بسم الله القوي القادر العادل القدوس الى الابد..الكامل في صفاته..احييك اخي البخاري..وبعد
وإن مما استرعى انتباهي حقاً في مداخلتيه في هذه النقطة إغفاله لفظة " عدله " تماماً مع إثباته لِدَتَيْها !

طبعاً الامر ليس كما تحاول تصويره..! وانا في اول طرحي النقطة في مقدمتي قلت:
بسم العليّ القدير الكامل القداسة والعدل
وعموماً..فعند قولي "كمال الله" فالمقصود صفاته التي منها العدل..فهو كامل العدل..فاللفظ عام يشملها! وليس المراد اقصاء العدل عن الله فذلك ادعاء باطل!
أما ما أتيت به فلا تؤاخذني إن قلت إن دعواك يغني بطلانها عن إبطالها ويغني فسادها عن إفسادها إذ تُناقض العقل السليم والفكر القويم والفطرة وثوابت الأخلاق والعدل الذي مناطه إعطاء كل ذي حق حقه .

بل هي على العكس..فقولي يطابق العقل السليم والفعل الحسن..وكمال الله..وقداسته ..و"عدله"!..كلامك هو الناقض لكلها..وسيتم التوضيح في مشاركتنا هذه عن كيفية ذلك
فأولاً : لفظ "ارتكاب" هو لفظ موهم ناجم عن مغالطة .. إذ إنه يوحي بغير مدلوله المراد ، بما يدل على البدء بالعدوان أو المبالغة فيه أو في رده ، وهو مرفوض تقوم عليه الحجة بالآيات البالغة الدلالة على عكس ذلك .

بل المغالطة عندك! فجملتي واضحة ودعني اكررها لحضرتك!
هنا يسمح الله للمسلم بارتكاب السيئة مثل السيئة التي تلقاها في رد السيئة
فانا اعلنت بكل وضوح ان الامر رد! فلا ادري من اين اتاك الوهم والمغالطة!! مع ان "ارتكب" لا توحي ضرورة بان الفاعل هو البادئ اساساً!!
ثانياً : قولك فيه مغالطة أخرى .. إذ جملتك توحي بأن القصاص يقوم به أفراد الناس كلٌ حسب مراده ، وهو المرفوض أيضاً .. فأمر العقوبات والقصاص يقوم به الحاكم .. وبموجب شرع الله .
يقول الإمام القرطبي في تفسيره للآية 179 من سورة البقرة : (( اتفق أئمة الفتوى على أنه لا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقه دون السلطان، وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض، وإنما ذلك للسلطان أو من نصبه السلطان لذلك، ولهذا جعل الله السلطان ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض )) .
كما جاء في الفقه الميسر على ضوء الكتاب السنة ج1 ص346 : (( ينفذ القصاص بحضور الحاكم -الإمام- أو نائبه، فهو الذي يقيمه ويأذن فيه؛ ليمنع من الجور فيه، ولإقامته على الوجه الشرعي، ودرءاً للفساد والتخريب والفوضى )) .

انت تتناسى المبدأ..! الذي هو رد الشر بالشر!

فمهمن يكون المقتص..فلا يغير ذلك من الامر شيئاً..فلا يزال يرتكب شراً بامر من ربه! الامر الذي انا اعترض عليه!
واما كلامك..فهو ليس مطلك ايضاً! ففي دار الكفر مثلاً..او حيث الحاكم ليس عادل..لا يسقط حق المسلم في القصاص!
ولا اعرف كيف "اسقطت" بقولك هذا..قولي التالي:ولكن توكيل الله القصاص لبشر غير كامل العلم..هو المرفوض ..
فهل تظن مثلا كلية العلم في بشر ما؟
فإن سماح الله لبشر غير كلي العلم بالقصاص بِشَرّ مماثل هو أمر كارثي..هو اولاً مُنقِص لله وضارب لعدله وقداسته..وثانياً هو عيب تشريعي..في السماح للبشر بارتكاب الشر الذي يجب ان ينهي الرب عنه في كل الحالات!
فهذا قول مرفوض .
إذ إنه يوحي بإقرار الله أفضلية القصاص على العفو وهو معنى لم تأته الآية بحال ! ولو أنك تدبرت الآيات التي قبلها والتي بعدها لعلمت أن القصاص ذُكر في معرض المدح مرة ، والعفو ذكر في معرض المدح أخرى .. فالخياران في منزلة متكافئة لا يبغي أحدهما على الآخر .

الم يقدم القصاص على العفو وذكره اولاً؟ فكيف تقول انهما متكافئان؟

وفي سورة البقرة والاية179 ..لم يقل "لكم في العفو حياة..." بل قال "لكم في القصاص حياة..."
وبشكل عام..قدمه ام لم يقدمه ...لا تؤثر في بحثنا..ولا لها دخل باعتراضي! فإن قدمها او لم يفعل..فلن يغير ذلك شئياً من اعتراضي!
فها هنا مغالطة أخرى هي التعميم والإطلاق ، ونسيت أن الأمر نسبي .. فرد اعتداء المعتدي لا يمكن أن يكون شراً إلا على المعتدي نفسه .. وهو ما يستحقه .

ليس هناك شر نسبي!! الشر شر!! لا يمكن اطفاء النار بنار! هذا المبدأ من اساسه مضروب!!

فالشر الذي يصدر منك(تجاه اي احد) هو شر! ولن تغير شخصية الذي سترتكب بحقه الشر ذلك..
فالانسان خطاء مهما علا..! ولا يستقيم ان يسلّط الله خطائين غير كليي العلم..لمعاقبة الخطائين اخوتهم من البشر! امر غير منطقي البتة!
فالله هو الوحيد الذي له القصاص!
فلا يخفى على عاقل سويّ أن مجازاة السيء بمثل سوءه هو عين العدل الذي من شأنه إقامة المجتمع الصالح القويم

هو عين ما يريده الشيطان! ان نرتكب الشرور ونخالف القداسة التي يريدها ربنا لنا..دعني اوضح لك الفرق بين ما تؤمن به حضرتك وبين ما اؤمن به انا..
يقول السيد المسيح:
مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضاً.(متى 39:5)
هنا المسيح لا يقول لنا ان نكون "ملطشة" كما يظن بعض قصيري النظر والجهلة..وانما الجملة تحتوي "اعجاز تشريعي" عظيم! هو الذي يماثل عظمة الله ويرينا الكمال والقداسة التي يريد لنا الله ان نسلك فيها..كيف؟
هذا الذي يلطمك يرتكب شراً..فبدل ان ترد بلطمه..وتكون مثله ولا تريه فضلك عليه وفرقك عنه..تدير له خدك الاخر..فيخجل ويرى فضلك عليه فلا يلطمك..ويرى فيك المثال الحسن! الذي لا ينتقم ولا يفعل شراً لكسب حق! فالشر مرفوض قطعياً عند متبع الله كامل القداسة..كله وكل اشكاله!
ويعلمنا الكتاب المقدس في الرد على مبدأكم هذا في رد الشر بشر على لسان المسيح له كل مجد يقول:
بشارة لوقا 6
37 وَلاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ.
38 أَعْطُوا تُعْطَوْا كَيْلاً جَيِّداً مُلَبَّداً مَهْزُوزاً فَائِضاً يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ. لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ».
39 وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلاً: «هَلْ يَقْدِرُ أَعْمَى أَنْ يَقُودَ أَعْمَى؟ أَمَا يَسْقُطُ الاِثْنَانِ فِي حُفْرَةٍ؟
40 لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنْ مُعَلِّمِهِ بَلْ كُلُّ مَنْ صَارَ كَامِلاً يَكُونُ مِثْلَ مُعَلِّمِهِ.
41 لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟
42 أَوْ كَيْفَ تَقْدِرُ أَنْ تَقُولَ لأَخِيكَ: يَا أَخِي دَعْنِي أُخْرِجِ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِكَ وَأَنْتَ لاَ تَنْظُرُ الْخَشَبَةَ الَّتِي فِي عَيْنِكَ. يَا مُرَائِي! أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّداً أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ.

فالمعلّم كامل..وان اردنا ان نمشي له ونتبعه..نسير في طريق الكمال..لا ارتكاب الشر في رد الشرور...وانما ردها بالخير..!...والا فما فضلنا عليها؟ فالشر شرٌ ان كنت فاعله..ولا يهم ان كنت البادئ به ام لا! فان ضربت المعتدي صرت معتدياً مثله!
ولا يطلق على المجازاة حينئذ أنها "شر" أو "سوء"
بل يُطلق ذلك عليها..بل وبنص القران هي "سيئة" "مثلها"
وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى 40]
إذ إن هدفها في النهاية هو الحفاظ على المصلحة العامة

وحضرتك لا مانع عندك بارتكاب الشر في سبيل ما تعتقده انت "مصلحة عامة"؟؟؟ هذا مبدأ يشرعه اله قدوس بعيد كليا عن الخطية ولا يريد لخلقه الاقتراب منها حتى؟
يقول الله في كتابه المقدس:
15 انْظُرُوا أَنْ لاَ يُجَازِيَ أَحَدٌ أَحَداً عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ، بَلْ كُلَّ حِينٍ اتَّبِعُوا الْخَيْرَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيعِ.
16 اِفْرَحُوا كُلَّ حِينٍ.
17 صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ.
18 اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هَذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ.
19 لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ.
20 لاَ تَحْتَقِرُوا النُّبُوَّاتِ.
21 امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ.
22 اِمْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَرٍّ.

..
فحتى شبه الشر قال لنا الرب ان نمتنع عنه! هذه هي قداسته وسمو تعاليمه عن البشر الذين تملاهم نزعة الانتقام والاقتصاص وما الى ذلك من الشرور في رد الشرور!! فهنا يتوضح الفرق في سمو التعاليم ..
ولأن العقوبة حينئذ إنما قاعدة منطلقها هي العدالة التي لا يتأتى لعاقل أن يَسِمها بـ " الشر " بل حينئذ هي كل "الخير" .

العدالة لها عادل كلي العدل يقضي بها..ولا يحتاج مساعدة بشر!!
الخير والشر لا يجتمعان في ذات الفعل! فالخير هو سلوك القداسة..والشر هو عكسه! ولا يمكن ان يلتقيان! ولهذا يعلمنا الكتاب المقدس ان نرد الشر بالخير..لا بالشر...والفرق واضح لاي ذي عقل!
قداسة الله الكاملة لا يمكن أن تناقض عدله ... فلا يمكن لقداسة الله الكاملة أن تمنعني من أخذ حقي ممن ظلمني واعتدى عليّ ، بل إن هذا عين قداسة الله الذي لا يرضى بالظلم ومن أسمائه "العدل" .

اُقدِّر عدم اجابتك الصريحة على أي من السؤالين الوحيدين الذان طَرحتُهُما ..فذلك يُخبرني بالكثير..
وانا اتفق معك في عدل الله الكامل..وقداسته...وانهما لا ينافيان بعض..ولهذا اقول ان من اعوجاج المنطق..ان يعتقد المرء بأن الله يريد منه هو الخاطئ غير كامل العدل والحكمة والقداسة..ان يقتص من بشر يخطئ بحقه هو الاخر مساوي لك في انه خاطي وغير كامل العدل والحكمة والقداسة!
فأشكرك عليه ... هذا ما أردته منك ، ولتنظر بعينك ولتتأمل عظمة التشريع الإسلامي

لا داعي للشكر..فذا واجبي اخي..ثِق ان سبب وجودي الوحيد هو الحقيقة..ولا ابغي غير حوار صادق مثمر على نهج الادب والعلم..وهو ما وجدناه فيك حتى الان ...بارك الله فيك وهداك واياي على اتباع طريقه الحق..
*انا قلت ما عندي في النقطة وهذه ثاني مشاركة لنا حولها..واعتقد انها ستكون الاخيرة لي فيها..فننتظر مشاركتك..ثم اطرح اول نقاطك ان احببت..وانا آسف على تأخري كم يوم..فقد كنت مشغولا بدراستي..وانا متاكد بتفهمك للامر..وارجو ان تعذرني ان تكرر فالامر ليس بيدي..
سلام وتحية طيبة