والأشاعرة وأخذ من كل مايخدم فكرته

البعد التاريخي عند محمد بن تومرت


[align=right]ونظر في المدارس الفكرية الرئيسية التي وجدت في بلاد المغرب قبله، وخصوصاً تلك المدارس والافكار والمذاهب التي كان لها ثقل مذهبي وسياسي تحميه دولة وشوكة وقوة والتي أكسبت تلك الاتجاهات هيبة ومكانة عند الناس، مما ساعد على شيوعها وانتشارها في مناطق متعددة في الشمال الافريقي واهم تلك الاتجاهات والافكار التي قامت على أسس قوية تحميها دولة في بلاد المغرب والتي استقى منها بن تومرت افكاره وزاد عليها.
1- الاتجاه السني ويمثله دولتا الأغالبة والمرابطين والدولة الزيرية الصنهاجية في آخر عمرها:
وقد أسس دولة الأغالبة في المغرب الأدنى إبراهيم بن الأغلب ابن سالم التميمي الذي عينه الخليفة العباسي هارون الرشيد (171-193هـ) سنة184هـ على ولاية افريقية، ثم مالبث أن عرض على الرشيد الاستقلال الجزئي على الخلافة العباسية، والاكتفاء بالتبعية الأسمية مقابل دفعه للخلافة العباسية مبلغاً من المال في كل سنة، فوافق له الرشيد على هذا الطلب. وقد توالى على عرش دولة الأغالبة عدد من الأمراء كان آخرهم زيادة الله بن عبدالله بن الأغلب (290-296هـ) حيث حصل في فترة حكمه انقسام داخلي بين الأغالبة أنفسهم، مما ساعد الدولة العبيدية على القضاء على دولتهم سنة 296هـ وقد عمل الأغالبة - حين مدة حكمهم - على توطيد المذهب السني ونشره في البلاد التي خضعت لنفوذهم في بلاد المغرب، وصقلية، كما عملوا أيضاً على نشر الحضارة الإسلامية في تلك الديارأما دولة المرابطين (451-541هـ) فقد قامت في جنوب بلاد المغرب الأقصى بزعامة الفقيه عبدالله بن ياسين، والأمير يحيى بن ابراهيم الجدالي ثم يحيى بن عمر اللمتوني وتوسعت حتى ضمت المغرب كله والأندلس في عصر القائد الأمير يوسف بن تاشفين وكانت دولة المرابطين على أسس إسلامية سليمة، حيث نهجت نهج أهل السنة والجماعة، ولم تتأثر بأي نزعة دينية أخرى، وكان من أهم الأسس التي تبنتها "الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتزام أحكام الدين في فروض الزكاة والاعشار وكل امور الدولة
وكانت من مآثرهم العظيمة جهادهم ضد النصارى في الأندلس وتحقيق نصرهم على النصارى في معركة الزلاقة بقيادة المجاهد الكبير يوسف بن تاشفين وجهادهم في بلاد السنغال والنيجر وجنوب الصحراء الكبرى بقيادة الأمير الرباني العابد الزاهد المجاهد أبي بكر بن عمر الذي استشهد في قلب الصحراء الكبرى (480هـ) .
وفي مستهل القرن السادس الهجري بدأ الضعف ينتاب دولة المرابطين لاسيما بعد ظهور دعوة بن تومرت في بلاد المغرب الأقصى، ثم مالبث الموحدون أن قضوا عليها حينما دخلوا مدينة مراكش وقتلوا السلطان اسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين (539-541هـ) سنة 541هـ وبهذا تمكن الموحدون من أن يقيموا دولتهم على انقاض دولة المرابطين في المغرب والأندلس
وبالإضافة إلى هاتين الدولتين السنيتين، فإن الدولة الزيرية الصنهاجية قد نهجت النهج السني في آخر عمرها وذلك حينما أعلن المعز بن باديس
(406-453هـ) انفصاله عن الدولة العبيدية في سنة 440هـ حيث خلع طاعتهم، وأخذ بمذهب أهل السنة كما لعن الرافضة وقتل من وجده في دياره منهم، ثم مالبث أن دعا للخليفة العباسي القائم بأمر الله (422-467هـ) وبهذا تحول اتجاه هذه الدولة إلى الاتجاه السني، بعد أن كان اتجاهها رافضياً.


[يتبع

],gm hgl,p]dk