( المتن الصحيح للحديث )


ورد هذا الحديث بصيغتين :-


[الصيغة الأولى وهى صيغة الجزم ]

تفرد بها أبو هريرة (أو من نقل عن ابو هريرة كما سنرى ) وجاء الحديث عن رسول الله الشؤم في ثلاث في الدار والمرأة والفرس (1)

وهذة الصيغة لا مجال لتأويلها وهى تثبت الشوم بدون شك على الأشياء المذكورة


[الصيغة الثانية وهى صيغة التعليق]

وقد جاءت هذة الصيغة على لسان باقى الصحابة


[ جابر ابن عبد الله ] (2)

إن كان الشؤم في شيء ففي الدار ، و المرأة ، و الفرس


[ سعد ابن ابى وقاص ](3)

لا عدوى ، و لا طيرة ، و لا هام ، إن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس و المرأة و الدار ، و إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تهبطوا ، و إذا كان بأرض و أنتم بها فلا تفروا منه


[سعد بن مالك ] (4)

لا هامة ، ولا عدوى ، ولا طيرة ، وإن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار


[ سهل ابن سعد الساعدى ] (5)

إن كان ، ففي المرأة والفرس والمسكن . يعني الشؤم


[عبد الله ابن السائب ] (6)

إن كان الشؤم في شيء ففي المرأة و الفرس و المسكن


[مخمر ابن معاوية ] (7)

لا شؤم وقد يكون اليمن في ثلاثة في المرأة والفرس والدار


اما عبد الله ابن عبد عمر فقد جاءت عنه الرواية بالصيغتين

مرة بالجزم ( لا عدوى ، ولا طيرة ، و إنما الشؤم في ثلاث : في الفرس ، و المرأة ، و الدار) (8)

ومرة بالتعليق ( إن كان الشؤم في شيء ففي الدار، و المرأة، و الفرس ) (9)


وواضح للجميع ان أغلب الصحابة إن لم يكن كلهم جاء عنهم الحديث بصيغة التعليق ( إن كان .... ففى ) ..... وبتالى فقد صرح معظم علماء الحديث أنها هى الصيغة الصحيحة وأن صيغة الجزم شاذة أو من تصريف بعض الرواة


يقول شيخنا الألبانى (10)

فى شرحه لحديث (إن يك من الشؤم شيء حق ففي المرأة و الفرس و الدار)

و الحديث يعطي بمفهومه أن لا شؤم في شيء ، لأن معناه : لو كان الشؤم ثابتا في شيء ما ، لكان في هذه الثلاثة ، لكنه ليس ثابتا في شيء أصلا ..... و عليه فما في بعض الروايات بلفظ " الشؤم في ثلاثة " . أو " إنما الشؤم في ثلاثة " فهو اختصار ، و تصرف من بعض الرواة . و الله أعلم

[ و عليه فما في بعض الروايات بلفظ " الشؤم في ثلاثة " . أو " إنما الشؤم في ثلاثة " فهو اختصار ، و تصرف من بعض الرواة . و الله أعلم ]


وعندما أنكرت السيدة عائشة صيغة الحزم التى سمعتها من بعض الرواة وقالت أن رسول الله لم يقل هذا ... بل قال ( كان أهل الجاهلية يقولون : إنما الطيرة في المرأة و الدابة و الدار ) .... علق الأمام الزركشى على كلام السيدة عائشة وقال (11)

قال بعض الأئمة ورواية عائشة في هذا أشبه بالصواب إن شاء الله لموافقته نهيه عليه الصلاة و السلام عن الطيرة نهيا عاما وكراهتها و ترغيبه في عركها بقوله يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب وهم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون


ويقول الشيخ الالبانى معلقا على كلام الزركشى (12)

و جملة القول أن الحديث اختلف الرواة في لفظه ، فمنهم من رواه كما في الترجمة ،
و منهم من زاد عليه في أوله ما يدل على أنه لا طيرة أو شؤم ( و هما بمعنى واحد كما قال العلماء ) ، و عليه الأكثرون ، فروايتهم هي الراجحة ، لأن معهم زيادة علم ، فيجب قبولها ، و قد تأيد ذلك بحديث عائشة الذي فيه أن أهل الجاهلية هم الذين كانوا يقولون ذلك ........... و قد قال الزركشي في " الإجابة "

قال بعض الأئمة و رواية عائشة في هذا أشبه بالصواب إن شاء الله تعالى (يعنى من حديث أبي هريرة ) لموافقته نهيه عليه الصلاة و السلام عن الطيرة نهيا عاما ، و كراهتها و ترغيبه في تركها بقوله : " يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب ، و هم الذين لا يكتوون ( الأصل لا يكنزون ) و لا يسترقون ، و لا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون " .

قلت : و قد أشار بقوله : " بعض الأئمة " إلى الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى .
فقد ذهب إلى ترجيح حديث عائشة المذكور في " مشكل الآثار " ، و نحوه في " شرح المعاني " و به ختم بحثه في هذا الموضوع ، و قال في حديث سعد و ما في معناه : " ففي هذا الحديث ما يدل على غير ما دل عليه ما قبله من الحديث ، ( يعني حديث ابن عمر برواية عتبة بن مسلم و ما في معناه عن ابن عمر ) ،
و ذلك أن سعدا أنتهر سعيدا حين ذكر له الطيرة ، و أخبره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا طيرة ، ثم قال : إن تكن الطيرة في شيء ففي المرأة و الفرس و الدار ، فلم يخبر أنها فيهن ، و إنما قال : إن تكن في شيء ففيهن ، أي : لو كانت تكون في شيء لكانت في هؤلاء ، فإذ لم تكن في هؤلاء الثلاث فليست في شيء

(- أنتهى كلام الشيخ الألبانى -)


ويقول الأمام الطحاوى (13)

مَا قَدْ دَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ ذَلِكَ الْقَوْلِ الْمُضَافِ إلَى رَسُولِ اللهِ فِي إثْبَاتِهِ الشُّؤْمَ فِي الثَّلاَثَةِ الأَشْيَاءِ الَّتِي رَوَيْنَا عَنْهُ أَنَّ الشُّؤْمَ فِيهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ عليه السلام فِي نَفْيِ الشُّؤْمِ أَيْضًا وَأَنَّ ضِدَّهُ مِنْ الْيُمْنِ قَدْ يَكُونُ فِي هَذِهِ الثَّلاَثَةِ الأَشْيَاءِ .

مَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَمِّهِ مِخْمَرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ عليه السلام يَقُولُ لاَ شُؤْمَ وَقَدْ يَكُونُ الْيُمْنُ فِي الْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالدَّابَّةِ

هَكَذَا قَالَ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَكَانَ الدَّابَّةِ الدَّارُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَفِي ذَلِكَ تَحْقِيقُ مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ انْتِفَاءِ إثْبَاتِ الشُّؤْمِ فِي هَذِهِ الأَشْيَاءِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .


ويقول الإمام ابن جرير الطبري (14)

وأما قوله صلى الله عليه وسلم إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس فإنه لم يثبت بذلك صحة الطيرة ، بل إنما أخبر صلى الله عليه وسلم أن ذلك إن كان في شيء ففي هذه الثلاث ، وذلك إلى النفي أقرب منه إلى الإيجاب ؛ لأن قول القائل إن كان في هذه الدار أحد فزيد . غير إثبات منه أن فيها زيدا ، بل ذلك من النفي أن يكون فيها زيد أقرب منه إلى الإثبات أن فيها زيدا


وهكذا ايضا صرح ابن عبد البر (15)



وسار على نفس النهج صاحب فتح المجيد (16)




اما وردود الحديث بصيغتين مختلفتين عن ابن عمر ....فقد صرح شيخنا الألبانى ان صيغة الجزم شاذة ... وأن الصيغة الصحيحة هى الصيغة المعلقة عن ابن عمر


قال الألباني عن حديث لا شؤم ، و قد يكون اليمن في ثلاثة في المرأة و الفرس و الدار (17)

أخرجه ابن ماجة ( 1 / 614 ) و الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 1 / 341 )
حدثنا هشام بن عمار حدثنا إسماعيل بن عياش حدثني سليمان بن سليم الكتاني عن يحيى بن جابر عن حكيم بن معاوية عن عمه مخمر بن معاوية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره
و أخرجه الترمذي ( 2 / 135 ) : حدثنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل بن عياش به إلا أنه قال : عن عمه حكيم بن معاوية . فاختلفا في اسم صاحبيه . و ذلك غير ضائر إن شاء الله تعالى . و هذا إسناد صحيح ، و رجاله ثقات كما في " الزوائد "

قلت : و إسماعيل بن عياش حجة في روايته عن الشاميين ، و هذه منها . و أما قول الحافظ في " الفتح " ( 6 / 46 ) بعد أن عزاه للترمذي : " في إسناده ضعف " ، فهو مما لا وجه له بعد أن بينا أنه إسناد شامي و الخلاف المذكور في اسم صاحبيه لا يضر و ذلك لأن الصحابة كلهم عدول .

على أن علي بن حجر أوثق و أحفظ من هشام بن عمار ، فروايته أرجح و أصح . ثم رأيت ابن أبي حاتم قد ذكر في " العلل " ( 2 /299 ) عن أبيه أنه جزم بهذا الذي رجحته . فالحمد لله على توفيقه ، و أسأله المزيد من فضله .
و الحديث صريح في نفي الشؤم ، فهو شاهد قوي للأحاديث التي جاءت بلفظ : " إن كان الشؤم في شيء .. " و نحوه خلافا للفظ الآخر : " الشؤم في ثلاث ... " فهو بهذا اللفظ شاذ مرجوح كما سبق بيانه تحت الحديث

يُتبع





1- السلسلة الصحيحة 2/690
2- صحيح الجامع - 1427
3- السلسلة الصحيحة - 789
4- صحيح أبي داود - 3921
5- صحيح مسلم - 2226
6- صحيح الأدب المفرد - 704
7- صحيح ابن ماجه - 1633
8- صحيح الجامع - 7528
9- الجامع الصغير - 2672
10- السلسلة الصحيحة 1 / 726
11- الإجابة فيما استدركته عائشة على الصحابة ص 128
12 - السلسلة الصحيحة 2 / 724
13- شرح مشكل الاثار
14- تهذيب الآثار 3/34
15- التمهيد 9/279
16- فتح المجيد فى شرح كتاب التوحيد
17- السلسلة الصحيحة 4 / 565