وفي صحيح الإمام مسلم من طريق عامر بن واثلة أن نافع بن عبدالحارث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال : مـن استعملت على أهل الوادي ؟ فقال : ابن أبزى ، قال : ومن ابن أبزى ؟ قال : مولى من موالينا ، قال : إنه قارئ لكتاب الله – عز وجل - وإنه عالم بالفرائض . قال عمر : أما إن نبيكم ، صلى الله عليه وسـلم ، قد قال : " إن الله يرفـع بهذا الـكتاب أقواماً ويضع به آخرين " ([1])

وجاء عند أبي داود ([2]) والترمذي ([3]) بسند حسن من طريق سفيان عن عاصم بن أبي النجود عن زر عن عبدالله بن عمرو عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : " يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منـزلتك عند آخر آية تقرأ بها " .
وعلى طالب العلم أن يحرص كل الحرص على قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه فالعلم كله في القرآن . وحفظ القليل من القرآن مع التدبر والتفكر والعمل به خير من حفظ الكثير بغير تدبر ولا تفهم ولا عمل . وقوله ، صلى الله عليه وسلم ، فيما تقدم : " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين " هذا إذا عمل بمحكمه وآمن بمتشابهه ، وأحل حلاله وحرم حرامه ، أما إذا ضيع أوامره وارتكب نـواهيـه فـليس له حظ ممـا دل عـليـه الحديث ، وقد روى ابن حبان ([4]) بسند حسن من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابرعن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : " القرآن شافع مشفع وما حل مصدق ، مـن جـعله إمـامـه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار " .

فإن حفظ القرآن كله فقد نال أفضل الأعمال وأسنى المقامات ، فإن عسر عليه حفظ القرآن كله فليحفظ ما يقدر عليه بعد حفظ الواجب ، وليحرص كل الحرص على حفظ ما يمكن حفظه ، وليكن اعتناؤه بالسور التي جاءت فيها فضائل كالبقرة وآل عمران . وقد جاء فيهما خبر عظيم ، ففي صحيح الإمام مسلم ([5]) من طريق معاوية بن سلاّم عن زيد أنه سمع أباسلاّم يقول حدثني أبو أمامة الباهلي قال : سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : " اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ، اقرءوا الزهراوين : البقرة وسورة آل عمران ؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما ، اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة "

وحفظ ما يجب من القرآن و الواجب الفاتحة واختلف فيما زاد – مقدم على طلب العلم ، وطلبُ علم ما يجب على المسلم عيناً مقدم على حفظ مالا يجب من القرآن . وقد سئل أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أيما طلب القرآن أو العلم أفضل ؟
فأجاب : أما العلم الذي يجب على الإنسان عيناً كعلم ما أمر الله به وما نهى الله عنه فهو مقدم على حفظ مالا يجب من القرآن فإن طلب العلم الأول واجب وطلب الثاني مستحب ، والواجب مقدم على المستحب .






------------------------------------------------

([1]) مسلم ( 6/98) – نووي ) .
([2]) (1464) .
([3]) (2914) .
([4]) ( ح1/331) .
([5]) مسلم ( 6/89) – نووي )