[frame="1 10"]
المنهج التربوي والسياسي عند بن تومرت


أولاً: المنهج التربوي:

جعل ابن تومرت منهجية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلاً في دعوته، ولذلك اجتهد في محاربة المنكرات التي انتشرت بين عوام الناس بكل مايملك من قوة ووجه سهامه نحو الفقهاء والعلماء للتقليل من هيبتهم، واضعافهم ليتسنى له أن ينشر عقيدته المختلطة، ويؤصل م####د من الأحكام والأقوال على النهج الذي يخدم اهدافه ولذلك نجده عندما استقر في منطقة السوس ينهج وجهتين رئيسيتين:

1- التربية العقدية الروحية:

استغل بن تومرت جعل اتباعه من البدو والأميين الذين لايستطيعون أن يفهموا الشريعة من اصولها المعتمدة وكتب لهم شيئاً في العقائد والعبادات بعضها باللسان البربري وبنى مكاناً للعبادة ولتعليم الطلبة على منهجه الذي رسمه وتربيتهم عليه.
قال ابن خلدون: (فنزل على قومه وذلك سنة خمس عشرة وخمسمائة، وبنى رابطة للعبادة، فاجتمعت إليه الطلبة والقبائل يعلمهم المرشدة في التوحيد باللسان البربري)

وألزم أتباعه بحفظ شيء من القرآن والحديث النبوي وتعلم المرشدة
واستيعاب حقائق التوحيد بمذهب علم الكلام، وتحقيق احكام العبادة وكان يوزّع اصحابه في حلقات كل عشرة يكون مسؤلاً عليهم أحد الطلبة النابهين، ونهج منهج الشدة في التعليم والتربية واحدث أحكاماً تبلغ إلى الضرب بالسياط لمن يظهر منه التهاون في حضور الأوقات أو في حفظ مايطلب منه حفظه.
وكان هذا المنهج يسود جميع أفراد المجتمع الجديد أما من برز في العلم من أصحابه فالف لهم كتباً ورسائل خاصة وهي كتب ورسائل خصص معظمها للاستدلال العقلي على العقيدة التي جمعها من مذاهب شتى وفرق عدة.
واهتم بالجانب الروحي واعتمد في تربيته لأصحابه على التزهيد في متاع الدنيا، والترغيب في الآخرة، والإعداد للجهاد في سبيل الله طلباً للشهادة، ومما خاطب به أتباعه في ذلك قوله: "ولاتنازعوا ولا تغتروا بالدنيا فإنها وكل من عليها فان واحذروا من مكرها وتقلب احوالها.. وتزودوا منها إلى دار الآخرة واستعدوا منها بالعمل الصالح تفوزوا بذلك عند الله فوزاً عظيماً...).


2- التربية الاجتماعية:

وبعد أن حرص على بناء الأفراد علمياً وروحياً شرع في بناء المجتمع الجديد على أسس من التعاون والتناصر والتآخي وجعل أهل جبال أطلس في تينملل الانصار ومن جاءهم من غيرهم المهاجرين وقعد قواعد في هذا المجتمع للتآخي والتعاون وإغاثة المظلوم، واحترام الممتلكات، حمل عليها الكافة ووضع تعازير قاسية لعقاب من يتعدّاها وربط المجتمع الجديد بوشائج القربى بين القبائل المختلفة بطريق المؤاخاة بينها أو بطريق المصاهرة المتبادلة وخاطب قيادة مجتمعه الجديد بقوله: (مافي الأرض من يؤمن إيمانكم، وأنتم العصابة الذين عنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لايزال أهل المغرب ظاهرين"وأنتم تفتحون الروم وتقتلون الدّجال، ومنكم الذي يؤمُّ بعيسى، وحدَّثهم بجزئيات اتفق وقوع أكثرها، فعظمت فتنة القوم به..).
ويصف الأمير عزيز في كتابه (أخبار القيروان) المجتمع الموحدي (لهم تودُّد وأدب وبشاشة، ويلبسون الثياب القصيرة الرخيصة ولايخلون يوماً من طرادٍ ومثاقفة ونضال...).
ويصف بن خلكان محمد بن تومرت فيقول: (قبره بالجبل معظم، مات كهلاً، وكان أسمر ربعةً، عظيم الهامة، حديد النظر مهيباً، وآثاره تغني عن أخباره، قدم في الثرى، وهامة في الثريا، ونفسُ ترى إراقة ماءِ الحياة دون إراقة ماء المحيَّا، أغفل المرابطون ربطه وحلّه، حتى دبَّ دبيبَ الفلقِ في الغسق، وكان قوته من غزل أخته رغيفاً بزيت، أو قليل سمن، لم ينتقل عن ذلك حين كثرت عليه الدنيا، رأى أصحابه يوماً، وقد مالت نفوسهم إلى كثرة ماغنموه، فأمر بإحراق جميعه، وقال: من أراد الدنيا، فهذا له عندي، ومن كان يبغي الآخرة، فجزاؤه عند الله، وكان يتمثل كثيراً:
تجرد من الدنيا فإنك إنما
خرجت إلى الدنيا وأنت مجرد


ثانيا: المنهج السياسي:

حرص بن تومرت بعد رجوعه أن يسلك طريق النصح والإرشاد والوعظ، ولذلك اتصل بالامراء وولات الأمر في المدن والعواصم يعظهم ويرشدهم ويبين لهم مواقع الانحراف والفساد ويحمّلهم المسؤولية في ذلك، ويحثهم على القيام بالأمر الواجب من محاربة المنكر ونشر المعروف وتوّج أمره بنصح أمير المسلمين علي بن يوسف ونبهه إلى انتشار المنكرات ووعظه وأغلظ له القول وقال له (إنما أنا رجل فقير طالب الآخرة ولست بطالب دنيا ولاحاجة لي بها، غير أني آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأنت أولى من يفعل ذلك، فإنك المسئول عنه، وقد وجب عليك إحياء السنة وإماتة البدعة، وقد ظهرت بمملكتك المنكرات، وفشت البدع، وقد أمرك الله بتغييرها وإحياء السنة بها إذ لك القدرة على ذلك وأنت المأخوذ به والمسئول عنه).
وبعد أن غادر مراكش بمدة يسيرة بادر بأن "خلع مبايعة علي بن يوسف من أعناق تابعيه وأصحابه، وأعلن الجميع بخلعه" وانتهج ابن تومرت سياسة واضحة المعالم للقضاء على النظام القائم وبناء نظام جديد وكانت خطته تسير في سبل ثلاثة، حملة نقدية للمرابطين، وإقامة تنظيم سياسي، وتعبئة نفسية للأنصار:
1- الحملة النقدية ضد المرابطين:
جعل ابن تومرت من اهدافه شن هجوم على حكام المرابطين، ومحاولاً فسخ ولاء القبائل للمرابطين فسخاً نهائياً وترسيخ ولائهم له: "فكل من اطاعهم في معصية الله وأعانهم على ظلمهم في سفك دماء المسلمين وأخذ أموالهم، وكلّ من أعانهم من القبائل فادعوهم إلى التوبة والانابة والرجوع إلى الكتاب والسنة وترك معونة المجسمين والمرتدين والمعتدين، فإن قبلوا منكم ورجعوا إلى السنة وأعانوهم على جهاد الكفرة فخلّوا سبيلهم وهم إخوانكم في دين الله وسنة رسوله، وإن عاندوا الحق وأصرّوا على معونة أهل الباطل والفساد فاقتلوهم حيث وجدتموهم" وشن حرباً نفسية على حكام وامراء واتباع المرابطين في رسالته إليهم "الى القوم الذين استزلهم الشيطان، وغضب عليهم الرحمان، الفئة الباغية، والشرذمة الطاغية لمتونة، أما بعد قد أمرناكم بما نأمر به أنفسنا من تقوى الله العظيم، ولزوم طاعته ، وان الدنيا مخلوقة للفناء والجنة لمن اتقى ، والعذاب لمن عصى، وقد وجبت لنا عليكم حقوق بوجوب السنة، فإن اديتموها كنتم في عافية، وإلا فنستعين بالله على قتالكم حتى نمحو آثاركم، ونكدر دياركم ، ويرجع العامر خالياً ، والجديد بالياً ، وكتبنا هذا إليكم إعذاراً وإنذاراً ، وقد أعذر من أنذر، والسلام عليكم سلام السنة لا سلام الرضى".


يتبع
[/frame]