( 2 )


نكمل بفضل الله

قد بيّنا في المداخلة السابقة ضعف الرواية وبطلانها , فالقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم مدح آلهة قريش هو قول باطل عارِ من الصحة .

وبعد نقل أقوال العلماء في تضعيف هذه القصة وبيان علة الطرق الصحيحة التي جاءت منها بإعتبار أنها مرسلة والمرسل يندرج تحت الخبر " المردود " وإستشهدت بقول الإمام مسلم ويكفي هذا ونأتي الآن للنقض القصة من ناحية المتن .

أولاً : القصة تعارض صريح القرآن الكريم , فالقرآن يبين أن الشيطان ليس له على أولياء الله سلطان {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} , فما بالنا برسول الله صلى الله عليه وسلم والذي قال في حقه جل وعلا { .. وَاللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ } وأيضاً { لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِى سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ } من هذا الذي يُقسم الله بعمره إلا إن كان ذا شأن عظيم عند الله ؟؟ هو محمد صلى الله عليه وسلم , فإن كان أولياء الله يعجز الشيطان عن السيطرة عليهم , فما بالنا بأشرف المرسلين ؟؟؟

ثانياً : هذا القول بعيد عن حفظ الله تعالى لكتابه , يقول الله عزّ وجل { َلا يَأۡتِيهِ الۡبَاطِلُ مِن بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِ تَنزِيلٌ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } ويقول تعالى ذكره { إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا الذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } فكيف نقول أن الشيطان أضاف إلى كتاب الله ( تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ) ؟؟

ثالثاً : سياق الآيات يدل على أن هذه القصة باطلة

لنرى سياق الآيات بوضع ( تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى )

{ أَفَرَأَيۡتُمُ اللَّاتَ وَالۡعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الۡأُخۡرَى تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الۡأُنثَى تِلۡكَ إِذًا قِسۡمَةٌ ضِيزَى إِنۡ هِىَ إِلَّا أَسۡمَآءٌ سَمَّيۡتُمُوهَا أَنتُمۡ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى الۡأَنفُسُ وَلَقَدۡ جَآءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الۡهُدَى }

مع فرض صحة ما قيل ..فإن الرسول يمدح إلهة قريش بهذه المقولة ويذمهم في الآيات التي تليها !!!!!! أي عقل هذا ؟؟؟

ولا يخفى عليكم أنهم عرب أقحاح وهم أرباب اللغة , فكيف سيتمسكون بآية واحدة من المدح ويسهون عن 4 آيات متتالية من الذم ؟ وأي سياق هذا الذي يمكن أن يتماشى ؟؟

يقول لهم الله { مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى الۡأَنفُسُ }

يقول أن شفاعة آلهة قريش ترتجى ويقول بعدها أن الله لم ينزل بها من سلطان وأن هذا مجرد ظن لا أساس له من الصحة فهم يتبعون أهوائهم الزائغة !!

هل يتفق سياق الآيات هكذا ضيفتنا المحترمة ؟؟ أترك لك الإجابة على هذا السؤال

رابعاً : تفضل عزيزي القارئ بقراءة الآية الناسف للقصة من جذورها بتمعن شديد

{ وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلاً * ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً }

{ كاد } فعل من أفعال المقاربة بمعنى أنهم إقتربوا أن يفتنوك عن الذي أوحينا إليك ولكننا ثبتناك من الركون إليهم .

فإن كان النبي عُصم من الركون قليلاً فكيف بكثيراً.. فضلاً عن أن يقول مثل هذا على الله عز وجل ؟

خامساً : الطرق الصحيحة المروية عن هذه القصة على ما أتذكر عن بن عباس وبن عمر وبن مسعود وأبو هريرة وهي ( أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس )

لا يوجد ذكر لقصة الغرانيق !!!!

السؤال الأول : لماذا سجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون ؟؟

الإجابة : لاحظ الصورة القادمة قارئي العزيز





العلامة المُشار إليها بالسهم هي علامة " السجود " بمعنى إن كنت اقرأ القرآن وصادفتني تلك العلامة علّي إذا أن أسجد لله تعالى تعظيماً له وخضوعاً لقدرته , ولاحظ الأمر من الله عز وجل { فأسجدوا } أمر من الله بالسجود ..لهذا سجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه .


السؤال الثاني : لماذا سجد المشركون ؟


لاحظ سياق الآيات بما فيها من وعيد لهم بأنه أهلك قوم عاد وثمود ولم يُبق منهم أحدا,بل وأهلك المؤتفكة وغشاها بألوان من العذاب ما غشّى , ويجب أن تعرفي أن المشركين يؤمنون بالله ولكن إيمانهم يندرج تحت مسمى " توحيد الربوبية " هو الإقرار الجازم بأن الله هو رب كل شئ ومليكه ومقدره ومصرفه , ولكنهم لا يخصونه تعالى ويفردونه بالعبادة وهو ما يُسمى " توحيد الألوهية " قال الله عز وجل { وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالۡأَرۡضَ وَسَخَّرَ الشَّمۡسَ وَالۡقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤۡفَكُونَ } ويقول الله عز وجل { وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَحۡيَا بِهِ الۡأَرۡضَ مِن بَعۡدِ مَوۡتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الۡحَمۡدُ لِلَّهِ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ َلا يَعۡقِلُونَ } وأيضاً { وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلۡ أَفَرَأَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِىَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوۡ أَرَادَنِى بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَاتُ رَحۡمَتِهِ قُلۡ حَسۡبِىَ اللَّهُ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ الۡمُتَوَكِّلُونَ } وأيضاً
{ وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الۡعَزِيزُ الۡعَلِيمُ } { وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَهُمۡ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤۡفَكُونَ }

يعني هم يؤمنون بالله ولكنهم لا يخصونه بالعبادة بل يؤمنون أنه خلقهم ورزقهم ويدبر أمرهم , لذلك فإن سياق الآيات والوعيد جعلهم يرتعبون من كلام الله ولا سيما أنهم لم يسمعوا بمثله من قبل والشاهد على ما أقوله

قصة عتبة بن ربيعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي :




أرأيتم ( فزع ) من كلام الله عز وجل , فهذا هو سبب سجود المشركين لما وجدوا من قوة وفصاحة القرآن وشدة وعيد الله لهم بأن يكون مآلهم وآل عاد وثمود .

سادساً : معنى الآية الواضح هو ما من نبي ولا رسول إلا إذا تمنى هداية قومه وإيمانهم ألقى الشيطان في سبيل أمنيته العقبات ,من الشبه والوساوس والشكوك للصد عن دين الله , حتى لا يتم للنبي أو الرسول ما تمناه , فينسخ الله تلك الشُّبَه والوساوس التي ألقاها الشيطان معنى أنه يبطلها ويذهبها .

وعلى فرض صحة القصة !

هل هذايقدح في مفهوم العصمة ؟؟

الإجابة : لا , لأن العصمة فيما إستقر عليه الوحي , وقد إستقر الوحي على أن الله تعالى مُحكِم آياته وأن الباطل لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..