11 " إذا تبايعتم بالعينة و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد
سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " .


قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 15 :


و هو حديث صحيح لمجموع طرقه , و قد وقفت على ثلاث منها كلها عن # ابن عمر #
رضي الله عنه مرفوعا :
الأولى : عن إسحاق أبي عبد الرحمن أن عطاء الخراساني حدثه أن نافعا حدثه عن
ابن عمر قال : فذكره .
أخرجه أبو داود ( رقم 3462 ) و الدولابي في " الكنى " ( 2 / 65 ) و ابن عدي في
" الكامل " ( 256 / 2 ) و البيهقي في " السنن الكبرى " ( 5 / 316 ) .
و تابعه فضالة بن حصين عن أيوب عن نافع به .
رواه ابن شاهين في جزء من " الأفراد " ( 1 / 1 ) و قال " تفرد به فضالة "
و قال البيهقي : " روي ذلك من وجهين عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر " .
يشير بذلك إلى تقوية الحديث , و قد وقفت على أحد الوجهين المشار إليهما و هو
الطريق :
الثانية : عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر .
أخرجه أحمد ( رقم 4825 ) و في " الزهد " ( 20 / 84 / 1 - 2 ) , و الطبراني
في " الكبير " ( 3 / 207 / 1 ) و أبو أمية الطرسوسي في " مسند ابن عمر "
( 202 / 1 ) .
و الوجه الثاني أخرجه الطبراني في " الكبير " ( 3 / 107 / 1 ) عن ليث عن
عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء .
و أخرجه ابن أبي الدنيا في " العقوبات " ( 79 / 1 ) . و الروياني في " مسنده "
( 247 / 2 ) من وجه آخر عن ليث عن عطاء , أسقط من بينهما ابن أبي سليمان ,
و كذا رواه أبو نعيم في " الحلية " ( 1 / 313 - 314 ) .
الثالثة : عن شهر بن حوشب عن ابن عمر . رواه أحمد ( رقم 5007 ) .
ثم وجدت له شاهدا من رواية بشير بن زياد الخراساني : حدثنا ابن جريج عن عطاء
عن جابر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
أخرجه ابن عدي في ترجمة بشير هذا من " الكامل " و قال : " و هو غير معروف ,
في حديثه بعض النكرة " . و قال الذهبي : " و لم يترك " .
فتأمل كيف بين هذا الحديث ما أجمل في حديث أبي أمامة المتقدمة قبله , فذكر
أن تسليط الذل ليس هو لمجرد الزرع و الحرث بل لما اقترن به من الإخلاد إليه
و الانشغال به عن الجهاد في سبيل الله , فهذا هو المراد بالحديث , و أما الزرع
الذي لم يقترن به شيء من ذلك فهو المراد بالأحاديث المرغبة في الحرث فلا تعارض
بينها و لا إشكال .
_______________________________________


12 قوله صلى الله عليه وسلم :
" لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا " .


قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 17 :

رواه الترمذي ( 4 / 264 ) و أبو الشيخ في " الطبقات " ( 298 ) و أبو يعلى في
" مسنده " ( 251 / 1 ) و الحاكم ( 4 / 222 ) و أحمد ( رقم 2589 , 4047 )
و الخطيب ( 1 / 18 ) عن شمر بن عطية عن مغيرة بن سعد بن الأخرم عن أبيه عن
# ابن مسعود # مرفوعا .
و حسنه الترمذي , و قال الحاكم " صحيح الإسناد " , و وافقه الذهبي .
ثم رواه أحمد ( رقم 4181 , 4174 ) من طريق أبي التياح عن ابن الأخرم رجل من طيء
عن ابن مسعود مرفوعا بلفظ : " نهى عن التبقر في الأهل و المال " .
و تابعه أبو حمزة قال :
سمعت رجلا من طيىء يحدث عن أبيه عن عبد الله مرفوعا به .
رواه البغوي في " حديث علي بن الجعد " ( ج 6 / 20 / 2 ) فزاد في السند عن أبيه
و هو الصواب لرواية شمر كذلك .
و له شاهد من رواية ليث عن نافع عن ابن عمر مرفوعا باللفظ الأول .
أخرجه المحاملي في " الأمالي " ( 69 / 2 ) , و سنده حسن في الشواهد .
و أورده الحافظ باللفظ الأول مجزوما به في شرح حديث أنس المتقدم في المقال
السابق ثم قال :
" قال القرطبي : يجمع بينه و بين حديث الباب بحمله على الاستكثار و الاشتغال
به عن أمر الدين , و حمل حديث الباب على اتخاذها للكفاف أو لنفع المسلمين بها
و تحصيل توابعها " .
قلت : و مما يؤيد هذا الجمع اللفظ الثاني من حديث ابن مسعود , فإن ( التبقر )
التكثر و التوسع . و الله أعلم .
و اعلم أن هذا التكثر المفضي إلى الانصراف عن القيام بالواجبات التي منها
الجهاد في سبيل الله هو المراد بالتهلكة المذكورة في قوله تعالى ( و لا تلقوا
بأيديكم إلى التهلكة ) و في ذلك نزلت الآية خلافا لما يظن كثير من الناس ! فقد
قال أسلم أبو عمران :
" غزونا من المدينة , نريد القسطنطينية , ( و على أهل مصر عقبة بن عامر ) و على
الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد , و الروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة ,
فحمل رجل ( منا ) على العدو , فقال الناس : مه مه ! لا إله إلا الله ! يلقي
بيديه إلى التهلكة ! فقال أبو أيوب الأنصاري : ( إنما تأولون هذه الآية هكذا
أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة , أو يبلي من نفسه ! ) إنما نزلت هذه الآية
فينا معشر الأنصار , لما نصر الله نبيه و أظهر الإسلام قلنا ( بيننا خفيا من
رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : هلم نقيم في أموالنا و نصلحها , فأنزل الله
تعالى ( و أنفقوا في سبيل الله و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) فالإلقاء
بالأيدي إلى التهلكة : أن نقيم في أموالنا و نصلحها و ندع الجهاد .
قال أبو عمران :
" فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية " .

_______________________________________



13 " غزونا من المدينة نريد القسطنطينية ( و على أهل مصر عقبة بن عامر ) و على
الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و الروم ملصقوا ظهورهم بحائط المدينة
فحمل رجل ( منا ) على العدو , فقال الناس : مه مه ! لا إله إلا الله ! يلقي
بيديه إلى التهلكة ! فقال أبو أيوب الأنصاري : ( إنما تأولون هذه الآية هكذا
أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة أو يبلي من نفسه ! ) إنما نزلت هذه الآية فينا
معشر الأنصار لما نصر الله نبيه و أظهر الإسلام قلنا ( بيننا خفيا من رسول الله
صلى الله عليه وسلم ) : هلم نقيم في أموالنا و نصلحها , فأنزل الله تعالى ( و
أنفقوا في سبيل الله و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) فالإلقاء بالأيدي إلى
التهلكة : أن نقيم في أموالنا و نصلحها و ندع الجهاد .
قال أبو عمران : فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية " .


قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 19 :

عن ( # أسلم أبو عمران # ) :
رواه أبو داود ( 1 / 393 ) و ابن أبي حاتم في " تفسيره " ( 1 / 10 / 2 )
و الحاكم ( 2 / 275 ) و قال : " صحيح على شرط الشيخين " و وافقه الذهبي ,
و قد وهما , فإن الشيخين لم يخرجا لأسلم هذا , فالحديث صحيح فقط .
14 عن قزعة قال :
أرسلني ابن عمر في حاجة , فقال : تعال حتى أودعك كما ودعني رسول الله
صلى الله عليه وسلم و أرسلني في حاجة له فقال :
" أستودع الله دينك و أمانتك و خواتيم عملك " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 19 :
من أدبه صلى الله عليه وسلم عند التوديع :
--------------------------------------
فيه ثلاثة أحاديث : الأول عن ابن عمر , و له عنه طرق :
أ - عن قزعة قال :
أرسلني #‎ابن عمر # في حاجة , فقال : تعال حتى أودعك كما ودعني رسول الله
صلى الله عليه وسلم و أرسلني في حاجة له فقال :
" أستودع الله دينك و أمانتك و خواتيم عملك " .
رواه أبو داود ( رقم 2600 ) و الحاكم ( 2 / 97 ) و أحمد ( 2 / 25 و 38 و 136 )
و ابن عساكر ( 14 / 290 / 2 و 15 / 469 / 1 ) عن عبد العزيز بن عمر ابن عبد
العزيز عنه .
و رجاله ثقات , لكن اختلف فيه على عبد العزيز , فرواه بعضهم هكذا , و أدخل
بعضهم بينه و بين قزعة رجلا سماه بعضهم " إسماعيل بن جرير " و سماه آخرون
" يحيى بن إسماعيل بن جرير " , و قد ساق الحافظ ابن عساكر الروايات المختلفة
في ذلك .
و قال الحافظ في " التقريب " إن الصواب قول من قال : " يحيى بن إسماعيل " .
قلت : و هو ضعيف , لكن يتقوى الحديث بالطرق الأخرى , و في رواية لابن عساكر :
" كما ودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأخذ بيدي يصافحني , ثم قال : "
فذكره .
ب - عن سالم أن ابن عمر كان يقول للرجل إذا أراد سفرا : ادن مني أودعك كما
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا فيقول : فذكره .
أخرجه الترمذي ( 2 / 255 طبع بولاق ) و أحمد ( 2 / 7 ) و عبد الغني المقدسي
في " الجزء الثالث و الستون ( 41 / 1 ) " عن سعيد بن خثيم عن حنظلة عنه .
و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث سالم " .
قلت : و هو على شرط مسلم غير أن سعيدا قد خولف في سنده , فرواه الحاكم
( 1 / 442 و 2 / 97 ) عن إسحاق بن سليمان و الوليد بن مسلم عن حنظلة بن
أبي سفيان عن القاسم بن محمد قال :
كنت عند ابن عمر فجاءه رجل فقال : أردت سفرا , فقال : انتظر حتى أودعك :
فذكره , و قال :
" صحيح على شرط الشيخين " و وافقه الذهبي و هو كما قالا .
و لعل الترمذي إنما استغربه من حديث سالم من أجل مخالفة هذين الثقتين : إسحاق
ابن سليمان و الوليد بن مسلم لابن خثيم حيث جعله من رواية حنظلة عن سالم ,
و جعلاه من رواية حنظلة عن القاسم بن محمد عنه . و لعله أصح .
و أخرجه أبو يعلى في " مسنده " ( 270 / 2 ) من طريق الوليد بن مسلم وحده .
ج - عن مجاهد قال :
" خرجت إلى العراق أنا و رجل معي , فشيعنا عبد الله بن عمر , فلما أراد أن
يفارقنا قال : إنه ليس معي ما أعطيكما ( كذا الأصل , و لعله : أعظكما ) ,
و لكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا استودع الله شيئا حفظه ,
و إني أستودع الله دينكما و أمانتكما , و خواتيم عملكما " .
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 2376 ) بسند صحيح .
هـ - عن نافع عنه قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ودع رجلا أخذ بيده فلا يدعها حتى يكون
الرجل هو يدع يد النبي صلى الله عليه وسلم و يقول : فذكره .
رواه الترمذي ( 2 / 255 طبع بولاق ) و قال : " حديث غريب من هذا الوجه " .
قلت : يعني أنه ضعيف لخصوص هذه الطريق , و ذلك لأنها من رواية إبراهيم
ابن عبد الرحمن بن زيد بن أمية عن نافع و هو أعني إبراهيم هذا مجهول .
لكنه لم ينفرد به , فقد رواه ابن ماجه ( 2 / 943 رقم 2826 ) عن ابن أبي ليلى
عنه . و ابن أبي ليلى سيء الحفظ و اسمه محمد بن عبد الرحمن , و لم يذكر قصة
الأخذ باليد .

_______________________________________


15 عن عبد الله الخطمي قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يستودع
الجيش , قال :
" أستودع الله دينك و أمانتك و خواتيم عملك " .


قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 21 :

( عن # عبد الله الخطمي # ) قال :
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يستودع الجيش , قال : فذكره .
رواه أبو داود و ابن السني في " عمل اليوم و الليلة " ( رقم 498 ) بإسناد صحيح
على شرط مسلم .
_______________________________________


16 عن أبى هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ودع أحدا قال :
" أستودع الله دينك و أمانتك و خواتيم عملك " .


قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 22 :

أخرجه أحمد ( 2 / 358 ) عن ابن لهيعة عن الحسن بن ثوبان عن موسى ابن وردان عنه
قلت : و رجاله موثقون , غير أن ابن لهيعة سيء الحفظ و قد خالفه في متنه الليث
ابن سعد و سعيد بن أبي أيوب عن الحسن بن ثوبان به بلفظ :
" أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه " .
و هذا عن # أبي هريرة # أصح و سنده جيد , رواه أحمد ( 1 / 403 ) .
ثم رأيت ابن لهيعة قد رواه بهذا اللفظ أيضا عند ابن السني رقم ( 501 ) .
و ابن ماجه ( 2 / 943 رقم 2825 ) فتأكدنا من خطئه في اللفظ الأول .
من فوائد الحديث :
-----------------
يستفاد من هذا الحديث الصحيح جملة فوائد :
الأولى : مشروعية التوديع بالقول الوارد فيه " أستودع الله دينك و أمانتك
و خواتيم عملك " أو يقول : " أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه " .
الثانية : الأخذ باليد الواحدة في المصافحة , و قد جاء ذكرها في أحاديث كثيرة ,
و على ما دل عليه هذا الحديث يدل اشتقاق هذه اللفظة في اللغة .
ففي " لسان العرب " : " و المصافحة : الأخذ باليد , و التصافح مثله , و الرجل
يصافح الرجل : إذا وضع صفح كفه في صفح كفه , و صفحا كفيهما : وجهاهما , و منه
حديث المصافحة عند اللقاء , و هي مفاعلة من إلصاق صفح الكف بالكف و إقبال الوجه
على الوجه " .
قلت : و في بعض الأحاديث المشار إليها ما يفيد هذا المعنى أيضا , كحديث حذيفة
مرفوعا : " إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه و أخذ بيده فصافحه تناثرت
خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر " .
قال المنذري ( 3 / 270 ) :
" رواه الطبراني في " الأوسط " و رواته لا أعلم فيهم مجروحا " .
قلت : و له شواهد يرقى بها إلى الصحة , منها : عن أنس عند الضياء المقدسي
في " المختارة " ( ق 240 / 1 - 2 ) و عزاه المنذري لأحمد و غيره .
فهذه الأحاديث كلها تدل على أن السنة في المصافحة : الأخذ باليد الواحدة فما
يفعله بعض المشايخ من التصافح باليدين كلتيهما خلاف السنة , فليعلم هذا .
الفائدة الثالثة : أن المصافحة تشرع عند المفارقة أيضا و يؤيده عموم قوله
صلى الله عليه وسلم " من تمام التحية المصافحة " و هو حديث جيد باعتبار طرقه
و لعلنا نفرد له فصلا خاصا إن شاء الله تعالى , ثم تتبعت طرقه , فتبين لي
أنها شديدة الضعف , لا تلصح للاعتبار و تقوية الحديث بها , و لذلك أوردته في
" السلسلة الأخرى " ( 1288 ) . و وجه الاستدلال بل الاستشهاد به إنما يظهر
باستحضار مشروعية السلام عند المفارقة أيضا لقوله صلى الله عليه وسلم :
" إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم , و إذا خرج فليسلم , فليست الأولى بأحق من
الأخرى " . رواه أبو داود و الترمذي و غيرهما بسند حسن .
فقول بعضهم : إن المصافحة عند المفارقة بدعة مما لا وجه له , نعم إن الواقف
على الأحاديث الواردة في المصافحة عند الملاقاة يجدها أكثر و أقوى من الأحاديث
الواردة في المصافحة عند المفارقة , و من كان فقيه النفس يستنتج من ذلك أن
المصافحة الثانية ليست مشروعيتها كالأولى في الرتبة , فالأولى سنة , و الأخرى
مستحبة , و أما أنها بدعة فلا , للدليل الذي ذكرنا .
و أما المصافحة عقب الصلوات فبدعة لا شك فيها إلا أن تكون بين اثنين لم يكونا
قد تلاقيا قبل ذلك فهي سنة كما علمت .
_______________________________________

17 " إن نبي الله أيوب صلى الله عليه وسلم لبث به بلاؤه ثمان عشرة سنة فرفضه
القريب و البعيد إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان إليه و يروحان , فقال أحدهما
لصاحبه ذات يوم : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين فقال
له صاحبه : و ما ذاك ? قال : منذ ثمان عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به فلما
راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له , فقال أيوب : لا أدري ما تقولان
غير أن الله تعالى يعلم أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان , فيذكران الله فأرجع
إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق , قال : و كان يخرج إلى
حاجته فإذا قضى حاجته أمسكته امرأته بيده حتى يبلغ , فلما كان ذات يوم أبطأ
عليها و أوحي إلى أيوب أن *( اركض برجلك هذا مغتسل بارد و شراب )* فاستبطأته
فتلقته تنظر و قد أقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء و هو أحسن ما كان
فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى , والله على
ذلك ما رأيت أشبه منك إذ كان صحيحا , فقال : فإني أنا هو , و كان له أندران
( أي بيدران ) : أندر للقمح و أندر للشعير , فبعث الله سحابتين , فلما كانت
إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض و أفرغت الأخرى في أندر الشعير
الورق حتى فاض " .


قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 25 :

رواه أبو يعلى في " مسنده " ( 176 / 1 - 177 / 1 ) و أبو نعيم في " الحلية "
( 3 / 374 - 375 ) من طريقين عن سعيد بن أبي مريم حدثنا نافع بن يزيد أخبرني
عقيل عن ابن شهاب عن # أنس بن مالك # مرفوعا و قال :
" غريب من حديث الزهري لم يروه عنه إلا عقيل و رواته متفق على عدالتهم تفرد
به نافع " .
قلت : و هو ثقة كما قال , أخرج له مسلم و بقية رجاله رجال الشيخين .
فالحديث صحيح . و قد صححه الضياء المقدسي فأخرجه في " المختارة "
( 220 / 2 - 221 / 2 ) من هذا الوجه . و رواه ابن حبان في " صحيحه " ( 2091 )
عن ابن وهيب أنبأنا نافع بن يزيد .
و هذا الحديث مما يدل على بطلان الحديث الذي في " الجامع الصغير " بلفظ :
" أبى الله أن يجعل للبلاء سلطانا على عبده المؤمن " .
و سيأتي تحقيق الكلام عليه في " الأحاديث الضعيفة " إن شاء الله تعالى .
_______________________________________

18 " حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 25 :

رواه الطبراني ( 1 / 19 / 1) حدثنا علي بن عبد العزيز أنبأنا محمد بن أبي نعيم
الواسطي أنبأنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن # عامر بن سعد عن أبيه # قال :
جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أبي كان يصل الرحم و كان
و كان فأين هو ? قال : في النار , فكأن الأعرابي وجد من ذلك فقال : يا رسول
الله فأين أبوك ? قال : فذكره .
قال : فأسلم الأعرابي بعد ذلك , فقال : لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم
تعبا : ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار .
قلت : و هذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات معروفون , و طرح ابن معين لمحمد
ابن أبي نعيم لا يتلفت إليه بعد توثيق أحمد و أبي حاتم إياه , لاسيما و قد
توبع في إسناده , أخرجه الضياء في " المختارة " ( 1 / 333 ) من طريقين عن زيد
بن أخزم حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا إبراهيم بن سعد به و قال :
" سئل الدارقطني عنه فقال : يرويه محمد بن أبي نعيم و الوليد بن عطاء بن الأغر
عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عامر بن سعد , و غيره يرويه عن إبراهيم بن سعد
عن الزهري مرسلا , و هو الصواب .
قلت : و هذه الرواية التي رويناها تقوي المتصل " .
قلت : و زيد بن أخزم ثقة حافظ و كذلك شيخه يزيد بن هارون , فهي متابعة قوية
لابن أبي نعيم الواسطي تشهد لصدقه و ضبطه , لكن قد خولف زيد بن أخزم في إسناده
فقال ابن ماجه ( رقم 1573 ) : حدثنا محمد بن إسماعيل بن البختري الواسطي :
حدثنا يزيد بن هارون عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : جاء
أعرابي . الحديث بتمامه .
و هذا ظاهره الصحة , و لذلك قال في " الزوائد " ( ق 97 / 2 ) : " إسناده صحيح
رجاله ثقات , محمد بن إسماعيل وثقه ابن حبان و الدارقطني و الذهبي , و باقي
رجال الإسناد على شرط الشيخين " .
قلت : لكن قال الذهبي فيه : " لكنه غلط غلطة ضخمة " . ثم ساق له حديثا صحيحا
زاد فيه " الرمي عن النساء " و هي زيادة منكرة و قد رواه غيره من الثقات فلم
يذكر فيه هذه الزيادة . و أقره الحافظ ابن حجر على ذلك .
قلت : فالظاهر أنه أخطأ في إسناد هذا الحديث أيضا فقال فيه .. عن سالم عن أبيه
و الصواب عن عامر بن سعد عن أبيه كما في رواية ابن أخزم و غيره , و قد قال
الهيثمي في " المجمع " ( 1 / 117 - 118 ) بعد أن ساقه من حديث سعد :
" رواه البزار و الطبراني في " الكبير " و رجاله رجال الصحيح " .
من فقه الحديث :
---------------
و في هذا الحديث فائدة هامة أغفلتها عامة كتب الفقه , ألا و هي مشروعية تبشير
الكافر بالنار إذا مر بقبره . و لا يخفى ما في هذا التشريع من إيقاظ المؤمن
و تذكيره بخطورة جرم هذا الكافر حيث ارتكب ذنبا عظيما تهون ذنوب الدنيا كلها
تجاهه و لو اجتمعت , و هو الكفر بالله عز و جل و الإشراك به الذي أبان الله
تعالى عن شدة مقته إياه حين استثناه من المغفرة فقال : ( إن الله لا يغفر أن
يشرك به , و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) , و لهذا قال صلى الله عليه وسلم :
" أكبر الكبائر أن تجعل لله ندا و قد خلقك " متفق عليه .
و إن الجهل بهذه الفائدة مما أودى ببعض المسلمين إلى الوقوع في خلاف ما أراد
الشارع الحكيم منها , فإننا نعلم أن كثيرا من المسلمين يأتون بلاد الكفر لقضاء
بعض المصالح الخاصة أو العامة , فلا يكتفون بذلك حتى يقصدوا زيارة بعض قبور من
يسمونهم بعظماء الرجال من الكفار و يضعون على قبورهم الأزهار و الأكاليل
و يقفون أمامها خاشعين محزونين , مما يشعر برضاهم عنهم و عدم مقتهم إياهم ,
مع أن الأسوة الحسنة بالأنبياء عليهم السلام تقضي خلاف ذلك كما في هذا الحديث
الصحيح و اسمع قول الله عز و جل : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم و الذين
معه إذ قالوا لقومهم إنا برءآؤ منكم و مما تعبدون من دون الله كفرنا بكم و بدا
بيننا و بينكم العداوة و البغضاء أبدا ) الآية , هذا موقفهم منهم و هم أحياء
فكيف و هم أموات ) ?!
و روى البخاري ( 1 / 120 طبع أوربا ) و مسلم ( 8 / 221 ) عن ابن عمر أنه
صلى الله عليه وسلم قال لهم لما مر بالحجر :
" لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين , إلا أن تكونوا باكين , فإن لم تكونوا
باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم ما أصابهم " .
_______________________________________


19 " لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين , فإن لم تكونوا
باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم ما أصابهم " .
( و تقنع بردائه و هو على الرحل ) .


قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 27 :

( عن # ابن عمر # ) :
و رواه أحمد ( 2 / 9 , 58 , 66 , 72 , 74 , 91 , 96 , 113 , 137 ) و الزيادة
له .
و قد ترجم لهذا الحديث صديق خان في " نزل الأبرار " ( ص 293 ) بـ " باب البكاء
و الخوف عند المرور بقبور الظالمين و بمصارعهم و إظهار الافتقار إلى الله تعالى
و التحذير من الغفلة عن ذلك " .
أسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا و أن يلهمنا العمل به إنه سميع مجيب .


20 " أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها ?! فإنه شكا إلي أنك
تجيعه و تدئبه " .


قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 28 :

رواه أبو داود ( 1 / 400 ) و الحاكم ( 2 / 99 - 100 ) و أحمد ( 1 / 204 - 205 )
و أبو يعلى في " مسنده " ( 318 / 1 ) و البيهقي في " دلائل النبوة " ( ج 2 باب
ذكر المعجزات الثلاث ) و ابن عساكر في " تاريخه " ( ج 9 / 28 / 1 ) .
و الضياء في " الأحاديث المختارة " ( 124 - 125 ) من طريق محمد بن عبد الله
ابن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي عن # عبد الله بن جعفر #
قال : أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم , فأسر إلي حديثا لا
أحدث به أحدا من الناس , و كان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم
لحاجته هدف أو حائش النخل , فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل , ( فلما رأى
النبي صلى الله عليه وسلم حن و ذرفت عيناه , فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم
فمسح سراته إلى سنامه و ذفراه فسكن ) فقال : من رب هذا الجمل ? لمن هذا الجمل ?
فجاء فتى من الأنصار فقال : لي يا رسول الله , فقال : فذكر الحديث .
و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " و وافقه الذهبي و هو كما قالا , بل إنهما قد
قصرا فإنه صحيح على شرط مسلم , فقد أخرجه في " صحيحه " ( 1 / 184 - 185 ) بهذا
الإسناد دون قصة الجمل , و ذكر النووي في " رياض الصالحين " ( ص 378 ) أن
البرقاني رواه بإسناد مسلم بتمامه و كأنه لهذا قال ابن عساكر عقبه :
" رواه مسلم " . يعني أصله لا بتمامه .
و الزيادة التي بين القوسين لابن عساكر و الضياء .
_______________________________________


يتبع ان شاء الله