الإشراف العام
رقم العضوية : 3
تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
الدين : الإسلام
الجنـس : ذكر
المشاركات : 7,445
شكراً و أعجبني للمشاركة
شكراً
مرة 1
مشكور
مرة 1
اعجبه
مرة 5
مُعجبه
مرة 2
التقييم : 11
البلد : أرض مسلمة
الاهتمام : كل مافيه الخير لي ولامتي
الوظيفة : مدرّس لغة عربية
معدل تقييم المستوى
: 25
السلام عليكم
اللائكية في ميزان العقل والنقل (8)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
3. المبرّر الثالث: التعددية
يقول صالح الزغيدي: "الفكر اللائكي هو الذي يقبل الاختلاف والتعدد أما الفكر الديني فهو يرفض الاختلاف"(1). والردّ على هذا من وجوه:
أولها: أنّ الفكر اللائكي لا يقول بتعددية مطلقة، إنما يقول بتعددية مقيّدة. والدليل عليه قول الزغيدي نفسه: "وكما نرفض الدولة الدينية فنحن نرفض الدولة الإلحادية"(2). فهو يتحدّث عن تعددية ضمن منظومة فكرية معيّنة أي يتحدّث عن تعددية مقيّدة وليست مطلقة. ونحن نقول له: وكذلك الفكر الديني (الإسلامي) يرفض الدولة اللائكية والدولة الإلحادية. فما الفرق إذن؟
ثانيها: حقيقة الأمر أنّ الفكر اللائكي في ذاته غير تعددي ولا يقبل الاختلاف، بدليل أنّه يقيم الدولة والمجتمع على أساس فكرة واحدة لا تقبل النقاش والتغيير وهي فكرة فصل الدين عن الحياة. فالفكر اللائكي يقصي الدين ولا يقبل به كمخالف.
فإن قال لائكي: الفكر اللائكي لا يقصي الدين إنما يحصره في الحياة الخاصة أي في البيت؛ فلك أن تكون مسلما ولكن في حياتك الخاصة.
قلنا: الفكر الإسلامي لا يقصي اللائكية إنما يحصرها في البيت؛ فلك أن تكون لائكيا ولكن في حياتك الخاصة. فما الفرق إذن؟ وأين يكمن تميّز اللائكية؟
ثالثها: حقيقة الأمر أنّ الفكر الإسلامي يقبل التعدّد والاختلاف؛ فلا مانع من تعدد المذاهب الفقهية والأحزاب السياسية ضمن المنظومة الإسلامية. ولا مانع أيضا من وجود غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، فلهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، ولا يكره أحد منهم على ترك عقيدته أو ثقافته. وقد قبل الإسلام أن يعيش غير المسلم (اليهودي والنصراني والبوذي وغير ذلك) بين المسلمين دون أن يتخلّى عن دينه وثقافته، ودون أن يلزمه بذلك أو يشترط عليه ذلك، فهو بذلك يحافظ له على خصوصيته الثقافية، ويصون له كينونته المتميّزة أي يضمن له المحافظة على هويته كما شاء لنفسه. جاء في ميثاق المدينة: "..وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين [يريد صلى الله عليه وسلم أَنهم بالصلح الذي وقع بينهم وبين المؤمنين كجماعة منهم كلمتهم وأيديهم واحدة]، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم ، مواليهم وأنفسهم ، إلا من ظلم وأثم ، فإنه لا يوتِغ إلا نفسه وأهل بيته.." (سيرة ابن هشام).
4. المبرّر الرابع: المواطنة
يقول صالح الزغيدي: "نحن اللائكيين، همنا الوحيد هو ضمان التعايش المشترك بين جميع المواطنين والمواطنات على اختلاف مشاربهم ومعتقداتهم الدينية والعقائدية في ظل نظام حداثي يتطابق مع العصر ومع التقدم الذي أصبح غير قابل للتراجع.. نريد أن نعيش في ظل دولة لسنا رعايا فيها، لا رعايا لسلطان يستبد علينا باسم الكرسي ولا رعايا لسلطان يحكمنا ويستبد علينا باسم السماء.. نريد أن يعيش شعبنا في دولة مواطنين لا في دولة مؤمنين بالله ورسوله.."(3).
ويقول خميس الخيّاطي: " ... ومن التنافر أنتجت قوة تلاقي إيجابية تترك الإيماني في خانة الحميمية وتضع المواطنة كنقطة لقاء بين كل المنتمين لرقعة وطنية واحدة .. هذه المساحة هي «اللائكية» أو ما نسميه تعريبا بـ«العلمانية» وهي ما يعبر عنها أحسن تعبير شعار «الدين لله والوطن للجميع»..."(4).
كما ترى، فإن اللائكيين يعتبرون الإسلام عنصر تفرقة فيما يتعلّق بالحقوق والواجبات، ويرون وجوب بناء الدولة والمجتمع على فكرة المواطنة: "الدين لله والوطن للجميع". فما هي المواطنة؟
المواطنة لغة مأخوذة من الوطن أي البلد الذي ولد فيه الإنسان أو منزل إقامته ومقرّه؛ ولد فيه أو لم يولد(5).
والمواطنة اصطلاحا هي:"صفة المواطن والتي تحدد حقوقه وواجباته الوطنية". والمواطن هو: "عضو في دولة له فيها ما لأي شخص آخر من الحقوق والامتيازات التي يكفلها دستورها، وعليه ما على أي شخص آخر من الواجبات التي يفرضها ذلك الدستور"(6).
معنى المواطنة هذا، لا يختلف كثيرا عن معنى الرعوية أو التابعية في الإسلام؛ لأنّ الشرع الإسلامي ينصّ على عدم التمييز بين أفراد الرعية؛ فلغير المسلمين ما لنا من الإنصاف، وعليهم ما علينا من الانتصاف.
فإن قال لائكي: الدولة الإسلامية دولة مؤمنين وليست دولة مواطنين.
قلنا: هذا جهل بأحكام الإسلام؛ لأنّ الرعويّة أو التابعية هي علاقة قانونية وسياسية بين الرعية والدولة الإسلامية تقوم على أساس الرعاية من جانب الدولة والولاء من جانب الرعيّة. والرابطة التي تربط الرعية جميعها هي التابعية لدار الإسلام، وليست العقيدة، أو اللغة، أو العرق، أو الدم أو غير ذلك. فكلّ من يحمل التابعية يستحق الحقوق والواجبات على الدولة سواء أكان مسلما أم غير مسلم، وكلّ من لا يحمل التابعية لا يستحق على الدولة الحقوق والواجبات المكفولة لحامل التابعية. وفي الإسلام، يتحدّد حقّ اكتساب التابعية على أساس الإقامة الدائمة في دار الإسلام، ولا علاقة للدم أو العقيدة في اكتسابها. لذلك، فقد تعطى التابعية الإسلامية لغير المسلم الذي يريد الإقامة الدائمة في دار الإسلام، ولا تعطى للمسلم الذي اختار الإقامة الدائمة في غير دار الإسلام. فنحن نعدّ اليهودي الذي يقيم في دار الإسلام إقامة دائمة من رعية الدولة الإسلامية، ولا نعدّ المسلم الذي يقيم في دار الكفر إقامة دائمة من رعية الدولة الإسلامية. أخرج مسلم عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: اغزوا بسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدة. وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم الذي يجري على المسلمين، ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين» فهذا الحديث الصحيح صريح بأنّ من لا يتحول إلى دار الهجرة أي دار الإسلام ليحمل تابعية الدولة، فإنه لا يملك أي حق من حقوق الرعوية حتى لو كان مسلما. فلا علاقة للدين بالرعوية أو التابعية كما يزعم اللائكيون عن جهل وتجاهل.
5. المبرّر الخامس: المساواة
بالنسبة لللائكين، يعتبر الإسلام منظومة فكرية مغلقة عنصرية، تميّز بين أبناء الوطن الواحد. فالإسلام عندهم يميّز بين المسلم واليهودي، وبين الرجل والمرأة. يقول خميس الخيّاطي: "والتعددية والاختلاف هما من أسس المواطنة التي هي نتاج الديمقراطية. ولنا في هذه الفترة أن نختار أي نهج نريد. هل هو الانغلاق على المقولات المكبلة للعقل والحرية والماحية للمواطنة تحت تعلة "صدام الحضارات"، فندفع إلى السجن أو الهجرة بمن لا يؤمنون بإيماننا، شاهرين في وجوههم سيف الاستسلام رافعين شعار "لا حكومة ولا دستور، عنا الله والرسول" هل أننا سنترك أمور الله إلى الله، سنبعد بيوت العبادة عن تقلبات الشارع السياسي وشياطينه ونؤسس إلى مواطنة تونسية قوامها المساواة ولا شيء غير المساواة بين أبناء الوطن الواحد رغم اختلافاتهم الجنسية والعقائدية؟"(7).
ويستعمل دعاة اللائكية لفظ المساواة للدلالة على أمرين:
الأمر الأول، هو تمتع الناس بجميع الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون تمييز بينهم بسبب الدين أو اللون أو اللغة أو الجنس أو غير ذلك أي معاملة الدولة لجميع المواطنين معاملة واحدة دون تمييز بينهم وفق ما يقرّره الدستور. وهذا المعنى لا إشكال فيه بصفة عامة.
الأمر الثاني، هو أنّ البشر كلهم سواسية لا فرق بينهم؛ فلا فضل لمسلم على كافر، ولا لرجل على أنثى، ولا لأسود على أبيض. والقصد من هذا، أن معتقدات الناس واحدة فلا أفضلية لمعتقد على معتقد، وأنّ أجناسهم وألوانهم واحدة فلا أفضلية لجنس أو لون على جنس أو لون؛ فوجب التسوية بينهم في الحقوق والواجبات، فللأنثى مثل حظ الذكر في كل شيء، وللكافر مثل ما للمسلم في كل شيء.
وعليه، فإن اللائكي لا يؤمن بقول الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} أو قوله سبحانه: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} ؛ لأنه يخالف أصل المساواة بين الأديان والمعتقدات، ويؤصل للكره والحقد بين أبناء الوطن الواحد.
واللائكي لا يؤمن بقوله تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}؛ لأنه يخالف قاعدة المساواة بين الجنسين، ويكرّس تبعية المرأة للرجل وعدم استقلالها عنه.
واللائكي لا يؤمن بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكم الْمُؤْمِنَات مُهَاجِرَات فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَات فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}؛ لأنه تمييز على أساس الدين.
والحقيقة، أنّ فكرة المساواة كما يقدّمها دعاة اللائكية فكرة باطلة؛ لأن واقع الناس يثبت أنه لا توجد مساواة مطلقة، ولا يمكن تطبيقها. فالناس تتفاوت في قدراتها العقلية، ومهاراتها، وبنيتها الجسمية، وأعمارها وغير ذلك. ومثال ذلك: فإن المرأة لا تقدر على الخدمة العسكرية كما يقدر عليها الرجل، وهو ما تعترف به البلدان الغربية نفسها رائدة المساواة اللائكية. ومثال ذلك أيضا: فإن القانون الوضعي اللائكي يحدد الزواج بسن معينة، فيجعله من حقّ من بلغ ذلك السن، ولا يجعله من حق من لم يبلغه ولو بيوم. فلا توجد مساواة مطلقة، وإنما هي مقيدة بما يراه العقل البشري اللائكي من قيود.
والمساواة لا تعني بالضرورة العدل بل قد تعني أحيانا الظلم. ومثال ذلك: إذا قلنا: إن اليهودي في تونس كالمسلم في كل شيء من حيث الحقوق والواجبات؛ لأنه تونسي يدين بالولاء لتونس وليس لدينه. فهذا يعني أننا نلزمه بأن يقاتل أهل ملته إذا نشبت حرب بيننا وبينهم. وهذا في نظر الإسلام غير عادل؛ لذلك فإن الإسلام لا يوجب على اليهودي أن يقاتل مع المسلمين. فأيهما أعدل باليهودي: اللائكية أم الإسلام؟ ومثال ذلك أيضا: إذا قلنا: إن الشيوعي كالمسلم في كل شيء من حيث الحقوق والواجبات؛ لأنه تونسي. فهذا يعني أنه يحقّ له أن يكون رئيس تونس ويحكم الشعب المسلم، مع أنه لا يؤمن بالإسلام ويعتبره مجرد خرافة من صنع الإنسان. فهل من العدل أن يحكم من لا يؤمن برب شعبا يؤمن كله بالله سبحانه وتعالى؟ وهل يمكن هذا؟
إنّ العدل يقتضي عدم التسوية بين البشر في أمور؛ لأن التسوية قد تفيد الظلم والجور، وهو ما أخذه الإسلام بعين الاعتبار في بعض التشريعات المتعلّقة بالمرأة أو في بعض التشريعات المتعلقة بغير المسلم في دار الإسلام. ولو اعتبرنا المساواة عدلا مطلقا لخالف هذا واقع البشر وما هم عليه. والعدل في حقيقته مسألة نسبية، فما يراه بعضهم عدلا قد يراه بعض آخر ظلما؛ لذلك فإن العدل الحقيقي المطلق هو العدل الرباني الذي أنزل الكتاب ليقوم الناس به. قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}.
يتبع إن شاء الله تعالى...
_________________________
(1) عن "اللائكية اليوم"، لعادل القادري، 42/04/2007م: http://adelkadri.maktoobblog.com
(2) السابق.
(3) عن "هل اللائكية ممكنة في تونس: هل هي الطريق إلى الديمقراطية أم تهميش للدين"، جريدة الشروق، 16/03/2011م.
(4) السابق.
(5) ينظر مجاني الطلاب، ص1087
(6) معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، للدكتور أحمد زكي بدوي، ص60
(7) عن "هل اللائكية ممكنة في تونس: هل هي الطريق إلى الديمقراطية أم تهميش للدين"، جريدة الشروق،
16/03/2011م.
[SIZE=6]
[FONT=Traditional Arabic]كل العداوات ترجى مودتها*إلا عداوة من عاداك في الدين
/*/*/*/
لا يستقل العقل دون هداية*بالوحي تأصيلا ولا تفصيلا
كالطّرف دون النور ليس بمدرك*حتى يراه بكرة واصيلا
المفضلات