ثانياً : تبين كما في الوجه الأول من الرد أن خلق المسيح هو الذي بمعنى التصوير والتقدير ولا شك أن هذا الأمر غير خاص بالمسيح عليه السلام وهذا واضح جلي

يقول
الله تعالى في سورة المؤمنون (( ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ))

والخلق هنا التصوير والتقدير والله سبحانه وتعالى أحسن المقدرين والمصورين لا المنشئين والمخترعين .

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (( 5181 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ ، فَعَرَفْتُ فِى وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ ، مَاذَا أَذْنَبْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا بَالُ هَذِهِ النِّمْرِقَةِ » . قَالَتْ فَقُلْتُ اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ » . وَقَالَ « إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِى فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ الْمَلاَئِكَةُ » )) صحيح البخاري

فدل الحديث أن أصحاب هذه الصور قد خلقوا أيضاً و ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم (( أحيوا ما خلقتم )) وما خلقهم هذا إلا الذي بمعنى التصوير والتقدير والذي يطابق معنى خلق المسيح في الآية . وبناءً على ما تقدم أقول إن كانت الآيات الكريمة دالة على ألوهية المسيح كما يزعم المؤلف كون المسيح قد قام بعملية الخلق فيلزمه أيضاً الاعتقاد بألوهية أصحاب هذه الصور وإلا بطل استدلاله إذ لا فرق بين معنى خلق المسيح ومعنى خلق أصحاب تلك الصور فكلاهما بمعنى التصوير والتشكيل لا بمعنى الإنشاء والإبداع من العدم والذي لا يقدر عليه إلا الله وحده .

ثالثاً: الآيات الكريمة التي استدل بها المؤلف لإثبات لاهوت المسيح دلالة جلية أن هذا الخلق الذي فعله المسيح لم يكن إلا بإذن الله و لو لم يأذن له الله لم يفعل .

    (( وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) )) ويؤيد هذا ما جاء في إنجيل يوحنا 5/30 (( أنالا اقدر أن افعل من نفسي شيئاً . كما أسمع أدين ، و دينونتي عادلة ، لأنّي لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني ))

رابعاً : الذي تدل عليه الآيات الكريمة بأن خلق المسيح بإذن الله ما هو إلا آية ومعجزة أجراها الله على يد المسيح و ذلك لاثبات صدق نبوته لا لإثبات دعوى ألوهيته كما يزعم المؤلف كذباً و زوراً .

    آل عمرن آية 49 ((وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )) سفر الأعمال 2: 22 (( أيها الرجال الإسرائليون اسمعوا هذه الأقوال : يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات و عجائب و آيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم أيضاً تعلمون )) ثم فليخبرنا هذا المدلس كيف تستقيم دعوى ألوهية المسيح في هذه الآيات وفيها التصريح الواضح الجلي على لسان المسيح أنه رسول الله وأنه يدعو لعبادة ربه رب العالمين ؟

    (( وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ))
و    على لسان المسيح بعد ذكر تلك المعجزات (( إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۗ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)))

انتهى بحمد الله