إنهم قادمون!

إنهم قادمون!


منذ ما يزيد عن قرنين من الزمان،
بدأ الخداع، عملية منظَّمة استهدفَتِ استئصال عقل هذه الأمة
المفكِّر، وقلبها النابض.

إنهم يعدُّونها من مراحل الازدهار، في حين أن الكثير من العقلاء أعدوها أولى مراحل الاندحار.


بدأتْ بالبعثات، شباب لمَّا تكتمل أسنانُهم بعدُ، ابْتُعِثُوا إلى الغرب؛ بعضهم ليجلب المعارف
التكنولوجية، وهذا حق، وكانت تحتاجه الأمة، ويا ليتهم فعلوا!
أما الآخر، فقد ذهب ليجلب لنا ثقافة الآخر!

هكذا، وبكل بساطة، ألقى الشباب - المتهور! - عمائمَهم في البحر عند أول نفخة في بوق الباخرة،
وعن طيب خاطر أُلْقِيَت ثقافة اثني عشر قرنًا من الإسلام، وستة عشر قرنًا من العربية، حينئذٍ.

ولقد أوحى إليهم بعضهم - والله أعلم بالمقاصد - أن يجلبوا فنونًا من ذلك (الغرب)؛
ليضيئوا بها عقول (الشرق)!

إنهم قادمون!

جاءت القصة، والرواية، والمسرحية، والأغنية، ادَّعَوا أنهم يجلبون فنونًا من رائق القول،
إنما هي أولى مراحل المؤامرة؛ قصة سهلة، ورواية ممتعة، ومسرحية جذابة، والشعر،
آه على الشعر! ذلك الدرب من القول الذي كان يقوله أجلاف الأعراب في البادية، ممن لم
يتسنَّ لهم - والحمد لله - الاطِّلاعُ على ثقافة الغرب المتمدين.

العرب الأجلاف، شبَّهوا النساء بالحيوانات (الظبي والبقر)؛ وذلك لأنهم لم يشاهدوا حسناوات
أوروبا، ولم تخلب ألبابَهم نجلاواتُ فرنسا؛ بل ولم يحكوا إلا عن الخيمة، والحصان، وبعر
الآرام، ولم يشاهدوا البواخر والطائرات، والأبراج المرتفعات؟!

{فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران: 187].

قدَّموا البديل، وشوهوا الأصيل!

لا تنظر خلفك، وإلا فاتك قطار التقدم!

الماضي - العزيز - تَخَلُّف، والحاضر - الذليل - تَقَدُّم!

تَقَدَّمْ، وليس أمامك سوى هذا التَّقَدُّم.

إنهم قادمون!

لا تصف الصحاري والوديان، لا تركن إلى الماضي والجمود، انهض، تقدم، فهناك
حسناوات في الانتظار، هيا، إنهن مللن الانتظار.

ومرت سنون، وسنون، كسِنِي يوسف،جدبٌ وقحطٌ فكريٌّ، تقليدٌ وتنميقٌ وتلفيقٌ وخداعٌ ثقافيٌّ.


"وخلف من بعدهم خلف"، نسوا حقيقة المؤامرة، ولم يَرَوْا إلا الخديعة قابعة فوق صدورهم،
خانقة لعقولهم، صارت العقول كأطفال الشوارع، لا يدرون من أين أتَوا؟ ولا إلى أين يذهبون؟

تملَّكوا المنابر، فتملكوا العقول، فأسروا الأرواح، قالوا لهم: آباؤكم الفراعين العظام،
وأعمامكم البابليون العتاة، وآشور خالكم، وإسبرطة مهدكم الأول!

قالوا لهم، وقالوا لهم، وقالوا لهم، صار الماضي (السحيق) العربي الإسلامي كأحاديث
"خرافة"! حتى تساءل بعضهم: "هل حقًّا كانوا هنا؟!"، وصار عُبَّادُ الأوثان مرآة الحضارة،
وصدق فيهم قَوْلُ نبيِّهم صلى الله عليه وسلم:

(سيتقارب الزمان، ويُصَدَّقُ الكاذب، ويُكَذَّبُ الصادق، ويؤتمن الخائن، ويُخوَّن الأمين،
وينطق الرويبضة)،

آه يا زمن الرويبضة!

أو كما قال الصادق الأمين - عليه أفضل الصلاة والسلام - على مر الأزمان.

إنهم قادمون!

وعندما نهض الأموات من سبات التعفن الفكري النتن، وقالوا: يا قوم لستم هكذا،
إنما كنتم هكذا، ولكن أنَّى يُسمع المنادي الأموات؟!

اتَّهموهم بالرجعية والتخلف، والبرجوازية المتعفنة، و...، و...، و...، و...، و...


حتى ملَّت ألسنتهم من الكلام، وأهالوا عليهم الركام، وكمَّمُوا الأفواه، وقالوا:
كُفُّوا عن الكلام، ما أنتم منا ولا نحن منكم، وإنا بريئون مما تقولون.

ولكن النبتة الحية وسط الدمن البالية، والخرائب المتعفنة، أبتْ أن تموت،
لا؛ بل أُبي لهم أن يموتوا؛

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].

وظلَّت النبتة الصغيرة تنمو، وتنمو، ولم يلاحظها المحتل الفكري الجاثم فوق عرش العقول.

سئل أحد المجمعيين القدامى عن الوضع المتردي للثقافة العربية، خاصة لغتها الباسلة،
فقال : الأمل في أن ينهض جيل جديد غيور على لغته.

وها قد عاد المارد العربي المسلم، نهض ليقتلع أشجار الغرب التعيسة، قراء، شعراء، أدباء،
حقوقيون، فقهاء، خطباء، محدثون، أئمة، ودعاة، و... و... و...

فيا أيها الوَسَخُ الفكري النتن، هيا فانجلي؛
فلقد عاد مارد، ومارد، ومارد، ومارد،
وعاد زمن العمالقة،
اختبئ هناك حيث لا يراك أحد، هناك، خلف مزبلة التاريخ!


فإنهم قادمون.

إنهم قادمون!

منقول

Ykil rh]l,k!