المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اليهود واليهودية والصهيونية والصهاينة الجزء الأول



الصفحات : 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 [51] 52 53 54

ساجدة لله
2010-10-23, 07:06 AM
ب) استناداً إلى اختفاء الذات والذاكرة والمركز ووهم التحكم وحقيقة الإذعان، تظهر صور مجازية تخبئ الفوضى وتؤكد السيولة والتعددية المفرطة واللعب.

1 ـ الدولة ليست إلهاً ولا تنيناً، فهي مؤسسة من بين المؤسسات يستطيع الإنسان أن يدير لها ظهره، وخصوصاً أنها لم تَعُد مركز السـلطة. ومع هذا، يمكن القول بأن مؤسـسات الدولة (مع غيرها من المؤسـسات) قد أصبحت القفص الحديـدي.

2 ـ العالم آلة، ولكن الآلة هي الفيديو والكمبيوتر، يتحكم فيها الإنسان ولكنها تتحكم فيه وتبتلعه. والعالم مثل نبات، ولكن النبات هو الجذمور الذي لا ينمو حسب نمط واضح وفي اتجاه مفهوم، والعالم كله لعبة.

3 ـ العالم سطح لامع.

4 ـ العقل ليس مرآة ولا فانوساً ولا نافورة، وإنما هو كل شيء ولا شيء، مثل الكمبيوتر الذي يختزن كل شيء ولا يعي شيئاً.

5 ـ مادونا ومايكل جاكسون والرئيس/الممثل ريجان حيث لا نعرف الأصل والصورة، وكلها شـخصيات تُغيِّر شخصياتها ومنظوماتها القيمية بعد إشعار قصير وحسب طلب مدير العلاقات العامة.

6 ـ اللعبة الأساسية هى العروس باربى ذات الجاذبيه الجنسية والتوجه الاستهلاكى.

7 ـ نموذج ليس بصلب ولا فضفاض وإنما هو نموذج هلامي لا مركز له.

وأعتقد أننا لو قبلنا التقسيم الذي أقترحه والستينيات كمرحلة فارقة تَبدَّت فيها الملامح الأساسية (الإيجابية والسلبية) للمتتالية التحديثية المتحققة في الغرب وللعلمانية الشاملة، فلا يصبح من الضروري علينا أن نعيد تقييم هذه المتتالية في ضوء ما نراه من نتائج، لأن عملية التقييم قبل ذلك التاريخ كانت تتم في فترة النجاح النسبي للمتتالية في حلقاتها الأولى ولذا كان لا يزال ثمة أمل في تحقيق المتتالية المثالية، ولم تكن الأحلام قد وُئدت بعد، ولم تكن النزعة الطوباوية قد نضبت بعد، ولم تكن المتتالية الفعلية قد بدأت تُفصح عن وجهها القبيح بالدرجة الكافية بعد.

العلمانية الشاملة: تعريف
العلمانية الشاملة (التي يمكن أن نسميها أيضاً «العلمانية المادية» أو «العلمانية العدمية») هي رؤية شاملة للعالم، عقلانية مادية، تدور في إطار المرجعية الكامنة والواحدية المادية، التي ترى أن مركز الكون كامن فيه، غير مفارق أو متجاوز له، وأن العالم بأسره مُكوَّن أساساً من مادة واحدة، ليست لها أية قداسة ولا تحوي أية أسرار، وفي حالة حركة دائمة لا غاية لها ولا هدف، ولا تكترث بالخصوصيات أو التَفرُّد أو المطلقات أو الثوابت. هذه المادة تشكل كلاًّ من الإنسان والطبيعة، فهي رؤية واحدية كونية مادية.

ساجدة لله
2010-10-23, 07:06 AM
هذه الواحدية المادية تعني في واقع الأمر ما يلي:

1 ـ أن العالم (الإنسان والطبيعة) كيان بسيط متماسك بشكل عضوي مصمت، أحادي البُعد، ليست له أية أبعاد جوانية، وإن وُجدت له مثل هذه الأبعاد فلا أهمية لها، يسري عليها قانون طبيعي مادي واحد يترجم نفسه إلى عدة قوانين مطردة مترابطة لا هدف لها ولا غاية.

2 ـ الإنسان جزء عضوي لا يتجزأ عن الكل المادي، لا توجد مسافة تفصل بينهما، ومن ثم لا يوجد حيز إنساني مستقل يتحرك فيه الإنسان بقدر من الاستقلال والحرية. كل هذا يعني أن الإنسان ليس له حدود مستقلة وليس عنده وعي مستقل أو مسئولية أخلاقية مستقلة، فالعلمانية الشاملة تعبير عن النزعة الجنينية في الإنسان (مقابل النزعة الربانية).

3 ـ العالم المُعطَى لحواسنا يحوي داخله ما يكفي لتفسيره والتعامل معه، وعقل الإنسان قادر على استخلاص المنظومات المعرفية، بل الأخلاقية والجمالية، اللازمة لإدارة حياته العامة والخاصة، وإعادة صياغة البيئة المادية والاجتماعية المحيطة به، بل ذاته من الداخل والخارج، من خلال ملاحظة العالم الطبيعي المادي وقوانين الحركة الكامنة فيه، دون الإهابة بأية مرجعية متجاوزة لعالم الحواس والطبيعة/المادة.

4 ـ هذا ما يُسمَّى «عملية الترشيد» (وأحياناً «التحديث» وربما «التغريب») في ضوء المعايير العقلية المادية والطبيعية المادية، وهي، في واقع الأمر، عملية تدجين للإنسان. والمفروض أن عملية الترشيد هذه ستتزايد على مر الأيام فيتزايد تَحكُّم الإنسان في ذاته وبيئته، فكل شيء في العالم قابل للوصف والتقنين والتوظيف والحوسلة، وضمن ذلك الإنسان نفسه، فهو قابل لأن يتحول إلى مادة استعمالية لا قداسة لها ولا أسرار.

والعلمانية الشاملة، بهذا المعنى، ليست مجرد فصل الدين أو الكهنوت أو هذه القيمة أو تلك عن الدولة أو عما يُسمَّى «الحياة العامة»، وإنما هي فصـل لكل القيم الدينية والأخلاقية والإنسـانية (المتجاوزة لقوانين الحركة والحواس) عن العالم، أي عن كلٍّ من الإنسان (في حياته العامة والخاصة) والطبيعة بحيث يصبح العالم مادة نسبية لا قداسة لها.

5 ـ إن أردنا استخدام نموذج الحلولية الكمونية التفسيري قلنا إن العلمانية الشاملة هي وحدة الوجود المادية التي لا تختلف عن وحدة الوجود الروحية إلا في تسمية المبدأ الواحد الكامن، فبينما يُسمَّى هذا المبدأ الواحد «الإله» في وحدة الوجود الروحية، فهو يُسمَّى «الطبيعة/المادة» في وحدة الوجود المادية.

ساجدة لله
2010-10-23, 07:07 AM
والعلمانية الشاملة تتسم، شأنها شأن كل النظم الحلولية الكمونية المادية، بأنها متتالية تمر بمرحلتين أساسيتين: مرحلة ثنائية صلبة (تَمركُز حول الذات الإنسانية والواحدية الذاتية والإمبريالية وتَمركُز حول الموضوع الطبيعي/المادي والواحدية الطبيعية/المادية)، وهذه هي مرحلة التحديث البطولية الصلبة وحلم التجاوز المادي، مرحلة الذات والموضوع المتماسكين والمركز المادي (الإنساني أو الطبيعي) ومن ثم فهي مرحلة العقلانية المادية. ثم تأتي المرحلة الثانية مرحلة الواحدية الشاملة السائلة (حين تُصفَّى الذات الإنسانية ويُقوِّض نموذج الطبيعة/المادة). وهذه هي مرحلة ما بعد الحداثة البرجماتية واختفاء الذاكرة والرغبة في التجاوز، مرحلة اختفاء الذات والموضوع ومن ثم اختفاء المركز (الإنساني والطبيعي) ومن ثم فهي مرحلة اللاعقلانية المادية.

ونحن نذهب إلى أن العلمانية (الشاملة) والإمبريالية صنوان. فرغم أن الإنسان الغربي بدأ مشروعه التحديثي بالنزعة الإنسانية (الهيومانية) التي همَّشت الإله ووضعت الإنسان في مركز الكون، إلا أنها شأنها شأن أية فلسفة علمانية شاملة (تدور في إطار المرجعية الكامنة المادية) ترى أن الإنسان هو إنسان طبيعي/مادي يضرب بجذوره في الطبيعة/المادة، لا يعرف حدوداً أو قيوداً ولا يلتزم بأية قيم معرفية أو أخلاقية، فهو مرجعية ذاته ولكنه في الوقت نفسه يتبع القانون الطبيعي ولا يلتزم بسواه ولا يمكنه تَجاوُزه. ولذا، فهو في واقع الأمر كائن غير قادر إلا على التمركز حول مصلحته (منفعته ولذته) المادية وبقائه المادي (فالإنسانية مفهوم أخلاقي مطلق متجاوز لقوانين المادة) وغير قادر على الاحتكام لأية أخلاقيات إلا أخلاقيات القوة المادية. ولذا، فبدلاً من مركزية الإنسان في الكون تظهر مركزية الإنسان الأبيض في الكون، وبدلاً من الدفاع عن مصالح الجنس البشري بأسره يتم الدفاع عن مصالح الجنس الأبيض، وبدلاً من ثنائية الإنسان والطبيعة وتأكيد أسبقية الأول على الثاني تظهر ثنائية الإنسان الأبيض مقابل الطبيعة المادية وبقية البشر الآخرين (الذين يصبحون جزءاً لا يتجزأ منها) وتأكيد أسبقيته وأفضليته عليهم، وبدلاً من الاحتكام للقيم الإنسانية تُستخدَم القوة، ويصبح هم هذا الإنسان الأبيض هو غزو الطبيعة المادية والبشرية وحوسلتها وتوظيفها لحسابه واستغلالها بكل ما أوتي من إرادة وقوة.

من هذا المنظور، يمكن القول بأن العلمانية الشاملة هي النظرية وأن الإمبريالية هي الممارسة، ولكن الممارسة أخذت شكلين مختلفين باختلاف المجال (ومن ثم تمت تسميتهما كما لو كانا ظاهرتين منفصلتين لا علاقة للواحدة منهما بالأخرى):

أ) الإمبريالية في الداخل الأوربي التي أخذت شكل الدولة العلمانية الرشيدة (الملكيات المطلقة ـ الدول الديموقراطية منذ الثورة الفرنسية ـ الحكومات الشمولية).

ب) الإمبريالية في بقية العالم التي أخذت أشكالاً كثيرة (الاستعمار الاستيطاني ـ الاستعمار التقليدي ـ الاستعمار الجديد ـ النظام العالمي الجديد).

وفي تصوُّرنا أن أفضل طريقة لتناول قضية العلمانية والعلمنة هي قضية المرجعية (كامنة أم متجاوزة). فالعلمانية (الشاملة) قد لا تكون إلحادية أو معادية للإنسان على مستوى القول والنموذج المعلن (فهي قد لا تنكر وجود الخالق أو مركزية الإنسان في الكون أو القيم المطلقة، الإنسانية أو الأخلاقية أو الدينية، بشكل صريح ومباشر). ولكنها على المستوى النماذجي الفعال ومستوى المرجعية النهائية، تستبعد الإله، وأية مطلقات، من عملية الحصول على المعرفة ومن عملية صياغة المنظومات الأخلاقية، كما تستبعد الإنسان من مركز الكون بشراسة وبحدة وتنكر عليه مركزيته وحريته

ساجدة لله
2010-10-23, 07:07 AM
الجزء الخامس: الجماعات الوظيفية


الباب الأول: السـمات الأسـاسية للجماعات الوظيفية


الجماعات الوظيفية: مقدمة
«الجماعات الوظيفية» نموذج تحليلي يمكن أن نصفه بأنه قديم/جديد. فهو "قديم" باعتبار أن كثيراً من المفكـرين في الغرب قد اسـتخدموه دون تسـميته (كارل ماركس وماكـس فيبر وأبراهــام ليون) وفي غيره من المواضع، وباعتبار أنه كامن في كثير من الدراسات التي كُتبت عن الجماعات اليهودية وغيرها من الأقليات (مثل الأرمن). فكاتب مثل شكسبير في تاجر البندقية يصف شيلوك في عبارات تبيِّن أن الكاتب الإنجليزي العظيم قد أدرك بشكل فطري كثيراً من ملامح الجماعة الوظيفية. كما أن كثيراً من الكتابات الصهيونية (وبخاصة كتابات الصهاينة العماليين) قد أدركت ملامح الجماعة الوظيفية. ونحن نذهب إلى أن كلاسيكيات معاداة اليهود مثل بروتوكولات حكماء صهيون حينما تصف "اليهودي" إنما تصف عضو الجماعة الوظيفية.

وأخيراً يمكن القول بأنه مفهوم "قديم" باعتبار أن هناك محاولات في علم الاجتماع الغربي لوصـف "بعـض" الجماعات الوظيفية من خلال مجموعة من المصطلحات، من بينها: «الأقلية الوسيطة» ـ «الشعوب التجارية الوسيطة» ـ «الوسطاء المهاجرون» ـ «الشعوب التجارية الهامشية» ـ «الأقليات الدائمة». ورغم أهمية هذه المحاولات ورغم ارتفاع مقدرتها التفسيرية فيمكن ملاحظة ما يلي:

1 ـ ركَّز العلماء والدارسون الغربيون، حبيسو التجربة الغربية، جُلَّ اهتمامهم ـ كما هو مُتوقَّع ـ على جماعتين وظيفيتين أساسيتين:

أ ) الجماعات الإثنية التي تضطلع بدور مالي تجاري من خلال رأس المال البدائي أو الربوي في المجتمعات القديمة والوسيطة. وهذا يشكل جزءاً من اهتمام العلماء والدارسين الغربيين بتاريخ الرأسمالية في العالم الغربي.

ساجدة لله
2010-10-23, 07:07 AM
ب) المهاجرون بانتمائهم الإثني والوظيفي المتميِّز، وهذا يشكل جزءاً من اهتمام العلماء والدارسين الغربيين بمشكلة أساسية تواجهها المجتمعات الغربية الحديثة.

2 ـ أهمل علماء الاجتماع الغربي الجماعات الوظيفية الأخرى فلم يدرسوها تماماً أو قاموا بدراستها وكأنها لا علاقة لها بالجماعات الوظيفية التجارية والمالية، ولذا فهم يتعاملون مع ظواهر مثل الخصيان والجواري والمماليك والإنكشارية والبغايا باعتبارها ظواهر غير ذات صلة. بل إنهم يتعاملون مع ظواهر تُوجَد في داخل المجتمع الغربي نفسه، مثل المرتزقة والعاهرات، باعتبارها ظواهر لا علاقة لها بظاهرة الجماعات الوظيفية.

3 ـ أهمل علماء الاجتماع الغربيون الجانب غير الاقتصادي من الجماعات الوظيفية (مثل علاقتهم بالعلمانية الشاملة وميلهم نحو الحلولية الكمونية وتمركزهم حول ذاتهم ورؤيتهم للكون) إذ تعرَّضوا لها بشكل سطحي.

لكل هذا لم تظهر دراسة واحدة شاملة لهذا الموضوع تجمع كل ملامحه وتحوُّله إلى نموذج تفسيري يتسم بقدر معقول من الشمول والتركيب كما نفعل في نموذج الجماعات الوظيفية الذي نطرحه. وقد استفدنا في هذه الدراسة ولا شك من كل الدراسات السابقة والنماذج التفسيرية الجزئية (الكامنة والظاهرة) المطروحة. ولكننا حاولنا تجاوزها جميعها لا عن طريق رفضها وإنما عن طريق مزجها وربطها الواحدة بالأخرى. كما ربطنا بينها وبين نماذج تفسيرية أخرى لظواهر أخرى، وجرَّدنا من كل هذا نموذجاً تحليلياً واحداً (نموذج الجماعة الوظيفية)، الذي يتسم ـ في تصوُّرنا ـ بقدر أعلى من المرونة والشمول والتركيب من عائلة النماذج الجزئية التي أشرنا لها من قبل. وبعد ذلك قمنا بوصف الملامح الأساسية لهذا النموذج وأسباب ظهوره وتحولاته وبيَّنا أنه نموذج يتجاوز الأبعاد الاقتصادية والسياسية المباشرة ليصل إلى الأبعاد الحضارية والمعرفية، وأنه يُغطي الأصول الاجتماعية والتاريخية والإثنية للظواهر موضع الدراسة وسماتها البنيوية ومسارها التاريخي ورؤية أعضائها للكون.

ساجدة لله
2010-10-23, 07:07 AM
ومفهوم الجماعة الوظيفية نموذج تركيبي مكثَّف له مقدرة تفسيرية عالية تفوق المقدرة التفسيرية لكثير من النماذج التفسيرية السابقة (مثل مفهوم الطبقة ومفهوم الجماعة الوسيطة) وذلك للأسباب التالية:

1 ـ تظهر المقدرة التفسيرية لمفهوم الجماعات الوظيفية حينما نتعامل لا مع التشكيلات الكبرى (عمال ـ فلاحين ـ رأسماليين) وإنما مع التشكيلات الأصغر مثل الجماعات الهامشية والأقليات الحرفية. بل نجد أن التعامل مع التشـكيلات الكبرى قـد يصـبح أكثر دقة وتركيبية إن قَسَّمنا الرأسماليين إلى رأسـماليين أجانب ورأسماليين محليين، إذ نجد أن النوع الأول، في أغلب الأحيان، جماعة وظيفية منفصلة عن المجتمع، بينما نجد أن الثاني جزء عضوي منه. والواقع أن هذا الانفصال وذاك الاتصال يحددان خيارات كل فريق وسلوكه. فمفهوم الجماعة الوظيفية، مثله مثل مفهوم الطبقة، يؤكد أهمية العناصر الاقتصادية، ولكنه يتعامل في الوقت نفسه مع عوامل أخرى مثل: المكانة ـ الثقافة ـ الرؤية ـ علاقة الأقلية بالأغلبية ـ النسق القيمي... إلخ.

2 ـ يقوم مفهوم الجماعات الوظيفية بالربط بين الجماعات الوسيطة (المالية والتجارية) وبين كثير من الجماعات الأخرى التي استبعدها مفهوم الجماعات الوسيطة. ومن ثم فهو يربط بين كثير من الظواهر في مجتمعات مختلفة وفي حقب تاريخية مختلفة.

3 ـ يمكن تطويع نموذج الجماعات الوظيفية بحيث يمكن تطبيقه على كثير من المجتمعات الشـرقية والغربية، في الماضي والحاضر.

4 ـ يسترجع مفهوم الجماعات الوظيفية مفهوم الإنسانية المشتركة الذي تم استبعاده إلى حدٍّ كبير من العلوم الإنسانية في الغرب. ونحن نذهب إلى أن ظاهرة الجماعة الوظيفية ظاهرة عالمية، فهي مُتجذِّرة في النزعتين الأساسيتين في الطبيعة البشرية: النزعة الجنينية (النزوع نحو الذوبان في الكل الطبيعي/المادي) والنزعة الربانية (أي النزوع نحو تجاوز حدود الطبيعة/المادة). فإذا كانت الجنينية نزعة نحو إسقاط الهوية والحدود ونزع القداسة وإنكار التجاوز ومساواة الإنسان بالمادة حتى يصبح إنساناً طبيعياً/مادياً يُعرَّف في ضوء وظائفه المادية، يفقد استقلاليته عن الطبيعة/المادة ويفقد حريته وتركيبيته ومقدرته على التجاوز، وإذا كانت النزعة الربانية عكس ذلك تماماً (فهي تعبير عن التمسك بالهوية والحدود والقداسة والمقدرة على التجاوز وعن تَميُّز الإنسان في الكون ومقدرته على اتخاذ قرار أخلاقي حر)، فإننا نجد أن كلتا النزعتين تتضحان في الجماعة الوظيفية. فمجتمـع الأغلبيـة يتخلص من النزعات الطبيعيـة والجنينية داخله بأن يسـقطها على الجماعة الوظيفية، والجماعة الوظيفية بدورها تحاول أن تفعل الشيء نفسه.

5 ـ يتجاوز مفهوم الجماعة الوظيفية الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية المباشرة ليصل إلى الجوانب المعرفية وإلى رؤية الإنسان للكون.

ساجدة لله
2010-10-23, 07:08 AM
هذه بعض الجوانب العامة لنموذج الجماعة الوظيفية التي تجعلنا نراه أكثر تفسيرية. أما فيما يتصل بالمقدرة التفسيرية لنموذج الجماعات الوظيفية حينما يُطبَّق على الجماعات اليهودية فيمكننا أن نذكر الجوانب التالية:

1 ـ يضع مفهوم الجماعة الوظيفية أعضاء الجماعات الوظيفية في سياقاتهم التاريخية والإنسانية المختلفة، ولكنه في الوقت نفسه يتيح لنا مقارنتهم بأعضاء الأقليات الدينية والإثنية المختلفة.

2 ـ يمكِّننا هذا النموذج من اكتشاف استمرارية تاريخية متعيِّنة (وليس استمرارية ميتافيزيقية وهمية) في تواريخ الجماعات اليهودية، هي اضطلاعهم بدور الجماعة الوظيفية. فالجماعات اليهودية من أهم الجماعات التي اضطلعت بدور الجماعة الوظيفية، وخصوصاً الجماعات الوظيفية المالية (التي يُقال لها «الجماعات الوسيطة»).

3 ـ ظهرت دولة إسرائيل باعتبارها دولة استيطانية قتالية تعمل للدفاع عن المصالح الاقتصادية والإستراتيجية للعالم الغربي، ويقوم هو بالدفاع عنها بالمقابل ـ أي أنها دولة وظيفية تعاقدية مع الغرب. وكل هذا يجعلنا نُعيد النظر في دور أعضاء الجماعات الوظيفية كمرتزقة أو مادة استيطانية أو جامعي ضرائب أو كتجار أو مرابين أو ملتزمي أراض (الأرندا)، فالنمط الذي كان في الماضي كامناً مضمراً أصبح واضحاً ظاهراً في حالة الدولة الصهيونية.

ويمكننا أن نقول إن مفهوم الجماعة الوظيفية يتسم بمقدرته على عدم الذوبان في فكرة القانون العام (الذي يسقط فيه مفهوم الطبقة) وكذلك عدم السقوط في خصوصية الظاهرة وتأيقنها (أي أن تصبح الظاهرة كالأيقونة لا تشير إلا إلى ذاتها). ومن هنا، فهو مفهوم تحليلي يظل مرتبطاً بتموجات الواقع والمنحنى الخاص للظاهرة ولكنه مع هذا يربط بين الظواهر المختلفة، أي أنه لا يسقط في التمركز حول الموضوع العام الذي لا سمات له، ولا يسقط في التمركز حول الذات الخاصة التي لا يمكن الربط بينـها وبين الذوات الأخـرى، فهو يتحـرك في الرقعة التي تلتقي الذات فيـها بالموضوع، والخاص بالعام، دون أن يستبعد الواحد الآخر ويلغيه. فهو يرى أن ثمة خصوصية ما تتسم بها الجماعات اليهودية، ولكنها ليست خصوصية مطلقة وإنما هي، في واقع الأمر، خصوصيات مستمدة من المجتمعات التي يعيش أعضاء هذه الجماعات بينها، ومن ثم فهي لا تختلف عن الخصوصيات التي يتسم بها أعضاء الأقليات، كل حسب سياقه، وأنه لا توجد خصوصية يهودية (واحدة) أو جوهر يهودي أو عبقرية يهودية أو جريمة يهودية وإنما خصوصيات يهودية تختلف باختلاف الزمان والمكان، أي أن الخاص لا يجبُّ العام والعام لا يجبُّ الخاص.

ساجدة لله
2010-10-23, 07:08 AM
و«الجماعات الوظيفية» مصطلح قمنا بوضعه، استناداً إلى مصطلحات قريبة في علم الاجتماع، لوصف مجموعات بشرية تستجلبها المجتمعات الإنسانية من خارجها، في معظم الأحيان، أو تجندها من بين أعضاء المجتمع أنفسهم من بين الأقليات الإثنية أو الدينية، أو حتى من بعض القرى أو العائلات. ثم يوكل لأعضاء هذه المجموعات البشرية أو الجماعات الوظيفية وظائف شتى لا يمكن لغالبية أعضاء المجتمع الاضطلاع بها لأسباب مختلفة من بينها رغبة المجتمع في الحفاظ على تراحمه وقداسته، ولذا يوكل لأعضاء الجماعات الوظيفية بعض الوظائف المشينة (الربا ـ البغاء) أو المتميِّزة (القضاء ـ الترجمة ـ الطب) التي تتطلب الحياد والتعاقدية (ولذا يمكن تسمية أعضاء الجماعات الوظيفية «المتعاقدين الغرباء»). وقد يلجأ المجتمع إلى استخدام العنصر البشري الوظيفي لملء فجوة أو ثغرة تنشأ بين رغبات المجتمع وحاجاته من ناحية، ومقدرته على إشباع هذه الرغبات والوفاء بها من ناحية أخرى (الحاجة لمستوطنين جدد لتوطينهم في المناطق النائية). كما أنه قد يوكل لأعضاء الجماعات الوظيفية الوظائف ذات الحساسية الخاصة وذات الطابع الأمني (حرس الملك ـ طبيبه ـ السفراء ـ الجواسيس). ويمكن أن تكون الوظيفة مشينة ومتميِّزة حساسة في آن واحد (مثل الخصيان والوظائف الأمنية على وجه العموم). كما أن المهاجرين عادةً ما يتحولون إلى جماعات وظيفية (في المراحل الأولى من اسـتقرارهم في وطنهم الجديد)، ذلك لأن الوظائف الأسـاسية في وطنهم الجـديد عادةً ما يكون قد تم شـغلها من قبَل أعضـاء الأغلبية.

ويجب أن نؤكد أننا، حينما نقول "يستجلب المجتمع"، لا نعني أن هذه عملية واعية يقوم بها أعضاء مجتمع ما، فهي في واقع الأمر عملية غير واعية كما هو الحال مع معظم الظواهر الاجتماعية. وكثيراً ما تكون هذه العملية غير مفهومة لمن يقومون بها، سواء أكان المجتمع المضيف أم الجماعة الوظيفية. بل إن هذه العملية الاجتماعية قد تتم رغم الرفض الواعي لها من قبَل المجتمع والجماعة. وكل ما نرمي إليه هنا هو أن نشير مجرد إشارة إلى أن هذه عملية اجتماعية مركبة إلى أقصى حد تتداخـل فيها الأسـباب بالنتائج، ونحـاول فهـم بعض جوانبها وتفسيرها قدر استطاعتنا. ولكننا، لقصور لغتنا البشرية، نضطر إلى الإشارة إلى المجتمع وأعضائه كما لو كان ذاتاً واعية ينجز عملياته بشكل واع.

ويتوارث أعضاء الجماعة الوظيفية الخبرات في مجال تخصصهم الوظيفي عبر الأجيال ويحتكرونها، بل يتوحدون بها، وفي نهاية الأمر يكتسـبون هـويتهم ورؤيتهم لأنفسـهم منها بحيث يتم تعريف الإنسان من خلال الوظيفة وحسب لا من خلال إنسانيته الكاملة، فيصبح عضو الجماعة الوظيفية إنساناً ذا بُعد واحد يمكن اختزال إنسانيته إلى هذا البُعد أو المبدأ الواحد، وهو وظيفته

ساجدة لله
2010-10-23, 07:08 AM
أسباب ظهور وتطور الجماعات الوظيفية
قد يكون من المفيد عرض بعض الأسباب التي تؤدي إلى ظهور الجماعات الوظيفية، فمعرفة الأسباب تلقي ضوءاً كاشفاً على السمات الأساسية:

1 ـ من المعروف أن المجتمعات التقليدية تتسم بأن العلاقات بين أعضائها قوية ومباشرة (ربما لدرجة خانقة من منظورنا الفردي الحديث). فكل فرد يعرف بقية أعضاء المجتمع معرفة وثيقة إذ تربطهم علاقات تراحمية تستند إلى القرابة والجوار والانتماء المشترك والمصالح المعنوية والمادية المشتركة. ويجب أن نتذكر أن معظم الوحدات الاجتماعية في المجتمعات التقليدية كانت في الماضي وحدات صغيرة جداً، تتسم بقدر عال من التماسك، ويسيطر على أعضائها إحساس عميق بقداسة المجتمع الذي ينتمون إليه (فهو عادةً يستند إلى إيمان بمطلق متجاوز أو حالّ كامن). وكانت المدن الكبرى نفسها مقسمة إلى وحدات صغرى. وكان أسلوب الإدارة في المجتمعات التقليدية، وضمن ذلك الإمبراطوريات العظمى، لا يتعامل مع الأفراد مباشرةً ولا مع الوحدات الكبرى وإنما مع وحدات ومؤسسات وسيطة. ويظهر الإحساس بقداسة المجتمع وبأعضائه في عدد كبير من الشعائر الخاصة بالمحرَّم والمباح، والتي تشكل إطاراً يتحرك المجتمع داخله ويتماسك من خلاله. وداخل مثل هذا الإطار، يصبح من المستحيل تقريباً التحلي بالموضوعية والحياد تجاه بقية أعضاء المجتمع، ويصبح من الصعب بمكان نزع القداسة عنهم والتصرف نحوهم بحرية كاملة وإخضاعهم للقوانين (الواحدية المادية) العامة مثل قوانين العرض والطلب وتعظيم المنفعة واللذة وتغليب المصلحة الشخصية المادية على الهدف الاجتماعي والأخلاقي الأكبر.

ولكن هناك وظائف تتطلب قدراً عالياً من الحياد والموضوعية وتتطلب إخضاع الآخر لقوانين العرض والطلب والحسابات الرياضية الرشيدة الصارمة المحايدة (ولقوانين الواحدية المادية الأخرى التي لا تُفرِّق بين الإنسان والآخر، أو حتى بين الإنسان والأشياء). ومن الواضح أن من السهل التعامل مع الغرباء (مع من لا نعرف) بهذه الموضوعية والحياد والواحدية، فنحن لا نكترث بهم ولا يهمنا مصيرهم، وهم ليسوا جزءاً من نسيج المجتمع. وهم بدورهم لا يكترثون بأعضاء المجتمع أو بمصير المجتمع أو قيمه. ولذا، ينظر كل طرف إلى الطرف الآخر لا باعتباره إنساناً مركباً له حقـوق وعليه واجبات، موضـعاً للحب والكره، وإنما باعتباره مصدراً للنفع أو اللذة (أي باعتباره شيئاً مادياً ذا بُعد واحد). ولذا، فبإمكان كل طرف أن ينزع القداسـة عن الطرف الآخر (فهـو يقـع خارج دائرة المحرَّم ويقع في دائرة المباح)، ويمكن تَجاهُل عواطفه وأحاسيسه، ويمكن تشييئه وتسليعه وتحييده وحوسلته والقضاء عليه والدخول معه في علاقة تعاقدية نفعية واحدية رشيدة.

ساجدة لله
2010-10-23, 07:08 AM
وإذا أردنا ضرب المثل بالنشاطات التجارية والمالية، فيمكننا أن نقول إن من الأيسر على الإنسان أن يتعامل بحياد مع بشر لا يكترث بهم، إذ يمكن أن تسري عليهم الحسابات المالية الصارمة التي لا تعرف الضحك أو البكاء، أو الخير والشر، حسابات المكسب والخسارة التي لا قلب لها. وتصبح العملية التجارية والمالية حينذاك مفرغة تماماً من أي مضمون اجتماعي أو إنساني أو أخلاقي أو عاطفي. أما إذا كانت هناك اعتبارات عاطفية أو أخلاقية (كأن يُقرض الإنسان أخته الصغيرة التي يحبها، أو عمه العجوز الذي استولى على ثروة أبيه، أو حتى جاره المريض الذي يسعل في المساء)، فإن عملية التبادل المحايد ستكون مرهقة جداً من الناحية العصبية والنفسية، وستؤدي إلى أن يفقد المجتمع إحساسه بقدسيته وطهارته ونقائه وإلى تصعيد التنافس داخله وزيادة حرراته وهو ما يهدد تماسكه. لكل هذا، كان المجتمع يُوكل وظائف معيَّنة (مثل وظيفة التاجر أو المرابي أو جامع الضرائب) تتطلب الموضوعية والحياد والقسوة إلى متعاقدين وافدين يتم عزلهم عن المجتمع والاستفادة منهم في أداء هذه الوظائف.

ويمكن أن نقول نفس الشيء عن العنصر الوظيفي القتالي (المرتزقة)، فهذا العنصر كي يؤدي وظيفته، وهي قتل أعداء سيده الذي يدفع أجره، عليه أن يتسم بالحياد والموضوعية والقسوة، وعليه ألا يمارس تجاههم أي إحساس بقدسيتهم وحرمتهم حتى يمكن له أن يقتلهم بشكل آلي محايد بارد. فهو إن مارس تجاه ضحيته بعض مشاعر الحب أو البغض وأحس بأنها تقع داخل نطاق المحرَّم وتتمتع بشيء من القداسة، فإنه لن يقوم بعمله بشكل آلي وهو ما قد يؤدي إلى تدمـير جهازه العصـبي إما لأنه سـيحاول أن يكبح مشاعر الحب والشـفقة أو لأنه سينغمس في مشاعر الكره والانتقام. كما أن المرتزق، لو كان عضواً في المجتمع، سيؤدي إلى تفكُّكه لأنه سيكون موضع حب من يكرهون الضحية وموضع كره من يحبونها، وهي درجة من الحرارة لا يستطيع المجتمع أن يحتفظ بتماسكه معها. ويسري نفس المنطق على المهن المشينة، مثل مهنة البغاء. فمهنة، كهذه، تتطلب ولا شك قدراً كبيراً من الموضوعية والحياد والانفصال عن المجتمع حتى يتمكن الإنسان من تحويل جسد إنسان آخر إلى مجرد آلة أو أداة، وهذا أمر عسـير جداً في إطـار الترابـط الاجتماعي والألفة والإيمان بقداسة الجماعة التي ينتمي إليها المرء، فالآلة لابد أن تكون الغريب الذي لا حرمة له ولا قداسة حتى يمكن استخدامها واستعمالها والانتفاع بها (أي حوسلتها). كما أن البغي إن مارست عواطف الحب والكره أثناء ممارستها وظيفتها فإنها تُستهلَك تماماً، ومن ثم كانت البغايا في معظم المجتمعات التقليدية يتم استيرادهن من الخارج (الإثيوبيات في معظم بلاد أفريقيا ـ اليونانيات والإيطاليات في مصر ـ اليهوديات من منطقة الاستيطان في روسيا القيصرية). وحتى حين كانت البغايا يجندن من العنصر السكاني المحلي، فإنهن عادةً ما كنّ يرتدين أزياء خاصة ويَقْطن أحياءً خاصة حتى يتم الحفاظ على المسافة بينهن وبين المجتمع ككل. بل من الطريف أن البغايا في السودان مثلاً، حتى إن كنّ من أصل سوداني، عادةً ما يدعين أنهن إثيوبيات، وذلك حتى تظل المسافة اللازمة لأداء الوظيفة قائمة. وأصبحت كلمة «إثيوبية» تعني «بغيّ»، فالكلمة نفسها تخلق المسافة النفسية وتضمن الحوسلة، تماماً كما حدث في أوربا حين أصبحت كلمتا «تاجر» و«مرابي» مرادفتين لكلمة «يهودي» (وأحياناً «يوناني»)، في فترات تاريخيـة مختلفة، وكما حـدث في الدولة العثمانية حين أصـبحت كلمة «تاجر» مرادفـة لكلمة «أرمني»، وكما حدث في أمريكا اللاتينية حين أصبحت كلمة «توركوس» (أي «تركي»، التي كانت تشير إلى كلٍّ من اليهود والعرب) مرادفة لكلمة «تاجر».