المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اليهود واليهودية والصهيونية والصهاينة الجزء الأول



الصفحات : 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 [45] 46 47 48 49 50 51 52 53 54

ساجدة لله
2010-10-23, 06:56 AM
النظام العالمى الجديد
«النظام العالمي الجديد» مصطلح استخدمه الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطاب وجهه إلى الأمة الأمريكية بمناسبة إرسال القوات الأمريكية إلى الخليج (بعد أسبوع واحد من نشوب الأزمة في أغسطس1990). وفي معرض حديثه عن هذا القرار، تحدث عن فكرة «عصر جديد»، و«حقبة للحرية»، و«زمن للسلام لكل الشعوب». وبعد ذلك بأقل من شهر (في 11 سبتمبر 1990)، أشار إلى إقامة «نظام عالمي جديد» يكون "متحرراً من الإرهاب، فعالاً في البحث عن العدل، وأكثر أمناً في طلب السلام؛ عصر تستطيع فيه كل أمم العالم، غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً، أن تنعم بالرخاء وتعيش في تناغم".

وكلمة «نظام» هى ترجمة لكلمة «أوردر order» الإنجليزية المشتقة من الكلمة اللاتينية «أوردو ordo» بمعنى «خط مستقيم ونظام». والكلمة مبهمة للغاية، فهي تعني مثلاً «الترتيب المنظم والمتواتر»، و«هرم السلطة والقوة الذي يتم بمقتضاه تطبيق وفرض أحكام بعينها»، و«الالتزام بالقانون»، و«الدرجة أو الطبقة أو المرتبة»، و«الطلب»، و«ضرب أو نوع أو طراز». ولكن الكلمة أيضاً مرادفة لكلمة «مثود method» و«سيستيم system» (كما في عبارة «ذي أوردر أوف نيتشر the order of nature» أو «ذي أوردر أوف ثنجز the order of things» بمعنى «نظام الطبيعة» (أو «سنن الطبيعة» في المصطلح الإسلامي)، فالكلمة تشير من ثم إلى مجموعة من القوانين والمفاهيم (والسنن) التي تتسم بقدر معقول من الثبات عبر مرحلة زمنية طويلة نسبياً، يتحرك الواقع بمقتضاها ولا يمكن فهمها بدونه، فهي مصدر هوية النظام (جوهره) وتعبير عنها في آن واحد. ولذا، فإن جوهر النظام العالمي هو مجموعة القوانين والقيم الكامنة التي تفسر حركة هذا النظام وسلوك القائمين عليه وأولوياتهم واختياراتهم وتوقعاتهم.

ساجدة لله
2010-10-23, 06:56 AM
يقول دعاة النظام العالمي الجديد إن ما يدعو إليه النظام هو شكل من أشكال تبسيط العلاقات وتجاوز العُقد التاريخية والنفسية والنظر للعالم باعتباره وحدة متجانسة واحدة. والنظام العالمي الجديد، حسب رؤيتهم، هو نظام رشيد يضم العالم بأسره، فلم يَعُد هناك انفصال أو انقطاع بين المصلحة الوطنية والمصالح الدولية وبين الداخل والخارج. وهو يحاول أن يضمن الاستقرار والعدل للجميع (بما فى ذلك المجتمعات الصغيرة)، ويضمن حقوق الإنسان للأفراد، وهو سينجز ذلك من خلال مؤسسات دولية (رشيدة) مثل هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية والبنك الدولي وقوات الطوارئ الدولية. وبإمكان كل الدول أن تستفيد من الخبرة الدولية في إدارة شئون الداخل وتكييفه مع النظام العالمي الجديد. وسيتم كل هذا فى إطار ما يُقال له «الشرعية الدولية» التي تستند إلى هذه الرؤية، وإلى المقدرة على تحويلها إلى إجراءات، تماماً كما حدث فى حرب الخليج حينما تم صد العدوان العراقى على الكويت. والنظام العالمي الجديد لا يخلو من التناقضات، ولكنها تناقضات (حسب رأيهم) يمكن حسمها دون حاجة إلى الصراعات العسكرية إذ أن ثمة إجراءات رشيدة يمكن من خلالها حل كل التناقضات. وهو نظام يدعو إلى تطبيق المُثُل الديموقراطية حيث يخضع كل شيء لما يُسمَّى «أخلاقيات الإجراءات»، أي الاتفاق على قوانين اللعبة وإجراءاتها دون الانشغال بالماهية أو بالأهداف. وعلى كل يرى دعاة النظام العالمي الجديد أن اللواء قد انعقد أخيراً لأخلاقيات الديموقراطية الليبرالية، بتأكيدها على دور المؤسسات وحقوق الإنسان وسيادة القانون داخل الدول وفي النظام العالمي ككل.

والعالم من منظور دعاة النظام العالمي الجديد في حالة حركة دائمة (وكما قال أحد دعاة النظام "الإنسان لا ينزل النهر نفسه مرتين"، وقد نسب هذا القول لأفلاطون المسكين صاحب الفكر المثالي لا لهيراقليطس صاحب الفكر المادي) ثم استطرد قائلاً: "المرحلة الحالية في النظام العالمي لا تتشكل من منظور أيديولوجي مسبق لأنها تمثل تطوراً لم يتوقعه علماء السياسة الدولية، حتى أن القواعد الثابتة في التسابق الدولي ـ مثل الاستحواذ على عنصر التفوق أو المحافظة على ميزان القوى ـ قد تغيَّر مضمونها ومحتواها". و"المسرح الدولي يتغيَّر في أولويات اهتمامه وفي القيم التي يطرحها وفي أسلوب التعامل الدولي وفي دور القواعد السياسية ووسائل الاتصال في اتخاذ القرارات". و"بالنسبة إلى الولايات المتحدة، تزامن ذلك مع انتخابها لإدارة جديدة وقيادة جديدة تعبِّر عن الوعي الذي تبلور جماهيرياً و[تحاول] بلورة ردود على التساؤلات الجديدة التي طرحت واقعياً وفعلياً في مشاكل مستجدة على المسرح العالمي"، أي أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تغيَّرت وتغيَّرت رؤيتها. وهكذا تغيَّر النظام الإمبريالي القديم، المبني على توازن القوى والرعب الذي يصدر عن المنظومة الداروينية، أصبح دون مقدمات نظاماً عادلاً يدعو إلى الديموقراطية (رغم أنه كان يدك القرى في فيتنام منذ عدة سنوات، ولا يزال ينظر للجرافات الإسرائيلية بإعجاب شديد).
ثم يتوجه كاتبنا إلى العرب معلقاً على هذا العالم المتحرك الخالي من المثاليات بقوله: "وعلى العرب أن يعلموا أنهم لا يعيشون أبداً في العصر نفسه، ولا يخضعون دوماً للثوابت نفسها. ولا يمكن أن يظلوا دون خلق الله جميعاً ينكرون ما يجري ويدور في عالمنا، متجاهلين التاريخ والجغرافيا وما يحدث فيهما من تغيير"، وهكذا أصبح النظام العالمي الجديد من سنن الحياة أو جزءاً من النظام الطبيعي.

ساجدة لله
2010-10-23, 06:56 AM
ويرى دعاة هذا النظام أن بوسعه أن يحقق قدراً معقولاً من النجاح بسبب وسائل الإعلام الغربية (العالمية على حد قولهم) التى حوَّلت العالم (كما يظنون) إلى قرية صغيرة. فتدفُّق المعلومات يجعل المعلومات متاحة للجميع، الأمر الذي يحقق قدراً كبيراً من الانفتاح فى العالم وقدراً كبيراًمن ديموقراطية القرار. وقد أدَّى انهيار المنظومة الاشتراكية والتلاقي (كونفيرجنس convergence) بين المجتمعات الغربية الصناعية، واختفاء الخلاف الأيديولوجي الأساسي فى العالم الغربي، إلى تقوية الإحساس بأن ثمة نظاماً عالمياً جديداً وإلى أنه لم تعد هناك خلافات أيديولوجية تستعصي على الحل.

ويرى المدافعون عن هذا النظام أن الخطر الذى يتهدد الأمن لا يأتي من الخارج وإنما من الداخل، من قوى تقف ضد الديموقراطية وضد تأسيس المجتمع على أسس اقتصادية وعلى أسس التكيف مع النظام العالمي. هذه القوى هى التى تجر الداخل القومي إلى صراع مع الخارج الدولي بدعوى الدفاع عن الكرامة أو الاستقلالية أو الشخصية القومية أو الرغبة فى التنمية المستقلة. وهى تكلف الداخل ثمناً فادحاً. ومن المنطقي أن يتصوَّر المبشرون بهذا النظام أن القيادة فيه لابد أن تكون للقوة الاقتصادية العظمى، أى للمجتمع الصناعى الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية. وبالتالي، فإن الدول كلها يجب أن تنضوي تحت هذه القيادة. وثمة افتراض كامن بأن المجتمع الأمريكي (الذى يفترض أن الدافع الأساسي فى سلوك البشر هو الدافع الاقتصادي) لابد أن يصبح القدوة والمثل الأعلى.

هذا الكلام البسيط الجميل لابد أن تكون وراءه رؤية معرفية كاملة، فهذه هي طبيعة الخطاب الإنساني. وهنا قد يتعلل دعاة النظام العالمي الجديد بأنهم «عصريون نسبيون» لا يميلون إلى إطلاق التعميمات، ولا يؤمنون بأىة قيم ثابة أو مطلقات، ولا يتوجهون إلى الأسئلة المعرفية الكلية ولا يعترفون بوجود كليات، فكيف يمكن أن تُحدَّد أبعاده المعرفية النهائية إذن؟. وقد يقولون: "إننا دخلنا عصر ما بعد الأيديولوجيا وما بعد الحداثة وما بعد التاريخ بل ما بعد الإنسان؛ عصر الما بعديات السائلة التى تحل محل الماقبليات الجامدة المطلقة، فثمة سيولة فكرية في الفكر الحديث تتناقض بطبيعتها مع فكرة النسق الفكري المتكامل والقيم الكلية".

ساجدة لله
2010-10-23, 06:57 AM
وهذا إلى حدٍّ كبير صحيح، فثمة سيولة لا يمكن إنكارها. ومع هذا، تظل عبارة «النظام العالمي الجديد» دالاً يشير إلى مدلول. إذ أننا، رغم سيولته، نراه من الخارج ونسمع صوته ونرصد حركته (التى تترك أثرها علينا وعلى عالمنا) ونرى أن ثمة منظومة معرفية قيمية متكاملة كامنة وراء هذا النظام الشامل السائل، شأنه فى هذا شأن أي نظام آخر، منظومة تتجاوز ادعاءاته وديباجاته واعتذارياته. بل قد تكون حالة السيولة هذه وادعاء أن الدال ليس له علاقة قوية بأية مدلولات أو كليات هي أيديولوجيا هذا النظام، أي من الممكن أن يكون إنكار كل القيم هو قيمته الكبرى والنهائية، وتأكيد النسبية المعرفية والأخلاقية هي قيمته المعرفية والأخلاقية الكبرى والنهائية، وتأكيد أن العالم في حركة دائمة هو قانونه الثابت.

وفي محاولة معرفة هوية هذا النظام لابد أن نقرر ابتداءً أن هذا النظام (شأنه شأن أي نظام إنساني) لم يولد من العدم اللاتاريخي وإنما داخل التشكيل الحضاري والسياسي الغربي، ويحمل معالم هذا التشكيل، وهو نظام يدور في إطار العلمانية الشاملة (والحلولية الكمونية المادية) في إطار مرحلتيها الصلبة والسائلة.

وقد لاحظنا أن الواحدية الإنسانية،في غياب المرجعيات المتجاوزة، تنحدر لتصبح واحدية إمبريالية عنصرية إذ يصبح أحد الشعوب هو الأنا المقدَّسة (السوبرمان) التي ترى بقية البشر (السبمان) والطبيعة/المادة باعتبارهما مادة محضة يمكن هزيمتها وتوظيفها وحوسلتها. وقد أعلن الإنسان الغربي في عصر نهضته أنه هو الأنا المقدَّسة وأن العالم قد انقسم ببساطة إلى الأنا والآخر، والقوي والضعيف، الغازي والمغزو، المسلح والأعزل، الغرب وبقية العالم (بالإنجليزية: ذا وست آند ذا رست the west and the rest).

ساجدة لله
2010-10-23, 06:57 AM
في هذا الإطار المعرفي وُلد ما يُسمَّى «النظام العالمي»، فالعالم لم يعرف نظماً دولية أو عالمية إلا بعد الثورة الصناعية وظهور التشـكيل الإمبريالي الغربي بشـقيه الاستعماري الاستيطاني والاستعماري العسكري. فقبل ذلك التاريخ، كان من الممكن أن تنشأ إمبراطورية فى الصين وأخرى في الهند ثم تختفي دون أن تترك أثراً يذكر على سكان أوربا، على سبيل المثال، إلا بشكل غير مباشر وغير محسوس لمن يقع عليه التأثير. وكانت أجزاء من الكرة الأرضية، مثل الأمريكتين وأستراليا ونيوزلندا، غير معروفة للعالم القديم. ولذا، كانت تظهر في الأمريكتين إمبراطوريات على درجة كبيرة من التركيب ولكنها مع هذا لا علاقة لها ببقية العالم. وكان يمكن أن يحدث اشتباك بين حضارتين أو أكثر (حروب الغرب مع الشرق الإسلامي المعروفة بحروب الفرنجة ـ الاجتياح التتري للعالم الغربي ولشرق أوربا)، ولكنه كان يظل اشتباكاً ثنائياً أو تلاقياً غير عالمي. أما فى عصر النهضة الغربية، فقد بدأ الإنسان الغربي يتسلل تدريجياً إلى أرجاء المعمورة ويستولي عليها، وبدأ يؤسس جيوباً استيطانية في بعض الأماكن. وقد استمرت هذه العملية إلى أن تحوَّل العالم بأسره إلى ساحة لنشاطه، خاضعة لهيمنته، تتبع قوانينـه. ولذا، يمكن القول بقدرٍ كبير من اليقين أن النظام العالمي الجديد يضرب بجذوره فى التشكيل الإمبريالى الغربي، وأن معالمه بدأت تتحدَّد مع منتصف القرن التاسع عشر حينما بدأ هذا التشكيل يعى ذاته كحركة مسرحها العالم بأسره، وحينما أدرك ضرورة أن يقسم العالم وأن يتحوَّل إلى مادة استعمالية: مصدر للموارد الطبيعية ـ مصدر للطاقة العضلية الرخيصة ـ سوق تباع فيه السلع ـ حيز يمكن أن تُصدَّر له المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسكانية الخاصة بأوربا. هذا يعني أن النظام الإمبريالي نظام عالمي (بمعنى أن مسرحه العالم) ولكنه نظام مغلق تم إغلاقه حتى يتسنَّى لصاحب النظام ومؤسسه أن يعظِّم من اسـتغلاله للعـالم باعتباره مادة واحدة. وتظهر العـالمية المنغلقة لهذا النظام فى المواجهة التي تمت مع محمد علي، أول من حاول تحديه حين حاول أن يدخل مصر والعالم العربي إلى العصر الحديث حسب شروطه، مع الاحتفاظ بمنظومة معرفية وقيمية مستقلة. بل حاول أن يبعث العافية فى أوصال رجل أوربا المريض أو الرجل العثماني المسلم الذى كانت أوربا تراقب مرضه باهتمام شديد حتى يمكنها تقطيع أوصاله واقتسامه ضمن ما اقتسمت فى العالم. وبالفعل، ضُـرب محمد علي وبشراسة من قبل أعدائه وأصدقائه الغربيين وتم تقطيع أوصال الدولة العثمانية (وهى عملية لا تزال مستمرة فى البوسنة والهرسك وكوسوفو)، وتم اقتسام العالم مع الحرب العالمية الأولى، وتحقق النظام المغلق وأصبح واقعاً عالمياً فى عصرنا الحديث.

ساجدة لله
2010-10-23, 06:57 AM
ومنذ أن قام هذا النظام العالمي باقتسام العالم، بدأ يصول ويجول، وبدلاً من أن ينشر الاستنارة والعدل، انغمس فى عمليات إبادة منهجية رشيدة لم يعرفها تاريخ البشر من قبل (إبادة سكان الأمريكتين)، وفي عمليات ترانسفير (نقل السود من أفريقيا إلى الأمريكتين، ونقل العناصر البشرية غير المرغوب فيها مثل المجرمين واليهود والفائـض البشـري والثوريين والفاسدين اجتماعياً إلى جيوب استيطانية). وقد خاض هذا النظام العالمي في الصين، حرب الأفيون الأولى ثم حرب الأفيون الثانية حتى يحقق أرباحاً اقتصادية ضخمة. وقام بنهب ثروات الشعوب بشكل منظَّم لم يعرف له التاريخ مثيلاً. ومع ظهور حركات التحرر الوطني فى المستعمرات، ابتداءً من الأربعينيات، قام النظام الإمبريالي العالمي بضربها بعنف شديد، ثم حاول فى الخمسينيات الالتفاف حولها بأن منح المستعمرات استقلالاً اسمياً وأسس نظماً سياسية عميلة مستعدة لأن تعطيه امتيازات يفوق عائدها ما كان يحصل عليه من الاستعمار العسكري المباشر. إن تاريخ النظام العالمي هو تاريخ النظام الصناعي العسكري الإمبريالي الغربي الذي حول العالم إلى مصدر للطاقة الطبيعية والبشرية الرخيصة وإلى سوق لبضائعه، ورغم تغير الأشكال (الاستعمار الاستيطاني الإحلالي ـ الاستعمار الاستيطاني المبني على التفرقة اللونية - الكولونيالية ـ الإمبريالية ـ الاستعمار الجديد) فإنه نظام عالمي واحد يحاول أن يفرض بالقوة حالة التفاوت بين الشعوب والأمم.

قام هذا النظام الإمبريالي العالمي بغرس كل أنواع الاستعمار فى عالمنا العربي (الاستعمار العسكري فى مصر والسودان وليبيا والمغرب وتونس والصومال والعراق وجيبوتي وسوريا ولبنان وإريتريا ـ الاستعمار الاستيطاني فى الجزائر ـ الاستعمار الاستيطاني الإحلالي فى فلسطين)، وقام بنهب هذه المنطقة إما مباشرة إبان فترة الاستعمار العسكري المباشر أو من خلال التحكم فى أسعار المواد الخام (وخصوصاً البترول) وعن طريق بيع أسلحة ببلايين الدولارات لنظم يضمن هو بقاءها فى الحكم ويعلم جيداً أنها غير قادرة على استخدام هذا السلاح، كما أثبتت الخبرة التاريخية (التي يريدنا أن ننساها).

ساجدة لله
2010-10-23, 06:57 AM
وتتضح هوية هذا النظام العالمي الإمبريالي المغلق فى ظهور الفلسفات العنصرية والداروينية والنيتشوية التي تقسـم العـالم وبحدة إلى الأنا والآخـر، وتجعل الذات القومية هي المعيار الوحيد للحكم، وتجعل الغرب هو المركز، وتجعل الإنسـان الأبيـض هو صاحب المشـروع الحضاري الوحيد الجدير بالاحترام والبقاء، ومن هنا عبء الرجل الأبيض الشهير، فهو وحده القادر على اختيار الطريق الصحيح، أما الآخر فهو عاجز ضال. وفي هذا الإطار، ظهرت الفاشية والنازية ثم الصهيونية ـ وهي دعوة لحل مشاكل أوربا (المسألة اليهودية) عن طريق تصديرها للشرق. فحينما كان هرتزل يتحدث عن إنشاء دولة يهودية يضمنها "القانون الدولى العام" فإنه كان يعني "القانون الغربي الاستعماري" الذى يتحكم فى العالم ويقسمه حسب رؤيته ومشيئته. ثم صدر وعد بلفور في هذا الإطار، إذ أعطت بريطانيا الحق لنفسها في أن تمنح أرض فلسطين للفائض البشري اليهودي فى الغرب وأن تنقـل من فلسـطين سكانها الأصـليين (تمت الإشارة إليهم باعتبارهم العناصر «غير اليهودية»، أي «غير الغربية»، ومن ثم فهم يقعون خارج نطاق الحقوق والمسئوليات). ثم قام النظام العالمي من خلال عصبة الأمم بوضع فلسطين تحت الانتداب لضمان تنفيذ هذا المشروع الاستيطاني الإحلالي، ثم قام النظام العالمي مرة أخرى من خلال هيئة الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين ومنح الوجود الصهيوني شرعية مسـتمدة من شرعيته الدوليـة هذه. ثم اسـتمر النظام العالمي، متمثلاً فى شقيه الرأسمالي والاشتراكي، بالاعتراف بالدولة الصهيونية ودعمها إما بشرياً (عن طريق نقل المادة البشرية من شرق أوربا) أو مالياً وعسكرياً (عن طريق الدعم المالي والعسكري من غرب أوربا والولايات المتحدة) وهو دعم ظل يتزايد فى حجمه ونوعه يوماً بعد يوم حتى وصل إلى التحالف الإستراتيجي المعلن بين إسرائيل والولايات المتحدة، مؤكداً بذلك أن الغرب صاحب النظام العالمي هو المهيمن على العالم، وأن العالم هو المسرح، وأن الجنس البشري هو المادة التى وظَّفها لصالحه.

ساجدة لله
2010-10-23, 06:57 AM
هذه رؤية ثنائية حادة تنكر تاريخ الآخر وإنسانيته ولا تقبله إلا كمادة استعمالية. وقد تكررت ممارسات النظام الإمبريالي الدولي القـديم بأشـكال تتراوح بين درجات مختلفة من الحدة والتبلور في أنحاء آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

ولكن النظام الإمبريالي، شأنه شأن أي نظام حلولي كموني مادي، ينتقل من الصلابة إلى السيولة. وفي هذا الإطار لا يمكن أن تظهر أنا مقدَّسة أو غير مقدَّسة، فكل شيء نسبي لا يعرف الثنائية أو التجاوز.

وقد تبدت المرحلة السائلة في تحولات النظام العالمي القديم إذ حدثت تطورات تاريخية عميقة لا تشكل لحظة إفاقة أخلاقية تاريخية (وكيف يمكن أن نتوقع هذا من حضارة مؤسسة على أساس القانون الطبيعي والفلسفة النيتشوية والداروينية؟) وإنما تشكل لحظة إدراك ذكية من جانب الغرب لموازين القوى.

ونحن نلخص أسباب ظهور النظام العالمي الجديد فيما يلي:

1 ـ أدرك الغرب عمق أزمته العسكرية والثقافية والاقتصادية، وأحـس بالتفكك الداخلي وبعجزه عن فرض سياساته بالقوة.

2 ـ أدرك الغرب استحالة المواجهة العسكرية والثقافية والاقتصادية مع دول العالم الثالث التي أصبحت جماهيرها أكثر صحواً ونُخَبها أكثر حركية وصقلاً وفهماً لقواعد اللعبة الدولية.

3 ـ أدرك الغرب أنه على الرغم من هذه الصحوة، فإن ثمة عوامل تفكك بدأت تظهر في دول العالم الثالث، حيث ظهرت نخب محلية مستوعبة تماماً في المنظومة القيمية والمعرفية والاستهلاكية الغربية يمكنه أن يتعاون معها ويجندها، وهي نُخَب يمكن أن تحقق له من خلال السلام والاستسلام ما فشل في تحقيقه من خلال الغزو العسكري.

لكل هذا قرَّر الغرب أن يلجأ للالتفاف بدلاً من المواجهة، وبذا يستطيع حل إشكالية عجزه عن المواجهة ويتخلى عن مركزيته الواضحة وهيمنته المعلنة ليحل محلها هيمنة بنيوية تغطيها ديباجات العدل والسلام والديموقراطية التي ينقلها البعض بببغائية مذهلة.

ساجدة لله
2010-10-23, 06:57 AM
ويمكن أن نتعامل بشيء من التفصيل مع التغيرات العالمية التي تشكل إطاراً لظهور النظام العالمي الجديد:

1 ـ على المستوى العسكري:

أ) أدَّت مرحلة الحرب الباردة بين الدولتين العظمـيين إلى إرهـاق متبادل لهـما نتيجة الدخول في سباق للتسلح لا نهاية له، وخصوصاً أن تطوير تكنولوجيا السلاح أصبحت مسألة مكلفة للطرفين بشكل لا يطيقه أيٌّ منهما. وعلى الرغم من "انتصار" الولايات المتحدة، فإن النزيف قد أثَّر فيها. وقد أصبحت الحروب الحديثة أمراً مكلفاً للغاية يتطلب تمويلاً ضخماً يصعب على أي دولة (بما في ذلك الولايات المتحدة) أن تقوم به، وخصوصاً أن ثمة أزمة اقتصادية عالمية تجعل من الصعب على الشعوب الغربية القبول بتخصيص اعتمادات عسكرية كبيرة في وقت تقوم به كثير من الدول الغربية بتصفية مؤسسات الرفاه الاجتماعي.

ب) تراجعت القدرات العسكرية للاستعمار الغربي بسبب تصاعد معدلات العلمنة والتوجه الحاد للإنسان الغربي نحو المنفعة الشخصية واللذة المباشرة التي لا يمكن إرضاؤها إلا بالإشباع الفوري، وقد أدَّى هذا إلى انخفاض الروح النضالية لدى الإنسان الغربي وإلى ارتفاع تكاليف الحملات العسكرية. وقد صرح المتحدثون باسم المؤسسة العسكرية الأمريكية بأن إمكـانياتها قد أجهـدت تماماً أثناء العـمليتين المتزامنتين لإنزال الجنود الأمريكيين في كلٍّ من جرانادا ولبنان، رغم صغر حجم العمليتين، بسبب تضخم قطاع الخدمات في القوات المسلحة (تماماً كما يحدث في المجتمعات الاستهلاكية الحديثة)، إذ يتطلب إنزال جندي أمريكي واحد خدمات عدة جنود يصل عددهم أحياناً إلى عشرة، وهو ما يعني أن إنزال عشرة آلاف جندي يشغل ما بين 50 و100 ألف جندي آخر (وقد كانت حرب الخليج خليطاً من المأساة والملهاة في هذا المضمار بسبب معدل الرفاهية العالي).

جـ) تراجعت الهيمنة العسكرية الغربية بسبب ظهور دول لها قوة عسكرية ضاربة وقوة نووية غير خاضعة للهيمنة الغربية مثل كوريا الشمالية والصين (وربما باكستان).

د) أدرك الغرب في الوقت نفسه عبث المواجهة العسكرية مع القوى المجاهدة غير الرسمية، وخصوصاً بعد تجربته المريرة في فيتنام (وتجربة الانتفاضة المستمرة وتجربة أفغانستان الناجحة).

هـ) ظهور أسـلحة دمار رخيصة مثل الصـواريخ ذات الرؤوس الميكروبية (قنبلة الفقراء النووية على حد قول أحد المعلقين). بل أثبتت حرب أفغانستان مقدرة الجماعات الفدائية على الحصول على أسلحة ذات مقدرة تدميرية عالية لا يحتاج استخدامها إلى متخصصين ولا دورات تدريبية.

ساجدة لله
2010-10-23, 06:57 AM
2 ـ على المستوى الثقافي:

أ) تراجعت المركزية الغربية على المستوى الثقافي بسبب ظهور كتلة العالم الثالث، وظهور حركات بعث قومي فيها بسبب تزايد الوعي بالذات الثقافية، وبسبب أزمة الغرب الذي لم يعد نموذجاً جذاباً ناجحاً كما كان في الستينيات. ومما ساعد على ذلك ظهور أقليات ثقافية إثنية داخل العالم الغربي ذاته لا تقبل الهيمنة الثقافية الغربية أو مركزيته الثقافية.

ب) وقد حدث هذا في وقت تمر فيه الحضارة الغربية بمرحلة أزمة عميقة، فلم يعد الغرب واثقاً تماماً من نفسه كما كان الأمر من قبل، وذلك مع تفشي النسبية الثقافية وظهور مراكز اقتصادية عسكرية وثقافية أخرى في العالم، ومع تفاقم الأزمة الاجتماعية في الداخل (الجريمة ـ تفكك الأسرة ـ الأيدز ـ المخدرات ـ الإباحية). ولذا، لم يَعُد قادة العالم الغربي قادرين على الحديث عن تفوق الجنس الأبيض (كما كان عهدهم في الماضي القريب).

جـ) مع هذا، لاحظ الغرب أن ثورة المعلومات والنظام الإعلامي الجديد، بأفلامه وكتبه ومرئياته ومراكز بحوثه، يتيحان مقدرة هائلة على الاختراق تساعد على نقل المنظومة القيمية الغربية إلى كل أرجاء العالم بعد أن كانت محصورة إلى حدٍّ كبير في الغرب.

د) أدرك الغرب أنه ظهر في العالم الثالث نخب محلية تنتمي اسماً إلى شعوبها ولكنها تنتمي فعلاً من ناحية الرؤية والتطلعات والأحلام وأسلوب الحياة إلى العالم الغربي. ومن المُلاحَظ أن تصاعد الوعي القومي صاحبه أيضاً تصاعد في معدلات العلمنة والترشيد والأمركة في كل أنحاء العالم، وتم اختراق كثير من أعضاء النخب الثقافية، كما تم الاستيلاء على أبنائهم وبدأ الحلم الأمريكي يتسرب إلى قطاع لا بأس به من الجماهير. وهذا ما يشير إليه البعض بظاهرة الكوكلة (نسبة إلى الكوكاكولا) أو الكوكاكولانية بدلاً من الكولونيالية ـ والكوكاكولانية هي اختراق المنظومة القيمية الغربية لأحلام الناس وعقولهم من خلال برامج التليفزيون (على سبيل المثال) دون اللجوء إلى القوات العسكرية. وقد ساهمت ثورة المعلومات في هذه العملية.