الإشراف العام
رقم العضوية : 3
تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
الدين : الإسلام
الجنـس : ذكر
المشاركات : 7,445
شكراً و أعجبني للمشاركة
شكراً
مرة 1
مشكور
مرة 1
اعجبه
مرة 5
مُعجبه
مرة 2
التقييم : 11
البلد : أرض مسلمة
الاهتمام : كل مافيه الخير لي ولامتي
الوظيفة : مدرّس لغة عربية
معدل تقييم المستوى
: 25
اللائكية في ميزان العقل والنقل (2)
الكاتب: ياسين بن علي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
مفهوم اللائكية عند الغربيين
· قال موريس باربيه (Maurice Barbier): "تعني اللائكية في مفهومها الواسع الفصل بين الدين والحقائق الدنيوية (les réalités profanes). فهي تفترض أنّ هذه الحقائق لا تخضع لاحتواء الدين أو تأثيره، سواء عنى الدين إيمانا ما أو جمعية ما أو سلطة دينية ما. وهكذا، نرى أن الفلسفة في الغرب استقلت عن اللاهوت، وأنّ مختلف العلوم تكوّنت خارج إطار المسيحية بل ضدّها أحيانا، وأنّ كل الحقائق الإنسانية: السياسية، والاجتماعية، والثقافية وغير ذلك، قد استقلت عن الدين. وقد تم تحقيق هذا عبر إجراء من الفصل ليس بقصير المدى، وهو ما نطلق عليه العلمنة (laicization ou secularisation). ولهذا السبب يمكن لنا أن نصف مجتمعا ما أو فكرا ما أو أخلاقا ما باللائكية إذا تخلّصت تماما من أي أثر ديني، ولم تطع إلا المبادئ الصرفة ضمن النظام العقلاني أو الطبيعي. وأما بالمعنى الضيق للكلمة، فيمكننا أن نتحدث عن لائكية التعليم للدلالة على أنه لا يحوي أي خاصية طائفية/دينية (confessionnel)"(1).
· وعرّف فرديناد بويسون (Ferdinand Buisson) الدولة اللائكية بقوله: "دولة محايدة بين الثقافات، مستقلة عن كل علماء الدين، بعيدة عن كل مفهوم تيولوجي [ديني]"(2).
· وقال فيليب غرولات (Fhilippe Grollet): "إن اللائكية التي نطالب بها تحتوي على عنصرين: الأول يتعلّق بتنظيم المدينة أي اللائكية السياسية، والثاني يتعلّق بوجهة نظر حياتية... فالدولة اللائكية هي التي تحقّق فصلا فعليا بين الحياة العامة ومؤسساتها... وبين الكنائس ومختلف القناعات الدينية والفلسفية... فاللائكية إذن هي الوحيدة القادرة على ضمان المساواة بين المواطنين مهما كانت قناعاتهم، وعلى ضمان عدم انحياز السلطة في هذا المجال. وهي أيضا الوحيدة القادرة على حماية حريّة التعبير والتفكير والتدين... وأما من ناحية أخرى فإن لفظ اللائكية غير محصور في عدم الانحياز أو في استقلالية كاملة للسلطات العامة عن القناعات الدينية والفلسفية بل يشمل أيضا وجهة نظر حياتية تقوم على أسس غير دينية بعيدة كل البعد عن أي مرجعية إلهية أو ما فوق طبيعية أو متعالية"(3).
· وعرّف قاموس لاروس (Larousse) اللائكية بأنها: "نظام يزيح الكنائس عن ممارسة أي سلطة سياسية أو إدارية، ويزيحها بخاصة عن تنظيم التعليم"(4).
· وعرّف قاموس أكسفورد العلمانية بأنها: "العقيدة التي تذهب إلى أن الأخلاق لا بدّ أن تكون لصالح البشر في هذه الحياة [الدنيا]، واستبعاد كل الاعتبارات الأخرى المستمدة من الإيمان بالإله أو الحياة الأخرى [الآخرة]"(5).
· وعرّف قاموس ويبسترس (websters) العلمانية بأنها: "عقيدة ترفض الدين والاعتبارات الدينية"، وبأنها: "تعطي الحقّ للتحرّر من قوانين الدين وتعاليمه، وللتحرر من تطبيق الحكومة للدين على الناس ضمن دولة محايدة فيما يتعلّق بمسائل الإيمان... ومن ناحية أخرى فإن العلمانية تشير إلى الاعتقاد بأن الأنشطة والمواقف الإنسانية، وبخاصة السياسية منها، لا بدّ أن تبنى على البرهان والواقع وليس على التأثير الديني"(6).
تنبيه:
لاحظ أننا لا نفرّق هنا بين اللائكية (laïcité) والعلمانية (sécularisme)، ولم نبحث في الأصل اللغوي للمصطلحات، واخترنا عدم الخوض في هذه المسألة التفصيلية الدقيقة؛ لنصبّ عنايتنا على جوهر الفكرة التي ينادي بها اللائكيون في تونس بغض النظر عن مسمياتها وبعض تفاصيلها الدقيقة.
مقارنة بين التعاريف
بصفة عامة، نجد أن تعاريف اللائكية الغربية والتونسية تتفق في عناصر كثيرة أساسية، كمسألة الفصل بين الدين والدولة، وكمسألة إبعاد الدين عن الشأن العام، وكمسألة إبعاد الدين عن التعليم، وكمسألة الحريات وغير ذلك. ولكن، نلاحظ أنّ اللائكي التونسي، بخلاف اللائكي الغربي، يصرّ على إبعاد فكرة الإلحاد عن اللائكية؛ ولذلك تكرّرت مقولة: "اللائكية ليست الإلحاد". وهذا الإصرار على عدم إلحاد اللائكية نجده أيضا عند الشيوعيين كحمة الهمامي بل وعند بعض ما يسمى بالإسلاميين. وهو ما يجعلنا نسأل: لماذا يصر اللائكي التونسي على أنّ "اللائكية ليست الإلحاد"، وهل تعني اللائكية الإلحاد حقيقة أو لا تعنيه؟
اللائكية والإلحاد:
قال عبد الله نعمان: "والعلمانية اليوم نوعان: ملحدة تبلورت في القرن التاسع عشر بعد ظهور الفلسفة المادية من مدرسة هيغل (1770-1831)، ويعتبر فيورباخ أبرز مؤسسيها. وهي تستهدف إلغاء الدين وليس مجرّد الفصل بينه وبين الدولة. ومحايدة وهي تدعو إلى فك الارتباط والتداخل بين الدين والدولة ومن ثم منع رجال الدين من التدخل في شؤون الدولة والمجتمع، على أن تكون الدولة محايدة تجاه جميع الأديان والمذاهب وأن تضمن لكل مواطن حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية من دون تمييز بسبب الأصل أو الجنس أو الدين أو العقيدة..."(7).
فهناك إذن ما يسمى بالعلمانية الملحدة، وليس القول بإلحاد العلمانية من اختراع الأصولية الإسلامية، أو بمؤامرة قصدها تشويه صورة اللائكية – كما زعمت ألفة يوسف مثلا-.
ورغم أنني سقت هذا التقسيم الثنائي لللائكية لبيان شهادة علماني حول إلحاد قسم من العلمانية، إلا أنني أرى أن اللائكية كلّها ملحدة. وإليك البيان:
جاء في القاموس الفلسفي لجاكلين روس (Jacqueline Russ): "الإلحاد (Athéisme):... مذهب ينفي وجود الإله"(8).
وجاء في معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية للدكتور أحمد زكي بدوي: "الإلحاد، إنكار الألوهة: إنكار وجود أي اله أو إنكار وجود اله مشخص والمعنى الأول أكثر شيوعا. وكذلك يرفض الإلحاد جميع الحجج التي يستند إليها المفكرون في التدليل على وجود الله"(9).
وعليه، فالإلحاد في المفهوم الغربي، وهو المفهوم الشائع، يعني إنكار وجود إله. وهذا المعنى هو الذي يستخدمه اللائكيون في تونس، فهم ينكرون إلحاد اللائكية بمعنى نفيها لوجود الإله. ولكن، هل هذا هو معنى الإلحاد في ثقافتنا الإسلامية ثقافة المجتمع التونسي؟
قال الله تعالى في سورة الأعراف: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)}.
قال الشيخ الطاهر ابن عاشور: "والإلحاد الميل عن وسط الشيء إلى جانبه، وإلى هذا المعنى ترجع مشتقاته كلّها، ولما كان وسط الشيء يشبّه به الحق والصواب، استتبع ذلك تشبيه العدول عن الحق إلى الباطل بالإلحاد، فأطلق الإلحاد على الكفر والإفساد... ومعنى الإلحاد في أسماء الله جعلها مظهرا من مظاهر الكفر، وذلك بإنكار تسميته تعالى بالأسماء الدالة على صفات ثابتة له وهو الأحق بكمال مدلولها فإنهم أنكروا الرحمان كما تقدم، وجعلوا تسميته به في القرآن وسيلة للتشنيع ولمز النبيء عليه الصلاة والسلام بأنه عدد الآلهة، ولا أعظم من هذا البهتان والجور في الجدال فحقّ بأن يسمى إلحادا لأنه عدول عن الحق بقصد المكابرة والحسد"(10).
وقال القرطبي: "قوله تعالى: {يُلْحِدُونَ} الإلحاد: الميل وترك القصد؛ يقال: ألحد الرجل في الدين. وألحد إذا مال. ومنه اللحد في القبر؛ لأنه في ناحيته. وقرئ {يَلْحَدُونَ} لغتان، والإلحاد يكون بثلاثة أوجه. أحدها: بالتغيير فيها كما فعله المشركون، وذلك أنهم عدلوا بها عما هي عليه فسموا بها أوثانهم؛ فاشتقوا اللات من الله، والعزى من العزيز، ومناة من المنان قاله ابن عباس وقتادة. الثاني: بالزيادة فيها. الثالث: بالنقصان منها؛ كما يفعله الجهال الذين يخترعون أدعية يسمون فيها الله تعالى بغير أسمائه، ويذكرون بغير ما يذكر من أفعاله؛ إلى غير ذلك مما لا يليق به"(11).
وجاء في القاموس المحيط: "وألحد: مال وعدل ومارى وجادل، وفي الحرم: ترك القصد فيما أمر به، وأشرك بالله، أو ظلم، أو احتكر الطعام، وبزيد: أزرى به، وقال عليه باطلا..."(12).
وقال الراغب الأصفهاني: "وألحد فلان مال عن الحق، والإلحاد ضربان: إلحاد إلى الشرك بالله، وإلحاد إلى الشرك بالأسباب، فالأول ينافي الإيمان ويبطله، والثاني يوهن عراه ولا يبطله..."(13).
فالإلحاد إذن لا يعني نفي وجود الله فقط بل يعني مطلق الميل عن الحقّ وعن دين الله؛ ولذلك وصف الله سبحانه وتعالى المشركين بالإلحاد مع أنّهم يؤمنون بإله. واللائكية بهذا المعنى ملحدة، ومن تبنى اللائكية فقد ألحد؛ لأنّه ينفي أن يكون الله تعالى هو الحاكم، وينفي أن يكون الله هو المشرّع والآمر الناهي، وينكر دور الدين في الحياة والمجتمع والدولة.
يقول الله عزّ وجل في سورة يوسف: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)}. فيقول اللائكي: إن الحكم إلا للإنسان وليس لله.
ويقول الله عزّ وجل في سورة الأعراف: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)}. فيقول اللائكي: الخلق لا يعنينا فهو مسألة شخصية لك أن تؤمن بها ولك أن تنكرها، وأما الأمر فليس له بل للإنسان.
ويقول الله عزّ وجلّ في سورة الشورى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) }. فيقول اللائكي: وما اختلفنا فيه من شيء فحكمه إلى الإنسان والبرلمان وليس إلى الله.
وأخرج البيهقي في السنن الكبرى: عن مصعب بن سعد عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب, قال: فسمعته يقول: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله}, قال: قلت: يا رسول الله, إنهم لم يكونوا يعبدونهم قال: "أجل, ولكن يحلون لهم ما حرم الله, فيستحلونه, ويحرمون عليهم ما أحل الله , فيحرمونه, فتلك عبادتهم لهم". واللائكية تريدنا أن نتخذ من الإنسان ربا نعبده؛ لأنها تجعل التشريع بيد المخلوق وتنفي أن يكون للخالق تبارك وتعالى.
لا نريد التفصيل في هذا المقام، إنما أردنا فقط أن نثبت أن اللائكية إلحاد بالمفهوم الإسلامي لكلمة الإلحاد؛ لأنها تشرك بالله، وتميل عن دين الله بمعنى تبعده عن الحكم والدولة والمجتمع وتحصره في البيت أو ما يسمى بالفضاء الخاص.
اللائكي والإلحاد أو إنكار وجود الإله:
سنستعمل هنا معنى الإلحاد بمفهومه الخاص أي نفي وجود إله، وبناء عليه نسأل: هل يوصف كل لائكي بالإلحاد؟
والجواب هو: أنّ اللائكين ينقسمون إلى قسمين:
1. قسم ملحد ينكر وجود إله ويعتبر الدين من صنع الإنسان وأفيون الشعوب، كالشيوعيين. يقول ماركس: "إن أساس النقد اللاديني هو كالآتي: الإنسان هو الذي يصنع الدين، والدين لا يصنع الإنسان"، ويقول: "البؤس الديني هو من جهة التعبير عن البؤس الفعلي، ومن الجهة الثانية الاحتجاج على البؤس الفعلي. الدين تنهدة الخليقة المضطهدة، روح عالم بلا قلب، مثلما أنه روح حضارة منفية الروح عنها. إنه أفيون الشعب"(14). فالشيوعي لا يؤمن بإله ولا يؤمن بدين، فهو ملحد بهذا المعنى. ولاحظ أنّ الشيوعيين في تونس لا يظهرون عقيدتهم ويخفون إلحادهم، فهم يركّزون في دعوتهم على بعض المطالب الاجتماعية والحقوقية والسياسية، ولا يبرزون عقيدتهم المادية المنكرة لوجود إله بل يستغلون اللائكية؛ لأنها الغطاء الأمثل لعدائهم للدين.
2. قسم يؤمن بوجود إله ويعترف بالدين ولكن يعرّفه بأنه علاقة شخصية بين الخالق والمخلوق، ولهذا رأينا كيف تبرّر ألفة يوسف اللائكية بنص ديني، وكيف تدافع منجية السوايحي عن عدم إلحاد اللائكية.
هذا التقسيم سيفيدنا في معرفة كيفية التعامل مع اللائكيين وكيفية مناقشتهم.
يتبع إن شاء الله تعالى...
__________________
La laïcité, Maurice Barbier, L'Harmattan1995, p. 8-9(1)
(2) المصدر السابق، ص8
(3) Questions sur la laïcité: Qui sommes-nous, laïques? Philippe Grollet, p.3, outils de réflexion, n:08, mars1999, centre d'action laïque, Bruxelles.
(4) http://www.larousse.fr/encyclopedie
(5) نقلا عن: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، للدكتور عبد الوهاب المسيري، ج1 ص57
(6) http://www.websters-online-dictionar...ons/secularism
(7) الاتجاهات العلمانية في العالم العربي، لعبد الله نعمان، ص15
(8) Dictionnaire de Philosophie, Jacqueline Russ, p28
(9) معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، للدكتور أحمد زكي بدوي، ص29
(10) التحرير والتنوير، م5 ج9 ص189
(11) الجامع لأحكام القرآن، ج7 ص328
(12) القاموس المحيط، للفيروآبادي، ج1 ص458
(13) مفردات ألفظ القرآن، للراغب الأصفهاني، ص468
(14) فلسفة الأنوار والفكر الحديث، جورج بوليتزر، ترجمة جورج طرابشي، ص3-4
[SIZE=6]
[FONT=Traditional Arabic]كل العداوات ترجى مودتها*إلا عداوة من عاداك في الدين
/*/*/*/
لا يستقل العقل دون هداية*بالوحي تأصيلا ولا تفصيلا
كالطّرف دون النور ليس بمدرك*حتى يراه بكرة واصيلا
المفضلات