الاستفسار رقم: (4):

يقول الله_ عزَّ وجلَّ _: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾, (الرحمن: 22). مع أن اللؤلؤ والمرجان لا يخرجان من نهر النيل, ولو كانت (مِنْ) سببية, أي: بسبب الالتقاء بين البحرين, لماذا لم يقل: (يخرج منه), أي البرزخ؟

الرد يكون كالآتي:
1. حتى نفهم الآية على وجهها, يجب أن نسبر غورها وَفْقَ طبيعة اللؤلؤ والمرجان والأسلوب الغوي.
2. من طبيعة اللؤلؤ والمرجان أنَّه يخرج من البحر ذي الملح الأجاج, وثمَّة رأي يُرجِّح أنَّ الماء العذب الفرات يكون بمثابة الملقِّح للبحر المالح؛ فينتج اللؤلؤ والمرجان؛ لذلك تكون (مِنْ) سببية.
3. وعليه, فإنَّني أقول:

أ- إن رجَّحنا أنَّ اللؤلؤ والمرجان لا يخرجان إلا من البحر ذي الملح الأجاج, فإنَّ التثنية تفهم وَفْقَ اعتبارين لغويين اثنين:
1) من أساليب العرب في كلامها أنها تحذف المضاف, فيكون التقدير: ﴿مِنْ إحداهُمَا﴾, وهو البحر المالح. ومن الشواهد على هذا الأسلوب البديع الآتي:
· ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ﴾, (الشورى: 29).أي: في إحداهما, وهي الأرض.
· ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾, (الزخرف: 31). أي: من إحدى القريتين، وهما: مكة والطائف.
· ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا﴾, (نوح: 16).أي: في إحداهن, وهي السماء الدنيا.
· ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾, (البقرة: 229). أي على أحدهما، وهو الزوج لأنه آخذ ما أعطى.
2) ومن أساليب العرب في كلامها ومن سننها, أنها تستخدم المثنى وتقصد المفرد, أو تنسب الفعل لاثنين والذي يقوم به واحد, نحو:
· ﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾, (الكهف:61).قد نسب الفعل لاثنين وهو لواحد: ﴿فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ﴾. وعليه, يكون نسب فعل خروج اللؤلؤ والمرجان للبحرين وهو للبحر المالح.
· أنشد أبو ثور: (فَإِن تَزجُرانِي يَا بنَ عفَّانَ أنزجِرْ), والأصل: فَإِن تَزجُرنِي؛ لأنَّ المخاطب فرد. وهكذا, هلمَّ جرًّا.

ب- وإن رجَّحنا أنَّ اللؤلؤ والمرجان يخرجان لالتقاء البحرين, فلا إشكال في ذلك, أي: في لفظ ﴿مِنْهُمَا﴾؛ لأن من سنن العرب في كلامها أن تذكر الاثنين وإن كان الخروج من أحدهما, ومن الشواهد على ذلك:
· ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾, (النساء: 1). مع أنَّ المولود يخرج من الأنثى, ولكن (مِنْ) هاهنا سببية؛ فناسب ذلك.

4. سؤالك: لماذا لم يقل: (يخرج منه), أي البرزخ؟
الجواب: لأنَّ البرزخ مكان يحول دون أن يبغي البحران, لا أن يلتقي البحران, وثمة فرق بين اختلاط البحرين والتقائهما, والسبب في الالتقاء وليس في عدم الاختلاط. فتأمل.
وعليه, من الخطأ لغة وحقيقة أن نقول: يخرج منه.