رابعاً: بُطلان القصة بآيات القرآن الكريم:
الآية الأولى:
قال الله تعالى مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيْمٍ }.(45)
وصاحب الخلق العظيم لا يصدر منه مثل هذه الأفعال الشائنة.
قال الشيخ السعدي:

{ وقوله: {
وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } هذا أيضاً داخلٌ في حَيِّزِ الـمُقْسَمِ عليه وهو أنَّ النبيَّ محمداً صلى الله عليه وسلم لعلى خلق أي أدب عظيم حيث أَدَّبَه ربه, فكيف لا يكون أكمل الخَلْقِ أدباً، وسيرته وما خوطب به في القرآن مِنْ مثل { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }. ومثل { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } ومثل { وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } إلى غير ذلك من الآداب الرفيعة التي أَدَّبَ الله بها رسولَه مما جَعَلَه أكملَ الناس أدباً وخُلُقاً وقد سُئِلَتْ عائشة عن خُلُقِ النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: { كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآَنَ } وقال هو .. إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق }.(46)

والنبي صلى الله عليه وسلم صاحب الخُلُقِ العظيم الذي لا يُتَخَيَّلُ لحظةً أن يصدر عنه نظرات الإعجاب المذكورة في هذه القصة المكذوبة.
الآية الثانية:
{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }.(47)
لقد أخبرنا اللهُ تعالى في هذه الآية أن في نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم أُسْوَةً وقُدْوَةً حَسَنَةً.
قال الْإِمَامُ ابنُ كثير:

{ هذه الآية الكريمة أصل كبير في التَّأسِّي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ولهذا أمر الناس بالتَّأسِّي بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه، عز وجل، صلوات الله وسلامه عليه دائمـا إلى يوم الدين؛ ولهذا     للذين تقلقوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب: {
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } أي: هَلَّا اقتديتم به وتَأَسَّيْتُمْ بشمـائله؟
ولهذا قال: {
لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }.(48)
ومَن يجعله الله قدوة للبشر وأسوة حسنة يستحيل أن يصدر منه فعل كالذي فهمه النصارى من هذه الروايات المكذوبة وإلا فما فائدة التَّأسِّي به إذا كانت أخلاقه كأخلاق أنبياء كتاب النصارى ؟

وهناك الكثير من الآيات القرآنية التي تدل على حُسْنِ أخلاقه وسُمُوِ سلوكه عليه الصلاة والسلام.

يتبع ،،