160 " لا , و لكن تصافحوا . يعني لا ينحني لصديقه و لا يلتزمه , و لا يقبله حين

يلقاه " .



قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 248 :



رواه الترمذي ( 2 / 121 ) و ابن ماجه ( 3702 ) و البيهقي ( 7 / 100 ) و أحمد

( 3 / 198 ) من طرق عن حنظلة بن عبد الله السدوسي قال : حدثنا # أنس بن مالك #

قال : " قال رجل : يا رسول الله أحدنا يلقى صديقه أينحني له ? قال : فقال

رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا , قال : فيلتزمه و يقبله ? قال : لا ,

قال : فيصافحه ? قال : نعم إن شاء " .

و السياق لأحمد و كذا الترمذي , لكن ليس عنده : " إن شاء " و لفظ ابن ماجه

نحوه و فيه : " لا , و لكن تصافحوا " .

و الحديث رواه أيضا محمد بن يوسف الفريابي في " ما أسند الثوري "

( 1 / 46 / 2 ) و أبو بكر الشافعي في " الفوائد " ( 97 / 1 ) و في

" الرباعيات " ( 1 / 93 / 2 ) و الباغندي في " حديث شيبان و غيره "

( 191 / 1 ) و أبو محمد المخلدي في " الفوائد " ( 236 / 2 ) و الضياء

المقدسي في " المصافحة " ( 32 / 2 ) و في " المنتقى من مسموعاته بمرو "

( 28 / 2 ) كلهم عن حنظلة به .

و قال الترمذي : " حديث حسن " .



قلت : و هو كما قال أو أعلا , فإن رجاله كلهم ثقات غير حنظلة هذا فإنهم ضعفوه ,

و لكنهم لم يتهموه , بل ذكر يحيى القطان و غيره أنه اختلط , فمثله يستشهد به ,

و يقوى حديثه عند المتابعة , و قد وجدت له متابعين ثلاثة :



الأول : شعيب بن الحبحاب .

أخرجه الضياء في " المنتقى " ( 87 / 2 ) من طريق أبي بلال الأشعري حدثنا قيس

بن الربيع عن هشام بن حسان عن شعيب به إلا أنه ذكر السجود بدل الالتزام .

و هذا إسناد حسن في المتابعات فإن قيس بن الربيع صدوق , و لكنه كان تغير لما

كبر , و أبو بلال الأشعري اسمه مرداس ضعفه الدارقطني و ذكره ابن حبان في الثقات

و من فوقهما ثقتان من رجال الشيخين .

و هذه المتابعة أخرجها أيضا أبو الحسن المزكي كما أفاده ابن المحب في تعليقه

على " كتاب المصافحة " و من خطه نقلت .



الثاني : كثير بن عبد الله قال : سمعت أنس بن مالك به دون ذكر الانحناء

و الالتزام .

أخرجه ابن شاهين في " رباعياته " ( 172 / 2 ) : حدثنا محمد بن زهير قال : حدثنا

مخلد بن محمد قال : حدثنا كثير بن عبد الله .

و كثير هذا ضعيف كما قال الدارقطني , و قال الذهبي : " و ما أرى رواياته

بالمنكرة جدا , و قد روى له ابن عدي عشرة أحاديث ثم قال :

" و في بعض روايته ما ليس بمحفوظ " .

قلت : فمثله يستشهد به أيضا إن شاء الله تعالى , لكن من دونه لم أجد من ترجمهما



الثالث : المهلب بن أبي صفرة عن أنس مرفوعا بلفظ :

( لا ينحني الرجل للرجل , و لا يقبل الرجل الرجل , قالوا : يصافح الرجل الرجل ?

قال : نعم ) .

رواه الضياء في " المنتقى " ( 23 / 1 ) من طريق عبد العزيز بن أبان حدثنا

إبراهيم بن طهمان عن المهلب به .



قلت : المهلب من ثقات الأمراء كما في " التقريب " , لكن السند إليه واه , فإن

عبد العزيز بن أبان هذا متروك و كذبه ابن معين و غيره كما قال الحافظ , فلا

يستشهد بهذه المتابعة . و لكن ما قبلها من المتابعات يكفي في تقوية الحديث ,

و كأنه لذلك أقر الحافظ في " التلخيص " ( 367 ) تحسين الترمذي إياه .

و منه تعلم أن قول البيهقي :

" تفرد به حنظلة " فليس بصواب و الله أعلم .

إذا عرفت ذلك ففيه رد على بعض المعاصرين من المشتغلين بالحديث , فقد ألف جزءا

صغيرا أسماه " إعلام النبيل بجواز التقبيل " حشد فيه كل ما وقف عليه من أحاديث

التقبيل ما صح منها و ما لم يصح , ثم أورد هذا الحديث و ضعفه بحنظلة و لعله لم

يقف على هذه المتابعات التي تشهد له , ثم تأوله بحمله على ما إذا كان الباعث

على التقبيل مصلحة دنيوية كغنى أو جاه أو رياسة مثلا ! و هذا تأويل باطل , لأن

الصحابة الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن التقبيل , لا يعنون به قطعا

التقبيل المزعوم , بل تقبيل تحية كما سألوه عن الانحناء و الالتزام و المصافحة

فكل ذلك إنما عنوا به التحية فلم يسمح لهم من ذلك بشيء إلا المصافحة , فهل هي

المصافحة لمصلحة دنيوية ?!اللهم لا .



فالحق أن الحديث نص صريح في عدم مشروعية التقبيل عند اللقاء ,و لا يدخل في ذلك

تقبيل الأولاد و الزوجات , كما هو ظاهر , و أما الأحاديث التي فيها أن النبي

صلى الله عليه وسلم قبل بعض الصحابة في وقائع مختلفة , مثل تقبيله و اعتناقه

لزيد بن حارثة عند قدومه المدينة , و تقبيله و اعتناقه لأبي الهيثم ابن التيهان

و غيرهما , فالجواب عنها من وجوه :



الأول : أنها أحاديث معلولة لا تقوم بها حجة . و لعلنا نتفرغ للكلام عليها ,

و بيان عللها إن شاء الله تعالى .



الثاني : أنه لو صح شيء منها , لم يجز أن يعارض بها هذا الحديث الصحيح , لأنها

فعل من النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل الخصوصية , أو غيرها من الاحتمالات التي

توهن الاحتجاج بها على خلاف هذا الحديث , لأنه حديث قولي و خطاب عام موجه إلى

الأمة فهو حجة عليها , لما تقرر في علم الأصول أن القول مقدم على الفعل عند

التعارض , و الحاظر مقدم على المبيح , و هذا الحديث قول و حاظر , فهو المقدم

على الأحاديث المذكورة لو صحت .

و كذلك نقول بالنسبة للالتزام و المعانقة , أنها لا تشرع لنهي الحديث عنها ,

لكن قال أنس رضي الله عنه :

" كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا , و إذا قدموا من سفر

تعانقوا " .



رواه الطبراني في الأوسط , و رجاله رجال الصحيح كما قال المنذري ( 3 / 270 )

و الهيثمي ( 8 / 36 ) و روى البيهقي ( 7 / 100 ) بسند صحيح عن الشعبي قال :

" كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا التقوا صافحوا , فإذا قدموا من سفر

عانق بعضهم بعضا " .



و روى البخاري في " الأدب المفرد " ( 970 ) و أحمد ( 3 / 495 ) عن جابر بن

عبد الله قال :

" بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرا , ثم

شددت عليه رحلي , فسرت إليه شهرا حتى قدمت عليه الشام فإذا عبد الله بن أنيس ,

فقلت للبواب : قل له : جابر على الباب , فقال : ابن عبد الله ? قلت : نعم ,

فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني و اعتنقته " الحديث , و إسناده حسن كما قال الحافظ

( 1 / 195 ) و علقه البخاري .

فيمكن أن يقال : إن المعانقة في السفر مستثنى من النهي لفعل الصحابة ذلك ,

و عليه يحمل بعض الأحاديث المتقدمة إن صحت . و الله أعلم .

و أما تقبيل اليد , ففي الباب أحاديث و آثار كثيرة , يدل مجموعها على ثبوت ذلك

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , فنرى جواز تقبيل يد العالم إذا توفرت الشروط

الآتية :



1 - أن لا يتخذ عادة بحيث يتطبع العالم على مد يده إلى تلامذته , و يتطبع هؤلاء

على التبرك بذلك , فإن النبي صلى الله عليه وسلم و إن قبلت يده فإنما كان ذلك

على الندرة , و ما كان كذلك فلا يجوز أن يجعل سنة مستمرة , كما هو معلوم من

القواعد الفقهية .



2 - أن لا يدعو ذلك إلى تكبر العالم على غيره , و رؤيته لنفسه , كما هو الواقع

مع بعض المشايخ اليوم .



3 - أن لا يؤدي ذلك إلى تعطيل سنة معلومة , كسنة المصافحة , فإنها مشروعة بفعله

صلى الله عليه وسلم و قوله , و هي سبب تساقط ذنوب المتصافحين كما روي في غير ما

حديث واحد , فلا يجوز إلغاؤها من أجل أمر , أحسن أحواله أنه جائز .