المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اليهود واليهودية والصهيونية والصهاينة الجزء الأول



الصفحات : 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 [16] 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54

ساجدة لله
2010-10-23, 05:55 AM
وغني عن القول أن الجهد الفكري الأساسي في هذه الموسوعة ينصب على محاولة صياغة مجموعة من النماذج التحليلية المركبة وتوضيح العلاقة بينها وربطها وتطبيقها على مجموعة من النصوص والظواهر اليهودية والصهيونية. وقد تمت عملية التفكيك والتركيب في إطار مسلمات جديدة، ومن هنا فهي موسوعة تأسيسية.


المقدرة التنبؤية للنموذج
يمكن القول بأن النموذج كلما ازداد إحاطة بجوانب الظواهر وأبعادها المختلفة، أي كلما ازداد تركيبية، زادت مقدرته التفسيرية والتنبؤية. ونحن نرى أن استرداد العامل الإنساني (بدوافعه ورؤاه وذكرياته وأحزانه وأفراحه ومصالحه ومصلحته الحقيقية والمتخيلة) هي أهم عناصر التركيب، ومن ثم أهم العناصر في زيادة المقدرة التنبؤية للنموذج. وقد يكون من المفيد أن أضرب مثلاً بمحاولة سابقة قمت بها في محاولة رصد الواقع من خلال نموذج مركب وكيف أن زيادة التركيب تؤدي إلى زيادة المقدرة التفسيرية والتنبؤية. فقد نشرت في جريدة الرياض (المملكة العربية السعودية) مقالاً بعنوان "إلقاء الحجارة في الضفة الغربية" وذلك في 24 فبراير 1984. وتنبأت في هذا المقال بأن استخدام الحجارة سيكون أحد أشكال النضال الأساسية. والواقع أنني توصَّلت إلى هذه النتيجة من خلال عملية مركبة للغاية بدأت بإدراكي للمنحنى الخاص للوضع في الضفة الغربية. كنت أتحدث في القاهرة مع إحدى طالباتي الفلسطينيات من غزة، ولاحظت مدى ازدرائها للإسرائيليين وعدم خوفها منهم. وبدأت ألاحظ أن فلسطينيي الداخل غير منكسرين على عكسنا نحن عرب الخارج، فالفاعل الإنساني العربي هنا قوي متماسك. ثم قرأت إعلاناً عن إحدى المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية، فلم أجد فيه إشارة واحدة لأرض الميعاد أو صهيون أو المُثُل "العليا" الصهيونية، أي أن الفاعل الإنساني الصهيوني محايد غير مكترث، متمركز حول ذاته.

وبعد أن استرجعت كلاً من الفاعل الإنساني العربي والصهيوني، بدأت أرصدهما في تفاعلهما ومواجهاتهما اليومية، فأدركت أن الفاعل الصهيوني يدرك العالم من خلال حرصه الشديد على المعدلات الاستهلاكية مادية العالية التي يتمتع بها، ولذا فهو لا يملك إلا أن يسقط هذه الرؤية على العرب فيدركهم من خلال رؤيته هو للعالم. إنطلاقاً من هذا أشرت ـ في مقالي ـ إلى الوهم الإسرائيلي الذي يستند إلى الرؤية المادية بأن «المقاومة قد اجتُثَّت تماماً من جذورها» وأن هناك علامات وقرائن على ما سماه الجنرال بنيامين بن أليعازر (منظم الأنشطة في الضفة الغربية وحاكمها العسكري) " الاتجاه المتردد أو الحذر نحو البرجماتية " والذي يعني في نهاية الأمر «التكيف مع الأمر الواقع وتَقبُّله» (الجيروساليم بوست 14 نوفمبر 1983). وقد رأى الجنرال إمكانية تقوية هذا الاتجاه عن طريق إنشاء عدد أكبر من البنوك والشركات الاستثمارية، أي عن طريق إشباع حاجات العرب الاقتصادية وإغراق هويتهم، الأمر الذي يؤدي إلى استغراقهم فكرياً في أمور الدنيا والمال بدلاً من قضايا الوطن والأرض والهوية!

ساجدة لله
2010-10-23, 05:55 AM
ولم تكن الولايات المتحدة بعيدة عن هذا الاتجاه التطبيعي البرجماتي، فقامت الولايات المتحدة (كما أذكر في المقال) بمد يد المساعدة إلى الجنرال الإسرائيل المذكور، فدُعي إلى الولايات المتحدة ليجتمع مع وزير الخارجية الأمريكية وكبار موظفي الوزارة ليبحث معهم كيفية تحسين مستوى معيشة العرب في الأرض المحتلة (أي مزيد من البنوك) وكيف يمكن أن تساهم الولايات المتحدة في تخفيف حدة بعض جوانب الاحتلال الإسرائيلي عن طريق المساعدات الفنية والتنموية.

وبعد أن عرضت للرؤية الصهيونية المادية الاختزالية للعرب، حاولت أن أحدد الحالة العقلية والنفسية للصهاينة والأهداف المحددة التي يرمون إلى إنجازها، فوصفت الاستعمار الصهيوني بأنه استعمار استيطاني إحلالي لا يود استغلالنا أو استغلال مواردنا الطبيعية وحسب (كما كان الحال مع الاستعمار الإنجليزي في مصر) وإنما يرمي إلى ما يلي:

1 ـ استلاب الأرض.

2 ـ العيش فيها ناعماً براحة البال والهدوء.

3 ـ أن يسلبنا أسباب الحياة والاستمرار حتى نرحل من الأرض ليحل محلنا فيها.

والمستوطنون الصهاينة، في تصوُّرنا، هم أساساً مرتزقة، ولكن بينما كان القدامى منهم على استعداد لتَحمُّل شظف العيش وإرجاء الإشباع وانتظار المكافأة المادية المؤجلة، نجد أن المستوطنين الجدد، مع تَزايُد معدلات العلمنة، يُصرون على تحقيق مستويات معيشية وأمنية عالية عاجلة دون تأجيل. ولذا، فإن المنظمة الصهيونية تدفع لهم الرشاوي الباهظة على هيئة منازل مريحة وطرق مُعدَّة خصيصاً لهم ومدارس لأطفالهم وحراسة مشددة حتى ينعموا بالعيش في هواء «أرض الميعاد المكيَّف». إن النموذج الإدراكي للصهاينة نموذج آلي اختزالي مادي، وبالتالي كانت رؤيتهم للعرب ولأنفسهم آلية اختزالية مادية.

ساجدة لله
2010-10-23, 05:56 AM
في مقابل ذلك، رصدت موقف العرب فلاحظت أنهم يرفضون الانصياع للنموذج الاختزالي المادي الذي يُطبَّق عليهم. وقد لاحَظ الجنرال بن أليعازر نفسه أن العرب يُلقون بالحجارة على الإسرائيليين، وصرَّح لجريدة معاريف (14 نوفمبر 1983) بأنه قرر وضع حد لظاهرة إلقاء الحجارة. ثم بعد يومين اثنين، اصطحب الجنرال الإسرائيلي البرجماتي أحد مؤسسي روابط القرى لافتتاح مبنى بلدية جديد في إحدى مدن الضفة. ولكن الجماهير الفلسطينية العنيدة لم تُبد أية برجماتية أو اعتدال أو تَقبُّل للقانون الطبيعي المادي، ولم تُقابل أبطال البنوك والاستثمارات بالزهور وإنما بالحجارة (الجيروساليم بوست 16 نوفمبر 1983. وقد أشرت في المقال إلى وقائع عديدة أخرى عن إلقاء الحجارة أدَّت إلى غضب المستوطنين الصهاينة وإلى مطالبتهم الجيش الإسرائيلي بالتدخل لوضع حد لهذه الظاهرة. بل إن رئيس وزراء الكيان الصهيوني (كما ورد في الجيروساليم بوست 24 يناير 1984) اجتمع مع عضوي الكنيست من كتلة هتحيا وأخبرهما بأن إلقاء الحجارة من أسباب قلقه العميق ووعد بأن يدرس القضية شخصياً.

بعد أن رصدت ما تصوَّرته النموذج الإدراكي للفلسطينيين العرب وتَصوُّرهم لأنفسهم، حاولت أن أرصد إدراكهم لحالة الإسرائيليين النفسية والعقلية ولنموذجهم الإدراكي، فقلت بالحرف الواحد: "إن مواطني الضفة الغربية أدركوا أن كل ما يُنغِّص على المستوطنين (مكيفي الهواء) حياتهم هو في نهاية الأمر إحباط للمخطط الصهيوني"، ومن هنا أصبح إلقاء الحجارة سلاحاً أساسياً في الضفة الغربية. وتنبأت في المقـال نفسه بأن هذا السـلاح، رغم ضعفه وبدائيته، قد أصبح سلاحاً فعّالاً ستزداد أهميته.

والواقع أنني وصلت إلى ما توصلَّت إليه من نتائج لا من خلال عملية رصد خارجية لأحداث لا معنى لها تتم على مساحة، وإنما من خلال مراقبتي لبشر لهم رؤية محدَّدة تحدِّد استجابتهم وتوقعاتهم وبالتالي سلوكهم. فالصهيوني الذي يحاول أن يرفع مستوى معيشة العرب، حتى ينسوا الوطن والهوية، هو نفسه الذي يودُّ أن يتمتع بحمام السباحة في المستوطنة والذي يصر على مستويات عالية من الراحة والمتعة. والعربي الذي يرفض الانصياع للرؤية البرجماتية التي تودُّ تطبيعه وتدجينه هو نفسه القادر على أن يدرك التآكل الداخلي للمستوطنين وتحولهم إلى شخصيات شرهة مستهلكة غير منتجة. من هنا الحجر الذي قد لا يَقتُل ولكنه يُعكر صفو المستوطنين ويُسقط معنى حياتهم. ومن هنا كانت الانتفاضة.

وتهدف هذه الموسوعة إلى تحسين المقدرة التنبؤية عند العرب عن طريق صياغة نماذج تفسيرية مركبة تتسم بقدر معقول من العمومية والخصوصية.

ساجدة لله
2010-10-23, 05:58 AM
الباب الثانى: أنواع النماذج

أنواع النماذج: مقدمة

ليست كل النماذج نوعاً واحداً. ويمكننا تصنيف النماذج على عدة أسس:

1 ـ يمكن تصنيف النماذج على أساس مدى الكمون أو الظهور (الوعي أو عدم الوعي):

- أهم أنواع النماذج الواعية هو ما نسميه «النموذج التحليلي». ويتسم هذا النموذج بأن من يستخدمه واع به تمام الوعي إذ يقوم الباحث بصياغة النموذج بشكل واع لرصد وتحليل الظواهر. ومثل هذا النموذج عادةً ما يتسم بقدر عال من التكامل والاتساق المنطقي الداخلي. وعادةً ما يحاول الباحث صاحب النموذج أن يوضح للمتلقي مسـلماته الكلية الكامنة. لكن وعي صاحـب النموذج التحليلي بنموذجه لا يعني أنه قد نفض تحيزاته عن نفسه تماماً، فهو ولا شك يخضع لنفوذ النموذج الإدراكي الذي ورثه عن مجتمعه وبيئته. ويمكن أحياناً أن يكون النموذج التحليلي هو نفسه النموذج الإدراكي.

- مقابل النموذج التحليلي الواعي (والمتتاليات المثالية المُفترَضة)، نضع «النموذج الإدراكي الكامن» غير الواعي، أي النموذج الذي يُوجِّه سلوك الناس دون أن يعوا وجوده فهو يُشكِّل رؤيتهم للكون، ويُشبه قواعد اللغة الأم بالنسبة للمتحدث بها. فنحن حين نتحدث العربية لا نفكر في المبتدأ والخبر ولا في أي من القواعد التي نستخدمها إذ أننا استبطناها تماماً. والنماذج الإدراكية (غير الواعية) عادةً ما تكون غير متجانسة ولا تتسم بالنقاء أو الاتساق، بل كثيراً ما تحوي أفكاراً متناقضة مع المنطق الأساسي للنموذج (ولذا نُفضِّل تسمية هذه النماذج بـ «المنظومة»(.

ساجدة لله
2010-10-23, 05:58 AM
2 ـ ويمكن تصنيف النماذج على أساس مدى يقينيتها واستقرارها واحتماليتها:

- والنماذج المستقرة هي تلك التي تم تجريبها واكتسبت قدراً معقولاً من اليقينية، فهي «نماذج تفسيرية مستقرة».
- أما النماذج الاحتمالية، فهي لا تزال فرضية منفتحة تحاول أن ترصد ما هو كامن لترى هل سينتقل من عالم الإمكان إلى عالم التحقق أم لا، كما أنها محاولة لرصد ما هو مجهول لنرى هل هو موجود بالفعل أم هو مجرد وهم، فهي «نماذج تفسيرية احتمالية».

3 ـ ويمكن تصنيف النموذج من واقع عملية التفكيك والتركيب ونوعيتها:

- فالتجريد يمكن أن يكون تفكيكاً بدون تركيب وثمرة هذه العملية هي «النموذج التفكيكي».

- ويمكن أن يكون تفكيكاً ثم تركيباً على أسس جديدة. في هذه الحالة، يمكن القول بأن النموذج «نموذج تأسيسي» لأنه لم يكتف بتحليل الواقع أو النص من خلال المسلمات القائمة وإنما أعاد التفسير من خلال مسلمات ورؤية جديدة.
4 ـ يمكن تصنيف النماذج على أساس انفتاحها وانغلاقها:

- فإن كان النموذج يحتوي على عناصر معروفة مضبوطة بحيث تكون النتائج كامنة تماماً في المقدمات، فهو «نموذج مغلق» أو «نموذج تكامل عضوي».

- أما إذا كان النموذج يعترف بالمجهول ويحتوي على عناصر من المعروف والمستقر وعناصر احتمالية وعنده مقدرة على اكتشـاف الجـديد وغير المـادي فهو «نمـوذج مفتوح» أو «نموذج فضفاض» أو «نموذج تكامل غير عضوي».

ساجدة لله
2010-10-23, 05:58 AM
5 ـ ويمكن تصنيف النماذج من منظور تركيبيتها واختزاليتها:

- فإن كان النموذج بسيطاً، ينطوي على عنصر واحد أو عنصرين، فإنه سيختزل الواقع بأسره إلى هذا العنصر أو هذين العنصرين، والنموذج هو «نموذج اختزالي».

- أما إذا كان النموذج مركباً ينطوي على عدة عناصر ومنفتحاً على العناصر التي قد تجدُّ وعلى ما هو مادي وغير مادي فهو إذن «نموذج مركب».

6 ـ ويمكن تصنيف النموذج على أساس درجة ارتباطه بالزمان والمكان أو تَجرُّده منها:

- فإن كان عنصر الزمان والمكان واضحاً فيه، فهو «نموذج تعاقبي». ويرتبط بالنموذج التعاقبي مفهوم المتتالية النماذجية، وهي حلقات تَحقُّق النموذج في الزمان والمكان.

- أما إذا بهت عنصر الزمان واختفى فهو «نموذج تزامني» أو «نموذج بنيوي» يركز على البنية وحدها دون التعاقب التاريخي.

- ويمكن أن تستمر درجة التجريد إلى أن نصل إلى «النموذج الأوَّلي» (بالإنجليزية:آرك تايب archetype)، وهو نموذج يتكرر عَبْر كل الأزمنة والأمكنة في اللاوعي الجمعي عند البشر، مثل اليهودي التائه أو فاوستوس أو السندباد البحري أو النبي الذي لا كرامة له في وطنه أو الشاطر حسن، وهو نموذج ساكن يتعامل مع الثوابت متحرراً تماماً من الأزمنة والأمكنة.

- ويمكن أن يصل التجريد درجة عالية تصل بنا إلى النماذج الرياضية أو اللغوية التي تحاول دراسة الواقع الإنساني من منظور العلاقات الرياضية أو القواعد اللغوية وهذه هي «النماذج البنيوية».

ساجدة لله
2010-10-23, 05:58 AM
7 ـ ويمكن تصنيف النماذج على أساس الهدف الذي يرمي صاحب النموذج إلى تحقيقه:

- فإذا كان صاحب النموذج يتعامل مع الواقع (وخصوصاً الطبيعي/المادي) باعتباره مجموعة علاقات بسيطة يمكن رصدها بدقة، كما هي، فهو «نموذج موضوعي» (وعادةً «مادي»).

- أما إذا كان صاحب النموذج يتعامل مع الواقع (وخصوصاً الإنساني) باعتباره مجموعة علاقات بين عناصر بعضها معروف وبعضها مجهول وأن هذه العلاقات مركبة إلى أقصى درجة، ومن ثم فشرحها شرحاً كاملاً وردها إلى قوانين عامة مجردة أمر مستحيل ومن ثم لا مناص من أن يقنع الإنسان بعملية التفسير، فهو «نموذج تفسيري».

8 ـ يمكن تقسيم النماذج على أساس مفهوم العقل وعلاقته بالواقع وطبيعة الإدراك:

- فإن كان النموذج ينطوي على تَصوُّر للعقل باعتباره سلبياً متلقياً، فهو «نموذج متلقي».

- وإذا كان النموذج ينطوي على مفهوم للعقل باعتباره مبدعاً في أية عملية إدراكية، فهو «نمـوذج اجتهادي».

9 ـ ويمكن تصنيف النماذج على أساس فكرة التراكم والتوليد:

- فإن كان النموذج موضوعياً، كان اكتسـاب المعرفة عملـية تراكم (على صفحة العقل) وكان النموذج «نموذجاً تراكمياً».

- وإن كان النموذج تفسيرياً، فإن اكتساب المعرفة لا يكون عملية تراكم وإنما هي أيضاً عملية إبداع وتوليد (من داخل العقل)، وكان النموذج «نموذجاً توليدياً».

10 ـ ويمكن تصنيف النماذج على أساس مدى واقعيتها ومثاليتها:

ساجدة لله
2010-10-23, 05:58 AM
- فإن أخذنا مفهوم «مثالي» بمعنى «مُتخيَّل» أو «غير متحقق بعد» أو «ما ينبغي أن يكون»، فإننا نضع «النموذج المتحقق الفعلي» مقابل «النموذج المثالي» أي الذي لم يتحقق بعد، ويكون النموذج حينذاك منتمياً إلى عالم الآمال والتوقعات والبرامج الثورية. فالاشتراكية في الاتحاد السوفيتي كانت حلماً وصورة مُتخيَّلة إذ تصوَّر الناس أنهم لو فعلوا كذا وكذا لحققوا العدالة في المجتمع والسعادة للأفراد. ونحن نذهب إلى أن النموذج يتحقق من خلال متتالية متعددة الحلقات، وما حدث في المجتمع الاشتراكي أنه حينما تتابعت حلقاته ظهر أن النتيجة النهائية (المتتالية التي تحققت بالفعل) عكس ما كان مُتوقَّعاً (المتتالية المفترضة أو المثالية)، وأن الأحلام لم تكن سوى كوابيس.

- ولكن كلمة «مثالي» تعني أيضاً أنه يدور في إطار المرجعية المتجاوزة للمادة. و«النموذج المثالي» بهذا المعنى هو النموذج الذي يحوي عناصر لا تنتمي للواقع المادي وتتجاوزه. ويمكن أن نضعه مقابل «النموذج الواقعي أو المادي» الذي يدور في إطار الطبيعة/المادة.

11 ـ ويمكن تصنيف النماذج على أساس الصورة المجازية الأساسية الكامنة فيها فنقسمها (على سبيل المثال) إلى «نماذج عضوية» وأخرى «آلية» أو «جيولوجية تراكمية».

12ـ ويمكن تصنيف النماذج على أساس مضمونها المباشر:

- فيمكن أن يكون المضمون هو السياسة فنقول «نموذج سياسي» أو «نموذج اقتصادي» وهكذا.

- من أهم أنواع النماذج «النموذج الحضاري» وهو النموذج الذي نتصور أنه النموذج الحاكم في حضارة ما. ودراسة هذا النوع من النماذج محفوف بالمخاطر لأن الأبعاد والاتجاهات الحضارية التي يتم التعميم بناءً عليها، عناصر غير محسوسة أو ملموسة، توجد كامنة في الواقع، داخل آلاف التفاصيل التي لا يمكن فصلها الواحدة عن الأخرى، وهي ليست تفاصيل عادية وإنما مرتبطة بالمعنى الرمزي الذي يُسقطه الفاعل الإنساني عليها. ولذا فالتعميم، بناءً على مثل هذه الأبعاد والاتجاهات، أكثر خلافية وأقل يقينية من التعميم بناءً على العناصر الاقتصادية والسياسية. ولذا فحينما نتحدث عن النموذج الحضاري الغربي الحديث، فنحن نفعل ذلك بكثير من الحيطة والحذر.

- نحن نذهب إلى أن نموذج التأرجح بين الواحدية الذاتية (التمركز حول الذات) والواحدية الموضوعية (التمركز حول الموضوع) وبين الصلابة والسيولة هو نموذج عام له مقدرة تفسيرية عالية.

- ومن أهم النماذج التي ظهرت مؤخراً نموذج الما بعد (كما في مصطلح «ما بعد الحداثة»(.

ساجدة لله
2010-10-23, 05:58 AM
ورغم أننا قمنا بفصل هذه النماذج بعضها عن بعض، فإن هذا ضرورة تحليلية وحسب، فكل النماذج رغم اختلاف مضامينها وبنيتها مترابطة. فالنموذج، مهما بلغ من سطحية ومباشرة، يحوي بُعداً معرفياً نهائياً. وأي نموذج تفسيري، تحليلي أو إدراكي، يتسم بصفات مختلفة حيث إن نموذجاً ما يمكن أن يكون نموذجاً تفسيرياً اجتهادياً توليدياً مركباًً ويكون الآخر نموذجاً موضوعياً متلقياً تراكمياً اختزالياً، وهكذا. وعادةً ما تتسم النماذج المادية الموضوعية بالتراكمية والاختزالية والانغلاق، فهي تطمح إلى أن تَردَّ الواقع بأسره إلى مستوى واحد تدركه الحواس، أما ما لا تُدركه الحواس فلا وجود له. كما أنها تحاول أن تفسر الواقع تفسيراً شاملاً يحيط بكل جوانبه وأن تصل إلى مستوى عال من اليقينية. هذا على عكس النماذج التي تصدر عن رؤية مادية وغير مادية في آن واحد، فهي نماذج تفسيرية اجتهادية تتسم بالتوليدية والتركيبية والانفتاح، تطمح للوصول إلى مستوى معقول من التفسيرية ولا تطمح إلى الوصول إلى تفسيرات جامعة مانعة، ولذا فهي تقنع بقدر معقول من اليقينية دون محاولة للوصول إلى اليقينية التامة.

وقد استخدمنا كلمة «نموذج» في هذه الموسوعة للإشارة لكل هذه المدلولات. وحاولنا توضيح المعنى المقصود إما صراحةً أو من خلال السياق.

ساجدة لله
2010-10-23, 05:59 AM
النموذج التصنيفى
«صَنَّف الأشـياء» عبارة معناها: جعل الأشـياء أصنافاً وميَّز بعضها عن بعض. ومن ذلك تصنيف الكتب وتصنيف العلوم. التصنيف، إذن، هو أن تجعل الأشياء أصنافاً وأضرباً على أساس يَسهُل معه تمييز بعضها عن بعـض، أو أن تُرتَب المعاني بحـسب العلاقات التي تربط بعضها بالبعض الآخر كعلاقة الجنس بالنوع أو الكل بالجزء. والنظام التصنيفي نظام هرمي بالضرورة يفترض وجود مركز وهامش، وقمة وقاع، ومهم وغير مهم. وهناك أسس تصنيفية عديدة، كل تصنيف له منطقه الخاص. فيمكن أن يتم التصنيف على أساس الانتماء الديني أو على أساس الانتماء العرْقي، كما يمكن التصنيف على أساس تاريخي أو على أساس بنيوي، المهم أن يتم التصنيف من خلال نموذج تفسيري يمكنه أن يبيِّن ما هو مهم ومركزي في ظاهرة ما. فالرصد الموضوعي الأفقي التراكمي يأتي بالمعلومات والمعطيات المختلفة ولكنه لا يمكنه ترتيبها أو تصنيفها إلا بشكل سطحي أو عشوائي، كأن يصنفها على أساس ألفبائي أو على أساس أي عنصر ثانوي يرد فيها. فيُقال إن قصة " ذات الرداء الأحمر " هي قصة عن الذئاب أو عن الغابة أو عن النبات أو عن اللون الأحمر وليس عن الانتقال من البراءة إلى الخبرة أو المواجهة بين الإنسان والطبيعة... إلخ. كما أن الرصد الموضوعي قد يكون عاماً جداً فيُقال " تعاملت هذه الدراسة مع اليهود " دون تخصيص أو تحديد.

وهذه الموسوعة تطرح نموذجاً تفسيرياً جديداً، ومن ثم فإن منطقها التصنيفي مختلف عن الدراسات الأخرى. على سبيل المثال، نحن نرى أن الصهيونية حركة ليست ذات جذور يهودية وإنما حركة ذات جذور غربية استعمارية تهدف إلى تخليص أوربا من اليهود عن طريق توطينهم في فلسطين، ومن ثم فنحن نرى أنها لا تُوضَع (أو تُصنَّف) كمقابل ظاهرة العداء لليهود وإنما هي امتداد لها. وقد طُرحت الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة بعد صياغتها على أيدي بعض المفكرين غير اليهود على الجماهير اليهودية، وفي بعض الأحيان فُرضت على هذه الجماهير فرضاً. ومن هنا، يصبح عداء بلفور لليهود أمراً بالغ الأهمية، وتصبح شخصية مثل ألفريد نوسيج، الذي شارك في تأسيس الحركة الصهيونية مع هرتزل (لتخليص أوربا من اليهود) ثم امتد به العمر ليُقدِّم للجستابو مخططاً لإبادة يهود أوربا، ليس مجرد شخصية هامشية تشكل انحرافاً عن مسار الصهيونية وإنما يجب تصنيفه باعتباره شخصية نماذجية دالة، ومن هنا أهمية معاهدة الهعفراه بين النازيين والصهاينة. وقد طرحنا أيضاً نموذج الجماعة الوظيفية كنموذج تفسيري أساسي، وبناءً عليه أصبحت تجربة يهود بولندا في ظل الإقطاع الاستيطاني ونظام الأرندا في أوكرانيا وعلاقتهم بطبقة النبلاء البولنديين (شلاختا) ذات أهمية محورية. فمن خلال نموذجنا التفسيري أصبحت هذه الوقائع التي تُهمَّش في كتب التاريخ الصهيونية ذات دلالة نماذجية عميقة، وتم تصنيفها على هذا الأساس.