ليتذكر كل من أعطاه الله تعالى شيئاً أن هذا الشيء يبقى ملكاً لله تعالى في الحقيقة وأن أمره يبقى لله تعالى في الحقيقة وأنه ليس له أن يتصرف بأي تصرف تجاه هذا الشيء إلا بإذن من الله تعالى أو بأمر منه وفي حدود ما أذن له أو أمر به..

إن أول ميدان وإن أهم ميدان يطبق فيه معنى (لا إله إلا الله) هو البيت.. نعم هو البيت..

فالأب هو الذي يستطيع تطبيق (لا إله إلا الله) وترسيخها في نفوس أهله وأبنائه وهو الذي قد يكون سبباً -إن غلبت عليه الشقوة- أن ينسيها أهل بيته فيخرجون من بيته كما غيرهم ممن لم يفهموا معنى هذه الكلمة الطيبة..

كثير من الآباء يظنون أن أبناءهم ملك خالص له يتصرف فيهم كيف يشاء فيأمرهم بما يشاء وينهاهم عما يشاء إلى درجة أنه ينسيه أن هناك الإله الحق الذي له كل شيء وأن عليهم أن يسلموا له..

فترى بعضهم قد يعترض على الله تعالى الإله الحق أن مرض ابنه أو مات ويتسخط مع أن ابنه ملك لله تعالى خلقه حيناً من الدهر وجعل له أجلاً أجله له بمحض حقه الذي لا ينازعه فيه أحد..

لقد أمر الله تعالى أبانا إبراهيم أن يذبح ابنه الوحيد آنذاك (إسماعيل) بعد أن رزقه إياه على الكبر وبعد ان بلغ معه السعى وأصبح ينتفع به ويستعين به في حوائجه..

نعم لم يمت الله تعالى إسماعيل بسكتة أو بلدغة أو بأن أكلته السباع أو في حريق... لا بل أمر أن يكون موته قتلاً وعلى يد من؟! على يد أبيه.. ليس هذا فحسب بل أمر أن يكون القتل بالذبح.. (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ) فهذا الامتحان هو الذي أظهر حقيقة قول أبينا إبراهيم: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ).. فقد ثبت صدق إسلامه واستحق عن جدارة أن يكون أمة وحده وأن يتخذه الله خليلاً..

لقد علم أبونا الكريم إبراهيم أن ابنه ملك لله تعالى وأن له أن يتصرف فيه كيف يشاء وأنه هو نفسه ملك لله تعالى وأن لله تعالى أن يتصرف فيه كيف يشاء ويوجهه كيف يشاء ويأمره بما شاء وينهاه عما شاء.. ولذلك فهو لم يتعجب أو يحتر أو يتردد عندما أمره الله تعالى بأمره.. لأنه يعلم أنه (لا إله إلا الله) وأنه لا بد من الإسلام لله تعالى..

وكثير من الآباء قد يظن أن أمر ابنه بيده وأن له الحق المطلق في أن يأمره وينهاه بما شاء كما قلت قبل قليل..

بل لقد رأينا من يأمر ابنه بأن يشتري له محرمات كالدخان وغيره وإذا رفض ابنه استعظم الأمر وغضب وزمجر!! وتهدد وتوعد!! بل لقد قال لي أحدهم إن من حقه أن يأمر ابنه بذلك وبغيره وبما شاء وعندما طلبت منه أن يبين لي كيف تحصل على هذا الحق قال هذا ابني أنا جئت به من صلبي!! ابني ابني وكررها متعجباً مندهشاً مستنكراً علي إنكار ألاهته!! وكيف أنني لا أعرف ولا أعترف أن ابنه ملك خالص له.. متناسياً أن الذي أعطاه هذا الولد هو الله وأنه قادر على أن يجعله عقيماً وأن أمر ابنه بيد الله وليس بيده وأن الذي خلق الماء الذي خرج من صلبه هو الله تعالى..

نعم نسي هذا كله ونسي ما هو أوضح وأخطر وهو أنه لا يستطيع إطعام ابنه من جوع ولا يستطيع إنقاذه من مرض ولا يستطيع فعل شيء له إذا جاءه الموت...الخ الحقائق التي غفل عنها!! فلماذا لا ينقذه من الموت إذا جاءه؟! فكيف يأخذ منه كل ما يريد ويستعبده ثم لا يفعل له شيئاً في هذه الحالة؟! كيف يدعي أن له من الأمر شيء وهو يرى من نفسه أن لا يملك من الأمر شيئاً؟!

نعم يجب على الابن الإحسان إلى أبيه مطلقاً ولكن في غير معصية الله تعالى لأن الله تعالى هو الذي قضى بذلك والأمر كله له.. وليس لأن الأب أتى بالابن من صلبه ولا لأنه رباه وهو صغير ولا لأنه كان يسعى ويأتيه بالطعام الذي هو فضل من الله تعالى ولا لأنه كان رحيماً به وهو صغير...الخ ما يضعه البعض أسباباً للإحسان بالوالدين ويتناسون ما هو مهم وهو أن هذا هو ما قضى به الإله الحق الذي له كل شيء وإليه يرجع الأمر كله..

إن الله تعالى قادر على أن يقضي بالجنون على الأب فلا يعقل بعد أن جاءه هذا الولد ولا يباشر تربيته ولا يسعى عليه...الخ ومع ذلك فإن على الابن أن يحسن إلاى أبيه لأن الله تعالى أمره بذلك.. هكذا يفهم الأمر من يعلم أنه لا إله إلا الله..

وللحديث بقية إن شاء الله..