بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

جزاكم الله خيراً على حسن الظن..

وليس من السهل الإجابة عن هذا السؤال في كلمات قليلة وبخاصة وأن الأخ الحبيب وفقه الله قد سأل عن كيفية تطبيق (لا إله إلا الله) وكيفية جعلها منهجاً للحياة.. وهذا يقتضي بيان كيفية تطبيقها على كل شأن من شؤون الحياة..

أخواني الأحبة: إن (لا إله إلا الله) هي منهج للحياة بالفعل فنحن نحيا بهذه الكلمة الطيبة ونسير في حياتنا بها وكل شأن من شؤوننا متعلق بها..

ولذلك فقد وجب أن تكون هذه الكلمة هي المنطلق في كل شيء..

وهذا هو المراد بقول الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)

لنبدأ أولاً بالتذكير بمعنى هذه الكلمة الطيبة.. فما معنى (لا إله إلا الله)؟

سوف نحاول هنا تلخيص ما جاء في كتب النحو واللغة والبيان بالإضافة إلى ما جاء في كتب أهل العلم في التوحيد والحديث والتفسير... الخ..

وغني عن الذكر أن العلماء قد شرحوا هذه الكلمة وفسروا معناها بشكل ميسر فقالوا: (لا معبود بحق إلا الله تعالى)..

ونحن هنا سوف نتعمق قليلاً في بيان معنى هذه الكلمة لنبين بعض الأمور التي خفيت بالفعل أو قد تخفى على البعض..

باختصار: هذه الكلمة تحصر صفة معينة وتقصرها على الله تعالى وحده لا شريك الله فما هي هذه الصفة العظيمة؟!

إنها صفة (الإلهة) فما هي هذه الصفة وما معنى الإله؟!

الإله -باختصار أيضاً- هو من يكون له الشيء خالصاً لا يشاركه فيه شيء أو أحد فليس له شريك في ملكه ولا ولي من الذل.. ومعنى ذلك أنه يملك الشيء ملكاً متحققاً مطلقاً بحيث يتصرف فيه ويسيره وييسره ويخضعه ويوجده ويفنيه ويغيره ويبدله...الخ كيف يشاء دون معيق ودون تدخل من غيره ودون أن يمنعه مانع...

فلو قلت: (إنا لله) فمعنى ذلك أنك ملك لله تعالى مطلقاً لا يشاركه فيك شيء أو أحد وأمرك يخضع لمشيئته فهو فله أن يخلقك وقد خلقك وله أن يميتك وسيميتك (وله أن يتصرف فيك -بين هاتين المرحلتين كغيرهما- كيف يشاء.. ثم إنك مقيد بمشيئته وإرادته لا فكاك لك منها).. وله أن يحييك تارة أخرى وله أن يفعل بك ما يشاء.. وفي كل الأحوال تكون سيطرته عليك تامة تامة تامة فلا تستطيع الفكاك من سيطرته..

تبدأ الكلمة الطيبة (لا إله إلا الله) بنفي صفة الإلهة نفياً مطلقاً عن غير الله تعالى.. أي تنفي أن يكون هناك شيء من الخلق أو الأمر لغير الله تعالى.. وهذه حقيقة حسية محسوسة مشاهدة ملموسة لا يستطيع أحد إنكارها فهو يعلمها من نفسه ومن غيره من المخلوقات..

إن هذه الصفة بهذا الشكل لا تتحقق في شيء من المخلوقات البتة ولم يستطع أحد من الخلق إثباتها لنفسه أو لغيره من الخلق ولو فعل فإن ما يلبث أن يموت فيراه الناس كيف أنه لا يملك من أمره شيئاً.. عدا عن عما يحدث له فأثناء حياته..

وهناك من قد يتصرف وكأنه إله دون أن يصرح بأنه إله -أي بلسان حاله دون لسان مقاله- فما يلبث أن يموت كذلك فيرى من يحضر غسله كيف تخلع ساعته وخاتمه من يده وكيف تنزع ثيابه وكيف يقلبون جثته للغسل وكيف يحاولون تنظيف بطنه من الفضلات...الخ لتكون عبرة لقوم يوقنون.. ولتبقى آيات الله تعالى مستمرة على ضعف الإنسان وأنه لا يملك شيئاً وأنه لا يقوم بنفسه...الخ..

وهناك من يدعي الإلهة بكل صلف وغرور فما يلبث أن يقصمه الله تعالى بل يذله بل يريه ويري غيره فيه من الآيات ما يدل على أنه شيء حقير لا يستحق هذا الادعاء!

وإن في قصة فرعون لعبرة لمن يخشى!

فقد ادعى هذا السفيه أنه إله بل قال لملئه: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) وقال (أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى) فماذا كان؟!

اقرأ وتدبر: (فَكَذَّبَ وَعَصَى. ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى. فَحَشَرَ فَنَادَى. فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى. فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى)

(وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ. وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ. فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ. وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ. وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ)

فأين هو هذا الكذاب؟! وما هي نهايته:

(وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ. فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ)..

أين هو فرعون الآن؟!

والخلاصة أن كل إنسان يشاهد النقص في نفسه وفي غيره ويشهد -عن علم وتحقق- أنه لا يملك شيئاً ملكاً مطلقاً.. وأنه لا يستطيع الحفاظ على ما يملك محافظة تامة..

هل يحب أحد أن يتمزق ثوبه أو ينخرق؟! لا! فهل يستطيع أن يضمن أن لا ينخرق ثوبه أو يتمزق؟! لا! إذن فالأمر ليس له!

من منا لا يحب ابنه؟! ولو علم أن حياة ابنه بموته لاختار الموت راضياً ليبقى ابنه حياً! فهل يستطيع صرف الموت عنه؟! لا بل هل يستطيع صرف المرض عنه؟! لا بل هل يستطيع أن يمنع تعثره ووقوعه على الأرض؟! لا إذن فليس له من أمره شيء!!

وهكذا يقال في كل شأن فثوبك ليس لك وسيارتك ليست لك وأمرها ليس بيدك و... وابنك ليس لك وأمره ليس بيدك..

وهكذا يقال عن كل إنسان..

فكما أن الخلق ليس لأحد من الخلق فكذلك فإن الأمر ليس لأحد من الخلق..

إن ما ذكرناه كله يثبت بشكل لا ريب فيه أن الإنسان ليس إلهاً ولا يستحق هذه الصفة...

كما أن غيره من المخلوقات لا تستحق هذه الصفة فهي أعجز منه عن أن تملك شيئاً..

ولذلك فقد أنكر القرآن على المشركين ونعى عليهم اتخاذهم آلهة لا تملك شيئاً.. مع اعترافهم بذلك!

(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا)

فأية (آلهة)!!! تلك؟!

إن نفي الإلهة عن كل شيء عدا الله تعالى هو أمر محسوس مشاهد كما ذكرنا وليس هناك ما يشكك فيه ولا يحتاج إلى أكثر من التذكير وحسب..

وهذا هو ما يعنيه الشق الأول من الكلمة الطيبة (لا إله إلا الله) المتضمن النفي..

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى..