السلام عليكم



141 عن أنس بن مالك :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى أم حرام , فأتيناه بتمر و سمن فقال :
" ردوا هذا في وعائه و هذا في سقائه فإني صائم " .




قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 219 :



( عن # أنس بن مالك # ) :



قال : ثم قام فصلى بنا ركعتين تطوعا , فأقام أم حرام و أم سليم خلفنا ,

و أقامني عن يمينه , - فيما يحسب ثابت - قال : فصلى بنا تطوعا على بساط , فلما

قضى صلاته , قالت أم سليم : إن لي خويصة : خويدمك أنس , ادع الله له , فما ترك

يومئذ خيرا من خير الدنيا و الآخرة إلا دعا لي به ثم قال : اللهم أكثر ماله و

ولده و بارك له فيه , قال أنس : فأخبرتني ابنتي أني قد رزقت من صلبي بضعا

و تسعين , و ما أصبح في الأنصار رجل أكثر مني مالا , ثم قال أنس : يا ثابت , ما

أملك صفراء و لا بيضاء إلا خاتمي ! " .



قلت : و هذا سند صحيح على شرط مسلم , و قد أخرجه أبو داود ( 608 ) حدثنا موسى

ابن إسماعيل حدثنا حماد به , دون قوله " فلما قضى صلاته .... " ثم أخرجه أحمد

( 3 / 193 - 194 ) و مسلم ( 2 / 128 ) و أبو عوانة ( 2 / 77 ) و الطيالسي

( 2027 ) من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت به . دون قوله " فأخبرتني ابنتي

... " و زاد : " قال : فقال : قوموا فلأصل بكم في غير وقت صلاة " .



طريق ثالثة : قال أحمد ( 3 / 108 ) : حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس به

بتمامه , إلا أنه لم يذكر الإقامة عن يمينه و زاد .

" ثم دعا لأم سليم و لأهلها " . و قال : قال : " و ذكر أن ابنته الكبرى أمينة

أخبرته أنه دفن من صلبه إلى مقدم الحجاج نيفا على عشرين و مائة " .



قلت : و هذا إسناد ثلاثي صحيح على شرط الشيخين , و شرحه السفاريني في " نفثات

صدر المكمد " ( 2 / 34 طبع المكتب الإسلامي ) . و قد أخرجه البخاري

( 1 / 494 ) من طريقين آخرين عن حميد به , صرح في أحدهما بسماع حميد من أنس .



من فوائد الحديث و فقهه :

-----------------------



في هذا الحديث فوائد جمة أذكر بعضها باختصار إلا ما لا بد فيه من الإطالة

للبيان :



1 - أن الدعاء بكثرة المال و الولد مشروع . و قد ترجم البخاري للحديث " باب

الدعاء بكثرة المال و الولد مع البركة " .



2 - و أن المال و الولد نعمة و خير إذا أطيع الله تبارك و تعالي فيهما .



3 - تحقق استجابة الله لدعاء نبيه صلى الله عليه وسلم في أنس , حتى صار أكثر

الأنصار مالا و ولدا .



4 - أن للصائم المتطوع إذا زار قوما , و قدموا له طعاما أن لا يفطر , و لكن

يدعو لهم بخير , و من أبواب البخاري في الحديث :

" باب من زار قوما و لم يفطر عندهم " .



5 - أن الرجل إذا أئتم بالرجل وقف عن يمين الإمام , و الظاهر أنه يقف محاذيا له

لا يتقدم عليه و لا يتأخر , لأنه لو كان وقع شيء من ذلك لنقله الراوي , لاسيما

و أن الاقتداء به صلى الله عليه وسلم من أفراد الصحابة قد تكرر , فإن في الباب

عن ابن عباس في الصحيحين و عن جابر في مسلم و قد خرجت حديثيهما في " إرواء

الغليل " ( 533 ) , و قد ترجم البخاري لحديث ابن عباس بقوله :

" باب يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواء , إذا كانا اثنين " .



قال الحافظ في " الفتح " ( 2 / 160 ) :

" قوله : سواء " أي لا يتقدم و لا يتأخر , و كأن المصنف أشار بذلك إلى ما وقع

في بعض طرقه عن ابن عباس فلفظ : " فقمت إلى جنبه " و ظاهرة المساواة . و روى

عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : الرجل يصلي مع الرجل أين يكون منه ?

قال : إلى شقه الأيمن , قلت : أيحاذي به حتى يصف معه لا يفوت أحدهما الآخر ?

قال : نعم قلت : أتحب أن يساويه حتى لا تكون بينهما فرجة ? قال : نعم .



و في " الموطأ " عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال : دخلت على عمر ابن الخطاب

بالهاجرة فوجدته يسبح , فقمت وراءه , فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه " .



قلت : و هذا الأثر في " الموطأ " ( 1 / 154 / 32 ) بإسناد صحيح عن عمر رضي الله

عنه , فهو مع الأحاديث المذكورة حجة قوية على المساواة المذكورة , فالقول

باستحباب أن يقف المأموم دون الإمام قليلا , كما جاء في بعض المذاهب على تفصيل

في ذلك لبعضها - مع أنه مما لا دليل عليه في السنة , فهو مخالف لظواهر هذه

الأحاديث , و أثر عمر هذا , و قول عطاء المذكور , و هو الإمام التابعي الجليل

ابن أبي رباح , و ما كان من الأقوال كذلك فالأحرى بالمؤمن أن يدعها لأصحابها ,

معتقدا أنهم مأجورون عليها , لأنهم اجتهدوا قاصدين إلى الحق , و عليه هو أن

يتبع ما ثبت في السنة , فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .


142 " على المؤمنين في صدقة الثمار - أو مال العقار - عشر ما سقت العين و ما سقت

السماء , و على ما يسقى بالغرب نصف العشر " .




قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 222 :



أخرجه ابن أبي شيبة ( 4 / 22 ) و الدارقطني ( 215 ) و البيهقي ( 4 / 130 ) من

طريق ابن جريج : أخبرني نافع عن # ابن عمر # قال :



" كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن إلى الحارث بن عبد كلال و من معه

من معافر و همدان ... " فذكره .



قلت : و هذا سند صحيح على شرط الشيخين , و قد أخرجه البخاري و أصحاب السنن

الأربعة و غيرهم من طريق سالم عن ابن عمر مرفوعا نحوه .



و ورد من حديث جماعة آخرين من الصحابة كجابر و أبي هريرة و معاذ بن جبل ,

و عبد الله بن عمرو , و عمرو بن حزم , و قد أخرجت أحاديثهم في " إرواء الغليل "

( 790 ) .



( الغرب ) بسكون الراء الدلو العظيمة التي تتخذ من جلد ثور .



فقه الحديث :

-----------



و إنما أوردت هذه الرواية بصورة خاصة لقوله في صدرها :

" على المؤمنين " ففيه فائدة هامة لا توجد في سائر الروايت .



قال البيهقي :

" و فيه كالدلالة على أنها لا تؤخذ من أهل الذمة " .



قلت : و كيف تؤخذ منهم و هم على شركهم و ضلالهم , فالزكاة لا تزكيهم و إنما

تزكي المؤمن المزكي من درن الشرك كما     :

( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها , و صل عليهم إن صلاتك سكن لهم ) .

فهذه الآية تدل دلالة ظاهرة على أن الزكاة إنما تؤخذ من المؤمنين , لكن الحديث

أصرح منها دلالة على ذلك ...



و إن من يدرس السيرة النبوية , و تاريخ الخلفاء الراشدين و غيرهم من خلفاء

المسلمين و ملوكهم يعلم يقينا أنهم لم يكونوا يأخذون الزكاة من غير المسلمين من

المواطنين , و إنما كانوا يأخذون منهم الجزية كما ينص عليها الكتاب و السنة .

فمن المؤسف أن ينحرف بعض المتفقهة عن سبيل المؤمنين باسم الإصلاح تارة .

و العدالة الاجتماعية تارة , فينكروا ما ثبت في الكتاب و السنة و جرى عليه عمل

المسلمين بطرق من التأويل أشبه ما تكون بتأويلات الباطنيين من جهة , و من جهة

أخرى يثبتون , ما لم يكونوا يعرفون , بل ما جاء النص بنفيه . و الأمثلة على ذلك

كثيرة , و حسبنا الآن هذه المسألة التي دل عليها هذا الحديث و كذا الآية

الكريمة , فقد قرأنا و سمعنا أن بعض الشيوخ اليوم يقولون : بجواز أن تأخذ

الدولة الزكاة من أغنياء جميع المواطنين على اختلاف أديانهم مؤمنهم و كافرهم ,

ثم توزع على فقرائهم دون أي تفريق , و لقد سمعت منذ أسابيع معنى هذا من أحد

كبار مشايخ الأزهر في ندوة تلفزيونية كان يتكلم فيها عن الضمان الاجتماعي في

الإسلام , و مما ذكره أن الاتحاد القومي في القاهرة سيقوم بجمع الزكاة من جميع

أغنياء المواطنين . و توزيعها على فقرائهم ! فقام أحد الحاضرين أمامه في الندوة

و سأله عن المستند في جواز ذلك فقال : لما عقدنا جلسات الحلقات الاجتماعية

اتخذنا في بعض جلساتها قرارا بجواز ذلك اعتمادا على مذهب من المذاهب الإسلامية

و هو المذهب الشيعي . و أنا أظن أنه يعني المذهب الزيدي .



و هنا موضع العبرة , لقد أعرض هذا الشيخ و من رافقه في تلك الجلسة عن دلالة

الكتاب و السنة و اتفاق السلف على أن الزكاة خاصة بالمؤمنين , و اعتمد في

خلافهم على المذهب الزيدي ! و هل يدري القارىء الكريم ما هو السبب في ذلك ?

ليس هو إلا موافقة بعض الحكام على سياستهم الاجتماعية و الاقتصادية , و ليتها

كانت على منهج إسلامي إذن لهان الأمر بعض الشيء في هذا الخطأ الجزئي و لكنه

منهج غير إسلامي , بل هو قائم على تقليد بعض الأوربيين الذين لا دين لهم !

و الإعراض عن الاستفادة من شريعة الله تعالى التي أنزلها على قلب محمد صلى الله

عليه وسلم لتكون نورا و هداية للناس في كل زمان و مكان , فإلى الله المشتكى من

علماء السوء و الرسوم الذين يؤيدون الحكام الجائرين بفتاويهم المنحرفة عن جادة

الإسلام , و سبيل المسلمين , و الله عز و جل يقول : ( و من يشاقق الرسول من بعد

ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى و نصله جهنم و ساءت

مصيرا ) .



هذا , و في الحديث قاعدة فقهية معروفة و هي أن زكاة الزرع تختلف باختلاف المؤنة

و الكلفة عليه , فإن كان يسقى بماء السماء و العيون و الأنهار فزكاته العشر ,

و إن كان يسقى بالدلاء و النواضح ( الاترتوازية ) و نحوها فزكاته نصف العشر .

و لا تجب هذه الزكاة في كل ما تنتجه الأرض و لو كان قليلا , بل ذلك مقيد بنصاب

معروف في السنة , و في ذلك أحاديث معروفة .


143 " أشد الناس بلاء الأنبياء , ثم الأمثل فالأمثل , يبتلى الرجل على حسب ( و في

رواية : قدر ) دينه , فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه و إن كان في دينه رقة ابتلي

على حسب دينه , فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة

" .




قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 225 :



رواه الترمذي ( 2 / 64 ) و ابن ماجه ( 4023 ) و الدارمي ( 2 /320 ) و الطحاوي

( 3 / 61 ) و ابن حبان ( 699 ) و الحاكم ( 1 / 40 , 41 ) و أحمد ( 1 / 172 ,

174 , 180 , 185 ) و الضياء في " المختارة " ( 1 / 349 ) من طريق عاصم بن بهدلة

حدثني # مصعب بن سعد عن أبيه # قال :



" قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أشد بلاء ? قال : فقال :

الأنبياء ثم ... ? " الحديث .



و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .



قلت : و هذا سند جيد رجاله كلهم رجال الشيخين , غير أن عاصما إنما أخرجا

له مقرونا بغيره , و لم يتفرد به , فقد أخرجه ابن حبان ( 698 ) و المحاملي

( 3 / 92 / 2 ) و الحاكم أيضا من طريق العلاء بن المسيب عن أبيه عن سعد به ,

بالرواية الثانية .



و العلاء بن المسيب و أبوه ثقتان من رجال البخاري . فالحديث صحيح . و الحمد لله

و له شاهد بلفظ :

" أشد الناس بلاء الأنبياء , ثم الصالحون , إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر , حتى

ما يجد أحدهم إلا العباءة التي يحويها , و إن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح

أحدكم بالرخاء " .


144 " أشد الناس بلاء الأنبياء , ثم الصالحون , إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر , حتى

ما يجد أحدهم إلا العباءة التي يحويها , و إن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح

أحدكم بالرخاء " .




قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 226 :



أخرجه ابن ماجه ( 4024 ) و ابن سعد ( 2 / 208 ) و الحاكم ( 4 / 307 ) من طريق

هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن # أبي سعيد الخدري # قال :

" دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم و هو يوعك , فوضعت يدي عليه , فوجدت حره

بين يدي فوق اللحاف , فقلت : يا رسول الله ! ما أشدها عليك ! قال : إنا كذلك ,

يضعف لنا البلاء , و يضعف لنا الأجر . قلت : يا رسول الله ! أي الناس أشد

بلاء ? قال : الأنبياء , قلت : يا رسول الله ! ثم من قال : ثم الصالحون ,

إن كان ... " . الحديث .

و قال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " . و وافقه الذهبي , و هو كما قالا .

و له شاهد آخر مختصر و هو :

" إن من أشد الناس بلاء الأنبياء , ثم الذين يلونهم , ثم الذين يلونهم , ثم

الذين يلونهم " .


145 " إن من أشد الناس بلاء الأنبياء , ثم الذين يلونهم , ثم الذين يلونهم , ثم

الذين يلونهم " .




قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 226 :



رواه أحمد ( 6 / 369 ) و المحاملي في " الأمالي " ( 3 / 44 / 2 ) عن أبي عبيدة

بن حذيفة عن عمته # فاطمة # أنها قالت :

" أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم , نعوده في نسائه , فإذا سقاء معلق نحوه

يقطر ماؤه عليه من شدة ما يجد من حر الحمى , قلنا : يا رسول الله لو دعوت الله

فشفاك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره .

و إسناده حسن رجاله كلهم ثقات غير أبي عبيدة هذا فلم يوثقه غير ابن حبان

( 1 / 275 ) , لكن روى عنه جماعة من الثقات .

و في هذه الأحاديث دلالة صريحة على أن المؤمن كلما كان أقوى إيمانا , ازداد

ابتلاء و امتحانا , و العكس بالعكس , ففيها رد على ضعفاء العقول و الأحلام

الذين يظنون أن المؤمن إذا أصيب ببلاء كالحبس أو الطرد أو الإقالة من الوظيفة

و نحوها أن ذلك دليل على أن المؤمن غير مرضي عند الله تعالى ! و هو ظن باطل ,

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو أفضل البشر , كان أشد الناس حتى

الأنبياء بلاء , فالبلاء غالبا دليل خير , و ليس نذير شر , كما يدل على ذلك

أيضا الحديث الآتي :

" إن عظم الجزاء مع عظم البلاء , و إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم , فمن رضي فله

الرضا , و من سخط فله السخط " .