الــفــصــل الــرّابــع



قـــلـــوب و عـــقـــول ؟
تـنـصـيـر رجـال الـقـبـائـل





تــنــصــيــر الــوثــنــيــيــن ـــ بــحــدّ الــســيــف

" أنّ القوّة أستخدمت في أغلب الأحيان لتنصير سكان الشمال .. هذا ما يستحيل إنكاره , و كانت تستخدم بشراسة و ضراوة لا تقارن ؛ يتضائل أمامها ما فعله الفاتحون في قارة امريكا و كل شيء جرى في أفريقيا و آسيا العصور الحديثة "
( حركة التبشير في التاريخ المسيحي , ص 72 )
– Andrew Walls (The Missionary Movement in Christian History, p72)


يتعلق جزء من الميثولوجيا المسيحية " بالفوز للمسيح " برجال القبائل الجرمانية المتوحشين , الذين دمّـروا الحضارة القديمة كما يزعم . و بعبارات عامـّة غير دقيقة التفاصيل , تقدم لنا صورة مريحة لكاهن بطل , متسلّـح بكتابه المقدس و بالتسامح المسيحي , يقوم بإخضاع المقاتلين المتوحشين بمواعظ من الكتاب الجيـّد . ( ما يعرض علينا , بالطبع , هو نسخة باكرة عن كيف كان يرى الأوربيين الإستعماريين "المبشرين" نشاطهم الخاص)

و كما لو ان الأمر يتعلق بسحر ( أو بمعجزة بالأحرى , هكذا كانت كفاءة كلمة الرب ) تتعمد في المسيح كل الكونفدراليات العشائرية و القبلية ومساحات شاسعة من أوربا .
حيث فشلت جحافل القيصر في القهر ينتصر راهب متواضع يحمل ناقوسا و كتابا و شمعة .
و في لحظة تصبح أوربا خليطا من " الممالك المسيحية " و يصبح التاريخ قصة توطيد السلطة الملكية , و كنس بضعة وثنيين عنيدين , و إخماد الهرطقات الشاذّة .

إن الحقيقة , مثلما هو الحال في كل التاريخ المسيحي , أشدّ سوادا و أكثر دمويـّة .


لماذا تنــصـّر زعــمــاء الــبــرابــرة ؟

كانت "الأرستوقراطية " البربرية أعلى درجة في سلـّم بنية إجتماعية "بطولية" . و كانت الغارت على أراضي الجوار جزءا جوهريا من الإقتصاد البربري . و بالحصول على بضائع مرغوبة ـــ مثل العبيد , و قطع الذهب , و الأسلحة الجيدة ـــ كانت النخبة الحاكمة تحافظ على سلطتها و ترفع من طبقتها الإجتماعية . و لقد قـوّت الغارات الناجحة الروابط بين الزعيم و أتباعه المقاتلين .

غير أن الزعامة نفسها كانت دائما مهّددة من قبل الحراك الإجتماعي للمجتمع القبلي . ففي أي لحظة يستطيع أي مقاتل جريء كفء أن يرفع من مقامه و يصبح عضوا جديدا في النخبة , بل و يمكن حتى أن يكون الزعيم . كان الملوك الكبار , من الناحية العملية , هم نتاج إنتقاء يقوم به شيوخ القبيلة أو العشيرة في زمن المحنة . و كانت المنادات بشرعية "ملك" بربري ضعيفة وهشـّة , و كانت الزعامة تتغير في أغلب الأحيان و بطرق عنيفة .

هذا " الضعف الأرستقراطي " صار حادّا على وجه الخصوص خلال فترات الهجرة من القرن الثالث إلى القرن الخامس . و حين كانت الأراضي القبلية غير محددة بشكل واضح و متغيرة بإستمرار كانت التحالفات القبلية تنسج و تنقض و يعاد نسجها , و كان مقاتلو نفس القبيلة يحاربون مع و ضد الرومان على حد سواء .

بإختصار , لم تكن الزعامة بين البرابرة واضحة المعالم بصورة جيّدة و لم تكن آمنة .

كان الإتصال بروما يعني تأثرا بعالم يحتوي على كل ما هو ليس مجتمعا بربريا : "مملكة" مستقرّة تبدو ضامـّة للعالم أجمع و أنها باقية " إلى الأبد " . لقد كان المجتمع الروماني أثناء القرن الخامس قد صار أشد صلابة و متسلسلا بصورة هرمية أكثر من أي وقت مضى , مع حركية إجتماعية و جغرافية ناخرة و هـوّة واسعة بين الغني و الفقير . كانت الطبقة المتوسطة في المدن الرومانية تجبى منها ضرائب تترك ما يكفي بالكاد للعيش , و كان العبيد المعتوقون توكل إليهم أعمال السخرة , و أما الأعمال المتوارثه و العمل في الجندية فقد تم خفضها إلى مليشيات من المزارعين الفلاحين .

هذه الخصائص ساعدت بواسطة المحاكاة في تركيز نمو و قوة أرستقراطية بربرية أكثر صلابة و إستقرارا .

بإختصار شديد , أراد زعماء البرابرة أن يحكموا مثل الرومان .
" كل قوطي يتمنى أن يصبح مثل الروماني " قال ثيودوريك " لكن أشدّ الرومان بساطة فقط كانوا يريدون أن يصيروا مثل القوط "

كانت أمنية البرابرة في تأسيس شرعية " رومانية " لممالكهم الجديدة قويّة جدا إلى درجة أن الأمي شرلمان , بعد ذلك بقرون , صمـّم من نفسه " ملك الفرنكيين و اللومبارديين وأرستقراطيا رومانيا " و تمّ تتويجه أمبراطورا و أوغسطسا .

هـــــوامـــــش :
ـــــــــــــــــــــــــــ


الـــجـــيـــران الـــشـــمـــال شـــرقـــيــــون لــلــرومـــان


التوزيع القبلي في أواخر القرن الرابع .

الأبــطــال الــمــفــقــودون : الــقــوط الــغــربـيــون ( الفيسقوط)

رغم السمعة السيئة التي وصمت القوط الغربيين بسبب إنتصارهم على الإمبراطور فالينس في أدريانابولي سنة 378 و بسبب إستباحتهم ونهبهم لروما سنة 410 , إلا أنهم غالبا ما قاتلوا دفاعا عن الحضارة الرومانية .

أعطى الراهب أولفيلس ( 311 ــ 388 ) للقوط كتابا مقدسا , و بالتالي نسخة عاميّـة من الكتاب المقدس ( قبل نسخة مارتن لوثر للكتاب المقدس بالعامية الجرمانية بألف سنة )ــ رغم انه لا أحد منهم كان يعرف القراءة ! إن العبيد الرومان في الواقع هم الذين ادخلوا المسيحية في أراضي القوط .

في اواخر القرن , و في حرب اهلية قبلية , تبنت قبيلة معينة الرب المسيحي . ففي الصراع على السلطة بين زعماء قبيلة ثيرفنجي , شـجـّع الرومان حليفهم فريتجيرن على تبني المسيحية ( او على الأقل نشر " سحر المسيح" ) ضد " الآلهة القديمة " لخصمه أثاناريك
و رغم ان أثاناريك مات وثنيا سنة 382 إلى أنه شرف بجنازة رسمية مسيحية في القسطنطينية , و استمر " بيته الملكي " كمسيحيين آريوسيين ! .

غلاف فضي مزخرف ــ نسخة من الكتاب المقدس القوطي , القرن السادس .

القوط الغربيون, و هم أول كونفدرالية عشائرية استقرت ضمن الإمبراطورية , غادروا في الواقع إيطاليا كحلفاء للأمبراطور الروماني لمطاردة غزات سابقين ــ قبائل الوندال المخربون , و السويفي و الألنس ) و هي القبائل التي سيواجهونها في أسبانيا و يبيدوها .

و كانت جائزة القوط الغربيين ( 418) أراض في جنوب غرب بلاد الغال ( أكيتانيا ), لكنهم أضافوا إليها فيما بعد معظم إسبانيا . و قد قدم القوط الغربيون ايضا الخيالة في القوات المختلطة التي اوقفت أتيلا و قبائل الهون سنة 541 .

حين سقطت أكيتانيا في يد قبائل الفرانكيين ( الفرنجة ) , إستمرت مملكة القوط الغربيين في اسبانيا , رغم الإضعاف الشديد الذي لحقها من جراء الطائفية المسيحية .
إن عقيدتهم الآريوسية لم يجر فرضها ابدا على السكان المحليين , و لكن حين تحول الملك ريكارد إلى الكاثوليكية سنة 567ــ و هي إحدى أسلحته في حرب اهلية أخرى بين القوط الغربيين ــ جاء عدم التسامح الديني في معيـّته .
في مجمع طليطلة الثالث ( 589م) صارت إسبانيا دولة ثيوقراطية : فتم تحريم المذهب الآريوسي , و إستعباد اليهود , و قتل الوثنيين .
القوط الغربيون نفسهم حطمهم العرب في القرن الثامن في اسبانيا . و اختفوا من التاريخ في ما يزيد قليلا عن 300 سنة .


الــقـــوط الــشــرقــيــون ( الأوستروقوط)

لقد تبنى الفرع الشرقي لقبائل القوط أسلوب البداوة و الترحال أكثر من أبناء عمومتهم القوط الغربيين في الأراضي العشبية في أوكرانيا خلال القرن الثاني .
لسؤ حظهم كانوا أول قبيلة أوربية أخضعتها قبائل الهون , فشكلت جزءا من الكونفدرالية التي كان يرأسها أتيلا .
بموت أتيلا , أعاد القوط الشرقيون تاكيد انفسهم تحت حكم ملوكهم الخاصين .

و قد إستأجر الإمبراطور زينو خدماتهم أولا لحراسة الحدود الشمالية و اعطاهم أرضا في البلقان . لكنه , حين توتر من وجودهم قرب القسطنطينية , أقنعهم تحت حكم ملكهم الفطن ثيودوريك بإعادة أخذ إيطاليا من الغاصب الجرماني أودواسير
و قد حكم ثيودوريك كل إيطاليا بصفته " قنصل للرومان " و في نفس الوقت بصفته زعيم القوط من سنة 493 إلى سنة 526 .


جـــيـــران رومـــا الـــشـــمالـــيـــون

التوزيع القبلي ــ اواخر القرن الرابع .

الـــونـــدال

عبر الوندال اليائسون و هم يقاسون المجاعة نهر الراين المتجمد في شتاء سنة 406 م . و بقوا في بلاد الغال لمدة 3 سنوات , ثم هاجروا بدلا منها إلى إسبانيا المأهولة أكثر بالسكان .
تحت زعامة جياسريك ( الذي ظل ملكا لهم لمدة 50 سنة ) أصبح الوندال قوة بحرية عظمى
تتحكم في البحار الغربية وتتحرش بالبحار الشرقية .

بعد ان طردهم القوط الغربيون من إسبانيا بقوة السلاح ,إقتحم الوندال الولايات الرومانية في شمال إفريقيا و احتلوها , و اسسوا مملكة آريوسية مطبوعة بطابع روماني إلى حد كبير , و قد برز منها شعراء كثيرون في اللغة اللاتينية .
بسبب رداءة السمعة التي صبغت الوندال بعد إستباحتهم و نهبهم لروما سنة 455 فقد سحقتهم جيوش جوستنيان/بيليساوروس الكاثوليكة هم و مملكتهم في شمال أفريقيا سنة 534. و لم يتعاف شمال أفريقيا أبدا.


فارس وندالي روماني يلوح مودعا لبيته المحاط بسور .


الفرنكيون ( الفرنجة ) و الــكاثــولــيــك :

صار الفرنكيون أكبر قوة في الغرب , و لم تضعفهم إلا الإنقسامات التقليدية للمملكة بين أبناء الملك ( نيوستريا ,أوستراسيا , بورغوندي , بافاريا )

كما قسمت مملكة كلوفيس بين كلودومير ( اورليانس ) شيلدبرت ( باريس ) شلوتر ( سواسون ) و ثيودوريك ( ميتز ) .
أنهى بيبين الثالث الرابط الجاش هذه " الإتحادية " في القرن الثامن . و قد أباح البابا ستيفن الثاني حكمه و أعتبره شرعيا سنة 754 بمسح بيبين " ملكا للفرانكيين " . و في المقابل هزم بيبين سنة 754 اللومبارديين و فتح رافينـّا ( التي أخذها اللومباريون قبل ذلك بخمس سنوات من البيزنطيين ) و ترك الأراضي المسلوبة للبابا , و بذلك وضع حجر الأساس لــ "دولة بابوية " و أسس سلطة دنيوية لنائب المسيح , الذي كان في الماضي خاليا من قيود الإمبراطور في الشرق .
شن شارلما بن بيبين حروبا عدوانية مستمرة لبسط حكمه الشخصي على جزء من أسبانيا و معظم إيطاليا و كل الأراضي الجرمانية .
إن " العلاقة الخاصة " بين الفرنكيين و البابوات ستدوم قرونا .
لقد جعل الخوف البابوي من التوسع اللومباردي في القرن الثامن من نائب المسيح معتمدا على إمبراطور فرنكي في الأول ثم على إمبراطور من الجرمان .
لكن هذه العلاقة ستنعكس في القرن الثاني عشر . حيث سيكون البابا هو من يصنع أو يحطم الملوك و الأباطرة . ـــــ فــقــط , يا هل ترى مــاذا كــان يــدور فــي خــلــد الــنــجـّـار الــجلــيــلــي ؟؟؟


الــرّؤســـاء !:

أسقف ينصب ملوكا , مانز القرن 13

مــوقــف الــتــبــشــيــر :
كان المبشرون الكاثوليك في الواقع عملاء فرانكيين , يتحركون في صحبة الجيوش الغازية

سنة 629 إنتصر الأسقف أماند في شمال غرب بلاد الغال على مقاومة محلية عنيفة لإنشاء أديرة في بلجيكا القديمة .
سنة 647 إخترق امديو أسقف ماتريخت أراضي الفريزيين , بعد ذلك تحرك أكثر نحو الشرق بين الصقالبة.
سنة 690 تلاه الراهب النورثومبري ويليبرورد في دخول اراضي فريزيا و عينه البابا سيرجيوس " أسقف" أوستريخت .
سنة 719 بعث البابا راهبا من غرب ساكسونيا يدعى وينفريد للوثنيين في ساكسونيا أعطي
الأسم الرمزي "بونيفاس "


القديس بونيفاس يقطع شجرة البلوط الضخمة المقدسة للإله تور في جيسمار , هيس , سنة 724 . رغم القسوة التي رافقت إجتثاث الوثنية العلنية إلا أن ربة الخصوبةOstara (Eostara أعطت إسمها لعيد الفصح Easter .




كتاب مقدس مرصـّع بالجواهرـــ هذا بالضبط ما يلائم ملكا أمـيـّا
المسيح سحريّ ـــ ليس للقراءة
الأدب المسيحي : جواهر و أحجار كريمة على الغلاف ــ و هراء بين دفتيه .

الكتب القليلة الباقية صارت " أشياء مقدسة " .
مثل هذه الأشياء كانت تملأ رجال القبائل الأميين بالرهبة . فبنيت المزارات الخاصة cumdashs لإيواء هذه المصنوعات الرائعة , التي كان ينظر إليها على أنها تمتلك خصائص التمائم و التعاويذ .
"يروي بيدي كيف كان الفرك و الدلك بالمخطوطات الإيرلندية يستخدم في علاج لدغ الأفاعي , فيما التفاؤلات الشعبية تزعم ان كتاب دوراو يملك القدرة على شفاء قطعان الماشية المريضة ." ( كتاب الفن و التصميم السلتي ص 10)
– I. Zaczek (Celtic Art and Design, p10



ضريح ثيودوريك في رافينا , شيدته إبنته أمالاسونثا سنة 526 . و هو جدير بعصر اوغسطس او هدريان , "المصلّى " الرئيس في الضريح تتوجه قطعة جرانيت واحدة وزنها 450 طنا على إرتفاع 30 قدما.
" لم يختف الفكر الروماني تحت حكم القوط بعد .
كان أساتذة النحو و البلاغة و الفقه يحتفظون بإمتيازاتهم و مرتباتهم التقاعدية بسبب تحررية القوط . " ( كتاب غروب و سقوط الفصل , 39 , جيبون )
– Gibbon (Decline & Fall, ch 39)


جــوســتــــنــيــان ( "عظيم" مسيحيّ آخر )
أفــلس الـشرق فــى تــدمــير الــغــرب !.


كنيسة الحكمة المقدسة ــ اسطمبول


جــوّع جوستنيان قواته و سرقها و كان عديم الشفقة و الرحمة في نظامه الضريبي الضاري ــ
لكنه بنى هذه الكنيسة الكبيرة .
أزهقت أرواح الملايين بسبب جشعه و غروره .
و يقدّر إدوارد جيبونEdward Gibbon عدد الأرواح التي أزهقت خلال فترة ملكه التي إمتدت خمسين سنة بأنها قد تقارب المائة مليون . أمـّا بروكوبيوس Procopius في كتابه التاريخ السرّي فيضع رقما أعلى .
لكن ها قد صارت لدينا هذه الكنيسة الرائعة . . . .


إنتهـــت الــهــوامش , عودة إلى النص الرئيس :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ


أنـا تـابـع لـزعــيــــمــــي . . . .

حين يعتنق ملك محارب " المسيحية " ـــ إعتناقا للشكل و المظهر مع قليل جدا من الإقتناع أو عدمه من ناحية المحتوى ـــ كان المحاربون الأرستقراطيون يتبعون ملكهم . بهذا الشكل , مثلا , حين قبل كلوفيس المسيح ربـّا جديدا امر 3000 من شعبه أن يحذو حذوه في المعمودية

لم يكن الولاء الديني قضية ضمير بين العامـّة من رجال القبائل . فذاك العصر ليس عصر الرأي الشخصي أو الأفكار الفردية . إذا تبنت الزعامة القبلية إلها جديدا تتبعها القبيلة كلها في التبني بدون تلكؤ . وعدم القيام بذلك يمكن أن يفسر على أنه تمرد . فمثلا , حين أصرّ شرلمان على ان التعميد هو دليل على الولاء له عاقب بقسوة بربرية أي مقاومة , مثلما فعل بدم بارد حين امر بقطع رؤوس 4500 ساكسونيـّا في يوم واحد في فيردون سنة 782 .
بعد أن تبنت الأرستقراطية المسيح إلها جديدا أجبرت شعوبها على هذا الإيمان الجديد .



عــــالــــم "قـــوطـــيـــا" الــمــفــقــود ( 450 ــ 550 )



إن معظم الحضارة الرومانية إعيدت إلى سابق عهدها في الواقع من قبل القوط .
حكم ثيودوريك العالم القوطي من قصر في رافينـّأ , مبني على طراز قصر ديوقلتيان في سابالاتو . و كان موظفو الدولة المسؤلون و المديرون رومانا , و أبقى على مجلس الشيوخ , و جعل من نبلاء رومان , مثل بويثيوس , قناصل . كما انه فحص أيضا توسـّع الفرنكيين و جلب السلام للغرب .

تضمنت إرتباطاته السلالية المتعددة زواج أودوفيلدا , أخت كلوفيس , من ملك الفرنكيين . و حكم إسبانيا وصيا و نائبا على حفيده العاهل الطفل . هدأ من شرور الوندال و حمى سواحله بأسطول يتكون من ألف مركب . و في روما كان يترأس الألعب حسب الطريقة الرومانية التقليدية . كانت المعونة لا زالت توزع و قنوات المياه لا زالت تتدفق .

كان ثيودوريك آريوسيا , لكنه تساهل مع جميع الطوائف المسيحية . بل حتى جرى الإحتكام إليه في النزاع القتالي بين البابا سيماخوس و البابا لورانس الكاثوليكيين!! لكنه في آخر سنة من حياته تحرك ضد الكاثوليك عندما هاجموا تجارا يهودا و تآمروا مع القسطنطينية .

بعد موته سنة 526 , حكمت إبنته أمالسونثا مملكة القوط الشرقيين كوصيـّة على العرش.
و تزوجت حفيدته ماتاسونثا من جيرمانوس , إبن أخ أمبراطور الرومان الشرقيين ــ لكن ذلك كان بعد دمار أيطاليا الرومانية القوطية من قبل جيوش كاثوليكية من الشرق .

إن الغزو من قبل جوستنيان و 30 سنة من الحروب ( روما تبادلتها الأيدي اربع مرات ) دمر الحضارة المدنية في إيطاليا و جلب المجاعة لكل المنطقة .

" بقي الحكم البيزنطي 14 سنة فقط قبل أن يكنسه غزو اللومبارديين تحت زعامة ألوبين .
و بدلا من دولة قوطية شجاعة و قوية لعلها كانت قادرة على صد البرابرة , لم تكن إيطاليا قادرة على إبداء أي مقاومة . لقد أصبحت روما راكدة و أصبحت إنتصارات جوستنيان كارثة على المسيحيين في الغرب . " ( المعارك الحاسمة ص 40 )
– Geoffrey Regan (Decisive Battles, p40)


دخــول الأســقــف الــمــســيــحي . . .

كانت روما ــ بعد أن صارت ممثلة بالنبيل الروماني المحلي الذي اصبح اسقفا ــ تستطيع إضفاء الشرعية , و مع الشرعية كل الأبهة و الطقوس الشعائرية و الإحتفالية التي ملأت طبقة العامـّة بالرهبة و الطاعة .
و لما كانت الإمبراطورية قد تهاوت فإن شعاراتها و طقوسها صارت مزخرفة و متعجرفة اكثر من اي وقت مضى .

كان الملوك البرابرة مبتهجون بالألقاب الرومانية ــ وقد نقشوها على قطع نقودهم , التي كانت على غرار العملة الرومانية بشكل وثيق ــ و منذ سنة 382 و ما بعدها منحت قبائل البرابرة منزلة " متحدين مع الرومان " (foedus) و تم قبول زعمائهم و مشائخهم في منزلة نبلأ رومان . بل و بعضهم ( مثل فرافيتا سنة 401 ) رفع إلى مرتبة قنصل . و حيث أنه لم يعد هناك وجود لإمبراطور يمنح الألقاب و الرتب الشرفية فقد سقطت هذه الميزة بين أيدي الأساقفة .

سعى الملوك البرابرة إلى الزواج من النسب الإمبراطوري .
و كمثال واضح على ذلك , نقل القوط المبراطورة غالا بلاسيدا إلى بلاد الغال , و في سنة 414 تزوجت ( على طريقة مراسم الزواج الطقوسية الرومانية ) من الزعيم القوطي الغربي أثاوالف في مدينة نربون .و كان العريس يرتدي رداء رومانيا !
كانت دائما توجد " أميرات كاثوليكيات" ملائمات في اوقات كثيرة ملائمة : تزوجت إنجوند من هيرمنجيلد سنة 583 ( لتشديد الحرب الأهلية القوطية في اسبانيا ) , و تزوجت برثا من الساكسوني آيثلبرت سنة 600 ( لرفع الكنيسة الكاثوليكية في منطقة كنت ) و بالطبع كلوتيلدا كانت متزوجة من البطل كلوفيس .

كان الملوك البرابرة يريدون نبلاء رومان في حاشيتهم , لأخذ مشورتهم في حكم رعاياهم المكتسبون حديثا .
فاق "الرومان" المحليون سادتهم المحاربين في كل شيء .
و أبرز مثال على ذلك هو بلاط ثيودوريك , الملك القوطي الشرقي لإيطاليا . فقد كانت إدارته على نمط الأباطرة السابقين و كان اعضائها من الرومان . و من بين " رجال الأدب " في بلاطه كان أوريليوس كاسيودوروس سيناتورا و رجل دولة و راهبا و أديبا مؤلفا .
كان الأساقفة مثل" رجال الدولة " يتكلمون للسكان المحليين و و يوفرون لهم " إدارة " المدن و الحارات نيابة عن الملك الأجنبي .
و هكذا برزت للوجود نخبة عصر الظلام ــ إندماج بين زعماء وثنيين سابقين , كانوا في رهبة من كل شيء روماني ( بما في ذلك المسيحية ) , و بين ملاك أراض رومان سفلة منحطين نجوا بدسّ المسيحية لرجال القبائل الأميين ذوي العقلية الخرافية .

إلتئمت القوة المدنية و القوة الكنسية في خلطة واحدة .
يقول الأسقف إسودور الإشبيلي (560ـ636) نفس الشيء تقريبا بكلام يسوع :

" أولئك الذين لا يمارسون الفضيلة بتحذير من الأسقف , يمكن منعهم من فعل الشر بقوة الملك "
,(Isidore, Sententiae, I, 16).

في قلب هذه القشرة الرقية من الشرعية كان الدين الذي تمّ بواسطته تشريع حكم الأباطرة و جعل حكمهم الخاص " حكما إلهيا" ـــ كانت المسيحية , بالتالي صعودا و صعودا للأساقفة , و بخاصة أسقف روما ـــالوصي على جسم الإمبراطورية , و واهب ( من عنده ) لميراثها .



بكتاب التعاويذ المسيحي وبإرث الف سنة من الثقل الروماني وراءه , كان النبيل الأسقف يستطيع بكل سهولة ان يذبذب عقل الملك البربري غير الدارس .
و فضلا عن " سحر المسيح " كان يمنح " الشرعية " و القوة للكلمة المكتوبة في الديبلوماسية الملوكية . وبمساعدته يمكن المطالبة بسلطة الملك الآن في اي مكان .

بالرشاوي و الهبات كان يتمكن من الوصول حيثما أراد؛ فقد لعب دور السفير و الوكيل , و وهب الدعم لطرف ضد الطرف الآخر في النزاع الدموي الناشب بين الأخوة , و كان يقدم " عرائس عذروات " و يترأس مراسم الزواج الملكي , و كان يحكم المواطنين نيابة عن سيـّده البربري.
و مع كل ذلك , كانت ثروته الخاصـّة و سلطته تنمو بإضطراد , فيما كان الهراء الذي يرّوج له ــ المسيحية ــ ينمو ليصبح عقيدة .


كـــيـــف تـــمّ كــســـب الـــغـــرب ؟: صـعـود و صـعـود قبائل الفرانك ( الفرنجه)


لم تبد الكنيسة المسيحية إي إهتمام بتنصير البرابرة , قبل السنوات الأخيرة من القرن الخامس
كان الرب , على ما يبدو , قد اختار الإمبراطورية الرومانية لنشر كلمته . غير أنه عندما وصل رجال القبائل المتوحشون إلى بوابات المدينة كان هذا الحدث " حكم الرب " , و كان الأساقفة المسيحيون مستعدون جدا لوضع مصيرهم في يد الغزاة الجدد .

رغم " أعجوبة " السلب و النهب التي استمرت ثلاثة ايام في روما سنة 410 بواسطة القوط الغربيين , إلا أن بلاد الغال هي التي كانت في حالة يرثى لها في القرن الخامس , و ليس إيطاليا ( التي تمتعت بآخر " عزّة لها " تحت حكم ملك قوطي )

في النصف الأخير من القرن الخامس إستهلت قبيلة ساليان الفرنكية تحت حكم كلوفيس ثلاثة قرون من التوسع و إحتواء القبائل الفرنكية الأخرى . سنة 486 هزم كلوفيس القائد الروماني سياجريوس و سقطت آخر محافظة رومانية في بلاد الغال ـ سواسونس ـ في يد الفرانكيين , و تلى ذلك إخضاع البافاريين و الثورينجيانيين .

كان الفرنكيون قبائل جرمانية وثنية , و هم الوحيدون تقريبا الذين لم يكونوا قد تأثروا بالآريوسية المنتشرة من الشرق . و فيما ظل الفرنكيون البدائيون على ولائهم لألهتهم الجرمانية القديمة , كانت قبائل أخرى , اكثر تأثرا بالطابع الروماني , قد بدات في تبني المسيحية الآريوسية كــ"ــدين وطني " .

قد يكون الفرنكيون همجا و برابرة و متخلفون و متوحشون , لكنهم كانوا الأمل الأعظم للأساقفة الكاثوليك المحاصرين . ففي قبائل الفرانك وجد الوكلاء البابويون أناسا متوحشين لكنهم قابلين للتطويع و التشكيل , فلم يوفروا اي شيء من أجل جلب سادة الفرنكيين و زعمائهم تحت سيطرتهم . إن سيادة الفرنكيين في الغرب ضمنت النصر للكاثوليكية الرومانية .

و على ذلك , فإن " تحول" كلوفيس إلى المسيحية يعد حدث ذو اهمية بالغة يمكن مقارنته بــ"ــتحول" قسطنطين ــ و قد أحيط مثله و على قدم المساواة بنفس الميثولوجيا الخرافية .

إن تحول كلوفيس إلى المسيحية , مثل تحول قسطنطين , لم يكن " تجربة داخلية لنعمة الرب " بل كان شأنا عسكريا . كان مقتنعا بأن النصر في المعركة يكمن في هدية من إله المسيحيين . لقدكان يسوع المسيح بالنسبة له تعويذة إله حرب سحري.

سنة 496 , طبقا للأسطورة , بعد أن كادت الهزيمة تلحق بهم على يد قبيلة الألمان "نجا "الفرنكيون بأعجوبة بعد صلاة أداها إما كلوفيس أو الأسقف غريغوري التوري ( أو ربما اداها الإثنان معا ! ) , فأخذ كلوفيس الممتن المعمودية , ليصبح اول " حاكم " كاثوليكي في الغرب .

و بالطبع , تم جعله اكثر نعومة على نحو ما بزواجه سنة 493 من اميرة كاثوليكية , الأميرة كلوتيلدا البورغوندية , و لكن بالإضافة إلى العروسة " بسبب جمالها و حكمتها ( و كثوليكيتها بلا شك ) " كان كلوفيس ,مثل قسطنطين قبله بقرن و نصف من الزمن , على علم بالمزايا السياسية التي يجلبها بروزه بمظهر المحرر لأولئك " المضطهدين من الهرطقات الدينية . :


" يحزنني جدا رؤية الآريوسيين يمتلكون الجزء الأجمل من بلاد الغال . لنزحف عليهم , و نستأصل الهراطقة و نقتسم أراضيهم الخصبة "

سنة 507 إستولى كلوفيس على أكيتانيا من الملك القوطي الغربي الضعيف الاريك الثاني , ثم أخضع بعد ذلك بورغونديا . و أجبرت المنطقتان على التحول إلى المذهب الكاثوليكي ــ لمسرة الأساقفة المحليين .

عند موت كلوفيس سنة 511 , دخلت زوجته كلوتيلدا ديرا في تورس حيث مكثت هناك حتى موتها سنة 545 . لا مفاجأة في انها صنعت القداسة .!

خلال نصف قرن من موت كلوفيس , تقدم المحاربون الفرنكيون شرقا إلى حد نهر الألب , و استغلوا فرصة إنشغال القوط الشرقيين بغزو جوستنيان لإيطاليا و استولوا على اراضي القوط في بلاد الغال و في الشمال .
الحرب الدينية ــ و هي بدعة رائعة من بدع المسيحية ــ سوف لن تتوقف ابدا . ففي القرن الثامن حمل الغزو الفرنكي سيف المسيح إلى أعناق الثورنجيانيين و البافاريين , و اوقف جيوش المسلمين التي إكتسحت القوط الغربيين في اسبانيا . في نهاية القرن و خلال أربعين سنة دموية من الأعتداءات المتواصلة ذبح جنود شرلمان ( الفرنكيون ) عشرات الآلاف من الساكسون و الأفارس و الصقالبة من أجل عساهم أن يعرفوا شفقة محبة الرب .


جزار من اجل المسيح ــ شرلمان
" ملك الفرنكيين و اللومبارديين و أرستقراطي روماني "

إن أسعد اللحظات حلّـت على البابوية بإحتيال البابا ليون الثالث( نصف المعمي مؤخرا بسبب احد العامة الغاضبين )على شرلمان الراكع في صلاته . فبتقديمه لتاج مخفي و وضعه على راس الإمبراطور ــ فيما قامت جوقة بالتزكية و الهتاف بحياته ــ قبل شرلمان الذي أربكته المفاجاة على مضض أن يكون متوجا من قبل البابا . و هي سابقة ستستخدمها البابوية لمدة الف سنة .

مــقاومــة عـقــيــمــة ؟

تظهرالأيثمولوجيا مقاومة يائسة للوثنيين ضد التنصير .

BIGOT , تعني شخصا متعصبا غير متساهل و لا متسامح , و صلت هذه الكلمة إلى اللغة الإنجليزية عن طريق اللغة الفرنسية , و كانت قد تاصلت قبل ذلك بقرون بين القبائل الجرمانية الفرنكية في بلاد الغال " بآي جوت " بالله , وهي الصرخة التي كان يستخدمها الصليبيون المسيحيون المبشرون في العادة و هم يضربون رجال القبائل لإجبارهم على التنصر .

CRETIN, إنسان ضعيف العقل أو متخلف عقليا , دخلت هذه الكلمة إلى اللغة الإنجليزية في القرن الثامن عشر من اللغة البروفنسالية 'creitin' أو 'crestin', و كلاهما مشتق من الفرنسية القديمة 'chretien' و اللومباردية 'cristanei' و معناها
– "Christian" أى : مسيحي !

إنتهى الفصل الرابع, و سوف يليه قريبا فصل بعنوان : ألأمراء البابويون : سادة الجحيم المسيحيون على وجه الأرض .
( و الله المستعان )