أما حديث التربه الوارد فى صحيح مسلم فللحقيقه العلميه هناك من اهل الحديث كثير انكروه كالبخارى و الامام المدينى و غيرهم و لكن هناك ايضاً من صحح الحديث كالامام مسلم و الامام الالبانى و الدكتور احمد شاكر و لكن دعنا على فرض صحة الحديث نتناوله بشئ من التروى :

أولاً : النورُ ليسَ هو الشمسُ

لا يُمكنُ أنْ يكونَ المقصودُ بالنورِ فى الحديثِ الشريفِ الشمسَ عِلميًّا وشرعيًّا

فأمَّا العِلمُ فإنَّه يقضى بأنَّ وجودَ الشمسِ سابِقٌ على وجودِ الأرضِ أساسا بل وسابقٌ على وجودِ باقى كواكِبِ المجموعَةِ الشمسيَّة أيضا.

وأمَّا الشرعُ فإنَّ النصوصَ الإلهيَّة لم تصفْ الشمسَ بأنَّها "نورٌ" بل "ضِياءٌ" و"سِراجٌ وهَّاجٌ" . بل و فرقت بين ضوء الشمس الذى وصفته بالسراج و بين نور القمر فقال عز من قائل
:(هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً)[يونس:5]

والأهمُّ بالنسبةِ لنا أنَّ الشمسَ ليسَتْ نورا بذاتِها فهىَ موجودَةٌ فى الفضاءِ ومع ذلك يبدو الفضاءُ مُظلِما، وتسطعُ على القمرِ ومعَ ذلكَ يبقى مُظلِما.

إذا فالنورِ فى الحديثِ الشريفِ ليسَ هوَ الشمس بأى حال من الاحوال .

النُّورُ هو الغلافُ الجوىُّ

ولكى نفهمَ هذه الحقيقةَ يجبُ علينا أنْ ننطلِقَ مرَّة أخرى فى الزمنِ إلى ما قبل أربعةِ بلايين عام لِنعرِف كيفَ كانَت الأرضُ آنذاك، هل كانت الأرضُ ذلكَ الكوكبَ الأزرقَ فى السماء ؟ هل كانت ذلك الكوكب المُنير الخلاب ؟

الحقيقةُ أنَّنا إذا قُدِّرَ لنا العودةُ إلى هذا الزمنِ فسنُصابُ بصَدْمَةٍ حقيقيَّةٍ؛ فالأرضُ فى هذه الفترة كانت مُحاطة بغُلافٍ رقيقٍ أسودٍ مِن الغُبار المأسورِ بِقوَّةِ جاذبيَّةِ الأرضِ يخبو حينا ويظهرُ حينا وتبتلِعُه الصهارة المُندفِعة حِينا، ومع الوقت يتشبَّعُ أكثر فاكثر بمُركباتٍ كيميائيةٍ عديدةٍ مِثل أوَّل وثانى أكسيدِ الكربون وثانى أكسيد الكبريت والميثان وغيرِها، لا مكان للأوكسيجين هُنا فلا تبحثوا عنه، رجاءا لا تفتحوا الخوذاتِ فالأجواءُ هُنا سامَّةٌ بطريقةٍ غيرِ معقولة.

أمَّا الأرضُ نفسُها فكما لابدَّ أنَّكم تتوقعون الآن، مكانٌ مُظلِمٌ كئيبٌ لا يُنيرُه سِوى الحُمم المُتدفقة فى كلِّ مكانٍ والأبخرَةُ السامَّةُ التى تملأ الجوَّ فى كلِّ شِبرٍ مِن هذا الكوكبِ الفتىِّ الهائِج.

ثُمَّ ماذا ......

يتجمَّعُ بُخارُ الماءِ فى الغلافِ الجوىِّ البِدائى كما قدَّمنا سابقا، يهطلُ المطرُ وتظهرُ المُحيطاتُ وتخرجُ البكتيريا الجديدةُ حامِلةً مُفاجأة مِن نوعٍ شديدِ الرقىِّ والتهذيبِ لهذا الكوكب؛
الأوكسيجين.

تخرجُ كِميَّاتٌ هائِلةُ مِن هذا المُركَّب الحبيبِ إلى سطح الأرضِ، ورغمَ سُرعةِ امتصاصه فى جوِّ الأرضِ المُعادى يتزايدُ باضطرادٍ، نعم فالكميَّاتُ المُنطلِقةُ مهولةٌ بحقٍّ، كميَّاتٌ تفوق الخيالَ مِن غازِ الحياةِ تنطلِقُ فى فضاءِ الكوكبِ وتتزايَدُ بإصرارٍ وتصميمٍ حتى ترتفع إلى مِنطقةٍ بالِغة الخطورةِ لِهذا الكوكبِ؛ إلى الغُلافِ الجوىِّ، يدفعُ الأكسيجين غازَ المِيثان ويتراكم فى الغلافِ الجوىِّ لتتحِدَّ ذراتُه معا مُكوِّنة غازا آخر لا يتحمَّلُ عالمُنا "ثُقبا" صغيرا فيه؛ غاز الأوزون (o3) وَهُنا فقط تبدأ الأرضُ رِحلتها الحقيقيَّة ككوكبٍ صالِحٍ للحياةِ.

يعملُ الغلافُ الجوى للأرضِ كمُرشِّحٍ لآشعةِ الشمسِ حيثُ يعملُ غازُ الأوزونِ على امتصاصِ الآشِعةِ فوق البنفسجية القادِمةِ مِن الشمس مِمَّا يمنعُ وصولها للأرض، ولِتعرِفوا أهميَّة هذا الدورِ يكفى أنْ تعلموا أنَّ رَصدَ العُلماءِ لـ "ثقب الأوزون" واحتمالاتِ فقدان الأرضِ لهذا الغِطاء الواقى - الحارسِ الأمين - هو الشغل الشاغِلُ للعُلماءِ الآن، لِبلايين السنين وهذا الحارِسُ اليقظُ يقومُ بدورهِ فى حِمايَة الحياةِ على سطحِ الأرضِ دون كللٍ أو مللٍ والآنَ - كما فى كلِّ آنٍ - لو فقَدَت الأرضُ هذا الحارِسَ المُخلِص فيكفى أنْ تعلموا أنَّ هذا كفيلٌ بالقضاءِ على جميعِ صوَرِ الحياةِ على سطحِ الكوكب.

الدورُ الأهمُّ للغلافِ الجوىِّ هوَ "
إنارَة" الأرض، فالغلافُ الجوىُّ يعملُ على تشتيت الضوءِ القادِمِ مِنَ الشمسِ فتنتشرُ آشعةُ الشمسِ على جميع ذرَّاتِ الغلافِ الجوى فيظهرُ فى السماء بهذا اللونِ الأزرقِ الصافى الذى نعرِفُه ثمَّ ..... يظهرُ النور.

ماذا سيحدثُ الآن لو اختفى الغلافُ الجوىُّ للأرضِ فى لحظةٍ واحِدة ؟ فضلا عن غمرِ الأرضِ بالآشعة فوق البنفسجية وغيرِها مِن الآشعةِ الضارَّة، فإنَّ الكوكبَ سيغرقُ فى الظلامِ، الشمسُ هىَ الشمسُ وضوؤها يصلُ بنفسِ المِقدارِ ولكن .... ستُظلِمُ الأرضُ.

قُلنا سابِقا أنَّ الضوءَ ينتقلُ فى هيئةِ موجةٍ كهرومغناطيسية وبالتالى يُمكنُك أن ترى مصدرَ الضوء سواءٌ كان مصدرا أصليا أو عاكِسا أو كاسرا أو مُحرِّفا للشعاعِ الضوئى، ولكن لن ترَ غيرَ ذلك، فلو خرَجتَ إلى الفضاءِ ونظرتَ فى أىِّ اتجاهٍ فلنْ ترَى غيرَ الظلامِ، ولكنْ فى وسطِ هذا الظلامِ تظهرُ كشافاتٌ صغيرَةٌ مِن حولِك كالشمسِ والنجومِ التى لا تستطيعُ آشعتُها القويَّة أن تُبدِّد شيئا مِن هذا الظلام، الآن حاوِل أن تقتربَ مِن كوكبِ الأرضِ مِن الجُزء المواجِه للشمسِ وانزل حتى تخترِق الغلاف الجوى وانظُر ... فجأةً تشعرُ وكأنَّك غرقت فى بحرٍ مِن النور، تجدُ النورَ فى كلِّ مكانٍ مِن حولِك، فى هذه اللحظةِ فلتحمَدْ اللهَ تعالى على تِلك النعمة المَهيبة "الغلافِ الجوىِّ" الذى يعملُ على تشتيت آشعةِ الشمسِ ليبسط النورَ على الأرض .

وهُنا يسقطُ محلُّ الشبهة؛ فنعم ظهرت بكتيريا التمثيلِ الضوئىِّ قبل ظهورِ النورِ على الأرض - كما يقولُ بذلك العُلماءُ وكما قال بذلك رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم قبلهم بأكثر مِن أربعة عشر قرنا - ولكنْ بلا شكَّ لم يكُنْ ظهورُها قبلَ ظهورِ الضوءِ أو خلقِ الشمسِ - لم يقُل بذلك العُلماءُ ولم يقُلهُ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم - قُضِىَ الأمرُ الذى فيهِ تستفتيان.

والباقى معلومٌ على كلِّ حالٍ، لمَّا صار كوكبُ الأرضِ مكانا - مُحترما - صالِحا للحياة بثَّ اللهُ تعالى فيهِ الدوابَّ ثمَّ خلقَ فيهِ الإنسانَ، فاللهمَّ إنِّى آمنت بِرسولِك وبدينك وآمنتُ بِكَ سُبحانك لا جحودَ ولا نُكران لك.

الخلاصَةُ :

* هذا الحديثُ لا يتكلَّمُ عن خلقِ السماواتِ ولا خلقِ الأرضِ، بل يتكلَّمُ عن مراحِلِ تطوُّرِ الأرضِ مِن الحالَةِ التى خُلِقَتْ عليها حتى أصبَحَتْ مكانا مؤهلا للحياةِ ثمَّ بعدَ ذلك مكانا آهِلا بالحياة.

* الحديثُ يتكلَّم عَنْ عِدَّةِ مراحل هامَّة - بل أهم عِدَّة مراحل - فى تطوُّرِ الأرضِ مُرتَّبة على بعضها - كترتيبِ أيَّامِ الأسبوعِ خلف بعضِها - بحيثُ تكونُ كلُّ مرحَلَةٍ مُتعلِّقة ومُرتبِطة بالتى تسبِقُها والتى تليها.

* الحديثُ لا يتعارَضُ معَ العِلمِ فى أىِّ جُزئيَّةٍ مِنْ جُزئياتِه، بل على العكسِ يشهدُ توافُقا شديدَ القوَّة والمتانَةِ معَ مُكتشفاتِ العِلمِ الحديثِ والتى لم تظهَرْ للعُلماء إلا فى النصف الثانى مِنَ القرْن العِشرين، بل إنَّه يحكى أدقَّ دقائق هذا العِلم فى عِباراتٍ موجَزةٍ سلسةٍ تُناسِبُ فهمَ أهلِ الصحراءِ من ألفٍ وأربعمائة عامٍ وفهم أساتِذةِ علومِ الفلك وفيزياء الفضاء فى القرنِ الحادى والعشرينَ على السواء.

تحياتى ...