السلام عليكم ورحمة الله


أخي الكريم أنقل لك أقول أهل العلم


قال الشيخ : عبد الله العبيلان في كتاب " النكت العلمية على الروضة الندية "


16- قال المصنف : " وأما سائر الدماء ؛ فالأدلة فيها مختلفة مضطربة ، والبراءة الأصلية مستصحبة ، حتى يأتي الدليل الخالص عن المعارضة الراجحة ، أو المساوية "

قال الفقير إلى عفو ربه : دم الإنسان ؛ ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأول : دم الحيض ؛ وهذا نجس باتفاق الصحابة ، إلا اليسير ، فقد روى ابن أبي شيبة (1) : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي هاشم ، عن سعيد بن جبير ، قال : (( إن كان بعض أمهات المؤمنين ؛ لتقرص الدم من ثوبها بريقها )) .


الثاني: دم العرق الكثير ؛ولا نزاع بين الصحابة في نجاسته ؛ وإليك ذلك :


1- ابن عمر :


أ- روى ابن أبي شيبة (2) ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ن عن ابن عمر :
(( أنه رأى في ثوبه دما ؛ فغسله ، فبقي أثره أسود ، فدعى بمقص فقصه فقرضه ))

2- ابن عباس :

روى ابن المنذر (3) ، قال : حدثنا يحيى بن محمد : نا أحمد بن حنبل : نا أبو عبد الصمد العمي : نا سليمان عن التيمي ، عن عمار ، عن ابن عباس -رضي الله عنه - ؛ قال :
(( إذا كان الدم فاحشا ؛ فعليه الإعادة ، ولو كان قليلا فلا إعادة عليه )).
ب- روى ابن المنذر (4) ، قال : حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني : نا بشر بن بكر : نا الاوزاعي : أخبرني ابن شهاب : أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه :
(( أنه كان إذا رأى في ثوبه دما ؛ وهو في الصلاة ؛ انصرف حتى يغسله ، ثم يصلي ما بقي من صلاته ))

ج- روى ابن أبي شيبة (5) ، قال : ثنا ابن نمير ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر : (( أنه كان إذا احتجم غسل أثر محاجمه )) .

الثالث : الدم اليسير ، وهذا طاهر ، والآثار عن الصحابة متواترة في ذلك :
1- ابن عمر : روى ابن أبي شيبة (6) ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن التيمي ، عن بكر ، قال :
(( رأيت ابن عمر عصر بثرة في وجهه ، فخرج منها شيء من دم ؛ فحكه بين أصبعيه ، ثم صلى ولم يتوضأ )) .
2- أبو هريرة : روى عبد الرزاق (7) عن معمر ، عن جعفر بن برقان ، عن ميمون بن مهران ، قال :
(( رأيت أبا هريرة أدخل أصبعه في أنفه ، فخرج فيها دم ففته بأصابعه ، ثم صلى ولم يتوضأ )).
3- عبد الله بن أبي أوفى : روى عبد الرزاق (8) ، عن الثوري وابن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، قال :
(( رأيت عبد الله بن أبي أوفى بصق دما ، ثم صلى ولم يتوضأ )) .
4- جابر بن عبد الله : روى ابن أبي شيبة (9) ، قال : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا عبيد الله بن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الزبير ، عن جابر : (( أنه أدخل أصبعه في أنفه فخرج عليها دم ؛ فمسحه بالأرض - أو بالتراب - ثم صلى )) .

ولم يعارض ما تقددم - من أن دم الإنسان الكثير نجس- إلا أحد دليلين ؛ وهما في حالة خاصة :

الأول : ما ورد عن عمر - رضي الله عنه -، (( أنه صلى وجرحه يثعب دما )) (10).
أما أثر عمر : فمن المعلوم أنه لا يمكنه الصلاة بغير هذه الحالة ؛ فهذه حالة ضرورة ، ونظيرها خروج الدم من المستحاضة .
الثاني : قول الحسن البصري : (( ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم )) (11)
وأما أثر الحسن ؛ فإنه في الجهاد ، ومن المعلوم أن الله خفف أحكام هذه العبادة بمثل هذه الحال :
فقال - تعالى - (( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ))
وقال - تعالى - (( فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ))
ثم إنه قال - سبحانه - في آية أخرى- من سورة النساء - : (( فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة )) ؛ فهذا يعني : أن الله - تبارك وتعالى - رخص للمجاهدين ترك بعض أركان الصلاة في حالة الضرورة ، ثم أمرهم عند زوالها بإقامة الصلاة بجميع أركانها وشروطها .
وهكذا الحال فيمن صلى بجراحاته ؛ فإنه يجب أن يحمل على ما تقدم ، ثم إن الماء لا يكون متوفرا - غالبا - في تلك الأحوال ؛ فهو مأمور - والحالة هذه - أن يصلي بجراحاته .
الثالث : حديث عباد بن بشر الذي علقه البخاري - ويذكر عن جابر - : (( أن النبي -صلى الله عليه وسلم - كان في غزوة ذات الرقاع ، فرمي رجل بسهم فنزفه الدم ، فركع وسجد ، ومضى في صلاته )) .


قال الفقير الى عفو ربه : وهذا قد ذكره البخاري معلقا بصيغة التمريض (12) ، ووصله غيره بسند ضعيف (13) .



ثم على فرض أنه صحيح ؛ فليس فيه حجة ؛ لأمور :


الأول : أنها قضية عين لا عموم لها .


الثاني : أن آثار الصحابة متفقة على خلافه .


(( وممن يرى نقض الوضوء بالدم الخارج من غير السبيلين :


-الخلفاء الأربعة .


-وقيل : باقي العشرة المبشرين بالجنة .


-وابن مسعود ، وابن عباس ، وثوبان ، وأبو الدرداء ، وزيد بن ثابت ، وأبو موسى الأشعري ، وابن عمر )) (14)


الثالث : أن يقال : إن ذلك كان على الأصل ، وآثار الصحابة ناقلة عنه .


وقد اتفق أهل العلم على نجاسة الدم ؛ منهم :


1- قال الإمام أحمد : (( الدم لم يختلف الناس فيه ، والقيح قد اختلف الناس فيه )) (15)


2- قال ابن المنذر : (( فغسل دم الحيض يجب ؛ لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بغسله ، وحكم سائر الدماء كحكم دم الحيض ، لا فرق بين قليل ذلك وكثيره )) (16)


3- قال ابن حزم : (( واتفقوا على أن الكثير من أي دم كان - حاشا دم السمك وما لا يسيل دمه - نجس )) (17)


4- قال ابن عبد البر : (( وهذا إجماع من المسلمين ؛ أن الدم المسفوح رجس نجس ؛ إلا أن المسفوح وإن كان في أصله الجاري في اللغة ؛ فإن المعنى فيه - في الشريعة - : الكثير ؛ إذ القليل لا يكون مسفوحا ، فإذا سقطت من الدم الجاري نقطة في ثوب أو بدن : لم يكن حكمها حكم المسفوح الكثير ، وكان حكمها القليل ، ولم يلتفت إلى أصلها في اللغة )) (18)


5- قال الإمام ابن العربي : (( اتفق العلماء على أن الدم حرام نجس لا يؤكل ، ولا ينتفع به ، وقد عينه الله - تعالى - ها هنا- مطلقا ، وعينه في سورة الانعام مقيدا بالمسفوح ، وحمل العلماء - ها هنا - المطلق على المقيد ؛ إجماعا )) (19)


6- قال ابن قدامة : (( ... يعني : ما خرج من السبيلين ؛ كالبول ، والغائط ، والمذي ، والودي ، والدم ، وغيره ، فهذا لا نعلم في نجاسته خلافا )) (20)


7- قال النووي : (( والحديث فيه دلالة على أن الدم نجس ، وهو بإجماع المسلمين )) (21)


8- قال ابن الملقن : (( الدم نجس بالإجماع إلا من شذ )) (22)


9- قال ابن حجر : (( .. لأن جميع النجاسات بمثابة الدم لا فرق بينه وبينها إجماعا )) (23)


وأما دم الحيوان ؛ فللصحابة فيه قولان :


الأول : طهارته ؛ وهو ما ذهب إليه ابن مسعود - رضي الله عنه- فيما روى يحيى بن الجزار ، قال : (( صلى ابن مسعود -وعلى بطنه فرث ، ودم من جزور نحرها - ولم يتتوضأ )) (24)


الثاني : نجاسته ؛ وهو ما ذهب إليه أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن ابن علية ، عن حميد ، فيما جاء عن أبي العالية : (( أن أبا موسى نحر جزورا ، فأطعم أصحابه ، ثم قاموا يصلون بغير طهور ، فنهاهم عن ذلك ، وقال : ما أبالي ؛ مشيت في فرثها ودمها ، ولم أتوضأ - أو أكلت من لحمها ولم أتوضأ ؟ ! )) (25)


هذا كله إذا كان كثيرا ، أما القليل ؛ فطاهر بالإجماع .





قول العلامة الألباني (( الموسوم بالسلسلة الصحيحة )) (( 1/199))

الثالث : أن دم الحيض نجس للأمر بغسله ، و عليه الإجماع كما ذكره الشوكاني
( 1 / 35 ) عن النووي ، و أما سائر الدماء فلا أعلم نجاستها اللهم إلا ما ذكره
القرطبي في " تفسيره " ( 2 / 221 ) من " اتفقا العلماء على نجاسة الدم " .
هكذا قال " الدم " فأطلقه ، و فيه نظر من وجهين :
الأول : أن ابن رشد ذكر ذلك مقيدا ، فقال في " البداية " ( 1 / 62 ) :
" اتفق العلماء على أن دم الحيوان البري نجس " و اختلفوا في دم السمك .. " .
و الثاني : أنه قد ثبت عن بعض السلف ما ينافي الإطلاق المذكور ، بل إن بعض ذلك
في حكم المرفوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .
1 - قصة ذلك الصحابي الأنصاري الذي رماه المشرك بثلاثة أسهم و هو قائم يصلى
فاستمر في صلاته و الدماء تسيل منه . و ذلك في غزوة ذات الرقاع ، كما أخرجه
أبو داود و غيره من حديث جابر بسند حسن كما بينته في " صحيح أبي داود " ( 192 )
و من الظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بها ، لأنه يبعد أن لا يطلع النبي
صلى الله عليه وسلم على مثل هذه الواقعة العظيمة . و لم ينقل أنه أخبره بأن
صلاته بطلت كما قال الشوكاني ( 1 / 165 ) .
2 - عن محمد بن سيرين عن يحيى الجزار قال : صلى ابن مسعود و على بطنه فرث و دم
من جزور نحرها ، و لم يتوضأ . أخرجه عبد الرزاق في " الأمالي " ( 2 / 51 / 1 )
و ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1 / 151 / 1 ) و الطبراني في " المعجم الكبير "
( 3 / 28 / 2 ) و إسناده صحيح أخرجوه من طرق عن ابن سيرين و يحيى ابن الجزار
قال ابن أبي حاتم ( 4 / 2 / 133 ) : " و قال أبي و أبو زرعة : ثقة " .
3 - ذكر ابن رشد اختلاف العلماء في دم السمك ، و ذكر أن السبب في اختلافهم هو
إختلافهم في ميتته ، فمن جعل ميتتة داخلة تحت عموم التحرير جعل دمه كذلك ، و من
أخرج ميتتة أخرج دمه قياسا على الميتة " .
فهذا يشعر بأمرين :
أحدهما : أن إطلاق الاتفاق على نجاسة الدم ليس بصواب لأن هناك بعض الدماء اختلف
في نجاستها كدم السمك مثلا ، فما دام أن الاتفاق على إطلاقه لم يثبت ، لم يصح
الاستدلال به على موارد النزاع ، بل وجب الرجوع فيه إلى النص ، و النص إنما دل
على نجاسة دم الحيض ، و ما سوى ذلك فهو على الأصل المتفق عليه بين المتنازعين
و هو الطهارة فلا يخرج منه إلا بنص تقوم به الحجة .
الأمر الآخر : أن القائلين بنجاسة الدماء ليس عندهم حجة إلا أنه محرم بنص
القرآن فاستلزموا من التحريم التنجيس كما فعلوا تماما في الخمر و لا يخفى أنه
لا يلزم من التحريم التنجيس بخلاف العكس كما بينه الصنعاني في " سبل السلام "
ثم الشوكاني و غيرهما ، و لذلك قال المحقق صديق حسن خان في " الروضة الندية "
( 1 / 18 ) بعد أن ذكر حديث أسماء المتقدم و حديث أم قيس الثالث :
" فالأمر بغسل دم الحيض و حكه بضلع يفيد ثبوت نجاسته ، و إن اختلف وجه تطهيره ،
فذلك لا يخرجه عن كونه نجسا ، و أما سائر الدماء فالأدلة مختلفة ، مضطربة
و البراءة الأصلية مستصحبة ، حتى يأتي الدليل الخالص عن المعارضة الراجحة
أو المساوية ، و لو قام الدليل على رجوع الضمير في قوله تعالى ( فإنه رجس )
إلى جميع ما تقدم في الآية الكريمة من الميتة و الدم المسفوح و لحم الخنزير ،
لكان ذلك مفيدا لنجاسة الدم المسفوح و الميتة ، و لكن لم يرد ما يفيد ذلك ،
بل النزاع كائن في رجوعه إلى الكل أو إلى الأقرب ، و الظاهر الرجوع إلى الأقرب
و هو لحم الخنزير ، لإفراد الضمير و لهذا جزمنا هنا بنجاسة لحم الخنزير دون
الدم الذي ليس بدم حيض . و من رام تحقيق الكلام في الخلاف الواقع في مثل هذا
الضمير المذكور في الآية ، فليرجع إلى ما ذكره أهل الأصول في الكلام على القيد
الواقع بعد جملة مشتملة على أمور متعددة " .
و لهذا لم يذكر الشوكانى في النجاسات من " الدرر البهية " الدم على عمومه ،
و إنما دم الحيض فقط ، و تبعه على ذلك صديق حسن خان كما رأيت فيما نقلته عنه
آنفا . و أما تعقب العلامة أحمد شاكر في تعليقه على " الروضة " بقوله :
" هذا خطأ من المؤلف و الشارح ، فإن نجاسة دم الحيض ليست لأنه دم حيض بل لمطلق
الدم ، و المتتبع للأحاديث يجد أنه كان مفهوما أن الدم نجس ، و لو لم يأت لفظ
صريح بذلك ، و قد كانوا يعرفون ما هو قذر نجس بالفطرة الطاهرة " .
قلت : فهذا تعقب لا طائل تحته ، لأنه ليس فيه إلا مجرد الدعوى ، و إلا فأين
الدليل على نجاسة دم الحيض ليس لأنه دم حيض بل لمطلق الدم ؟ و لو كان هناك دليل
على هذا لذكره هو نفسه و لما خفي إن شاء الله تعالى على الشوكاني و صديق خان
و غيرهما . و مما يؤيد ما ذكرته أن ابن حزم على سعة اطلاعه لم يجد دليلا على
نجاسة الدم مطلقا ، إلا حديثا واحدا و هو إنما يدل على نجاسة دم الحيض فقط كما
سيأتي بيانه ، فلو كان عنده غيره لأورده ، كما هي عادته في استقصاء الأدلة لا
سيما ما كان منها مؤيدا لمذهبه .
و أما قول الشيخ أحمد شاكر :
" و المتتبع للأحاديث يجد أنه كان مفهموما أن الدم نجس " .
فهو مجرد دعوى أيضا ، و شيء لم أشعر به البتة فيما وقفت عليه من الأحاديث بل
وجدت فيها ما يبطل هذه الدعوى كما سبق في حديث الأنصاري و حديث ابن مسعود .
و مثل ذلك قوله :
" و قد كانوا يعرفون ما هو قذر نجس بالفطرة الطاهرة " .
فما علمنا أن للفطرة مدخلا في معرفة النجاسات في عرف الشارع ، ألا ترى أن
الشارع حكم بطهارة المني ، و نجاسة المذي ، فهل هذا مما يمكن معرفته بالفطرة ،
و كذلك ذهب الجمهور إلى نجاسة الخمر ، و إنها تطهر إذا تخللت ، فهل هذا مما
يمكن معرفته بالفطرة ؟ اللهم لا . فلو أنه قال " ما هو قذر " و لم يزد لكان





كتب و رسائل للعثيمين - (ج 143 / ص 16)
فالدماء تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: نجس لا يُعْفَى عن شيء منه، وهو الدَّمُ الخارج من السَّبيلَين، ودم محرَّم الأكل إذا كان مما له نَفْسٌ سائلة كدم الفأرة والحمار، ودم الميْتة من حيوان لا يحلُّ إلا بالذَّكاة .

الثاني: نجس يُعْفَى عن يسيره، وهو دم الآدمي وكلُّ ما ميتته نجسة، ويُستثنى منه دَمُ الشَّهيد عليه، والمسك ووعاؤه، وما يبقى في الحيوان بعد خروج روحه بالذَّكاة الشَّرعيَّة؛ لأنَّه طاهر.
الثالث: طاهر، وهو أنواع:

1ـ دم السمك، لأن ميْتته طاهرة، وأصل تحريم الميتة من أجل احتقان الدَّمِ فيها، ولهذا إذا أُنهِرَ الدَّمُ بالذَّبْح صارت حلالاً.

2ـ دم ما لا يسيل دمه؛ كدم البعوضة، والبقِّ، والذُّباب، ونحوها، فلو تلوَّث الثَّوب بشيء من ذلك فهو طاهر، لا يجب غَسْلُه.

وربما يُستدَلُّ على ذلك ـ بأنَّ ميْتة هذا النوع من الحشَرات طاهرة ـ بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ:"إذا وَقَع الذُّبابُ في شرابِ أحدكم، فلْيَغْمِسْهُ، ثم لينزِعْهُ، فإن في أحد جناحَيه داء، وفي الآخر شفاء".
ويلزم من غَمْسِه الموت إذا كان الشَّراب حارًّا، أو دُهنًا، ولو كانت ميْتته نجسة لتنجَّس بذلك الشَّراب، ولاسيَّما إذا كان الإناء صغيراً.

3ـ الدَّمُ الذي يبقى في المذكَّاة بعد تذكِيَتِها، كالدَّمِ الذي يكون في العُروق، والقلب، والطِّحال، والكَبِد، فهذا طاهر سواء كان قليلاً، أم كثيراً.

4ـ دَمُ الشَّهيد عليه طاهر، ولهذا لم يأمُر النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، بغَسْل الشُّهداء من دمائهم،، إذ لو كان نجساً لأمر النبيُّ بغسله.

وهل هو طاهر لأنَّه دم شهيد، وهذا ما ذهب إليه الجمهور، أم أنَّه طاهر لأنه دم آدمي؟

فعلى رأي الجمهور: لو انفصل عن الشَّهيد لكان نجساً.
وعلى الرأي الثَّاني: هو طاهر؛ لأنَّه دم آدمي.

والقول بأن دم الآدمي طاهر ما لم يخرج من السَّبيلَين قول قويٌّ، والدَّليل على ذلك ما يلي:

1ـ أنَّ الأصل في الأشياء الطَّهارة حتى يقوم دليل النَّجاسة، ولا نعلم أنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أمَر بغسل الدَّمِ إلا دم الحيض، مع كثرة ما يصيب الإنسان من جروح، ورعاف، وحجامة، وغير ذلك، فلو كان نجساً لبيَّنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ؛ لأنَّ الحاجة تدعو إلى ذلك.

2ـ أنَّ المسلمين مازالوا يُصلُّون في جراحاتهم في القتال، وقد يسيل منهم الدَّمُ الكثير، الذي ليس محلاًّ للعفو، ولم يرد عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الأمرُ بغسله، ولم يَرِدْ أنهم كانوا يتحرَّزون عنه تحرُّزاً شديداً؛ بحيث يحاولون التخلِّي عن ثيابهم التي أصابها الدَّم متى وجدوا غيرها.

ولا يُقال: إن الصَّحابة ـ رضي الله عنهم ـ كان أكثرهم فقيراً، وقد لا يكون له من الثياب إلا ما كان عليه، ولاسيَّما أنهم في الحروب يخرجون عن بلادهم فيكون بقاء الثِّياب عليهم للضَّرورة.
فيُقال: لو كان كذلك لعلمنا منهم المبادرة إلى غسله متى وجدوا إلى ذلك سبيلاً بالوصول إلى الماء، أو البلد، وما أشبه ذلك.

3ـ أنَّ أجزاء الآدميِّ طاهرة، فلو قُطِعَت يده لكانت طاهرة مع أنَّها تحمل دماً؛ ورُبَّما يكون كثيراً، فإذا كان الجزء من الآدمي الذي يُعتبر رُكناً في بُنْيَة البَدَن طاهراً، فالدَّم الذي ينفصل منه ويخلفه غيره من باب أولى.

4ـ أنَّ الآدمي ميْتته طاهرة، والسَّمك ميْتته طاهرة، وعُلّل ذلك بأن دم السَّمك طاهر؛ لأن ميتته طاهرة، فكذا يُقال: إن دم الآدمي طاهر، لأن ميتته طاهرة.

فإن قيل: هذا القياس يُقابل بقياس آخر، وهو أنَّ الخارجَ من الإنسان من بولٍ وغائطٍ نجسٌ، فليكن الدَّم نجساً.
فيُجاب: بأن هناك فرقاً بين البول والغائط وبين الدَّمِ؛ لأنَّ البول والغائط نجس خبيث ذو رائحة منتنة تنفر منه الطِّباع، وأنتم لا تقولون بقياس الدَّم عليه، إذ الدَّم يُعْفَى عن يسيره بخلاف البول والغائط فلا يُعْفَى عن يسيرهما، فلا يُلحق أحدُهما بالآخر.

فإن قيل: ألا يُقاس على دَمِ الحيض، ودم الحيض نجس، بدليل أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَمَرَ المرأة أن تَحُتَّه، ثم تَقرُصَه بالماء، ثم تَنْضِحَه، ثم تُصلِّي فيه؟
فالجواب: أن بينهما فرقاً:

أ ـ أن دم الحيض دم طبيعة وجِبِلَّة للنساء، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ "إنَّ هذا شيءٌ كتبه اللهُ على بنات آدم" فَبَيَّنَ أنه مكتوب كتابة قَدريَّة كونيَّة، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في الاستحاضة: "إنَّه دَمُ عِرْقٍ" ففرَّق بينهما.

ب ـ أنَّ الحيضَ دم غليظ منتنٌ له رائحة مستكرهة، فيُشبه البول والغائط، فلا يصحُّ قياس الدَّم الخارج من غير السَبيلَين على الدَّم الخارج من السَّبيلَين، وهو دم الحيض والنِّفاس والاستحاضة.
فالذي يقول بطهارة دم الآدمي قوله قويٌّ جدا؛ً لأنَّ النَّصَّ والقياس يدُلاّن عليه.

والذين قالوا بالنَّجاسة مع العفو عن يسيره حكموا بحكمين:
أ ـ النَّجاسة.
ب ـ العفو عن اليسير.
وكُلٌّ من هذين الحُكْمَين يحتاج إلى دليل، فنقول أثبتوا أولاً نجاسة الدَّمِ، ثم أثبتوا أنَّ اليسير معفوٌّ عنه، لأنَّ الأصل أنَّ النَّجس لا يُعْفَى عن شيء منه، لكن من قال بالطَّهارة، لا يحتاج إلا إلى دليل واحد فقط، وهو طهارة الدَّم وقد سبق.

فإن قيل: إنَّ فاطمة ـ رضي الله عنها ـ كانت تغسل الدَّمَ عن النبيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في غزوة أُحُد (2) وهذا يدلُّ على النَّجاسة.

أُجيب من وجهين:
أحدهما: أنَّه مجرَّد فِعْل، والفعل المجرَّد لا يدلُّ على الوجوب.
الثاني: أنه يُحتَمَل أنَّه من أجل النَّظافة؛ لإزالة الدَّم عن الوجه، لأنَّ الإنسان لا يرضى أن يكون في وجهه دم، ولو كان يسيراً، فهذا الاحتمال يبطل الاستدلال.



فما القول الذي ترجح عندك أخي الحبيب ؟ .