سبق أن أجبنا عن ذلك بقولنا إن مرد تعدد الكتب المنزلة إلى كونها جاءت بحرف و صوت مخلوقين ، أما الكلام الإلهي فواحد بوحدة الخبر ،و في ردود الإمام الرازي - رحمه الله - ما يدفع اعتراضك السابق إذ يقول :

" اعلم أن الإنسان إذا أراد أن يقول : اسقني الماء ، فإنه قبل أن يتلفظ بهذا اللفظ يجد في نفسه طلبا و اقتضاء لذلك الفعل . و ماهية ذلك الطلب مغايرة لذلك اللفظ .
و الذي يدل عليه وجوه :
الأول : أن ماهية ذلك الطلب لا تتبدل باختلاف الأزمنة و الأمكنة . و الألفاظ الدالة على هذا المعنى تختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة .
الثاني : أن جميع العقلاء يعلمون بالضرورة أن قول القائل " افعل " : دليل على ذلك الطلب القائم بالقلب . و لا شك أن الدليل مغاير للمدلول .
الثالث : أن جميع العقلاء يعلمون بالضرورة أن قول القائل " افعل " : لا يكون طلبا و أمرا إلا عند اصطلاح الناس على هذا الموضوع . و أما كون ذلك المعنى القائم بالقلب طلبا ، فإنه أمر ذاتي حقيقي لا يحتاج فيه إلى الوضع و الاصطلاح .
الرابع : و هو أنهم قالوا : إن قولنا : ضرب يضرب ، إخبار . و قولنا : اضرب ، لا تضرب ، أمر و نهي . و لو أن الواضعين قلبوا الأمر ، و قالوا : إن قولنا ضرب يضرب أمر و نهي ، و قولنا اضرب لا تضرب ، إخبار ، لكان ذلك ممكنا جائزا . أما لو قالوا : حقيقة الطلب يمكن أن تنقلب خبرا ، و حقيقة الخبر يمكن أن تنقلب طلبا ، لكان ذلك محالا .

فهذه الوجوه الظاهرة دالة على أن حقيقة الطلب و حقيقة الخبر أمر مغاير لهذه الالفاظ و هذه العبارات ، بل هذه الألفاظ و هذه العبارات دالة عليها معرفة لها ."

ينظر كتابه : خلق القرآن بين المعتزلة و السنة ، تحقيق أحمد حجازي السقا ، دار الجبل ، بيروت ، ص .52 ، 53 .


فأنا أعتقد أن ما احتج به الإمام الرازي كاف في رد الشبهة التي ذكرتها عن تداخل الطلبي و الخبري في الكلام ، و أن جميع الأساليب إذا رددناها إلى حديث النفس هي بمنزلة الخبر ، و بالتالي فالخبر بوصفه معلومات واحد في ذات الله ، و عليه فالكلام واحد أزلي في الذات الإلهية . أما حروف المصحف فهي المخلوقة المحدثة ، مثلها مثل خلق السموات و الأرضين .

و لا يمكن تصور مفارقة أصوات الله لذاته خارج ذاته ، إذ معنى ذلك تبعيض ذات الله و تركبها و افتقارها إلى بعضها البعض ، و هذا محال في حق الذات الإلهية ، فضلا عما يوحيه ذلك من حلولية لذات الله في المخاطب بالوحي ، فلا حلولية في الإسلام إذ يعدّ هذا كفرا اتفق حوله جميع أهل العلم .



بإختصار أريد أن تخبرنا هل كلّمه الله في ذلك الوقت أم لا ؟؟ إن كان كلّمه في ذلك الوقت فالكلام حدث في ذلك الوقت و إن أنكرت ذلك فأنت تنكر صريح القرآن

نحن لا نعترض على أن الله كلّم موسى عليه السلام ، لكن نعترض على الوجه الذي يدعو إلى التشبيه أي بحرف و صوت ، و نقول إنه كلّمه سبحانه بلا كيف ، لا على كيفية نجهلها ، فنحن ههنا لا نعطي معنى للفظ ، و إنما نكتفي بالتفويض ، لا التجهيل كما ورد في كلامك . و هو معتقد أهل السنة و الجماعة ، فالله لا تتبعض ذاته - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - .