كيف نشأت الماركسية..؟!

هذا السؤال وارد عقلا ومنطقا.. قبل أن نعرض المبدأ في ذاته.. ذلك أن الالمام بالظروف التي نشأت فيها الماركسية.. سواء الظروف المحيطة فكريا واقتصاديا.. أو الظروف الخاصة بصاحب المبدأ نفسه كل ذلك يعطي مزيدا من الضوء على السؤال كيف نشأت؟ أو لماذا نشأت..؟ ومن ثم وجب أن نعرض لهذه الظروف لنعرف إجابة السؤال.

أولا: ظروف أوربا وقت ظهور الماركسية

الماركسية نشأت كفكرة أول ما نشأت في أوربا
وأوربا تعاني محن القرن التاسع عشر
تعاني أولا محنة الدين
فالمسيحية كما نادى بها المسيح لم تعد موجودة أصلا..!
التوحيد فيها ـ وهو أصل كل دين سماوي نزل من عند الله ـ قد انتهى بما زعمه البعض من أن المسيح هو الله!

أو ما زعمه البعض الآخر من أن المسيح إبن الله
أو ما زعمه البعض الثالث من أنه ثالث ثلاثة ( الأب والإبن والروح القدس )!
والمحبة فيها ـ كأصل كبير جاءت به
قد انتهت..




فبإسم المسيحية تزحف الجيوش الصليبية تحمل الصليب لتقتل وتدمر شعوبا بغير حق إلا أن تقول ربي الله
وبإسم المسيحية كذلك.. تذيق بعض الشعوب ويلاتها..
وبإسم المسيحية كذلك تفترق المذاهب.. الكاثولكية، والأرثوذكسية والبروتستنتينية.. وتمضي ليكفر بعضها بعضا، وليحارب بعضها بعضا!


وأخيرا.. تنتهي المسيحية إلى مجموعة خرافات
.. صكوك غفران، وقرارت حرمان، وكراسي اعتراف
وحرب على العلم والعلماء لا تفتر ولا تهدأ، ومهادنة بل محالفة للظلمة من الملوك والحكام!
.. فلم يكن غريبا بعد ذلك أن ترتفع الصيحة:

)) اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس ((
ولم يكن غريبا أن تجد الصيحة من يسمع لها.. بل من يسارع إلى تنفيذها!!




وتعاني أوربا بعد محنة الدين محنة الفكر
محنة الفلسفة المغرقة في الخيال، تدعو إلى المثالية البعيدة عن الواقع وتهتف بها..
فكان ذلك التطرف إلى الخيال حربا بتطرف آخر إلى الحس والمادة تمثل فيما اعتنقت الماركسية من فلسفة مادية


وبعد المحنتين محنة الواقع الاقتصادي والاجتماعي
.. فالاقطاع بكل مظالمه يحكم أوربا.. تحميه الكنيسة ويحميه الحكام!
أصحاب المزارع يملكون الاقطاعيات الكبيرة.. وأكثر الناس يعملون فيها عبيدا أو قريبا من العبيد!
وأصحاب المصانع يملكون المصانع الكبرى.. ويستغلون جهد العمال بغير مقابل عادل
وهكذا ينقسم المجتمع إلى طبقتين..



طبقة صغيرة العدد.. تملك كل شيء وتعيش حياة الترف العامر
وطبقة كبيرة العدد.. لا تملك شيئا ولا تكاد تملك شيئا وتعيش حياة البؤس والشقاء


فلا غرو بعد ذلك.. أن تجد الصيحة الخبيثة )) يا صعاليك العالم اتحدوا فأمامكم عالم تغنمونه، وليس عندكم من شيء تفقدونه غير القيود والاغلال

لا غرو.. ان تجد لها آذانا تستمع لها.. وقلوبا بعد ذلك تهواها وتهفو إليها! ولا غرو.. بعد كل هذه الظروف..
أن تكون )) الماركسية (( هي الوريث الشرعي.. أو غير الشرعي.. لحضارة الغرب المتهالكة.. خاصة وأن أساس الحضارتين ( إن صحت التسمية ) أساسهما أساس مادي واحد!



أساس المبدأ الماركسي

من مادية فيورباخ، وجدلية هيجل أقام ماركس فلسفته على أساس من المادية الجدلية، وربطها بأربعة قوانين، وفسر تفسيرا ماديا، كما أرجع كل شيء في الاقتصاد إلى هذا الأساس المادي.
وصارت الماركسية في بصر أتباعها أشبه بالدين تفسر الكون والإنسان والحياة! وتعرض مذهبها في مجال الاجتماع والسياسة والاقتصاد .. وتنطلق من هذا المنطلق المادي محطمة كل أساس روحي!
والتقت مع الغرب على تقديس المادة وعبادتها .. لأنها أخذت عنه ذلك الأساس المادي الجدلي!
وحين واجهت العمل والتطبيق .. أفلست .. واضطرت إلى الخروج على أساسسها المادي الجدلي.

وفي المادة
اعتدت الماركسية بما تقع عليه الحواس، وأنكرت ما وراء ذلك، لأن ذلك كان المعنى السائد للمادة في القرن التاسع عشر!
واعتبر ماركس الفكر لاحقاً على المادة وتابعاً لها!
وحور لينين التعريف إلى أنها الوجود الموضوعي خارج الذهن..
وتتابعت الاكتشافات العلمية تكشف الماركسية وتعريها من الثوب العلمي وصارت الماركسية في حرج من أمرها.



وفي سنة 1963 اجتمع أكثر من عشرين عالماً بالاتحاد السوفيتي ليضعوا (( أسس الماركسية اللينينية فقرروا أن النشاط الذهني أو الفكري خاصة مميزة للمادة وليس شكلاً من أشكال المادة ))
وقرروا أن التوحيد بين الفكر والمادة في الوقت الحالي يعد من المفاهيم المادة المنحطة ـ ولم يوحد بينهما سوى ماركس ـ !



وفي الأعوام الأخيرة ..
خرج رجيه جارودي على الناس بكتابه التحول الكبير في الإشتراكية
فأجرى تحريكاً جديداً في الأساس المادي للماركسية.
فقرر الحزب الشيوعي الفرنسي فصله بعد أن كان يحتل مركز عضو المكتب الساسي وفيلسوف الحزب ..LE GRAND TOURNANT DE SOCIALISME وأعقب ذلك .. رفض الحزب الشيوعي الفرنسي للدكتاتورية البروليتاريا.
وأعقبه في ذلك الحزب الشيوعي الإيطالي!



وفي الجدل: أخذ ماركس من هيجل مبدأ التناقض ..
أي قيام كل عنصر مادي على نقيضين .. وما استتبع ذلك من تفسير .. للحياة أو للتاريخ ..
وربما كان ماركس مغروراً بعمله المحدود يومئذ بالقرن التاسع عشر الذي كان يقوم على اعتبار الطبيعة قائمة على عنصرين: الطاقة والمادة

...يُبتع