تابع ملحق ( 1 )

7- نظرية الكسب:
وهذا في الحقيقة من عجائب الأشاعرة والتي لم يفهموها هم فكيف بغيرهم ولهذا قيل:
مما يقال ولا حقيقة تحته
الكسب عند الأشعري والحال




معقولة تدنو إلى الإفهام
عند البهشمي وطفرة النظام


وخلاصة هذه النظرية: أن أفعال العباد خلق لله وكسب للعباد بمعنى: أن العبد إذا توجهت إرادته نحو عمل ما، خلق الله قدرة العبد وخلق معها الفعل فقدرة العبد مهمتها كسبالفعل، وقدرة الله مهمتها خلقالفعل، ومناط التكليف والثواب والعقاب على الكسب.
يقول الشهرستاني: "... الفعل الحاصل إذا أراده العبد وتجرد له ويسمى هذا الفعل كسباً فيكون خلقاً من الله تعالى إبداعاً، وإحداثاً وكسباً من العبد حصولاً تحت قدرته".
وكما ترون كلام -كما قلت- لم يفهموه هم حتى أن الرازي نفسه عجز عن فهمه فقال: "إن الإنسان مجبور في صورة مختار" فكيف يكون مجبوراً ويكون مختاراً؟
وقد أراد البغدادي أن يوضح هذه النظرية لأحد أصحابه فأتى بمثال لكي يشبه اقتران قدرة الله بقدرة العبد مع نسبة الكسب إلى العبد فقال: لو أن هناك حجز كبير، وقد عجز عن حمله رجل، وهناك رجل آخر يستطيع حمل الحجر لوحده، فإذا اجتمعا كليهما على حمل الحجر، كان حصول الحمل بأقواهما، ولا خرج أضعفهما بذلك عن كونه حاملاً.
ولاشك في فساد هذا المثال لمن تأمله.
فالأشاعرة بهذه النظرية خرجوا عن المنقول والمعقول وقد رد عليهم العلامة ابن القيم -رحمه الله- في شفاء العليل فقال: "إذا كان الإنسان ليس بفاعل حقيقة والفاعل هو الله -سبحانه وتعالى- وأفعال الإنسان قائمة لم تقم بالله فإذا لم يكن الإنسان فاعلها مع قيامها به فكيف يكون الله هو فاعلها؟ ولو كان الله فاعلها لعادت أحكامها إليه واشتقت له منها أسماء وذلك مستحيل إذ يتعالى -سبحانه وتعالى- عن ذلك فيلزم إذاً أن تكون أفعالاً لا فاعل لها، وهو باطل فما يؤدي إليه مثله.
خلاصة قول أهل السنة: أن العبد يفعل الفعل حقيقة، والله خالقه وخالق أفعاله.
ترتب على قول الأشاعرة بنظرية الكسب النقطة التي تليها:



8- التكليف بما لا يطاق:
تقول الأشاعرة بأنه يجوز أن الله يكلف عباده ما لا يطيقونه؛ لأن مشيئته مطلقة ولا يقبح منه شيء البتة.
يقول الشهرستاني في الملل والنحل وهو يحكي آراء الأشعري: "وتكليف ما لا يطاق جائز على مذهبه".
غير أن الأشاعرة يفرقون بين نوعين من التكليف:
الأول: ما يعجز عنه العبد لعدم القدرة عليه أصلاً كتكليف الأعمى أن يبصر، قالوا وهذا ما لا يكلف الله به.
الثاني: ما لا يستطيعه العبد لأنه صرف الجهد عنه وهذا جائز عندهم، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ}[(286) سورة البقرة] قالوا: لو لم يكن التكليف بما لا يطاق جائزاً لما دعوا الله أن لا يحملهم إياه.
والرد عليهم: بأن أول الآية صريح في عدم التكليف بما لا يطاق قال الله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}[(286) سورة البقرة] وكلام الله يحمل على ظاهره ولا يخرج من العموم إلى الخصوص إلا بحجة ظاهرة، أما القصد من الدعاء في قوله: {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} فيحتمل أن يراد به لا تحملنا من العذاب العاجل والآجل ما لا طاقة لنا به أو لا تشدد علينا كما شددت على بنى إسرائيل.
والعلامة ابن القيم في كتابة عدة الصابرين له رد نفيس على الأشاعرة في بدعتهم هذه فيقول -رحمه الله-: "وتأمل قوله تعالى: {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا}[(147) سورة النساء] كيف تجد في ضمن هذا الخطاب أن شكره تعالى يأبى تعذيب عباده بغير جرم كما يأبى إضاعة سعيهم... إلى أن قال: وفي هذا رد لقول من زعم أنه سبحانه يكلف ما لا يطيقه ثم يعذبه على ما لا يدخل تحت قدرته، تعالى عند هذا الظن الكاذب والحسبان الباطل علوا كبيراً" ص280.





9- الحسن والقبح:
مر معنا بأن الأشاعرة يغلبون جانب العقل في كثير من معتقداتهم ومن عجائبهم بل ومتناقضاتهم أنهم في مسألة التحسين والتقبيح ألغوا جانب العقل تماماً بل وحتى الفطرة وقالوا بأن مرد الحسن والقبح هو الشرع وحده وكأنهم بفعلهم وقولهم هذا رد فعل لقول المعتزلة الذين يقولون بأن الحسن والقبح يعرف بالعقل.
وترتب على أصلهم الفاسد هذا قولهم بأن الشرع قد يأتي بما هو قبيح في العقل، فإلغاء دور العقل تماماً أسلم من نسبة القبح إلى الشرع، ومثلوا لذلك بذبح الحيوان قالوا بأنه في ذبحه إيلام له بلا ذنب وهو قبيح في العقل ومع ذلك أباحه الشرع وهذا في الحقيقة هو قول البراهمة الذين يحرمون أكل الحيوان. ولابن القيم -رحمه الله تعالى- رد على الأشاعرة في مسألة التحسين والتقبيح في كتابه مفتاح دار السعادة وقد وساق آيات كثيرة كلها تدل على إثبات الحسن والقبح عقلاً مثل قوله تعالى: {يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ}[(157) سورة الأعراف] فلو كان لا معنى للمعروف إلا ما أمر به ولا المنكر إلا ما نهى عنه كما تزعمه الأشاعرة لكان معنى الآية: يأمرهم بما يأمرهم به وينهاهم عما ينهاهم عنه وهذا كلام ينـزه عنه آحاد العقلاء فضلاً عن كلام رب العالمين وهل دلت الآية إلا على أنه أمرهم بالمعروف الذي تعرفه العقول وتقر بحسنه الفطر ونهاهم عما هو منكر في الطباع والعقول. وأيضاً قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ}[(157) سورة الأعراف] فهذا صريح في أن الحلال كان طيباً قبل حله وأن الخبيث كان قبل تحريمه ولم يستفد طيب هذا وخبث هذا من نفس الحل والتحريم إلى غير ذلك من الآيات.
وخلاصة رأي أهل السنة والجماعة في الحسن والقبح: أنه يثبت بالعقل ويمكن للعقل أن يدرك حسن وقبح الأشياء لكن لا يترتب على هذا الإدراك أو هذه المعرفة ثواب ولا عقاب إلا بالشرع.
ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كلام ابن القيم في مفتاح دار السعادة فقد رد عليهم من 63 وجهاً. وأيضاً له كلام في شفاء العليل.
وكذلك رد عليهم في مدارج السالكين ج1 ص 230-236
ج3 ص 488-492




10- تأثير الأسباب في حصول المسببات:

الأشاعرة ينفون الاقتران الضروري بين الأسباب والمسببات<SPAN style="FONT-FAMILY: 'Simplified Arabic'; FONT-SIZE: 14pt" lang=AR-SA> ويقولون بأن الأسباب لا تأثير لها في حصول المسببات وأن التلازم الظاهر بين الأسباب والمسببات إنما يرجع إلى جريان العادة بحصول المسبب عند وجود السبب %u