في مسجدنا لا يصلي أحد تجاه القبلة .

إنها خاطرة لطالما أحببت التحدث عنها ، وفي كل مرة أقول لعل هناك أمل في إصلاح البعض ..

ولكن لم يعد هناك أمل ..

في الشارع المجاور لشارعنا يقع مسجد المنطقة .. وهو مسجد كبير نوعا ما ، تصلي فيه جماعات كثيرة من الناس فروض الله .. وهو الأشهر بين مساجد الجوار .. لنشاطه الدعوي الملحوظ ، وقد صلى فيه قبل ذلك بعض علمائنا الذين نتابعهم الآن على شاشات الفضائيات بين الحين والآخر .

ونظرا للأعداد الغفيرة من الناس الذين يقيمون صلاتهم هناك يوم الجمعة من كل أسبوع لجأ المسئولون عن المسجد بفرش (حصير) خارج المسجد حتى يستوعب هذا العدد الهائل من المصلين .

وفي إحدى الجُمَع منذ عدة أسابيع ذهبتُ إلى المسجد متأخرا وكان قد امتلأ عن آخره ، وبدأت صفوف المتأخرين الذين حرمهم الله ثواب الصفوف الأولى - أمثالي - تصطف خارج المسجد على (الحصير) المعد لهذا الغرض .

أخذت مكاني في إحدى الصفوف واستقبلت القبلة - جهة اليسار قليلاً - كما نصلي في أغلب مناطق الجمهورية بسبب موقعها الجغرافي من مكة المكرمة .. وكبّرت لأصلي تحية المسجد ، لاحظت وأنا أصلي بأن الأخ الواقف أمامي لا يصلي تجاه القبلة ، وإنما يُصلي إلى الأمام مباشرة (دون أن يتوجّه إلى اليسار قليلا) .

فظننت أنه قد نسي ، او غفل ، أو حتى جهِل ، وعزمت أن أنبّهه بعد انتهائي من الصلاة ، فلما سلّمت اقتربت منه وأخبرته باتجاه القبلة فنظر إلي نظرة صامتة ولم يرد ، فعدت إلى مكاني في هدوء وقد احمرت وجنتاي من هذا الإحراج ، ولكنني فوجئت بأن (كل) المصلين حولي لا يتجهون إلى القبلة ، وعلى هذا الحال تجمهرت الجموع أفواجا أفواجا لا يصلي أحد منهم تجاه القبلة ، فلما فرغ إمامُنا من خطبته وأقيمت الصلاة وساوى الصفوف اصطفت الجموع خارج المسجد ناظرين إلى غير اتجاه القبلة - بالوضعية التي أسلفتُ - وشرعوا في صلاتهم .. وكم كان منظري غريب في وسطهم وأنا أشذ عن قاعدتهم ولا أتوجه إلى قبلتهم .. بل وأدعوهم إلى قبلتي فلا يستجيب أحد إلي .. وأوجّه جاري إلى القبلة بيدي فلا يتوجه إليها .. فأنظر إلى الصفوف من أمامي ومن خلفي فأجدهم على غير اتجاه القبلة .

لا أذكر أنني قد فقهت شيئا من صلاتي يومها .. فقد كنت في وادٍ آخرٍ من الدهشة والاستغراب والحيرة ..

واجهتني يومها صعوبة شديدة جدا في أداء الصلاة باطمئنان وراحة خاصة حين كان الإمام يكبر للسجود فلا أجد فراغا أسجد فيه ، بعد ان أغلق علي جاري الذي يقف إلى يساري الطريق ، فلا أجد مكانا أسجد فيه إلا تحت إبطه .

الطريف في الأمر ، أنني طوال الصلاة كنت أسأل نفسي : "هو في إيه ؟" ، "معقول البشرية دي كلها غلط وانت اللي صح ؟" ، "طب مش ممكن تكون الحكومة غيرت اتجاه القبلة يا أمير ؟" ، "طب غيرته إمتى ! ، ما أنا بقرأ الجرنال كل يوم ومافيش الكلام ده" ، ثم أفيق من هذه التخاريف وأكلم نفسي : "حكومة إيه اللي هتغير القبلة يا عم أمير ، انت فطرت فول مدمّس النهارده ولا إيه ؟ ده اكيد قرآن جديد نزل وانت ماتعرفش" ، "لالالالالا أنا أكيد بحلم ، مافيش وحي هينزل بعد القرآن يا أخي".

"أومال إيه بأه" !!!!

لم أنتبه إلا والإمام يجهر بالتسليم معلناً انتهاء الصلاة .. فنظرت إلى جاري الأيسر الذي يصلي إلى جانبي : و(سألته) - خلو بالكم من كلمة سألته دي - وقلت : هي القبلة مش كده ؟!! وأشرت بيدي تجاه القبلة .. فنظر متبسما ومد يده يسلّم علي ويقول : تقبل الله .

فنظرت إلى الرجل الذي يقف عن يميني وقلت له : الكاميرا الخفية دي مش كده ؟


يتبع ...

p;hdm ls[]kh