السلام عليكم

81 " من قال : سبحان الله و بحمده سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت

أستغفرك و أتوب إليك , فقالها في مجلس ذكر كانت كالطابع يطبع عليه و من قالها

في مجلس لغو كانت كفارة له " .




قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 120 :



أخرجه الطبراني ( 1 / 79 / 2 ) و الحاكم ( 1 / 537 ) من طريق # نافع بن جبير

ابن مطعم عن أبيه # مرفوعا .



و قال : " صحيح على شرط مسلم " . و وافقه الذهبي و هو كما قالا .

و عزاه المنذري ( 2 / 236 ) للنسائي و الطبراني , قال :

" و رجالهما رجال الصحيح " .



و قال الهيثمي ( 10 / 142 و 423 ) : " رواه الطبراني و رجاله رجال الصحيح " .



قلت : و في رواية للطبراني زيادة : " يقولها ثلاث مرات " و قد سكت عليها

الهيثمي , و ليس بجيد , فإن في سندها خالد بن يزيد العمري و قد كذبه أبو حاتم

و يحيى , و قال ابن حبان : " يروي الموضوعات عن الأثبات " .

فهذه الزيادة واهية لا يلتفت إليها .

82 " لا أشبع الله بطنه . يعني معاوية " .



قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 121 :



رواه أبو داود الطيالسي في " مسنده " ( 2746 ) : حدثنا هشام و أبو عوانة عن أبي

حمزة القصاب عن # ابن عباس # :



" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى معاوية ليكتب له : فقال : إنه يأكل

ثم بعث إليه , فقال : إنه يأكل , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره .



قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم , و في أبي حمزة القصاب

و اسمه عمران بن أبي عطاء كلام من بعضهم لا يضره , فقد وثقه جماعة من الأئمة

منهم أحمد و ابن معين و غيرهما , و من ضعفه لم يبين السبب , فهو جرح مبهم غير

مقبول , و كأنه لذلك احتج به مسلم , و أخرج له هذا الحديث في " صحيحه " ( 8 /

27 ) من طريق شعبة عن أبي حمزة القصاب به .



و أخرجه أحمد ( 1 / 240 , 291 , 335 , 338 ) عن شعبة و أبي عوانة عنه به , دون

قوله : " لا أشبع الله بطنه " و كأنه من اختصار أحمد أو بعض شيوخه , و زاد في

رواية : " و كان كاتبه " و سندها صحيح .



و قد يستغل بعض الفرق هذا الحديث ليتخذوا منه مطعنا في معاوية رضي الله عنه ,

و ليس فيه ما يساعدهم على ذلك , كيف و فيه أنه كان كاتب النبي صلى الله عليه

وسلم ? ! و لذلك قال الحافظ ابن عساكر ( 16 / 349 / 2 ) " إنه أصح ما ورد في

فضل معاوية " فالظاهر أن هذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم غير مقصود , بل هو

ما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية كقوله صلى الله عليه وسلم في بعض

نسائه " عقرى حلقى " و " تربت يمينك " . و يمكن أن يكون ذلك منه صلى الله عليه

وسلم بباعث البشرية التي أفصح عنها هو نفسه عليه السلام في أحاديث كثيرة

متواترة .



منها حديث عائشة رضي الله عنها قالت :

" دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان , فكلماه بشيء لا أدري ما هو

فأغضباه , فلعنهما و سبهما , فلما خرجا قلت : يا رسول الله من أصاب من الخير

شيئا ما أصابه هذان ? قال : و ما ذاك ? قالت : قلت : لعنتهما و سببتهما ,

قال : " أو ما علمت ما شارطت عليه ربي ? قلت : اللهم إنما أنا بشر , فأي

المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة و أجرا " .

83 " أو ما علمت ما شارطت عليه ربي ? قلت : اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته

أو سببته فاجعله له زكاة و أجرا " .




قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 122 :



رواه مسلم مع الحديث الذي قبله في باب واحد هو " باب من لعنه النبي صلى الله

عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه و ليس هو أهلا لذلك كان له زكاة و أجرا و رحمة "

.

ثم ساق فيه من حديث # أنس بن مالك # قال :



" كانت عند أم سليم يتيمة و هي أم أنس , فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم

اليتيمة , فقال : آنت هي ? لقد كبرت لا كبر سنك فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي

فقالت أم سليم : ما لك يا بنية ? فقالت الجارية : دعا علي نبي الله صلى الله

عليه وسلم أن لا يكبر سني أبدا , أو قالت : قرني , فخرجت أم سليم مستعجله تلوث

خمارها حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول الله صلى الله

عليه وسلم : ما لك يا أم سليم ? فقالت يا نبي الله , أدعوت على يتيمتي ? قال :

و ما ذاك يا أم سليم ? قالت : زعمت أنك دعوت أن لا يكبر سنها , و لا يكبر قرنها

قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم قال :

" يا أم سليم ! أما تعلمين أن شرطي على ربي ? أني اشترطت على ربي فقلت : إنما

أنا بشر أرضى كما يرضى البشر , و أغضب كما يغضب البشر , فأيما أحد دعوت عليه

من أمتي بدعوة ليس لها بأهل , أن يجعلها له طهورا و زكاة و قربة يقربه بها منه

يوم القيامة " .

84 " يا أم سليم ! أما تعلمين أن شرطي على ربي ? أني اشترطت على ربي فقلت : إنما

أنا بشر أرضى كما يرضى البشر و أغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من

أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا و زكاة و قربة يقربه بها منه يوم

القيامة " .




قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 123 :



( عن # أم سليم # ) :



ثم أتبع الإمام مسلم هذا الحديث بحديث معاوية و به ختم الباب , إشارة منه

رحمه الله إلى أنها من باب واحد , و في معنى واحد , فكما لا يضر اليتيمة دعاؤه

صلى الله عليه وسلم عليه بل هو لها زكاة و قربة , فكذلك دعاؤه صلى الله عليه

وسلم على معاوية .



و قد قال الإمام النووي في " شرحه على مسلم " ( 2 / 325 طبع الهند ) :

" و أما دعاؤه صلى الله عليه وسلم على معاوية ففيه جوابان :



أحدهما : أنه جرى على اللسان بلا قصد .



و الثانى : أنه عقوبة له لتأخره , و قد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن

معاوية لم يكن مستحقا الدعاء عليه , فلهذا أدخله في هذا الباب , و جعله غيره من

مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاء له " .



و قد أشار الذهبي إلى هذا المعنى الثاني فقال في " سير أعلام النبلاء "

( 9 / 171 / 2 ) :

" قلت : لعل أن , يقال : هذه منقبة لمعاوية لقوله صلى الله عليه وسلم : اللهم

من لعنته أو سببته فاجعل ذلك له زكاة و رحمة " .



و اعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث : " إنما أنا بشر أرضى كما

يرضى البشر ..‎" إنما هو تفصيل لقول الله تبارك و تعالى : ( قل إنما أنا بشر

مثلكم , يوحى إلي ....‎) الآية .



و قد يبادر بعض ذوي الأهواء أو العواطف الهوجاء , إلى إنكار مثل هذا الحديث

بزعم تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم و تنزيهه عن النطق به ! و لا مجال إلى مثل

هذا الإنكار فإن الحديث صحيح , بل هو عندنا متواتر , فقد رواه مسلم من حديث

عائشة و أم سلمة كما ذكرنا , و من حديث أبي هريرة و جابر رضي الله عنهما ,

و ورد من حديث سلمان و أنس و سمرة و أبي الطفيل و أبي سعيد و غيرهم .

انظر " كنز العمال " ( 2 / 124 ) .



و تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما مشروعا , إنما يكون بالإيمان بكل ما

جاء عنه صلى الله عليه وسلم صحيحا ثابتا , و بذلك يجتمع الإيمان به صلى الله

عليه وسلم عبدا و رسولا , دون إفراط و لا تفريط , فهو صلى الله عليه وسلم بشر ,

بشهادة الكتاب و السنة , و لكنه سيد البشر و أفضلهم إطلاقا بنص الأحاديث

الصحيحة . و كما يدل عليه تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم و سيرته , و ما حباه

الله تعالى به من الأخلاق الكريمة , و الخصال الحميدة , التي لم تكتمل في بشر

اكتمالها فيه صلى الله عليه وسلم , و صدق الله العظيم , إذ خاطبه بقوله

الكريم : ( و إنك لعلى خلق عظيم ) .

85 " ارحلوا لصاحبيكم و اعملوا لصاحبيكم ! ادنوا فكلا " .



قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 124 :



رواه أبو بكر ابن أبي شيبة في " المصنف " ( ج 2 / 149 / 2 ) , و الفريابي في

" الصيام " ( 4 / 64 / 1 ) عنه و عن أخيه عثمان بن أبي شيبة , قالا : حدثنا عمر

بن سعد أبو داود عن سفيان عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن

#‎أبي هريرة # قال :



" أتي النبي صلى الله عليه وسلم بطعام و هو بـ ( مر الظهران ) , فقال لأبي بكر

و عمر : ادنوا فكلا , فقالا : إنا صائمان , فقال : ارحلوا لصاحبيكم " الحديث .



و كذا أخرجه النسائي ( 1 / 315 ) و ابن دحيم في " الأمالي " ( 2 / 1 ) من طرق

أخرى عن عمر بن سعد به .



ثم أخرجه النسائي من طريق محمد بن شعيب : أخبرني الأوزاعي به مرسلا لم يذكر أبا

هريرة , و كذلك أخرجه من طريق علي - و هو ابن المبارك - عن يحيى به .

و لعل الموصول أرجح , لأن الذي وصله و هو سفيان عن الأوزاعي ثقة , و زيادة

الثقة مقبولة ما لم تكن منافية لمن هو أوثق منه .



قلت : و إسناده صحيح على شرط مسلم , و رواه ابن خزيمة في " صحيحه "

و قال : " فيه دليل على أن للصائم في السفر الفطر بعد مضي بعض النهار " .

كما في " فتح الباري " ( 4 / 158 ) .



و أخرجه الحاكم ( 1 / 433 ) و قال :

" صحيح على شرط الشيخين " . و وافقه الذهبي ! و إنما هو على شرط مسلم وحده ,

فإن عمر بن سعد لم يخرج له البخاري شيئا .



و الغرض من قوله صلى الله عليه و آله وسلم : " ارحلوا لصاحبيكم ...‎" الإنكار

و بيان أن الأفضل أن يفطرا و لا يحوجا الناس إلى خدمتهما , و يبين ذلك ما روى

الفريابي ( 67 / 1 ) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " لا تصم فى السفر فإنهم

إذا أكلوا طعاما قالوا : ارفعوا للصائم ! و إذا عملوا عملا قالوا : اكفلوا

للصائم ! فيذهبوا بأجرك " . و رجاله ثقات .



قلت : ففي الحديث توجيه كريم , إلى خلق قويم , و هو الاعتماد على النفس , و ترك

التواكل على الغير , أو حملهم على خدمته , و لو لسبب مشروع كالصيام , أفليس في

الحديث إذن رد واضح على أولئك الذين يستغلون عملهم , فيحملون الناس على التسارع

في خدمتهم , حتى في حمل نعالهم ?‎!



و لئن قال بعضهم : لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يخدمون رسول الله صلى الله

عليه وسلم أحسن خدمة , حتى كان فيهم من يحمل نعليه صلى الله عليه وسلم و هو

عبد الله بن مسعود .



فجوابنا نعم , و لكن هل احتجاجهم بهذا لأنفسهم إلا تزكية منهم لها , و اعتراف

بأنهم ينظرون إليها على أنهم و رثته صلى الله عليه وسلم في العلم حتى يصح لهم

هذا القياس ?‎! وايم الله لو كان لديهم نص على أنهم الورثة لم يجز لهم هذا

القياس , فهؤلاء أصحابه صلى الله عليه وسلم المشهود لهم بالخيرية , و خاصة منهم

العشرة المبشرين بالجنة , فقد كانوا خدام أنفسهم , و لم يكن واحد منهم يخدم من

غيره , عشر معشار ما يخدم أولئك المعنيين من تلامذتهم و مريديهم ! فكيف و هم لا

نص عندهم بذلك , و لذلك فإني أقول : إن هذا القياس فاسد الاعتبار من أصله ,

هدانا الله تعالى جميعا سبيل التواضع و الرشاد .