الاستفسار رقم: (3):

قول النبي e: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ», وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوسْطَى. أليست الـ(1400) سنة مدة كبيرة؟ فهناك تفسيران لم اقتنع بهما:
1. إنَّ عمر الأرض 4600 مليون سنة؛ لأن هذا يجعل الحديث لم يختص به سيدنا محمد, حيث إنه كذلك سيدنا عيسى u ينطبق عليه القرب من الساعة أيضا.
2. إنَّ يومًا عند ربك كألف سنة؛ لأن الخطاب في الحديث موجه للناس بأيامهم هم. ولم أقتنع بتفسير ابن حجر في كتابه: (فتح الباري في شرح صحيح البخاري)؛ لأنَّ الحديث: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ» يوحي بالقرب بين الأصابع, وليس بفرق الطول.

الرد يكون كالآتي:

1. سأضع لك الحديث, ثم أسبر غوره؛ لأبين لك وجه الحقِّ في المسألة بعد توفيق الله U.
2. يقول النبي e: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ», وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوسْطَى.
3. الشرح:
- التشبيه في: «كَهَاتَيْنِ» فيه وجهان:
1) تمثيل لهما من حيث تواليهما من دون إصبع بينهما. والفائدة: لا نبي بين النبي محمد والساعة, فهو خاتم النبيين.
2) تقريب لهما من حيث المدة, أي: التفاوت بينهما كنسبة التفاوت بين الإصبعين تقريبا.
- وبما أن مدة (1400) سنة ليست بالقليلة لدينا, فإنه يجب أن نفهم مراد الحديث وَفْقَ ضوابط تدفع اللبس دفعا, وتنير لنا الطريق.
- وعليه, فإنَّنا يجب أن نفهم القرب بين بعثة الرسول والساعة وَفْقَ اعتبارين: اعتبار لغوي, واعتبار شرعي.
- الاعتبار اللغوي:
· من سنن العرب في طرق تعبيرهم عن القرب أمران: المدة المقضية, واقع الشيء.
· أمَّا المدة المقضية؛ فإنَّه إن قضي أكثر من نصف المدة, فإنَّ الشيء قد قرب لديهم. وعليه, فإنَّه لمَّا كان بعث محمد e مؤذنًا بانتهاء الحياة الدنيا, كان قريبًا من الساعة, ويؤيد هذا الفهم ما رواه أنس من أن النَّبِي خطب عِنْد مغيربان الشَّمْس حَتَّى كَادَت تغرب، فقال: «مَا بَقِي من الدُّنْيَا فِيمَا مضى إِلَّا كَمَا بَقِي من هَذَا الْيَوْم فِيمَا مضى مِنْهُ». أي: لم يبق إلا شيء يسير من هذه الحياة الدنيا. فإن كان ذلك كذلك, فالعبرة ليست في الـ(1400) سنة, بل العبرة في نسبتها بما مضى من القرون المتطاولة.
· وأمَّا واقع الشيء؛ فإنَّ حكماء العرب وبلغاءهم يرون أنَّ كلَّ ما هو آتٍ لقريب, وقد أنشدوا: (فَلاَ زَالَ ما تَهْوَاهُ أقْرَبَ مِنْ غَدٍ), وبما أنَّ الساعة آتية: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾, فهي قريبة, بغضِّ النظر عن الـ(1400) التي قضيت وما سيقضى غيرها من السنين.
- الاعتبار الشرعي:
· الحديث في الحديث النبوي عن الساعة, وقد أنبأنا الله ونبأنا بقربها:
1) ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾, (القمر: 1).
2) ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾, (الأنبياء: 1).
3) ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوه﴾, (النحل: 1).
· سبحان الله, ثلاث سور تستهل بقرب الساعة, وهذه عظة وتذكرة لمن ألقى السمع وهو شهيد, فيها العِبرة والعَبرة!
· وهذا ليس بعجيب: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾, هذا ما خاطب الله به عباده, ونبههم أنَّ عشرة قرون لديهم يوم لديه, فليس لدين الإسلام يومان عند الله بعد. فتأمل.
4. وعليه, في ضوء الاعتبار اللغوي والشرعي نزيل اللبس والإبهام والغموض عن فهم الحديث, والله الموفق.
5. قولك: (لأن هذا يجعل الحديث لم يختص به سيدنا محمد):
ليس بالضرورة أن يختص قرب الساعة بسيدنا محمد, فكذلك عيسى عليه السلام قريب منها, حسب الاعتبار اللغوي.
6. قولك: (لأن الخطاب في الحديث موجه للناس بأيامهم هم):
ما يلزمك لإدراك واقع الكلام هو أن تحيط خبرا بأساليب العرب في كلامهم, وأن تفهم الحديث في ظل النص القرآني, والله الموفق.