بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلاة وسلاماً على خير مبعوث للعالمين .. وبعد ،

الفاضل أنطونيوس ،
الحق أني بعد أن وضعت ردي السابق ، انتظرت أحد أمرين :
فإما اعترافاً بحق ، وإما جدالاً بحُجة .. وأقر بأنني لا ذلك منك أخذت ، ولا ذاك فيك رأيت .

وأول ما أدهشني حقاً أنك تجاهلت أكثر من ثلاثة أرباع ردي عليك ، ولم تزد إلا أن كررته رغم إني رددت عليه ، وكان أولى بك أن ترد على كلامي ولكنك لم تفعل !
بل كل ما أتيت به - صدقني - كلام مرسَل لم تُقم له قائمة دليل لا من معتقدي ولا معتقدك ، وما أسهل الكلام المرسَل وما أسهل الكلام بلا دليل في حين إني دعمت كلامي بالآيات ، لكنك طويتها في ردك ولم تعرها التفاتاً كشأنك مع بقية ردي !

وها هي أولى ثمرات التجاهل منك مغالطة بعد مغالطة فتقول :
مع اني شرحت لك كيف ان ذلك كمال قداسته التي تنقضونها بنسبة الشر له
فأولا : قد رددنا عليك لكن ما شأننا مع تجاهلك ردنا ؟! إنما هو شأنك أنت .
وثانياً : تغالط مرة أخرى وتتهمنا جزافاً بأنا ننسب الشر إلى الله - معاذ الله ، وقد رددنا عليك أيضاً لكنك تضطرنا إلى الإعادة ، والله المستعان .
أنت قلت إن الله لا يشاء الشر ، ومع ذلك نراه حادثاً في كونه ، فكيف لا يشاءه ؟ إلا إن كان هذا الشر من مشيئة أخرى إما مساوية لمشيئته وإما غالبة بحيث لا يملك بمشيئته صدّاً لها ولا ردّاً ! فأنت ترى أن قولك هذا يفتح باب الشرك واسعاً والعياذ بالله .
فقلت إنه يسمح به ، فقلنا : كيف يسمح بشيء لا يشاءه ؟! فهو في هذا السماح للشر إما قاهراً وإما مقهوراً ، فإن كان سماحه عن قهر منه وغلبة له فلا يكون إلا بمشيئته ، وإن كان عن غير مشيئته - كما تزعم - فلا يكون ذلك إلا وهو مقهور مغلوب - سبحانه وتعالى !
وهكذا فلا يخرج أمرك إلا إلى شرك أو نسبة نقص لله تعالى !

أما عن زعمك أننا ننسب الشر لله فمنكر من القول وزور ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً ، فهو القائل - جل شأنه - : ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

يقول شيخ الإسلام ابن القيم - رحمه الله - في ( شفاء العليل ) : ((تناولت الآية ملكه وحده وتصرفه وعموم قدرته وتضمنت أن هذه التصرفات كلها بيده وأنها كلها خير فسلبه الملك عمن يشاء وإذلاله من يشاء خير وإن كان شرا بالنسبة إلى المسلوب الذليل فإن هذا التصرف دائر بين العدل والفضل والحكمة والمصلحة لا تخرج عن ذلك وهذا كله خير يحمد عليه الرب ويثنى عليه به كما يحمد ويثني عليه بتنزيهه عن الشر))
والشر ما كان شراً إلا لانقطاع نسبته وإضافته إليه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بدعاء الاستفتاح كما في صحيح مسلم عن على بن أبي طالب رضي الله عنه : " لبيك وسعديك ، والخير كله في يديك ، والشر ليس إليك " ، فهكذا دأبك - للأسف - زميلي الكريم في هذه النقطة ، فإما مغالطة وإما اتهام ، وكلاهما عن غير دليل !
واستمراراً في سلسلة المغالطات :
يسمح لنا (ولا يريد"يشاء" لنا)
المشيئة هي الارادة .وحاشا لله ان يريد ويشاء شرا
فما زلت تغالط ، وما زلت تخلط بين مشيئة الله وبين إرادته الشرعية ! ما يصيبني بالإحباط حقيقة بعد كل هذا الشرح مني في مداخلتي الفائتة !
قلنا : أن يشاء الله شيئاً سوى أن يحبه أو يرضاه أو أن يأمر به ، لا تلازم بين مشيئته ورضاه ، فأن يشاء ضلال بعض البشر ليس معناه مطلقاً أنه يرضاه منهم أو يأمرهم به -حاشاه : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ويقول : ﴿ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ، ومعاذ الله أن يرضى بالكفر أو أن يأمر به أو أن يريده من عباده شرعاً أو ديناً فالله ﴿ لا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ .. لكن قد يشاءه كوناً - لأنه لا شيء يحدث في هذا الكون دون مشيئته ، فيخلقه في العبد دون إجباره عليه ، والعبد يفعله باختياره ، وهكذا فالعبد وصفاته من مخلوقات الله ، لكن العبد هو يفعله حقيقة ، فالفعل يأتي من العبد ، وباختياره ، ومشيئته التي شاء الله أن يضعها فيه ليحاسبه بعد ذلك على ما اختار ﴿ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ، لأن الله أعطاه عقلاً وبين له الهدى كما حذره من الضلال فقال : ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ وهما الخير والشر ، وقال : ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ، وأرسل رسله ليقيموا له الحجة على البشر مع أن الحجة قائمة، والعذر منقطع، والحق واضح جلي، بدليل الفطرة ودليل العقل لكن ﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ .

كنت أنتظر منك أدلة على أقوالك حتى من عقيدتك ، لكن كل ما أتيتني به هو :
لان تعريف الشر والضلال عندي
وكأن الأمر ضرب ما هو عندي بما هو عندك وعدم موافقة عندك بما عندي ، وعلى الدليل السلام !
وجوابك هذا يحمل اعترافاً ضمنياً بنسبة النقص إلى الله ، لأنك لم تنف ولم تنكر علينا ما ألزمناك بل إنك أثبتّه وأقررتنا عليه ، والآن تبرره !
هل يقدر الله ان يمنع الشر؟ الجواب نعم
هل الشر هو مشيئة الله؟ بالطبع كلا والف كلا
يكفي المتابع نظرة في كلا سؤاليك ليتبين تناقضهما .
وصدقني ، ليس هذا إلا منطق : (( شيلوه من فوقي لاحسن أموته )) !
إن كان الله يستطيع أن يمنع الشر ، وبرغم ذلك نراه في كونه وننفي أن يكون قد شاءه فيه فليس ذلك إلا نسبة للعجز له ! إذ كيف لا يكون من مشيئته ثم هو يستطيع التصرف فيه ؟! سؤال حِدت عنه ولم تجبه ضيفي الكريم .


*******

بقيت نقطة أريد التأكيد عليها قبل أن أختم ردي ، فقد قررنا أن قضاء الله عز وجل عن علم وقدرة وحكمة ، وأنه تعالى عليم حكيم قد وسع علمه كل شيء، فيعلم ما كان ، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون ، فهو يضل من عباده من سبقت له سابقة الشقاء لما علم الله في قلبه من الزيغ والعصيان ، كما :
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ فإضلال الله تعالى لمن يضل من عباده قائم على العدل والحكمة، ومجازاته بما يستحقه ، وهذا هو تمام العدل ، فإن أعدل العدل هو وضع الشيء في الموضع الذي يليق به .
وقد بين الله لنا في كتابه الكريم أسباب الإضلال كما بين لنا أسباب الهداية ، ف:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
وقال: ﴿ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ
وقال:
﴿ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
وقال:
﴿ كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ
ونحو ذلك من الآيات التي بين الله لنا فيها أسباب الضلال .
وبيان الله لذلك هو من رحمته جل وعلا بعباده حتى يجتنبوا تلك الأسباب، ولذلك تجد المؤمنين معظمين لأوامر ربهم ونواهيه، يخافون من ارتكاب أسباب سخطه وعقابه.
وهذا يدل على أن العبد تسَعُه من حيث الإمكان الطاعة والمعصية
لأن توجيه الأمر للعبد وتحذيره من فعل بعض الأعمال دليل على أن للعبد قدرة واختياراً على فعلها و تركها ، فمن عصى عن علم وقدرة واختيار استحق العقوبة ، ولو تخلف أمر من هذه الأمور لم يعاقَب لأن الله عدل رحيم لا يؤاخذ بالذنب من لا يعلم به، ومن لا اختيار له كالمكره ونحوه، ومن فعل المعصية نسياناً وخطأً ، :
﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً فهذا شرط العلم، وضده الجهل .. ، وقال : ﴿ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا وهذا دليل عدم المؤاخذة بالخطأ والنسيان.
وقال :
﴿ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وقال: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ، فهذا دليل عدم مؤاخذة المكره ومن لا يقدر على فعل ما أمر به.
فالعبد الضال قد ارتكب أسباب الضلال فأضله الله ، ولو أنه أطاع ربه لما أضله الله ، كما قال جل وعلا:
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا
وقال جلا وعلا:
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
وقال:
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ .

أما على الجانب الآخر ، جانب المؤمنين ، فكيف يضلهم الله وقد ائتمروا بأمره ، وانتهوا عن نهيه ، وأطاعوه ، وعظموه ووقروه ، فكان حقاً على الله هدايتهم وتثبيتهم :
﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ، و : ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ .

وإن من أعجب العجب أن ينكر علينا الضيف الكريم ذلك ، وكتابه الذي يؤمن به يعج بما ينكر علينا عجّاً ، بل أدهى من ذلك وأمرّ مما أشكل علينا و كان لزاماً عليه أن يحل ذلك الاستشكال لنا أولاً قبل أن يأتي مشنعاً على القرآن :

سفر الخروج 7: 3 (( وَلكِنِّي أُقَسِّي قَلْبَ فِرْعَوْنَ ))

سفر اشعياء الاصحاح 63 العدد 17
17 لماذا أضللتنا يا رب عن طريقك وقسيت قلوبنا عن مخافتك. إرجع إلينا من أجل عبيدك ، من أجل أسباط يعقوب خاصتك

2Thes / الرسالة الثانية الى تسالونيكي إ 2 ع 10
وبكل خديعة الإثم، في الهالكين، لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا.. ترجمة : الفانديك

2Thes / الرسالة الثانية الى تسالونيكي إ 2 ع 11
ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال، حتى يصدقوا الكذب،. ترجمة : الفانديك
.

بل إن الضيف يؤمن بإله يضل الأنبياء ، الأنبياء ، لا أقول الصالحين ، بل الأنبياء أنفسهم الذين اصطفاهم من عباده برسالاته :

سفر حزقيال (14 :9 ) (( والنبي إذا ضل وتكلم بكلام فأنا الرب أضللت ذلك النبي وأمد يدي عليه وأهلكه من بين شعبي إسرائيل ))


ملوك أول : 22

19 فقالَ ميخا إسمَعْ كلامَ الرّبِّ. رأيتُ الرّبَّ جالساً على عرشِهِ وجميعُ ملائِكةِ السَّماءِ وُقوفٌ لدَيهِ، على يمينِهِ وشِمالِهِ.
20 فسألَهُمُ الرّبُّ مَنْ يُغوي أخابَ بِالصُّعودِ لِلحربِ فيموتَ في راموثَ جلعادَ فأجابَ هذا بِشيءٍ، وذاكَ بِشيءٍ آخَرَ.
21 وأخيراً خرَجَ روحٌ ووَقَفَ أمامَ الرّبِّ وقالَ أنا أُغويهِ. فسألَهُ الرّبُّ بِماذا
22 فأجابَ أجعَلُ جميعَ أنبِيائِهِ يَنطِقونَ الكذِبَ. فقالَ لَه الرّبُّ أنتَ تَقدِرُ أنْ تُغوِيَهُ، فا‏فعَلْ هكذا.
23 ثُمَّ قالَ ميخا لِلمَلِكِ الرّبُّ قصَدَ لكَ الشَّرَّ، لكِنَّهُ جعَلَ روحَ الكَذِبِ في أفواهِ أنْبِيائِكَ هؤلاءِ، فما نطَقوا بِالصِّدقِ.


فها هنا تناقض آخر ، لكنه تناقض في أصل دعواه ، إذ ما فتيء الضيف يخرج علينا بكلام لا يقره العقل ولا تقره الفطرة ، ولا يقره لا الإسلام الذي يكفر به ، ولا المسيحية التي يؤمن بها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله !

وختاماً ، أدعوك زميلي الكريم وأدعوكم معشر المتابعين أن تقرأوا هذه الآيات بقلوبكم ، فهي تلخص النقطة كلها ، وقارنوا بينها وبين كلام إله الكتاب المقدس الذي لم يسلم من إضلاله حتى أنبياؤه .
يقول تعالى في مطلع سورة محمد :
﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ

*** الحمد لله الذي هدانا لهذا ***
والسلام ،،