ونوصي طالب العلم بالجد في تفهم المعاني والحرص على الحفظ وعدم الملل والسآمة من ذلك ، فإن الحفظ رأس المال ، وقد قال بعضهم ( حرف في فؤادي ولا ألف في كتابي ) ، وقال آخر : ( ليس العلم ما حواه القمطر إنما العلم ما حواه الصدر ) ([1])

وقال آخر شعراً :
العلم ويحك ما في الصدر تجمعه *** حفظاً وفهماً وإتقاناً فداك أبي

وقد أحسن بعضهم حيث يقول :
اصبر ولا تضجر من مطـلب *** فآفة الطالب أن يضجــرا
أما ترى الحبل بتكـــراره *** في الصخرة الصماء قد أثرا

وعلى طالب العلم ملازمة العلماء العاملين ، والاستفادة من علومهم ، والصبر على ما يبدر منهم إن بدر . وقد أحسن الإمام الشافعي حيث يقول :
اصبر على مر الجفا من معلم *** ومن لم يذق مر التعلم ساعة
ومن فاته التعليم وقت شبابه **** وذات الفتى والله بالعلم والتقى
فإن رسوب العلم في نفراته *** تجرع ذل الجهل طول حياته
فكبر عليه أربعاً لوفاته *** إذا لم يكونا لا اعتـبار لذاتـه

وعلى طالب العلم أن يحرص كل الحرص على العمل بالعلم ، فعلم بلا عمل كشجر بلا ثمر . وقد وصف الله اليهود بالمغضوب عليهم ، لأن معهم علماً لم يعملوا به فليحذر المسلم أن يتشبه بهم :

وقد قال سفيان بن عيينة – رحمه الله - : ( من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى ) .

وليحذر طالب العلم الداء الدفين الذي وقع فيه كثير من أبناء هذا الزمن من طلب العلم للدنيا وحطامها ، فقد جاء الخبر عن سيد البشر : " من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله – عز وجل – لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ) رواه أبو داود ([2]) وابن ماجة ([3]) من حديث أبي هريرة ، وفي سنده فليح بن سليمان مختلف فيه ورجح الدار قطني إرساله ([4]) . وله شاهد عند الترمذي ([5]) من حديث ابن عمر بلفظ : " من تعلم علماً لغير الله أو أراد به غير الله فليبتوأ مقعده من النار " وفيه نظر . وفي صحيح البخاري ([6]) عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم – قال : " تعس عبدالدينا وعبدالدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي ، وإن لم يعط سخط ، تعس وانتكس ، وإذا شيك فلا انتقش . طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله ، أشعت رأسه مغبرة قدماه ، إن كان في الحراسة كان في الحراسة ، وإن كان في السـاقـة كان في الساقة . إن استأذن لم يؤذن له ، وإن شفع لم يشفع " .

قال العلامة ابن القيم – رحمه الله _: ( كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها ، فلا بد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه في خبره وإلزامه ، لأن أحكام الرب سبحانه كثيراً ما تأتي على خلاف أغراض الناس ، ولا سيما أهل الرياسة والذين يتبعون الشهوات فإنهم لا تتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق ودفعه كثيراً ، فإذا كان العالم والحاكم محبين للرياسة متبعين للشهوات لم يتم لهما ذلك إلا بدفع ما يضاده مـن الحق ولا سيما إذا قـامت لـه شبهة فـتـتـفق الشبهة والشهوة ، ويثور الهوى فيخفى الصواب وينطمس وجه الحق ، وإن كان الحق ظاهراً لا خفاء به ولا شبهة فيه أقدم على مخالفته ، وقال لي مخرج بالتوبة .

وفي هؤلاء وأشباههم     :{ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا(59) } ( سورة مريم ) .
و    فيهم أيضاً :{ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169) } ([7]) ( سورة الأعراف ) .

وطريق النجاة والسلامة من ذلك إخلاص العمل لله في الأقوال والأفعال والإرادات والنيات ،     : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلآَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)}( سورة يوسف ) .
و    :{ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} ( سورة الأنبياء ) .

والله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لله تعالى وأريد به وجهه كما في صحيح الإمام مسلم من طـريق العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" قال الله تبارك وتعالى : أنا أغنى الشركاء عـن الشرك ، مـن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه " ([8])
وفي صحيح مسلم أيضاً من طريق سليمان بن يسار قال تفرق الناس عن أبي هريرة فقال له ناتل أهل الشام : أيها الشيخ ، حدثنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نعم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه ، رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمة فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قبيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار . ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمة فعرفها قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته ، وقرأت فيك القرآن ، قال : كذبت ، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم ، وقرأت القرآن ، ليقال قارئ ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار . ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله ، فأتي به فعرفه نعمة فعرفها قال : فما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك ، قال : كذبت ، ولكنك فعلت ليقال هو جواد ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار "([9]) .



يتبع....
----------------------------------------
([1]) جامع بيان العلم وفضله 1/91.

([2]) (ج3/321) رقم (3664).

([3]) رقم (252).

([4]) رقم العلل (11/9).

([5]) (ج5/32) رقم (2655).
([6]) (ج6/81- الفتح ) .

([7])انظر الفوائد (131) وله بقية فراجعه ، فقد كشف علماء الدنيا وذكر صفاتهم فكن منهم على حذر فمنهم تظهر الفتنة وإليهم تعود .

([8]) مسلم رقم (2985).

([9]) رقم (1905) .