عمرو بن العاص .. فاتح مصر



مقدمة
هو الصحابي الجليل عمرو بن العاص بن وائل، القرشي السهمي، يكنى أبا عبد الله وأبا محمد. كان في الجاهلية جزارًا، وكان يحترف التجارة أيضًا، فقد كان يسافر بتجارته إلى الشام واليمن ومصر والحبشة. كما كان من فرسان قريش وأبطالهم المعدودين، مذكورًا بذلك فيهم، وكان أيضا شاعرًا حسن الشعر، حفظ عنه الكثير في مشاهد شتى. كما كان معدودًا أيضا من دهاة العرب وشجعانهم وذوي آرائهم، ولذلك أرسلته قريش إلى النجاشي ملك الحبشة ليرد عليهم من هاجر من المسلمين إلى بلاده.
وبعد أن رجع من الحبشة، وفي سنة ثمان من الهجرة، وقبل الفتح بنحو ستة أشهر قدم هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة المدينة مسلمين، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظر إليهم قال: "قد رمتكم مكة بأفلاذ كبدها"، وكان قد همّ بالإقبال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حين انصرافه من الحبشة ثم لم يعزم له إلى ذلك الوقت.


ولما أسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يقربه ويدنيه لمعرفته وشجاعته، وقد بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يقول له: "خذ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتني"، قال عمرو: فأتيته وهو يتوضأ فصعّد في النظر ثم طأطأه فقال: "إني أريد أن أبعثك على جيش فيُسلمك الله ويغنمك، وأرغب لك من المال رغبة صالحة". قال: قلت: يا رسول الله، ما أسلمت من أجل المال، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا عمرو، نعم المال الصالح للمرء الصالح".
وقد كان من أهم ملامح شخصيته رضي الله عنه ما يلي:


1- يفزع إلى الله ورسوله:
فقد أخرج ابن حبان في صحيحه عنه رضي الله عنه أنه قال: فزع الناس بالمدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم فتفرقوا، فرأيت سالما مولى أبي حذيفة احتبى بسيفه وجلس في المسجد، فلما رأيت ذلك فعلت مثل الذي فعل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآني وسالما، وأتى الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس، ألا كان مفزعكم إلى الله ورسوله؟ ألا فعلتم كما فعل هذان الرجلان المؤمنان"؟!


2- شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإيمان:
وفي ذلك أخرج الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ابنا العاص مؤمنان، هشام وعمرو".


3- أميرٌ عليم بالحرب:
فقد ذكر ابن حجر في الإصابة من طريق الليث قال: نظر عمر إلى عمرو يمشي فقال: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا.
وأخرج الحاكم أيضًا في المستدرك عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما انتهوا إلى مكان الحرب أمرهم عمرو أن لا ينوروا نارا، فغضب عمر وهم أن ينال منه، فنهاه أبو بكر رضي الله عنه وأخبره أنه لم يستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك إلا لعلمه بالحرب، فهدأ عنه عمر رضي الله عنه.
كما يحكي هو عن نفسه فيما أخرجه الحاكم أيضا فيقول: "ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد بن الوليد أحدا من أصحابه في حربه منذ أسلمنا".


4- شديد التواضع:
وهو فوق ذلك متواضع شديد التواضع، وقد أخرج ابن المبارك عن جرير بن حازم قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير يقول: مَرَّ عمرو بن العاص فطاف بالبيت فرأى حلقة من قريش جلوسا فلما رأوه قالوا: أهشام (أخو عمرو) كان أفضل في أنفسكم أو عمرو بن العاص؟ فلما فرغ من طوفه جاء فقام عليهم فقال: إني قد علمت أنكم قد قلتم شيئا حين رأيتموني فما قلتم؟ قالوا: ذكرناك وهشاما فقلنا: أيهما أفضل؟ فقال: سأخبركم عن ذلك, إنا شهدنا اليرموك فبات وبِتُّ في سبيل الله وأسأله إياها، فلما أصبحنا رُزِقَهَا وحُرِمْتُهَا ففي ذلك تبين لكم فضله علي!

وقد ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم غزاة ذات السلاسل، وأمده بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح، ثم استعمله على عمان فمات وهو أميرها، ثم كان من أمراء الأجناد في الجهاد بالشام في زمن عمر، وهو الذي افتتح قنسرين وصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية وولاه عمر فلسطين، هذا غير جهاده العظيم في حروب الردة.

يتبع