31 " أقيموا صفوفكم و تراصوا , فإني أراكم من وراء ظهري " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 39 :

رواه البخاري ( 2 / 176 بشرح " الفتح " طبع بولاق ) و أحمد ( 3 / 182 , 263 )
و المخلص في " الفوائد " ( ج 1 / 10 / 2 ) من طرق عن حميد الطويل , حدثنا
# أنس بن مالك # قال :
" أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال : " .
فذكره .
زاد البخاري في رواية : " قبل أن يكبر " و زاد أيضا فى آخره : " و كان أحدنا
يلزق منكبه بمنكب صاحبه . و قدمه بقدمه " .
و هي عند المخلص بلفظ :
قال أنس : " فلقد رأيت أحدنا يلصق منكبه بمنكب صاحبه , و قدمه بقدمه " .
فلو ذهبت تفعل هذا اليوم لنفر أحدكم كأنه بغل شموس .
و سنده صحيح أيضا على شرط الشيخين و عزاها الحافظ لسعيد بن منصور و الإسماعيلي
و ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله :
" باب إلزاق المنكب بالمنكب , و القدم بالقدم في الصف " .
و أما حديث النعمان فهو :
" أقيموا صفوفكم ثلاثا , و الله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن بين قلوبكم " .
_______________________________________

32 " أقيموا صفوفكم ثلاثا , والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن بين قلوبكم " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 39 :

أخرجه أبو داود ( رقم 662 ) , و ابن حبان ( 396 ) , و أحمد ( 4 / 276 ) ,
و الدولابي في " الكنى " ( 2 / 86 ) عن أبي القاسم الجدلي حسين بن الحارث ,
قال : سمعت # النعمان بن بشير # يقول :
" أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال : ...‎" فذكره ,
قال : " فرأيت الرجل يلصق منكبه بمنكب صاحبه , و ركبته بركبة صاحبه , و كعبه
بكعبه " .
قلت : و سنده صحيح , و علقه البخاري مجزوما به , و وصله ابن خزيمة أيضا في
" صحيحه " كما في " الترغيب " ( 1 / 176 ) و " الفتح " ( 2 / 176 ) .
ثم رواه الدولابي من طريق بقية بن الوليد , حدثنا حريز قال : سمعت غيلان
المقرىء يحدث عن أبي قتيلة مرثد بن وداعة ( قال : سمعت ) النعمان بن بشير
يقول : فذكره .
و هذا سند لا بأس به في المتابعات , و رجاله ثقات غير غيلان المقرىء ,
و لعله غيلان بن أنس الكلبي مولاهم الدمشقي , فإن يكن هو , فهو مجهول الحال ,
روى عنه جماعة , و قال الحافظ : إنه مقبول .
فقه الحديث :
------------
و في هذين الحديثين فوائد هامة :
الأولى : وجوب إقامة الصفوف و تسويتها و التراص فيها , للأمر بذلك , و الأصل
فيه الوجوب إلا لقرينة , كما هو مقرر في الأصول , و القرينة هنا تؤكد الوجوب
و هو قوله صلى الله عليه وسلم : " أو ليخالفن الله بين قلوبكم " . فإن مثل هذا
التهديد لا يقال فيما ليس بواجب , كما لا يخفى .
الثانية : أن التسوية المذكورة إنما تكون بلصق المنكب بالمنكب , و حافة القدم
بالقدم , لأن هذا هو الذي فعله الصحابة رضي الله عنهم حين أمروا بإقامة الصفوف
و لهذا قال الحافظ في " الفتح " بعد أن ساق الزيادة التي أوردتها في الحديث
الأول من قول أنس :
" و أفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ,
و بهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف و تسويته " .
و من المؤسف أن هذه السنة من التسوية قد تهاون بها المسلمون , بل أضاعوها إلا
القليل منهم , فإني لم أرها عند طائفة منهم إلا أهل الحديث , فإني رأيتهم في
مكة سنة ( 1368 ) حريصين على التمسك بها كغيرها من سنن المصطفى عليه الصلاة
و السلام بخلاف غيرهم من أتباع المذاهب الأربعة - لا أستثني منهم حتى الحنابلة
- فقد صارت هذه السنة عندهم نسيا منسيا , بل إنهم تتابعوا على هجرها و الإعراض
عنها , ذلك لأن أكثر مذاهبهم نصت على أن السنة في القيام التفريج بين القدمين
بقدر أربع أصابع , فإن زاد كره , كما جاء مفصلا في " الفقه على المذاهب الأربعة
" ( 1 / 207 ) , و التقدير المذكور لا أصل له في السنة , و إنما هو مجرد رأي ,
و لو صح لوجب تقييده بالإمام و المنفرد حتى لا يعارض به هذه السنة الصحيحة ,
كما تقتضيه القواعد الأصولية .
و خلاصة القول : إنني أهيب بالمسلمين - و خاصة أئمة المساجد - الحريصين على
اتباعه صلى الله عليه وسلم و اكتساب فضيلة إحياء سنته صلى الله عليه وسلم أن
يعملوا بهذه السنة و يحرصوا عليها , و يدعوا الناس , إليها حتى يجتمعوا عليها
جميعا . و بذلك ينجون من تهديد " أو ليخالفن الله بين قلوبكم " .
الثالثة : في الحديث الأول معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم , و هي رؤيته
صلى الله عليه وسلم من ورائه , و لكن ينبغي أن يعلم أنها خاصة في حالة كونه صلى
الله عليه وسلم في الصلاة , إذ لم يرد في شيء من السنة , أنه كان يرى كذلك خارج
الصلاة أيضا . و الله أعلم .
الرابعة : في الحديثين دليل واضح على أمر لا يعلمه كثير من الناس , و إن كان
صار معروفا في علم النفس , و هو أن فساد الظاهر يؤثر في فساد الباطن , و العكس
بالعكس , و في هذا المعنى أحاديث كثيرة , لعلنا نتعرض لجمعها و تخريجها في
مناسبة أخرى إن شاء الله تعالي .
الخامسة : أن شروع الإمام في تكبيرة الإحرام عند قول المؤذن " قد قامت الصلاة "
بدعة , لمخالفتها للسنة الصحيحة كما يدل على ذلك هذان الحديثان , لاسيما الأول
منهما , فإنهما يفيدان أن على الإمام بعد إقامة الصلاة واجبا ينبغي عليه القيام
به , و هو أمر الناس بالتسوية مذكرا لهم بها , فإنه مسؤول عنهم : " كلكم راع
و كلكم مسؤول عن رعيته ... " .
_______________________________________

33 " يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه , و ينسى الجذع أو الجدل في عينه معترضا " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 42 :

رواه ابن صاعد في " زوائد " الزهد " لابن المبارك " ( ق 165 / 1 من " الكواكب "
575 ) و ابن حبان في " صحيحه ( 1848 ) و أبو نعيم في " الحلية " ( 4 / 99 )
و القضاعي في " مسند الشهاب " ( ق 51 / 1 ) من طرق عن محمد ابن حمير قال :
حدثنا جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن # أبي هريرة # مرفوعا .
و قال أبو نعيم :
" غريب من حديث يزيد تفرد به محمد بن حمير عن جعفر " .
قلت : و رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح , و لا علة فيه , فهو حديث صحيح , و لا
ينافيه قوله " غريب " لأن الغرابة قد تجامع الصحة كما هو مقرر في " مصطلح
الحديث " .
و الحديث عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " لأبي نعيم فقط ! و قال المناوي :
" قال العامري : حسن " .
و رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( 592 ) من طريق مسكين بن بكير الحذاء
الحراني عن جعفر بن برقان به موقوفا على أبي هريرة .
و مسكين هذا صدوق يخطىء , فرواية ابن حمير المرفوعة أرجح , لأنه لم يوصف بالخطأ
و كلاهما من رجال البخاري .
_______________________________________

34 " إذا ذكر أصحابي فأمسكوا , و إذا ذكر النجوم فأمسكوا , و إذا ذكر القدر

فأمسكوا " .


قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 42 :

روي من حديث # ابن مسعود , و ثوبان , و ابن عمر , و طاووس # مرسلا , و كلها
ضعيفة الأسانيد , و لكن بعضها يشد بعضا .
أما حديث ابن مسعود , فأخرجه الطبراني في " الكبير " ( 2 / 78 / 2 ) و أبو نعيم
في " الحلية " ( 4 / 108 ) من طريق الحسن بن علي الفسوي أنبأنا سعيد ابن سليمان
أنبأنا مسهر بن عبد الملك بن سلع الهمداني عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله
مرفوعا .
و قال أبو نعيم : " غريب من حديث الأعمش , تفرد به عنه مسهر " .
قلت : و هو ضعيف , قال البخاري : " فيه بعض النظر " كذا رواه عنه ابن عدي
( 343 / 1 ) و كذلك هو في " التهذيب " و في " الميزان " :
" قال البخاري : فيه نظر " بإسقاط لفظة " بعض " و لعله سهو من الذهبي
أو الناسخ .
و قال النسائي " ليس بالقوي " . و أما ابن حبان فذكره في " الثقات " ! و قال
الحافظ في " التقريب " " لين الحديث " .
و بقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين غير الفسوي هذا , ترجمه الخطيب
( 7 / 372 ) و روى عن الدارقطني أنه قال : " لا بأس به " .
و سعيد بن سليمان هو الضبي الواسطي , ثقة حافظ من رجال الشيخين .
و من هذا البيان تعلم خطأ قول الهيثمي ( 7 / 202 ) .
" رواه الطبراني و فيه مسهر بن عبد الملك وثقه ابن حبان و غيره , و فيه خلاف ,
و بقية رجاله رجال الصحيح " .
فإن الفسوي هذا ليس من رجال الصحيح بل و لا من رجال سائر الستة !
و قال الحافظ العراقي في " تخريج الأحياء " ( 1 / 50 طبع الثقافة الإسلامية ) :
" رواه الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد حسن " .
و له عن ابن مسعود طريق آخر , رواه اللالكائي في " شرح أصول السنة "
( 239 / 1 من " الكواكب " 576 ) و ابن عساكر ( 14 / 155 / 2 ) عن النضر
أبي قحذم عن أبي قلابة عن ابن مسعود مرفوعا .
و هذا سند ضعيف و فيه علتان :
الأولى : الانقطاع بين أبي قلابة - و اسمه عبد الله بن زيد الجرمي - و ابن
مسعود , فإن بين وفاتيهما نحو ( 75 ) سنة , و قد ذكروا أنه لم يسمع من جماعة
من الصحابة منهم علي بن أبي طالب , و قد مات بعد ابن مسعود بثمان سنين .
الثانية : النضر أبو قحذم و هو ابن معبد , ضعيف جدا , قال ابن معين : " ليس
بشيء " , و قال أبو حاتم : " يكتب حديثه " , و قال النسائي : " ليس بثقة " .
و أما حديث ثوبان فأخرجه أبو طاهر الزيادي في " ثلاثة مجالس من الأمالي "
( 191 / 2 ) الطبراني في " الكبير " ( 1 / 71 / 2 ) عن يزيد بن ربيعة قال :
سمعت أبا الأشعث الصنعاني يحدث عن ثوبان به مرفوعا .
قلت . و هذا سند ضعيف جدا , يزيد بن ربيعة هو الرحبي الدمشقي و هو متروك ,
كما قال النسائي و العقيلي و الدارقطني , و قال أبو حاتم . " كان في بدء أمره
مستويا , ثم اختلط قبل موته , قيل له فما تقول فيه ? فقال : ليس بشيء , و أنكر
أحاديثه عن أبي الأشعث " .
و قال الجوزجاني : " أخاف أن تكون أحاديثه موضوعة " .و أما ابن عدي فقال : "
أرجو أنه لا بأس به " !
و أما حديث ابن عمر , فأخرجه ابن عدي ( 295 / 1 ) و عنه السهمي في " تاريخ
جرجان " ( 315 ) من طريق محمد بن فضل عن كرز بن وبرة عن عطاء عنه مرفوعا به
دون ذكر النجوم .
و قال ابن عدي : " محمد بن فضل عامة حديثه مما لا يتابعه الثقات عليه " .
قلت : و هو ابن عطية , قال الفلاس : كذاب .
و ضعفه البخاري جدا فقال : " سكتوا عنه " .
و كرز بن وبرة , ترجم له السهمي ترجمة طويلة ( 295 - 316 ) و ساق له أحاديث
كثيرة من روايته عن عبد الله بن عمر , و الربيع بن خيثم , و طاووس , و نعيم
ابن أبي هند , و عطاء بن أبي رباح , و مجاهد , و أبي أيوب , و قال :
" إنه كان معروفا بالزهد و العبادة " . و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا .
طريق ثان عن ابن عمر : أخرجه السهمي ( 254 - 255 ) من طريق محمد بن عمر الرومي
حدثنا الفرات بن السائب حدثنا ميمون بن مهران عنه مرفوعا بتمامه .
و هذا سند ضعيف جدا , الفرات هذا قال الدارقطني و غيره : " متروك " .
و قال البخاري : " منكر الحديث " . و قال أحمد : " قريب من محمد بن زياد الطحان
في ميمون , يتهم بما يتهم به ذاك " .
و قال ابن عدي ( 314 / 2 ) : " و عامة أحاديثه خاصة عن ميمون بن مهران مناكير
" .
و محمد بن عمر الرومي لين الحديث .‎كما في " التقريب " .
و الحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية الطبراني عن ابن مسعود ,
و ابن عدي عنه و عن ثوبان , و ابن عدي عن عمر . و قال المناوي في شرحه :
" قال الحافظ العراقي : سنده ضعيف , و قال الهيثمي : فيه يزيد بن ربيعة ضعيف .
و قال ابن رجب , روي من وجوه في أسانيدها كلها مقال . و به يعرف ما في رمز
المؤلف لحسنه تبعا لابن صرصري , و لعله اعتضد " .
قلت : قد عرفت أن طرقه كلها ما عدا الأول ضعيفة جدا , فلا يتقوى الحديث بها كما
تقرر في علم أصول الحديث . و الله أعلم .
ثم إن السيوطي عزاه لابن عدي عن عمر , و لم أره عنده عن عمر , بل عن ابنه
عبد الله بن عمر , فلعله سقط من قلم السيوطي أو بعض النساخ كلمة ( ابن )
و الله أعلم .
ثم وجدت للحديث شاهدا مرسلا , أخرجه عبد الرزاق في " الأمالي " ( 2 / 39 / 1 )
حدثنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه مرفوعا به .
قلت : و هذا سند صحيح لولا إرساله , و لكنه مع ذلك شاهد قوي لما قبله من
الشواهد و الطرق , و خاصة الطريق الأول , فيقوى الحديث به . والله أعلم .
_______________________________________

35 " إن الله استقبل بي الشام , و ولى ظهري اليمن , ثم قال لي : يا محمد إني قد
جعلت لك ما تجاهك غنيمة و رزقا , و ما خلف ظهرك مددا , و لا يزال الله يزيد
أو قال يعز الإسلام و أهله , و ينقص الشرك و أهله , حتى يسير الراكب بين كذا
- يعني البحرين - لا يخشى إلا جورا , و ليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل " .


قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 46 :

رواه أبو نعيم ( 6 / 107 - 108 ) و ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 1 / 377 -
378 ط ) عن ضمرة عن السيباني عن عمرو بن عبد الله الحضرمي عن # أبي أمامة #
مرفوعا . و قال :
" غريب من حديث السيباني تفرد به ضمرة بن ربيعة " .
قلت : و هو ثقة و كذا السيباني و هو بفتح المهملة و وقع في " الحلية "
و " التاريخ " في مواطن عدة ( الشيباني ) بالمعجمة و هو تصحيف , و اسمه يحيى
ابن أبي عمرو .
و أما الحضرمي هذا فوثقه العجلي و ابن حبان , لكن قال الذهبي :
" ما علمت روى عنه سوى يحيى " .
قلت : و لشطره الثاني شواهد تقدم أحدها في المقال الأول ( رقم 3 ) .
و قد تابعه عبد الله بن هانىء عند ابن عساكر , و لم أعرفه .
و الحديث عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " ( 1 / 141 / 1 ) للطبراني في
" الكبير " أيضا و ابن عساكر .
_______________________________________

36 " الأذنان من الرأس " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 47 :

حديث صحيح له طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة منهم # أبو أمامة , و أبو هريرة ,
و ابن عمرو , و ابن عباس , و عائشة , و أبو موسى , و أنس , و سمرة بن جندب ,
و عبد الله بن زيد # .
1 - أما حديث أبي أمامة , فله عنه ثلاثة طرق :
الأول : عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة مرفوعا .
رواه أبو داود , و الترمذي , و ابن ماجه , و الدارقطني , و البيهقي , و كذا
أحمد ( 5 / 285 / 268 ) و الطحاوي كلهم عن حماد بن زيد عن سنان به .
و هذا سند حسن لا بأس به في الشواهد , و في سنان و شهر ضعف معروف لكنهما غير
متهمان , و الحديث عندهم عن جماعة عن حماد به . و خالفهم سليمان ابن حرب ,
فرواه عنه به موقوفا .
و رواية الجماعة أولى كما بينته في " صحيح سنن أبي داود " ( رقم 123 ) .
و ذكرت هناك من قواه من الأئمة و العلماء كالترمذي , فإنه حسنه في بعض نسخ
كتابه , و كالمنذري و ابن دقيق العيد و ابن التركماني و الزيلعي , و أشار
إلى تقويته الإمام أحمد , فقال الأثرم في " سننه " ( ق 213 / 1 ) بعد أن ساق
الحديث :
" سمعت أبا عبد الله يسأل : الأذنان من الرأس ? قال : نعم " .
الثاني : عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة به .
أخرجه الدارقطني ( ص 38 - 39 ) و قال :
" جعفر بن الزبير متروك " .
قلت : قد تابعه أبو معاذ الألهاني .
أخرجه تمام الرازي في " الفوائد " ( 246 / 1 ) من طريق عثمان بن فائد حدثنا
أبو معاذ به .
و الألهاني هذا لم أجد من ذكره , و عثمان بن فائد ضعيف .
الثالث : عن أبي بكر بن أبي مريم قال : سمعت راشد بن سعد عن أبي أمامة به .
أخرجه الدارقطني و قال " أبو بكر بن أبي مريم ضعيف " .
2 - و أما حديث أبي هريرة , فله أربعة طرق :
الأول : أخرجه الدارقطني ( 37 ) و أبو يعلى في " مسنده " ( 298 / 1 ) عن
إسماعيل بن مسلم عن عطاء عنه مرفوعا . و قال : " لا يصح " .
قلت : و علته إسماعيل هذا و هو المكي ضعيف , و قد اختلف عليه في إسناده كما
سيأتي في حديث ابن عباس .
الثاني : عن عمرو بن الحصين حدثنا محمد بن عبد الله بن علاثة عن عبد الكريم
الجزري عن سعيد بن المسيب عنه .
رواه ابن ماجه ( رقم 445 ) و الدارقطني ( ص 38 ) و قال :
" عمرو بن الحصين و ابن علاثة ضعيفان " .
قلت : و الأول أشد ضعفا .
الثالث : عن البختري بن عبيد عن أبيه عنه .
رواه الدارقطني و قال " البختري بن عبيد ضعيف و أبوه مجهول " .
الرابع : عن علي بن عاصم عن ابن جريج , عن سليمان بن موسى , عن أبي هريرة .
أخرجه الدارقطني ( 37 ) و عنه ابن الجوزي في " التحقيق " ( 1 / 29 / 1 )
و قال الدارقطني :
" وهم علي بن عاصم في قوله : عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
و الذي قبله أصح عن ابن جريج " قلت : يعني عن سليمان بن موسى مرسلا و سيأتي
ص 51 .
و أجاب ابن الجوزي بما خلاصته :
أن زيادة الثقة مقبولة . يعني أن علي بن عاصم زاد في السند أبا هريرة فهي زيادة
مقبولة . لكن هذا لا يتمشى هنا , فإن ابن عاصم هذا صدوق يخطىء و يصر .
3 - و أما ابن عمر , فله عنه طرق أيضا :
الأول : قال المخلص في " الفوائد المنتقاة " في " الثاني من السادس منها "
( ق 190 / 1 ) : حدثنا يحيى ( يعني ابن صاعد ) قال : حدثنا الجراح بن مخلد
قال : حدثنا يحيى بن العريان الهروي قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة
بن زيد عن نافع عنه .
و بهذا السند رواه الدارقطني ( 36 ) و عنه ابن الجوزي , و رواه الخطيب في
" الموضح " ( 1 / 111 ) عن ابن صاعد , و في " التاريخ " ( 14 / 161 ) من طريقين
آخرين عن الجراح بن مخلد به .
و هذا سند حسن عندي , فإن رجاله كلهم ثقات معروفون غير الهروي هذا فقد ترجمه
الخطيب و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا , غير أنه وصفه بأنه كان محدثا .
و أما الدارقطني فقد أعله بقوله : " كذا قال , و هو وهم , و الصواب عن أسامة
بن زيد , عن هلال بن أسامة الفهري , عن ابن عمر موقوفا " .
و رده ابن الجوزي بقوله : " قلنا : الذي يرفعه يذكر زيادة , و الزيادة من الثقة
مقبولة , و الصحابي قد يروى الشيء مرفوعا , و قد يقوله على سبيل الفتوى " .
قلت : هذا كلام صحيح لو كان رجال السند كلهم ثقات , و قد علمت ما فيه , على أن
أسامة بن زيد فيه ضعف يسير , و قد اختلف عليه فيه , فرواه حاتم ابن إسماعيل عنه
مرفوعا , كما رأيت . و خالفه وكيع فقال عنه به موقوفا على ابن عمر .
أخرجه الخطيب في " الموضح " و قال : " و هو الصواب " .
و تابعه في رفعه عبيد الله عن نافع .
أخرجه الدارقطني و تمام في " الفوائد " ( 104 / 1 ) من طريق محمد بن أبي السري
حدثنا عبد الرزاق عن عبيد الله به .
و قال الدارقطني : " رفعه وهم " .
قلت : و علته ابن أبي السري و هو متهم .
و تابعه يحيى بن سعيد عن نافع به .
أخرجه الدارقطني و ابن عدي " في الكامل " ( 11 / 1 ) عن إسماعيل بن عياش عن
يحيى به .
و قال ابن عدي :
" لا يحدث به عن يحيى غير ابن عياش " .
قلت : و ابن عياش ضعيف في الحجازيين و هذا منها .
الطريق الثاني : عن محمد بن الفضل , عن زيد , عن مجاهد , عن ابن عمر مرفوعا .
رواه الدارقطني و قال : " محمد بن الفضل هو ابن عطية , متروك الحديث " .
ثم رواه هو و الدولابي في " الكنى " ( 2 / 137 ) , من طرق عن ابن عمر موقوفا .
4 - و أما حديث ابن عباس , فله عنه طرق أيضا :
الأول : عن أبي كامل الجحدري , أنبأنا غندر محمد بن جعفر , عن ابن جريج عن عطاء
عنه مرفوعا .
أخرجه ابن عدي ( 218 / 1 - 2 ) و أبو عبد الله الفلاكي في " الفوائد "
( 91 / 1 ) , و الدارقطني ( 36 ) و قال :
" تفرد به أبو كامل عن غندر , و هو وهم , تابعه الربيع بن بدر , و هو متروك ,
عن ابن جريج , و الصواب : عن ابن جريج , عن سليمان بن موسى , عن النبي صلى الله
عليه وسلم مرسلا " .
و تعقبه ابن الجوزي في " التحقيق " ( 1 / 29 / 1 ) بقوله :
" قلنا : أبو كامل لا نعلم أحدا طعن فيه , و الرفع زيادة , و الزيادة من الثقة
مقبولة , كيف و وافقه غيره , فإن لم يعتد برواية الموافق اعتبر بها . و من عادة
المحدثين أنهم إذا رأوا من أوقف الحديث , و من رفعه , وقفوا مع الواقف احتياطا
و ليس هذا مذهب الفقهاء , و من الممكن أن يكون ابن جريج سمعه من عطاء مرفوعا
رواه له سليمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مسند " .
قلت : و الحق أن هذا الإسناد صحيح , لأن أبا كامل ثقة , حافظ , احتج به مسلم ,
فزيادته مقبولة , إلا أن ابن جريج مدلس و قد عنعنه . فإن كان سمعه من سليمان
فلا محيد من القول بصحته , و قد صرح بالتحديث في رواية له من الوجه المرسل عند
الدارقطني, لكن في الطريق إليه العباس بن يزيد و هو البحراني , و هو ثقة ,
و لكن ضعفه بعضهم , و وصف بأنه يخطىء , فلا تطمئن النفس لزيادته لاسيما
و الطريق كلها عن ابن جريج معنعنة , ثم رأيت الزيلعي نقل في " نصب الراية "
( 1 / 19 ) , عن ابن القطان أنه قال : " إسناده صحيح لاتصاله و ثقة رواته " .
ثم رد على الدارقطني بنحو ما فعل ابن الجوزي , و تبعه عبد الحق على ذلك كما في
" تنقيح التحقيق " لابن عبد الهادي ( 241 / 1 ) .
ثم رأيت في ترجمة ابن جريج من " التهذيب " أنه قال : " إذا قلت : قال عطاء :
فأنا سمعته منه , و إن لم أقل : سمعت " , فهذه فائدة هامة , و لكن ابن جريج لم
يقل هنا : " قال عطاء " , و إنما قال : " عن عطاء " . فهل حكمهما واحد , أم
يختلف ? الظاهر عندي الأول . و الله أعلم .
و له طريق آخر عن عطاء رواه القاسم بن غصن عن إسماعيل بن مسلم عنه .
رواه الخطيب في " التاريخ " ( 6 / 384 ) , و الدارقطني و قال : " إسماعيل
بن مسلم ضعيف , و القاسم بن غصن مثله , خالفه علي بن هاشم فرواه عن إسماعيل
بن مسلم المكي , عن عطاء , عن أبي هريرة , و لا يصح أيضا " .
و تابعه جابر الجعفي عن عطاء عن ابن عباس .
أخرجه المخلص في " الثاني من السادس من الفوائد المنتقاة " ( 190 / 1 ) ,
و الدارقطني , و قال :
" جابر ضعيف و قد اختلف عنه , فأرسله الحكم بن عبد الله أبو مطيع عن إبراهيم
بن طهمان , عن جابر عن عطاء , و هو أشبه بالصواب " .
الثاني : عن محمد بن زياد اليشكري حدثنا ميمون بن مهران عنه .
رواه العقيلي في " الضعفاء " ( ص 379 ) , و الدارقطني , و قال :
" محمد بن زياد متروك الحديث " , و رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس موقوفا .
ثم ساقه من طريق علي بن زيد عنه . و ابن زيد فيه ضعف .
الثالث : عن قارظ بن شيبة , عن أبي غطفان عنه .
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 98 / 1 ) : حدثنا عبد الله بن أحمد
ابن حنبل , حدثني أبي أنبأنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن قارظ بن شيبة به .
قلت : و هذا سند صحيح و رجاله كلهم ثقات , و لا أعلم له علة , و من الغرائب
أن هذه الطريق مع صحتها أغفلها كل من خرج الحديث من المتأخرين كالزيلعي ,
و ابن حجر , و غيرهما ممن ليس مختصا في التخريج , بل أغفله أيضا الحافظ الهيثمي
فلم يورده في " مجمع الزوائد " مع أنه على شرطه ! و هذا كله مصداق قول القائل :
" كم ترك الأول للآخر " . و هو دليل واضح على أهمية الرجوع إلى الأمهات عند
إرادة التحقيق في حديث ما , فإنه سيجد فيها ما يجعل بحثه أقرب ما يكون نضجا
و صوابا . و الله تعالى هو الموفق .
و إذا عرفت هذا فلا تغتر بقول الحافظ ابن حجر في " الدراية " ( ص 7 ) في حديث
ابن عباس هذا :
" أخرجه الدارقطني و اختلف في وصله و إرساله و الراجح إرساله " .
فإنه يعني الطريق الأولى , و قد عرفت أن الصواب وصله , و أنه صحيح لولا عنعنة
ابن جريج , على أنه قد عرفت الجواب عنها .
5 - و أما حديث عائشة , فأخرجه الدارقطني ( ص 37 ) عن محمد بن الأزهر الجوزجاني
أنبأنا الفضل بن موسى السيناني , عن ابن جريج , عن سليمان بن موسى , عن الزهري
عن عروة عنها . و قال : " كذا قال , و المرسل أصح " .
يعني ابن جريج عن سليمان مرسلا كما تقدم في الطريق الأولى عن ابن عباس , و محمد
بن الأزهر قال الحافظ في " التلخيص " ( 33 ) : " كذبه أحمد " .
6 - و أما حديث أبي موسى , فأخرجه الطبراني في " الأوسط "
( 1 / 4 / 1 من زوائده ) , و ابن عدي ( 23 / 1 ) , و الدارقطني ( 38 ) من طرق
عن أشعث عن الحسن عنه . و قال الطبراني :
" لا يروى عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد " .
و كذا رواه العقيلي في " الضعفاء " ( ص 9 ) عن أشعث به و قال :
" لا يتابع عليه , و الأسانيد في هذا الباب لينة " .
و قال الدارقطني : " الصواب موقوف , و الحسن لم يسمع من أبي موسى " .
7 - و أما حديث أنس , فأخرجه ابن عدي ( 24 / 1 ) و أبو الحسن الحمامي في
" الفوائد المنتقاة " ( 9 / 1 / 2 ) , و الدارقطني ( 39 ) من طرق عن عبد الحكم
عنه .
و قال الدارقطني : " عبد الحكم لا يحتج به " .
8 - و أما حديث سمرة بن جندب , فرواه تمام الرازي في " مسند المقلين من
الأمراء و السلاطين " ( رقم 3 - نسختي ) , و عنه ابن عساكر في " تاريخه "
( 14 / 387 / 1 ) : حدثني أبو علي محمد بن هارون بن شعيب , حدثنا محمد بن عثمان
ابن أبي سويد البصري , حدثنا هدبة بن خالد , حدثنا همام عن سعيد بن أبي عروبة
قال : كنت عند منبر الحجاج بن يوسف فسمعته يقول : حدثني سمرة بن جندب أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
و أبو علي هذا هو الأنصاري و هو ضعيف جدا , و لكنه لم يتفرد به , فقد أخرجه
تمام ( رقم 4 ) من طريق أخرى عن أحمد بن سعيد الطبري , حدثنا هدبة ابن خالد به
و هدبة و من فوقه ثقات غير الحجاج و هو الأمير المشهور بالظلم .
9 - و أما حديث عبد الله بن زيد , فأخرجه بن ماجة ( رقم 443 ) : حدثنا سويد
ابن سعيد حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة , عن شعبة عن حبيب ابن زيد ,
عن عباد بن تميم , عن عبد الله بن زيد مرفوعا .
قال الزيلعي ( 1 / 19 ) : " و هذا أمثل إسناد في الباب لاتصاله وثقة رجاله ,
فابن أبي زائدة و شعبة و عباد احتج بهم الشيخان , و حبيب ذكره ابن حبان في
" الثقات " في أتباع التابعين , و سويد بن سعيد احتج به مسلم " .
و تعقبه الحافظ في " الدراية " ( ص 7 ) بأن سويدا هذا قد اختلط .
و قال في " التقريب " : " صدوق في نفسه إلا أنه عمي , فصار يتلقن ما ليس من
حديثه , و أفحش فيه ابن معين القول " .
و لهذا قال البوصيري في " الزوائد " ( ق 33 / 2 ) :
" هذا إسناد حسن إذا كان سويد بن سعيد حفظه " .
أقول : و لكن ذلك لا يمنع أن يكون حسنا لغيره ما دام أن الرجال كلهم ثقات
ليس فيهم متهم . و إذا ضم إليه طريق ابن عباس الصحيح و طريقه الآخر الذي صححه
ابن القطان , و ابن الجوزي , و الزيلعي و غيرهم , فلا شك حينئذ في ثبوت الحديث
و صحته , و إذا ضم إلى ذلك الطريق الأخرى عن الصحابة الآخرين , ازداد قوة ,
بل إنه ليرتقي إلى درجة المتواتر عند بعض العلماء .
فقه الحديث :
------------
و إذ قد صح الحديث , فهو يدل على مسألتين من مسائل الفقه , اختلفت أنظار
العلماء فيها .
أما المسألة الأولى فهي : أن مسح الأذنين هل هو فرض أم سنة ? ذهب إلي الأول
الحنابلة . و حجتهم هذا الحديث , فإنه صريح في إلحاقهما بالرأس , و ما ذلك إلا
لبيان أن حكمهما في المسح كحكم الرأس فيه . و ذهب الجمهور إلي أن مسحهما سنة
فقط , كما في الفقه على المذاهب الأربعة ( 1 / 56 ) . و لم نجد لهم حجة يجوز
التمسك بها في مخالفة هذا الحديث إلا قول النووي في " المجموع " ( 1 / 415 )
إنه ضعيف من جميع طرقه ! و إذا علمت أن الأمر ليس كذلك , و أن بعض طرقه صحيح لم
يطلع عليه النووي . و البعض الآخر صحيح لغيره , استطعت أن تعرف ضعف هذه الحجة
و وجوب التمسك بما دل عليه الحديث من وجوب مسح الأذنين و أنهما في ذلك كالرأس ,
و حسبك قدوة في هذا المذهب إمام السنة أبو عبد الله أحمد بن حنبل , و سلفه في
ذلك جماعة من الصحابة , تقدم تسمية بعضهم في أثناء تخريج الحديث , و قد عزاه
النووي ( 1 / 413 ) إلى الأكثرين من السلف .
و أما المسألة الأخرى فهي : هل يكفي في مسح الأذنين ماء الرأس , أم لابد لذلك
من جديد ? ذهب إلى الأول الأئمة الثلاثة كما في " فيض القدير " للمناوي فقال في
شرح الحديث :
" ( الأذنان من الرأس ) لا من الوجه و لا مستقلتان , يعني فلا حاجة إلى أخذ ماء
جديد منفرد لهما غير ماء الرأس في الوضوء , بل يجزىء مسحهما ببلل ماء الرأس ,
و إلا لكان بيانا للخلقة فقط , و المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يبعث لذلك ,
و به قال الأئمة الثلاثة " .
و خالف في ذلك الشافعية , فذهبوا إلى أنه يسن تجديد الماء للأذنين و مسحهما على
الانفراد , و لا يجب , و احتج النووي لهم بحديث عبد الله بن زيد أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أخذ لأذنيه ماء خلاف الذي أخذ لرأسه .
قال النووي في " المجموع " ( 1 / 412 ) :
" حديث حسن , رواه البيهقي , و قال : إسناده صحيح " .
و قال في مكان آخر ( 1 / 414 ) :
" و هو حديث صحيح كما سبق بيانه قريبا , فهذا صريح في أنهما ليستا من الرأس ,
إذ لو كانتا منه لما أخذ لهما ماء جديدا كسائر أجزاء الرأس , و هو صريح في أخذ
ماء جديد " .
قلت : و لا حجة فيه على ما قالوا , إذ غاية ما فيه مشروعية أخذ الماء لهما ,
و هذا لا ينافي جواز الاكتفاء بماء الرأس , كما دل عليه هذا الحديث , فاتفقا
و لم يتعارضا , و يؤيد ما ذكرت أنه صح عنه صلى الله عليه وسلم :
" أنه مسح برأسه من فضل ماء كان في يده " .
رواه أبو داود في " سننه " بسند حسن كما بينته في " صحيح سننه " ( رقم 121 )
و له شاهد من حديث ابن عباس في " المستدرك " ( 1 / 147 ) بسند حسن أيضا ,
و رواه غيره . فانظر " تلخيص الحبير " ( ص 33 ) .
و هذا كله يقال على فرض التسليم بصحة حديث عبد الله بن زيد , و لكنه غير ثابت ,
بل هو شاذ كما ذكرت في " صحيح سنن أبي داود " ( رقم 111 ) و بينته في " سلسلة
الأحاديث الضعيفة " تحت رقم ( 997 ) .
و جملة القول , فإن أسعد الناس بهذا الحديث من بين الأئمة الأربعة أحمد بن حنبل
رضي الله عنهم أجمعين , فقد أخذ بما دل عليه الحديث في المسألتين , و لم يأخذ
به في الواحدة دون الأخرى كما صنع غيره .
_______________________________________


37 " غطوا الإناء و أوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء
ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء
"

.

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 57 :


رواه مسلم ( 6 / 105 ) و أحمد ( 3 / 355 ) من طريق القعقاع بن حكيم عن
# جابر بن عبد الله # مرفوعا .
( أوكوا ) أي شدوا رءوسها بالوكاء و هو الخيط الذي تشد به القربة و نحوها .
و في رواية لمسلم و غيره :
( غطوا الإناء , و أوكوا السقاء , و أغلقوا الباب , و أطفئوا السراج , فإن
الشيطان لا يحل سقاء , و لا يفتح بابا , و لا يكشف إناء , فإن لم يجد أحدكم إلا
أن يعرض على إنائه عودا و يذكر اسم الله فليفعل , فإن الفويسقة ( يعني الفأرة )
تضرم على أهل البيت بيتهم ) .
و للحديث طرق و ألفاظ أخرى , و قد سقتها في " إرواء الغليل في تخريج أحاديث
منار السبيل " رقم ( 38 ) و سيطبع قريبا إن شاء الله تعالى .
_______________________________________



38 " إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ( كله ) ثم لينتزعه , فإن في إحدى
جناحيه داء و في الأخرى شفاء " .


قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 58 :

ورد من حديث # أبي هريرة , و أبي سعيد الخدري , و أنس بن مالك # .
1 - أما حديث أبي هريرة فله عنه طرق :
الأول : عن عبيد بن حنين قال : سمعت أبا هريرة يقول , فذكره .
أخرجه البخاري ( 2 / 329 و 4 / 71 - 72 ) , و الدارمي ( 2 / 99 ) , و ابن ماجه
( 3505 ) , و أحمد ( 2 / 398 ) , و ما بين المربعين زيادة له , و هي للبخاري
في رواية له .
الثاني : عن سعيد بن أبي سعيد عنه .
رواه أبو داود ( 3844 ) من طريق أحمد , و هذا في " المسند " ( 3 / 229 , 246 )
و الحسن بن عرفة في " جزئه " ( ق 91 / 1 ) من طريق محمد بن عجلان عنه به
و زاد : " و إنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء , فليغمسه كله " . و إسناده حسن .
و قد تابعه إبراهيم بن الفضل عن سعيد به .
أخرجه أحمد ( 2 / 443 ) , و إبراهيم هذا هو المخزومي المدني و هو ضعيف .
الثالث : عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عنه به .
أخرجه الدارمي و أحمد ( 2 / 263 , 355 , 388 ) , و سنده صحيح على شرط مسلم .
الرابع : عن محمد بن سيرين عنه به .
رواه أحمد ( 2 / 355 , 388 ) , و سنده صحيح أيضا .
الخامس : عن أبي صالح عنه .
رواه أحمد ( 2 / 340 ) , و الفاكهي في " حديثه " ( 2 / 50 / 2 ) , بسند حسن .
2 - و أما حديث أبي سعيد الخدري فلفظه :
" إن أحد جناحي الذباب سم و الآخر شفاء , فإذا وقع في الطعام , فاملقوه , فإنه
يقدم السم , و يؤخر الشفاء " .
_______________________________________

39 " إن أحد جناحي الذباب سم و الآخر شفاء , فإذا وقع في الطعام فامقلوه , فإنه
يقدم السم و يؤخر الشفاء "
.

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 59 :

رواه أحمد ( 3 / 67 ) : حدثنا يزيد قال : حدثنا ابن أبي ذئب , عن سعيد بن خالد
قال : دخلت على أبي سلمة فأتانا بزبد و كتلة , فأسقط ذباب في الطعام , فجعل
أبو سلمة يمقله بأصبعه فيه , فقلت : يا خال ! ما تصنع ? فقال :
إن # أبا سعيد الخدري # حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
و رواه ابن ماجه ( 3504 ) :
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا يزيد بن هارون به مرفوعا دون القصة .
و رواه الطيالسي في " مسنده " ( 2188 ) :
حدثنا ابن أبي ذئب به , و عنه رواه النسائي ( 2 / 193 ) , و أبو يعلى في
" مسنده " ( ق 65 / 2 ) و ابن حبان في " الثقات " ( 2 / 102 ) .
قلت : و هذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير سعيد بن خالد و هو القارظي
و هو صدوق كما قال الذهبي و العسقلاني .
3 - و أما حديث أنس :
فرواه البزار و رجاله رجال الصحيح .
رواه الطبراني في " الأوسط " كما في " مجمع الزوائد " ( 5 / 38 ) ,
و ابن أبي خيثمة في " تاريخه الكبير " .
قال الحافظ : و إسناده صحيح , كما في " نيل الأوطار " ( 1 / 55 ) .
أما بعد , فقد ثبت الحديث بهذه الأسانيد الصحيحة , عن هؤلاء الصحابة الثلاثة
أبي هريرة و أبي سعيد و أنس , ثبوتا لا مجال لرده و لا للتشكيك فيه , كما ثبت
صدق أبي هريرة رضي الله عنه في روايته إياه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ,
خلافا لبعض غلاة الشيعة من المعاصرين , و من تبعه من الزائغين , حيث طعنوا فيه
رضي الله عنه لروايته إياه , و اتهموه بأنه يكذب فيه على رسول الله صلى الله
عليه وسلم , و حاشاه من ذلك , فهذا هو التحقيق العلمي يثبت أنه بريء من كل ذلك
و أن الطاعن فيه هو الحقيق بالطعن فيه , لأنهم رموا صحابيا بالبهت , و ردوا
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجرد عدم انطباقه على عقولهم المريضة !
و قد رواه عنه جماعة من الصحابة كما علمت , و ليت شعري هل علم هؤلاء بعدم تفرد
أبي هريرة بالحديث , و هو حجة و لو تفرد , أم جهلوا ذلك , فإن كان الأول فلماذا
يتعللون برواية أبي هريرة إياه , و يوهمون الناس أنه لم يتابعه أحد من الأصحاب
الكرام ? ! و إن كان الآخر فهلا سألوا أهل الاختصاص و العلم بالحديث الشريف ?
و ما أحسن ما قيل :
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة و إن كنت تدري فالمصيبة أعظم
ثم إن كثيرا من الناس يتوهمون أن هذا الحديث يخالف ما يقرره الأطباء و هو أن
الذباب يحمل بأطرافه الجراثيم , فإذا وقع في الطعام أو في الشراب علقت به تلك
الجراثيم , و الحقيقة أن الحديث لا يخالف الأطباء في ذلك , بل هو يؤيدهم إذ
يخبر أن في أحد جناحيه داء , و لكنه يزيد عليهم فيقول : " و في الآخر شفاء "
فهذا مما لم يحيطوا بعلمه , فوجب عليهم الإيمان به إن كانوا مسلمين , و إلا
فالتوقف إذا كانوا من غيرهم إن كانوا عقلاء علماء ! ذلك لأن العلم الصحيح يشهد
أن عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه .
نقول ذلك على افتراض أن الطب الحديث لم يشهد لهذا الحديث بالصحة , و قد اختلفت
آراء الأطباء حوله , و قرأت مقالات كثيرة في مجلات مختلفة كل يؤيد ما ذهب إليه
تأييدا أو ردا , و نحن بصفتنا مؤمنين بصحة الحديث و أن النبي صلى الله عليه
وسلم ( ما ينطق عن الهوى , إن هو إلا وحي يوحى ) , لا يهمنا كثيرا ثبوت الحديث
من وجهة نظر الطب , لأن الحديث برهان قائم في نفسه لا يحتاج إلى دعم خارجي
و مع ذلك فإن النفس تزداد إيمانا حين ترى الحديث الصحيح يوافقه العلم الصحيح ,
و لذلك فلا يخلو من فائدة أن أنقل إلى القراء خلاصة محاضرة ألقاها أحد الأطباء
في جمعية الهداية الإسلامية في مصر حول هذا الحديث قال :
" يقع الذباب على المواد القذرة المملؤة بالجراثيم التي تنشأ منها الأمراض
المختلفة , فينقل بعضها بأطرافه , و يأكل بعضا , فيتكون في جسمه من ذلك مادة
سامة يسميها علماء الطب بـ " مبعد البيكتريا " , و هي تقتل كثيرا من جراثيم
الأمراض , و لا يمكن لتلك الجراثيم أن تبقى حية أو يكون لها تأثير في جسم
الإنسان في حال وجود مبعد البكتريا . و أن هناك خاصية في أحد جناحي الذباب ,
هي أنه يحول البكتريا إلى ناحيته , و على هذا فإذا سقط الذباب في شراب أو طعام
و ألقي الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الشراب , فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم
و أول واق منها هو مبعد البكتريا الذي يحمله الذباب في جوفه قريبا من أحد
جناحيه , فإذا كان هناك داء فدواؤه قريب منه , و غمس الذباب كله و طرحه كاف
لقتل الجراثيم التي كانت عالقة , و كاف في إبطال عملها " .
و قد قرأت قديما في هذه المجلة بحثا ضافيا في هذا المعنى للطبيب الأستاذ سعيد
السيوطي ( مجلد العام الأول ) و قرأت كلمة في مجلد العام الفائت ( ص 503 ) كلمة
للطبيبين محمود كمال و محمد عبد المنعم حسين نقلا عن مجلة الأزهر .
ثم وقفت على العدد ( 82 ) من " مجلة العربي " الكويتية ص 144 تحت عنوان :
" أنت تسأل , و نحن نجيب " بقلم المدعو عبد الوارث كبير , جوابا له على سؤال
عما لهذا الحديث من الصحة و الضعف ? فقال :
" أما حديث الذباب , و ما في جناحيه من داء و شفاء , فحديث ضعيف , بل هو عقلا
حديث مفترى , فمن المسلم به أن الذباب يحمل من الجراثيم و الأقذار ...
و لم يقل أحد قط أن في جناحي الذبابة داء و في الآخر شفاء , إلا من وضع هذا
الحديث أو افتراه , و لو صح ذلك لكشف عنه العلم الحديث الذي يقطع بمضار الذباب
و يحض على مكافحته " .
و في الكلام على اختصاره من الدس و الجهل ما لابد من الكشف عنه دفاعا عن حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم , و صيانة له أن يكفر به من قد يغتر بزخرف
القول ! فأقول :
أولا : لقد زعم أن الحديث ضعيف , يعني من الناحية العلمية الحديثية بدليل
قوله : " بل هو عقلا حديث مفترى " .
و هذا الزعم واضح البطلان , تعرف ذلك مما سبق من تخريج الحديث من طرق ثلاث عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم , و كلها صحيحة . و حسبك دليلا على ذلك أن أحدا
من أهل العلم لم يقل بضعف الحديث كما فعل هذا الكاتب الجريء !
ثانيا : لقد زعم أنه حديث مفترى عقلا .
و هذا الزعم ليس وضوح بطلانه بأقل من سابقه , لأنه مجرد دعوى لم يسق دليلا
يؤيده به سوى الجهل بالعلم الذي لا يمكن الإحاطة به , ألست تراه يقول :
" و لم يقل أحد ... , و لو صح لكشف عنه العلم الحديث ... " .
فهل العلم الحديث - أيها المسكين - قد أحاط بكل شيء علما , أم أن أهله الذين لم
يصابوا بالغرور - كما أصيب من يقلدهم منا - يقولون : إننا كلما ازددنا علما بما
في الكون و أسراره , ازددنا معرفة بجهلنا ! و أن الأمر بحق كما قال الله تبارك
و تعالى : ( و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) .
و أما قوله : " إن العلم يقطع بمضار الذباب و يحض على مكافحته " !
فمغالطة مكشوفة , لأننا نقول : إن الحديث لم يقل نقيض هذا , و إنما تحدث عن
قضية أخرى لم يكن العلم يعرف معالجتها , فإذا قال الحديث :
" إذا وقع الذباب .. " فلا أحد يفهم , لا من العرب و لا من العجم , اللهم إلا
العجم في عقولهم و إفهامهم أن الشرع يبارك في الذباب و لا يكافحه ?
ثالثا : قد نقلنا لك فيما سبق ما أثبته الطب اليوم , من أن الذباب يحمل في جوفه
ما سموه بـ " مبعد البكتريا " القاتل للجراثيم . و هذا و إن لم يكن موافقا لما
في الحديث على وجه التفصيل , فهو في الجملة موافق لما استنكره الكاتب المشار
إليه و أمثاله من اجتماع الداء و الدواء في الذباب , و لا يبعد أن يأتي يوم
تنجلي فيه معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثبوت التفاصيل المشار إليها
علميا , ( و لتعلمن نبأه , بعد حين ) .
و إن من عجيب أمر هذا الكاتب و تناقضه , أنه في الوقت الذي ذهب فيه إلى تضعيف
هذا الحديث , ذهب إلى تصحيح حديث " طهور الإناء الذي يلغ فيه الكلب أن يغسل سبع
مرات : إحداهن بالتراب " فقال :
" حديث صحيح متفق عليه " فإنه إذا كانت صحته جاءت من اتفاق العلماء أو الشيخين
على صحته , فالحديث الأول أيضا صحيح عند العلماء بدون خلاف بينهم , فكيف جاز له
تضعيف هذا و تصحيح ذاك ?‎!‎ثم تأويله تأويلا باطلا يؤدي إلى أن الحديث غير صحيح
عنده في معناه , لأنه ذكر أن المقصود من العدد مجرد الكثرة , و أن المقصود من
التراب هو استعمال مادة مع الماء من شأنها إزالة ذلك الأثر !
و هذا تأويل باطل , بين البطلان و إن كان عزاه للشيخ محمود شلتوت عفا الله عنه
.
فلا أدري أي خطأيه أعظم , أهو تضعيفه للحديث الأول و هو صحيح , أم تأويله
للحديث الآخر و هو تأويل باطل ! .
و بهذه المناسبة , فإني أنصح القراء الكرام بأن لا يثقوا بكل ما يكتب اليوم في
بعض المجلات السائرة , أو الكتب الذائعة , من البحوث الإسلامية , و خصوصا ما
كان منها في علم الحديث , إلا إذا كانت بقلم من يوثق بدينه أولا , ثم بعلمه
و اختصاصه فيه ثانيا , فقد غلب الغرور على كثير من كتاب العصر الحاضر , و خصوصا
من يحمل منهم لقب " الدكتور " ! . فإنهم يكتبون فيما ليس من اختصاصهم , و ما لا
علم لهم به , و إني لأعرف واحدا من هؤلاء , أخرج حديثا إلى الناس كتابا جله في
الحديث و السيرة , و زعم فيه أنه اعتمد فيه على ما صح من الأحاديث و الأخبار في
كتب السنة و السيرة ! ثم هو أورد فيه من الروايات و الأحاديث ما تفرد به
الضعفاء و المتروكون و المتهمون بالكذب من الرواة كالواقدي و غيره , بل أورد
فيه حديث : " نحن نحكم بالظاهر , و الله يتولى السرائر " , و جزم بنسبته إلى
النبي صلى الله عليه وسلم , مع أنه مما لا أصل له عنه بهذا اللفظ , كما نبه
عليه حفاظ الحديث كالسخاوي و غيره , فاحذروا أيها القراء أمثال هؤلاء .
و الله المستع

40 " إذا كان جنح الليل , فكفوا صبيانكم , فإن الشياطين تنتشر حينئذ , فإذا ذهبت
ساعة من العشاء فخلوهم " .


قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 65 :

أخرجه البخاري ( 2 / 322 , 4 / 36 - 37 ) , و مسلم ( 6 / 106 ) , و أبو داود
( 3733 ) من طريق عطاء بن أبي رباح عن # جابر بن عبد الله # مرفوعا .
و رواه أحمد ( 3 / 388 ) بنحوه و زاد :
" فإن للجن انتشارا و خطفة " و سنده صحيح .
( جنح الليل ) أي : إذا أقبل ظلامه , قال الطيبي : " جنح الليل " : طائفة منه ,
و أراد به هنا الطائفة الأولى منه , عند امتداد فحمة العشاء .


********************
يتبع ان شاء الله