بسم الله الرحمن الرحيم

آيات الغفلة والنسيان في القرآن الكريم: (1) مقدمات

إبراهيم بن علي الحكمي / موقع رسالة الاسلام
الاربعاء 04 ربيع الأول 1429 الموافق 12 مارس 2008



تعريف الغفلة لغة واصطلاحا :

الغَفْلَة في اللُّغَة:

مصدرٌ. يقـال: "غَفَـلَ عـن الشَّيْءِ يَغْفُلُ غَفْلَةً وغُفُـوْلاً"[1]، قَالَهُ الجَوهري.

وقال ابن فارِس في مُعْجَمِه: "الغين والفاء واللام أصلٌ صحيح يَدُلُّ على تَرْكِ الشَّيْءِ سَهْوَاً وربما كان عن عَمْد، من ذلك غفلتُ عن الشَّيْءِ غَفْلَةً وغُفُوْلاً، وذلك إذا تَرَكْتَه ساهياً، وأغْفَلْتَه إذا تَرَكْتَه على ذُكرٍ منك له"[2].

أمَّا الغفلة اصطلاحاً:
فقد عَرَّفَها أهل اللغة والتفسير بتعاريف منها:

قول الرَّاغِب الأصفهاني[3]: "هي سَهْوٌ يَعْتَرِي الإنسان من قِلَّةِ التَّحَفُّظِ والتَّيَقُّظِ" [4] .

وقال البَغَوِي[5]: "هي معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقيقة الأمور"[6].

وأَوْرَدَ الشَّوْكَانِي تعريفاً لها في تفسيره فقال: "الغَفْلَةُ: ذهابُ الشَّيْء عنك لانشغالك بغيره"[7].

وبالتأمل في هذه التعريفات السَّابقة، والتشخيصات لحقيقة الغَفْلَة وبيان المراد منها، تَبَيَّنَ لِي أنَّ تعريف الرَّاغِب ـ والله أعلم ـ هو أقرَبها للصَّواب، فهو أشمل في التَّعْيِين، وأبلغ في التبيين.

ويتضح ذلك بالعودة إلى تعريف الرَّاغِب:

فقوله "سَهْوٌ" تعريف لها ( أي الغفلة ) بمثيلها ونظيرها، وفيه معنى الشُّرُود وعدم التفكير والاهتمام بالمراد.

وقوله "يعتري" يفيد أنَّ الغفلة غير لازمة للإنسان فهي تنفك عنه وتذهب.

فمتى ما غَفَلَ وسها أقبلت ومتى ما تَيَّقَّظ أدبرت.

وقوله "من قِلَّةِ التَّحَفُّظِ والتَّيَقُّظ" بيان لسبب الغفلة ومنشئها.

النِّسيان في اللغة:
بكسر النُّون: خلاف الذِّكر والحفظ.

ورجلٌ نَسيان (بفتح النون): كثير النِّسيان للشَّيء.

وقال ابن فارس: "النُّوْن والسِّين والياء أصلان صحيحان يَدُلُّ أحدهما على إغفال الشَّيْءِ، والثاني على ترك الشَّيْءِ[8].

النِّسيان في الاصطلاح:
عُرِّفَ بتعاريف كثيرة منها:

قول الرَّاغِب: "هو ترك الإنسان ضبط ما استودع؛ إمَّا لضعف قلبه؛ وإمَّا عن غفلة؛ وإمَّا عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذِكْره"[9].

وعرَّفه الجرجاني بأنَّه الغفلة عن معلوم في غير حالة السِّنة[10].

الفرق بين الغفلة والنِّسيان:

بعد بيان معنى كل من الغفلة والنِّسيان في اللغة والاصطلاح، يتضح الفرق بينهما، وزيادة في الإيضاح أذكر بعض الفروق التي ذكرها أهل العلم،ومنها: .

قول الكفوي:" النِّسيان زوال الصورة عن القوة المدركة مع بقائها في الحافظة، والسهو زوالها عنهما معاً ".

وقيل: غفلتك عمَّا أنت عليه لتفقده سهو، وغفلتك عمَّا أنت عليه لتفقد غيره نِسْيان[11]، فكأنَّ
الغفلة عامة تشمل الأمرين.

وقيل: إنَّ الغفلة عبارة عن عدم التفطن للشِّيء وعدم عقليته بالفعل سواء بقيت صورته أو معناه في الخيال أو الذكر، أو انمحت عنه إحداهما.

وهي أعمُّ من النِّسيان؛ لأنه عبارة عن الغفلة عن الشَّيْء مع انمحاء صورته
أو معناه بالكلية، ولذلك يحتاج الإنسان إلى تجشم [جُهد] كبير جديد وكلفة في تحصيله ثانياً[12].

ونقل التَهَانوي عن الآمدي[13]: أنَّ الغفلة والنِّسيان عبارات مختلفة لكن يقرب أن يكون معانيها مُتَّحِدَة، وكلُّها مضادَّة للعلم بمعنى أنَّه يستحيل اجتماعهما معاً[14].

وهذا هو الظاهر، فإنَّ المعاني متَّحِدة، ثم إنَّ الغفلة اسم عام؛فكل نِسْيَان غفلة وليس كل غفلة نِسْيَان.


للموضوع بقية


Ndhj hgytgm ,hgksdhk td hgrvNk hg;vdl