السلام عليكم

اللائكية ميزان العقل والنقل اللائكية ميزان العقل والنقل الكاتب: ياسين بن علي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

لم يقع التنصيص في الدستور التونسي على لائكية الدولة، ومع ذلك فإنّ الدولة التونسية دولة لائكية عمليا بمعنى أنها تمارس فصل الدين عن الدولة، وتمنع الخلط بين السياسة والدين، وإن لم تنصّ على ذلك في دستورها. وأما ما ورد في الفصل الأول من الدستور (ضمن الأحكام العامة): "تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها"، فينقضه ما ورد بعده من أحكام، ومنه ما ورد في الفصل الثامن حيث منع قيام الأحزاب على أساس ديني: "ولا يجوز لأي حزب أن يستند أساسا في مستوى مبادئه أو أهدافه أو نشاطه أو برامجه على دين أو لغة أو عنصر أو جنس أو جهة". فإذا كان الإسلام دين الدولة بنص الدستور، فكيف يمنع حزب من جعل الإسلام مبدأه الذي يقوم عليه، وهدفه الذي يسعى إلى تحقيقه وتطبيقه، وكيف يمنع حزب من استقاء برامجه منه؟
إذا حكمنا على هذا الواقع الدستوري من منظور عقلي منطقي، قلنا: إنه تناقض، ولكن إذا حكمنا عليه من منظور سياسي تاريخي، قلنا: إنه دهاء بورقيبي.
فقد كان بورقيبة رجل دولة يتمتع بدهاء سياسي وحنكة دبلوماسية، وهي صفات انعكست على سلوكه السياسي وإدارته لشؤون الدولة؛ لذلك استطاع أن يسكت كل صوت شكّك في ولائه للإسلام بجملة هي: "الإسلام دينها". ففتح لهم بهذه الجملة أبواب الأمل نظريا، وأغلقه في وجوهم عمليا، واستبدّ بالسلطة ليقنّن من القوانين ما يزيح الإسلام عن الحياة والمجتمع والدولة بكيفية ذكية تقوم على المرحلية تحت غطاء التحديث والعصرنة. ثمّ جاء بن علي رجل الاستخبارات من بعده، فسار على خطاه، ولكن بكيفية تتفّق مع ملامح شخصياته، فأعلن في خطاب أمام مجلس النواب (سنة 1989م): "نقول للذين يخلطون بين الدين والسياسة, إنه لا مجال لحزب ديني"، وهكذا شهدت تونس سنوات من القمع والاضطهاد، وأصبح همّ الدولة تجفيف منابع الدين الذي تزعم أنه دينها وأنها حاميته.
لم تكن سياسة تجفيف منابع الدين هذه، إلا سياسة تطبيق اللائكية عمليا بالحديد والنار؛ إذ سعى بن علي، مستعينا بالتيار الماركسي الكافر والتيار اللائكي الملحد، إلى القضاء على كلّ مظاهر الدين في المجتمع: في السياسة والاقتصاد والقضاء والتعليم والمعاملات والعلاقات بل وفي الحياة الشخصية أيضا، حتى كاد الدين أن ينمحي من البلاد لولا كلمة سبقت من ربك: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)}، فجعل الله سبحانه وتعالى كيد الطاغية في نحره ففرّ من البلاد. وهكذا، مات بورقيبة، وفرّ بن علي، وأما الإسلام فلم يمت بل بقي يشع نوره في تونس.
نعم، ما يزال نور الإسلام في تونس مشعا، وما يزال دين الملايين، ولكن هل قضي على اللائكية؟ لا، بقيت اللائكية عند فئة من الناس، فما زالت تلك دعواهم؛ لذا وجب علينا أن نتصدى لها بالحجة والبرهان. {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}.



ما هي اللائكية؟



سنركّز هنا على مفهوم اللائكية كما عرّفه اللائكيون أنفسهم في تونس، ثم ننظر بعدها في المفهوم الغربي لنقارن بينهما. وأعتذر مسبقا للقارئ الكريم عن الإطالة، وأرجو أن يتفهّم مدى الحاجة إلى بسط تعريفات أصحاب اللائكية في تونس؛ فالحكم على الشيء فرع عن تصوره.



· كتب الصحفي عادل القاري: "انتظم منتدى التقدم بمقر جريدة الوحدة يوم 20 أفريل 2007 حول موضوع: اللائكية اليوم. وقد رحّب السيد حسين الهمامي (عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية) في بداية اللقاء، الذي شارك فيه عدد من ممثلي وممثلات المجتمع المدني التونسي، بضيف المنتدى المناضل الحقوقي السيد صالح الزغيدي (عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان)، مبرزا أهمية الموضوع مع التأكيد على ضرورة عدم الخلط بين اللائكية والإلحاد. وذكّر بموقف حزب الوحدة الشعبية المتعلق بالفصل بين السياسة والدين وبين النسبي والمطلق وبين الشأن الخاص والشأن العام. السيد صالح الزغيدي، ركّز في مداخلته التمهيدية على ما اعتبره نواة مركزية في مفهوم اللائكية أو العلمانية بعد أن بيّن أنه يفضل استعمال مصطلح اللائكية (جذرها اللغوي القديم في اللغة اليونانية يعني الانتماء للشعب وليس إلى رجال الدين أو المؤسسات الدينية) باعتبار أن انتشار مصطلح العلمانية مردّه ترجمة متأثرة بالثقافة الانقلوساكسونية في المشرق العربي، وفنّد الفكرة الشائعة التي تقول إن اللائكية ذات خصوصية فرنسية حتى وإن كانت مرتبطة في فرنسا بتاريخ ثوري وراديكالي أثمر في الأخير قانون 1905 الذي يفصل بين الدولة والكنيسة الكاثوليكية لينصّ بعد ذلك الدستور الفرنسي في مادته الأولى على لائكية الدولة وهو ما نجده أيضا في الدستور التركي، مذكرا أن دستور الولايات المتحدة الأمريكية كان أول دستور لائكي في الدول الحديثة يفصل بين السلطة السياسية وأي مرجعية دينية ولم يعن ذلك موت الدين أو يتعارض مع بقائه فاعلا في المجتمع المدني الأمريكي. وتقوم النواة المبدئية للائكية التي تجسم حرية المعتقد والمساواة والتسامح على أساس أن الدين لا يتحكم في الدولة أو يسيّرها كما أن الدولة لا تتحكم في الدين أو تسيّره. وأشار المحاضر إلى أن الدين يقوم على نصوص مقدسة ورجال دين. والمطلوب في الدولة أولا تشريع إنساني يختار من خلاله البشر المواطنون أي مجتمع يريدون بناءه وثانيا أن لا يكون لرجال الدين أي سلطة على الدولة. وما زال هذا المفهوم السياسي والثقافي المرتبط بقيم الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان مندرجا في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ضمن المحظورات (تابوهات)... وفي هذا السياق أشار السيد الزغيدي إلى الارتباط الوثيق بين إنجاز الديمقراطية وإنجاز اللائكية. فالديمقراطية منظومة قيم وليست مجرد آليات (انتخابات، تنظم…) والفكر اللائكي هو الذي يقبل الاختلاف والتعدد أما الفكر الديني فهو يرفض الاختلاف. ومن هذا المنطلق اعتبر أنه لا ديمقراطية في بلاد بها تعددية حزبية (وإن كانت حقيقية) والمرأة فيها مقصاة وغير مساوية للرجل. وهنا يتدخل الدين لتبرير ذلك الإقصاء وعدم المساواة، كما هو حال الإرث عندنا... وإذا كانت الدولة تدعو إلى عدم توظيف الدين فعليها أن تلتزم بذلك قبل غيرها، فالقيم الديمقراطية ترفض كل التمييزات المبنية على الدين أو الجنس أو اللون. ومع ذلك أكد المحاضر أن تونس هي من أكثر الدول العربية تقدما باتجاه وضع مسافة بين الدولة والدين (الدستور التونسي لا ينص على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريعات مثلما نجده في معظم الدساتير ######### كما يبرز ذلك في عديد المجالات الاجتماعية. ولكن تبقى بعض الثغرات الدستورية والقانونية حيث ينص الدستور التونسي من جهة على ضمان حرية المعتقد (التي تعني حق اختيار الفرد وممارسته لدينه أو دخول دين آخر دون اعتباره مرتدا ) والمساواة بين المواطنين والمواطنات ثم يحدد من جهة أخرى دين الدولة (الفصل الأول) ودين رئيسها (الفصل 40 ). كما تمنع بعض النصوص الإدارية عقد قران المسلمة بغير المسلم رغم أن مجلة الأحوال الشخصية لا تمنع ذلك... ومع ذلك أعاد السيد الزغيدي التأكيد على أن اللائكية ليست الإلحاد. بل إن الفكر اللائكي هو أكثر من يدافع عن حرية المعتقد وممارسته. أما ما يسمى بالدولة الإلحادية التي تعمل على نشر الإلحاد (مثل الاتحاد السوفياتي السابق) فهي نقيض للائكية، وكما نرفض الدولة الدينية فنحن نرفض الدولة الإلحادية. وقد أثارت هذه المداخلة نقاشا ثريا بدأه السيد الحبيب قيزة (رئيس جمعية محمد علي للبحوث والدراسات والتكوين) الذي أشار إلى وجود إجماع على الديمقراطية وخلاف حول اللائكية. ورأى في ذلك تناقضا خطيرا. حيث أنه لا ديمقراطية بلا لائكية فالديمقراطية حيث السيادة للشعب ليست مجرد مسألة تقنية وحسابية ( أغلبية وأقلية) مذكرا القائلين بأن اللائكية غريبة عنا بالفصل بين العقل والنقل في تراثنا وغياب سلطة الكنيسة، داعيا إلى وجوب القيام بالقطيعة مع العقل الفقهي الذي اعتبره محمد أركون سياجا دغمائيا مغلقا... الأستاذ زهير الشرفي تحدث عن كتيب أعده للنشر بعنوان (كنيسة حرة في دولة حرة)، متسائلا لماذا تدرس الدولة الإسلام والمذهب المالكي ولا تدرس الديانات والمذاهب الأخرى. في حين أن دور المدرسة العمومية هو تخريج تلميذ حر قادر على الاختيار والتمييز بين العبادات وفعل الخير بعيدا عن الحقد الديني... وإجابة عن بعض الملاحظات والأسئلة أوضح السيد صالح الزغيدي أن قضية اللائكية مطروحة على الدولة (كمشرع) وليس على المواطنين. فالمهم أن لا نفتح كتب الأحاديث والقرآن لنستخرج القوانين. ونظرا إلى أن للدين جانبا جماعيا (يهم الدولة) وليس فقط فرديا، يبقى السؤال مطروحا فعلا فيما يتعلق بتسير المساجد كفضاءات عمومية. والمطروح علينا مواصلة النقاش لتعميق المفاهيم والمقترحات، مثل مسألة التعليم وبرامجه (تدريس الدين الإسلامي فقط أم جميع الأديان أم تاريخ الأديان أم الأخلاق)... وللوصول إلى دولة لائكية تفصل بين الإسلام والدولة هناك منظومتان فكريتان أولاهما من داخل الفكر الديني نفسه، وهي قلة قليلة مجتهدة تعرض بعضها للتهميش مثل علي عبد الرازق في مصر (صاحب كتاب الإسلام وأصول الحكم) أو للاغتيال (مثل محمود محمد طه في السودان) والأخرى من خارج المنظومة الفكرية الدينية (وهي التي ينتمي إليها السيد صالح الزغيدي) أي من منظومة عقلانية لا دينية، لا تقدم قراءة جديدة للإسلام أو تأويلا مستحدثا له ولا تعتبر أن ذلك من مهامها أو منطلقاتها ومرجعياتها. أما المطلوب من الإسلاميين فهو أن يعلنوا بوضوح أنهم لا يريدون دولة دينية ولن يطبقوا الشريعة الإسلامية..."(1).
· وقال فتحي بالحاج يحي (أحد مؤسسي الجمعية الثقافية التونسية للدفاع عن اللائكية): "اللاّئكية هي أن يجمعني مع مواطن آخر، أو يربطني بالدّولة في باب الحقوق والواجبات، عقد اجتماعي قانوني ينطلق من اعتباري راشدا ومسؤولا عن أعمالي وعارفًا بما يصلح بي و لا يصلح. ودور القانون أن يذكّرني مثلا بفعلٍ ما كنت أعتقده صالحًا وفيه مضرّة للغير كأن أتجاوز ضوءًا أحمر في حركة مرور لأنّي على عجل أو أن أتوقّف عن العمل ثلاثة مرّات في اليوم بدعوى الصّلاة حاضرًا، وأنا أشتغل معلّما أو سائق حافلة عموميّة أو عونا فنيّا في برج المراقبة بالمطار. أمّا أن يأتي القانون ليرفض عليّ كمواطنة تونسيّة حقّي في اختيار شريك حياتي بدعوى أنّه غير مسلم بينما يبيحها لجاري الذّكر (ولا تقولوا لي تزوّجي جارك وأريحينا، فإنّي أكرهه)، أو أن يُدرَّس أبناؤنا في مادّة التربية الإسلاميّة أنّ الأرض والإنسان هما محور الخلق والكون بينما يكتشفون في دروس الفيزياء أنّها أصغر من نملة تائهة في الصّحراء داخل الكون اللامتناهي. ففي الحالات الأولى مسّ بكرامة الإنسان المطلقة ومبدأ المساواة في المواطنة وإسقاط فاضح لما ورد في الدّستور من ضمان لحرية المعتقد إذ كيف يجوز أن تخوّل الدّولة لنفسها تقرير من هو مسلم ومن هو غير مسلم، ومن يتزوّج من؟ أمّا في الحالة الثانية فثمّة اعتداء على العقل والذّكاء ولو كان ذلك باسم الدّين والهويّة والاستثناء الثقافي والأصالة وغيرها من التّصنيفات التي تجتمع فيها جميع عوائقنا وفيها بعض التّفسير لبقائنا مستهلكين لابتكارات واختراعات وعلوم الغرب رغم أنّنا "أفضل أمّة أُخرِجت للنّاس". والأمثلة كثيرة مثل المساواة في الإرث بين الأنثى والذّكر والتي مازال الخطاب الرّسمي يتعثّر فيها حيث نرى وزيرة المرأة تكاد تقرّ بمعقولية هذا الطّلب بالنّظر لوضع المرأة مع استدراكها القول بأنّ الأمر من ثوابت الإسلام لوضوح الآية القرآنية فيه، لذلك استحال تطبيقه. ولو ترجمنا كلامها لحصلنا على شيء من قبيل "واللّه الحكاية معقولة لكن للأسف نزلت الآية خالية من أيّ ذريعة يمكن اعتمادها أسوة بآية الأربعة نساء وقوله "ولن تعدلوا" !"(2).
· وقالت الدكتورة ألفة يوسف: "إنّ المشكل مع كلمة اللائكيّة هو المصطلح المعتمد. فمن أبجديّات المنهج ضرورة تحديد المفاهيم ومفهوم اللائكيّة بهذا المصطلح المعتمد أو بمصطلح العلمانيّة مصطلح مقلق من منظورين: المنظور الأوّل أنّ المصطلحين ليسا من التراث العربي الإسلاميّ فلا وجود في أمّهات الكتب لكليهما بما يعني أنّهما مصطلحان مستوردان مفتقران إلى الانغراس في التربة الحضارية. أمّا المنظور الثّاني فهو ضبابيّة المفهومين واتّصالهما بالكفر أو اللاتديّن. ونعتقد جازمين أنّ لاستعمالات بعض الفضائيّات لهذين المفهومين بهذه المعاني دورا كبيرا في جعل اللائكية مرادفة للكفر أو اللاتديّن. ولا نظنّ أنّ هذا الاستعمال الخاطئ عفويّ بل نتصوّره مقصودا لتشويه مفهوم اللائيكيّة. وإذا كانت اللائكية في معناها الأبسط فصلا للدّين عن الدّولة فيمكن لي أن أتساءل عن الفرق بينها وبين ما يدعو إليه القرآن من احترام عقيدة البشر واعتبار كلّ واحد حرّا في دينه واقتناعاته العقديّة:{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ}. بل أكثر من ذلك إنّ القرآن يؤكّد أنّ اختلاف العقيدة بين البشر ممّا أراده الله تعالى في الكون: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِين}. والموقف من هذا الاختلاف هو بالضّرورة القبول والرّضا لإرادة الله هذه. وإنّنا إذا اتّفقنا في هذه المسألة فإنّ الخلاف بين ما يسمّى لائيكيّين وإسلاميّين قد يتعدّى ذلك ليتّصل بالتّشريع المعتمد في الدّولة. وإنّنا من موقعنا نؤكّد أنّ التشريعات مهما تكن إنّما هي في آخر الأمر قراءات بشريّة سواء استندت إلى العقل والمنطق أو استندت إلى النصوص الدّينيّة مهما تكن. إنّ الثعالبي في كتابه روح التحرر في القرآن يؤكّد أنّ جوهر الأخلاق والدّين واحد. والمهمّ أن نتّفق أنّنا في مجال التشريع الذي يصوغه بشر نظلّ دائما في مجال النسبيّة أي في مجال المسائل الدّنيويّة الّتي نختلف فيها وتتعدّد حولها الآراء والمواقف. إنّ الدّين بصفته علاقة خاصّة بين الإنسان وربّه أمر فرديّ لا يمكن لأيّ كان أن يتدخّل فيه ولا سيّما إذا كان الآخر الدّولة التي من المفروض أن تحقّق لجميع أفرادها إمكان ممارسة شعائرهم أو طقوسهم في أمان وحرّية. أمّا الدّين من حيث يراه البعض وجها من وجوه تنظيم الحياة بين البشر فإنّه يفترض المستحيل أي إمكان نفاذ الدّولة إلى هذه العلاقة الخاصة الفريدة بين الإنسان وربّه، فإذا افترضنا جدلا إمكان ذلك نجد أنفسنا إزاء قراءات بشريّة مصلحيّة سياسيّة تتّخذ الدّين مطيّة ومآرب لسيطرة بعض النّاس على البعض الآخر بحجّة السّعي إلى تطبيق الشّريعة. وإنّي من موقعي داخل المنظومة الإسلاميّة أربأ بالدّين عن أن يتدخّل في الشّؤون السّياسيّة الدّنيويّة التي تظلّ سياقيّة نسبيّة وعرضة للخلافات والمصلحيّة وأعدّ جوهر الإسلام قائما على الحرّية المسؤولة في الحياة الدّنيا لا على ادّعاء امتلاك الحقيقة وفرضها على الآخرين باسم الدّولة. إنّنا نضمّ صوتنا إلى صوت علي عبد الرازق صاحب كتاب "الإسلام وأصول الحكم" مؤكّدين أنّ الإسلام رسالة لا حكم ودين لا دولة"(3).
· وقال الأستاذ صالح الزغيدي (كاتب عام الجمعية التونسية للدفاع عن اللائكية): "نريد أن يعيش شعبنا في دولة مواطنين لا في دولة مؤمنين بالله ورسوله.. نريد أن يكون الإيمان بالله من عدمه أمرا لا يخص إلا صاحبه ولا أحد يمتلك أو يمنح لنفسه الحق في محاسبته.. نريد أن لا يختلط الدين بالسياسة، لأن الدين يفضي على نفسه طابعا قدسيا والسياسة أبعد شيء عن القداسة، الدين إيمان والسياسة رأي... اللائكية تعني أننا نتدبر أمرنا في مجتمعنا وفي زماننا حسب ما يمكن أن يجمع بيننا من مصالح ومستحقات مشتركة لمدة معينة من الزمن تتغير وتتطور فنعيد الكرة وننظر من جديد في أمورنا حسب الظروف الجديدة، وما كان صحيحا وصالحا بالأمس القريب يصبح لاغيا اليوم..."(4).
· وقالت الأستاذة الجامعية والباحثة في الدراسات الإسلامية منجية السواحي: "إنّ العديد من الرافضين لللائكية حجتهم أنها مرتبطة ارتباطا مباشرا بالإلحاد حيث أنها تهمش الدين وتقصيه من الدولة الإسلامية بالأساس والتي تختلف كثيرا عن الغرب بمختلف دياناتهم فالعلمانية تساوي الدنياوية وهي فصل بين كل ما يتعلق بالحياة الخاصة الشخصية للفرد والحياة السياسية فكل شخص حر في ديانته في لباسه في فكره وبذلك هي ضمان للحريات دون تدخل من الدولة وممارسة السلطة على الأفراد فكل شخص من حقه أن يعيش في بلاده بحقوقه وخصوصياته التي يجب أن تحترم من قبل الجميع حتى من قبل القانون وهذه خاصية العلمانية"(5)

يتبع إن شاء الله تعالى...
_____________________
(1) عن "اللائكية اليوم" بتصرف، لعادل القادري، 42/04/2007م، http://adelkadri.maktoobblog.com/

(2) الأوان" تحاور فتحي بالحاج يحيى، أحد مؤسسي "جمعية الدفاع عن اللائكية" في تونس، الجمعة 13 حزيران (يونيو) 2008، بقلم: [COLOR=window####] سفيان الشواربي[/COLOR].

(3) عن "هل اللائكية ممكنة في تونس: هل هي الطريق إلى الديمقراطية أم تهميش للدين"، جريدة الشروق، 16/03/2011م.
(4) المصدر السابق.
(5) عن "اللائكية في تونس: هل هي خيار جديد نحو الحداثة؟"، جريدة التونسية، 10/03/2011م.

hgghz;dm td ld.hk hgurg ,hgkrg